• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من بغداد إلى بيروت.. هل اكتمل الهلال الشيعي؟

من بغداد إلى بيروت.. هل اكتمل الهلال الشيعي؟


تنقسم بغداد إلى منطقة الرصافة في الشرق ويغلب عليها الشيعة، ومنطقة الكرخ في الغرب ويغلب عليها السنة، وتشير التقديرات إلى أن النسبة بين السنة والشيعة في العاصمة العراقية كانت متقاربة، لكن بعد الاحتلال الأمريكي نُفِّذ مشروع منهجي دقيق لتهجير أكبر عدد من السنة خارج بغداد لتتحول إلى عاصمة شيعية. وحسب تصريحات الدكتور عدنان الدليمي - أو صرخاته - فإن نسبة السنة في بغداد تراجعت إلى حد كبير، ويقول الدكتور حارث الضاري: إن من يسيطر على بغداد يسيطر على العراق.

أما بيروت فتنقسم إلى: شرقية يغلب عليها النصارى، وغربية يوجد فيها السنة بكثافة مع وجود شيعي. وتتشابه بغداد مع بيروت في أمر لافت للنظر، وهو تركّز القوة الضاربة للشيعة في مواجهة السنة في أحد الأحياء أو الضواحي العشوائية بالعاصمة، أي مدينة الصدر في بغداد، والضاحية الجنوبية في بيروت.

من الأولى ينطلق جيش المهدي ليذبح السنة في أحيائهم، ومن الثانية تنطلق ميليشيات حزب الله واستخباراته لتوسع المربعات الأمنية حتى تتحول إلى دوائر ودوامات تبتلع الأحياء السنية وبخاصة التي يوجد فيها نسبة شيعية.

ويتشابه المكون الاجتماعي الشيعي في كلا المنطقتين الشيعيتين (الصدر، الضاحية) في أن أغلب سكانهما قدِموا قبل عقود من الجنوب وكانوا يمثلون أقل طبقات المجتمع ثقافة وتحضراً.

الآن يسيطر الشيعة على أهم المناصب الحكومية في بغداد، بدءاً بمنصب المحافظ ومروراً بالقيادات الأمنية، ويسعى حزب الله لتطبيق النهج نفسه في بيروت من خلال فرض سيطرة عسكرية وأمنية على أغلب أحياء المدينة من خلال الميليشيا والاستخبارات والاتصالات والتحالفات.

يتكون الهلال الشيعي الإيراني من ثلاثة عواصم رئيسة، هي: بغداد، ودمشق، وبيروت. الأولى: خضعت للنفوذ الإيراني إلى حد كبير، والثانية:

خضعت عن طريق التحالف والمراقد والتشيع، والثالثة: بدأ حزب الله في تنفيذ خطوات عملية لتدشينها عاصمة ثالثة للهلال الإيراني، لا يأمن فيها على نفسه إلا الشيعة ومن يحالفهم، حتى إن سعد الحريري (زعيم تيار المستقبل) احتاج إلى الاستعانة بقوات الجيش لحماية مقره في (قريطم) بعد تعرضه لقصف من ميليشيا الحزب.

* إستراتيجية حزب الله:

لا يمكن فهم أداء حزب الله وأهدافه في لبنان من دون تحليل قيمته الحقيقية في التركيبة اللبنانية الطائفية؛ فالحزب في واقع الأمر يتجاوز حجمه الحقيقي بمراحل، فهو مكبل بقيود المحاصصة الطائفية من أسفل الهرم السياسي اللبناني إلى أعلاه، لكونه يمثل جزءاً فقط من الطائفة الشيعية. وحسب التوافقات بين الحزب و حركة أمل؛ يوجد ستة وزراء شيعة في الحكومة، بينهم وزيران فقط من الحزب من إجمالي 19 وزيراً يكوِّنون الحكومة اللبنانية، أي أن الحزب يساوي 2 من 19 حسب المحاصصة السياسية.

وتشكل الطائفة الشيعية نفسها أقلَّ من ثلث إجمالي السكان في لبنان: حوالي 29 - 30%، (النهار 23/11/2006م)، وحصتهم في مجلس النواب لا تتجاوز 27 نائباً من إجمالي 128 نائباً. وحسب التوازنات الطائفية؛ فإن الحزب يواجه قيد الطائفة الشيعية، ثم قيد الطوائف اللبنانية؛ فماذا يتبقى له في الأخير؟ لا شيء تقريباً على الصعيد السياسي. ومن هنا يمكن فهم لجوء الحزب إلى طريقتين لتجاوز عقبة قِصَرِ قامته داخل لبنان: الأولى: تمثلت في تكوين تكتل سياسي يتضمن تمثيلاً للطوائف اللبنانية الرئيسة، والثانية: تعويض نقصان القدرة السياسية بتدعيم القدرة العسكرية. لذلك فإن سلاح حزب الله هو بمنزلة شريان الحياة للحزب، ومن دونه ستتراجع قوته السياسية إلى الحضيض.

إن الزحف الشيعي الذي يقوده الحزب نحو بيروت يهدف إلى عزل القوة السنية الرئيسة في الشمال، وربما يأتي في مراحل لاحقة العمل على تهجير التجمعات السنية في الجنوب لتلحق بمثيلاتها في الشمال، ومن المعلوم أن الحزب لا يعترف بالنسب السكانية الحالية، وكثيرٌ من الشيعة يعتبرون أنهم الطائفة الأكثر عدداً بين اللبنانيين.

وتزعم قيادات الحزب أن الأكثرية النيابية ممثَّلة في قوى 14 آذار، لا تمثل أكثر من 40% من اللبنانيين، على الرغم من امتلاكها لـ 71 مقعداً في البرلمان ( اختلت النسبة بسبب الاغتيالات المