قام نظام "لافندر" بتسجيل ما يصل إلى 37 ألف فلسطيني ومنازلهم كأهداف مشروعة لشن غارات جوية عليها في الأيام الأولى من الحرب. واستخدمت صواريخ غير موجهة والمعروفة باسم القنابل الغبية، لأنها أقل كلفة ويمكن أن تدمر مبانٍ بأكملها فوق شاغليها
قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتطوير نظام قائم على الذكاء الاصطناعي يُعرف باسم
"لافندر" لتحديد الأهداف وقد لعب هذا النظام دورًا مركزيًا في القصف غير المسبوق
على القطاع. ففي عقيدة جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ كان مصطلح "هدف بشري" يشير في
الماضي إلى عميل عسكري كبير يمكن أن يُقتل في منزله الخاص حتى لو كان هناك مدنيون
حوله، ولكن في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، قرر جيش الاحتلال استهداف
جميع عناصر حركة حماس كأهداف بشرية، بغض النظر عن رتبهم أو أهميتهم العسكرية، فخلال
الفترات السابقة كان السماح باغتيال هدف بشري واحد يمرّ بعدة مراحل وصولا لمرحلة
معرفة المكان الذي يعيش فيه، ومعلومات الاتصال الخاصة به، ومعرفة متى سيكون في
منزله في الوقت الفعلي لتنفيذ الضربة، لكن مع توسيع قائمة الاغتيالات لتشمل عشرات
الآلاف من عناصر حماس، رأى جيش الاحتلال أنه يتعين عليه الاعتماد على البرمجيات
الآلية والذكاء الاصطناعي وكانت النتيجة هو تراجع دور العنصر البشري في ذلك، حتى لو
أدى هذا إلى عمليات إبادة كاملة لمناطق سكنية أو قرى فلسطينية.
وظّف جيش الاحتلال بطريقة شيطانية نظم الذكاء الاصطناعي من أجل القتل والتخريب،
فإلى جانب نظام "لافندر" استعمل أيضًا نظام ذكاء اصطناعي آخر يسمى "The
Gospel"،
ويكمن الاختلاف الأساسي بين النظامين في تعريف الهدف؛ فبينما يشير "The
Gospel"
إلى المباني والمنشآت التي يزعم جيش الاحتلال أن مسلحي المقاومة الفلسطينية يعملون
منها، يحدد "لافندر" الأشخاص ويضعهم على قائمة الاغتيال، وإذا قرر "لافندر" أن
شخصًا ما كان مسلحًا وينتمي لحماس، يُطلَب من القوات الجوية بشكل أساسي التعامل معه
واغتياله كأمر، دون الحاجة إلى التحقق بشكل مستقل من سبب قيام نظام الذكاء
الاصطناعي بهذا الاختيار أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي تعتمد عليها
كما كان معمولًا به في السابق.
|
لا
يلتزم الجيش الصهيوني بالقانون الدولي ولا يلقي بالًا بما يُعرف بمدونة
قواعد السلوك الأخلاقية، لذا ليس من المستغرب أن يخصص موارد هائلة لتوسيع
الضرر الذي يلحقه بالمدنيين |
استهداف بالجملة
رسميًا؛ تم تصميم نظام
لافندر لتحديد عناصر المقاومة الفلسطينية بمختلف الرتب في الأجنحة العسكرية لحركتي
حماس والجهاد الإسلامي، كأهداف محتملة للاغتيال وتفجير أماكن تواجدهم، لكن وفقًا
لستة ضباط استخبارات إسرائيليين خدموا جميعًا في جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية
على غزة وكان لهم تورط مباشر في استخدام نظام لافندر، فإن الجيش تعامل بشكل أساسي
مع مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي كما لو كان قرارًا بشريًا، وقد أعطى قادة الجيش
الصهيوني موافقة شاملة للضباط على اعتماد قوائم القتل التي وضعها
نظام
لافندر،
دون الحاجة إلى التحقق بدقة من سبب قيام آلة الذكاء الاصطناعي بهذه الاختيارات أو
فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي استندت إليها، كانت الكارثة أن النظام
خلال الأسابيع الأولى من الحرب، سجل ما يصل إلى 37 ألف فلسطيني ومنازلهم كأهداف لشن
غارات جوية عليها.
ذكر الضباط أيضا أنهم ـ في قليل من الحالات ـ كانوا يخصصون حوالي 20 ثانية فقط لكل
هدف قبل الإذن بالقصف، وذلك فقط للتأكد من أن لافندر قد حدد هدفًا يمكن أن يكون له
علاقة بالمقاومة المسلحة، رغم أن النظام في كثير من الأحيان لا يمكنه القيام بهذا
التمييز على الوجه الأمثل، بل إن النظام كان يهاجم الأفراد المستهدفين بشكل منهجي
أثناء وجودهم في منازلهم - عادة في الليل أثناء وجود أسرهم بأكملها - وليس أثناء
نشاطهم العسكري، والنتيجة هي أن آلاف الفلسطينيين ـ معظمهم من النساء والأطفال أو
الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال ـ تم القضاء عليهم بسبب الغارات الجوية
الإسرائيلية، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وذلك بسبب قرارات نظام الذكاء
الاصطناعي "لافندر" غير الدقيقة.
ومن البشاعة بمكان أن قادة جيش الاحتلال قد قرروا استخدام صواريخ غير موجهة فقط مع
نظام "لافندر"، تلك المعروفة باسم القنابل الغبية، وهي ـ على عكس القنابل الدقيقة
الذكية ـ يمكن أن تدمر مباني بأكملها فوق شاغليها وتتسبب في خسائر مادية وبشرية
هائلة، وقد ذكرت تقارير عبرية لاحقًا أن الجيش فضّل عدم إضاعة قنابل باهظة الثمن
على أشخاص غير مهمين من وجهة نظره، فالقنابل الذكية مكلفة للغاية بالنسبة لميزانية
جيش الاحتلال، وهناك نقص في تلك القنابل، وقد اعتبر القادة الصهاينة أن القصف
باستعمال هذه القنابل والتي أدت إلى مقتل عائلات بأكملها هي مجرد أضرار جانبية لم
يكن بالإمكان تفاديها.
آلية عمل لافندر
تشير بعض التقارير إلى أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة في مايو 2021م قد
شهدت الاستخدام الأول لنظام "لافندر"، حيث زعم جيش الاحتلال آنذاك أنه تمكن من
التعرف على قادة فرق الصواريخ التابعة لحماس باستخدام الذكاء الاصطناعي.
|
لقد سمح الجيش الإسرائيلي، بأنه مقابل كل عميل صغير في حركة «حماس» يتم
التعرف عليه بواسطة «لافندر»، لا بأس بقتل 15-20 مدنيًا، وبالنسبة لأي عميل
كبير على الإطلاق، يرتفع العدد إلى 100 مدني. |
لقد سمح الجيش الصهيوني باستعمال الذكاء الاصطناعي من أجل توفير الوقت وتمكين
الإنتاج الضخم للأهداف البشرية دون عوائق، وقد سمح قادة الاحتلال بنقص الإشراف
البشري رغم معرفتهم المسبقة بأن حسابات "لافندر" كانت غير دقيقة ومشكوك في صحتها،
وبمعنى آخر كان معروفًا مسبقًا أن الأهداف البشرية المقرر اغتيالها لم يكونوا أعضاء
في حماس أو غيرها من حركات المقاومة على الإطلاق، فعلى سبيل المثال قام "لافندر" في
بعض الأحيان بتحديد أهدافه عن طريق الخطأ وهم في واقع الأمر أفراد لديهم أنماط
اتصال مشابهة لنشطاء معروفين في حماس أو الجهاد الإسلامي، بما في ذلك أفراد الشرطة
والإسعاف والدفاع المدني، أو السكان الذين تصادف أن لديهم اسمًا ولقبًا متطابقين مع
اسم ولقب أحد عناصر المقاومة.
حـرب شاملة
لا يلتزم الجيش الصهيوني بالقانون الدولي ولا يلقي بالًا بما يُعرف بمدونة قواعد
السلوك الأخلاقية، لذا ليس من المستغرب أن يخصص موارد هائلة لتوسيع الضرر الذي
يلحقه بالمدنيين،
وعلى عكس ما هو مُعلَن من أن الحرب الجارية الآن هي حرب ضد حماس، فإن الحرب ضد سكان
قطاع غزة بأكملهم، لا يهتم نظام "لافندر" بحساب الأضرار الجانبية، ويزعم الجيش
الصهيوني أن النظام قام بحساب عدد المدنيين المقيمين في كل منزل قبل الحرب من خلال
تقييم حجم المبنى ومراجعة قائمة سكانه، ثم خفض هذه الأعداد بنسبة السكان الذين من
المفترض أنهم أخلوا الحي، لكن المشكلة أن هذا النموذج لم يكن مرتبطًا بالواقع، فعلى
سبيل المثال إذا قدّر جيش الاحتلال أن نصف سكان الحي قد غادروا، فإن النظام سيحسب
المنزل الذي يسكنه عادة 10 أشخاص على أنه منزل يضم 5 أشخاص فقط، وهذا ليس صحيحًا من
الناحية الواقعية، إذ يمكن أن يغادر سكان منزل بأكملهم، فيما يظل جميع سكان منزل
آخر كما هم بداخله.
لقد سمح الجيش الإسرائيلي، بأنه مقابل كل عميل صغير في حركة «حماس» يتم التعرف عليه
بواسطة «لافندر»، لا بأس بقتل 15-20 مدنيًا، وبالنسبة لأي عميل كبير على الإطلاق،
يرتفع العدد إلى 100 مدني.
مما يساعد في تفسير ارتفاع
عدد الشهداء الفلسطينيين في الحرب. يرى خبراء أنه اعتماد
“إسرائيل”
على برامج الذكاء الاصطناعي للهجوم بقنابل غير دقيقة وتسوية منازل آلاف الفلسطينيين
المرتبطين بمنظمات مسلّحة بالأرض، هو السبب المباشر لهذه الأعداد الكبيرة.
نسبة الأسر بأكملها التي قُصِفَت منازلها في الحرب الحالية أعلى بكثير مما كانت
عليه في العملية الإسرائيلية في غزة عام 2014م، والتي كانت في السابق هي الحرب
الإسرائيلية الأكثر دموية على القطاع، وتُظهر لقطات الأقمار الصناعية ومقاطع
الفيديو من على الأرض تدمير العديد من المباني السكنية الكبيرة متعددة الطوابق
وتحويل أحياء سكنية بأكملها إلى خراب.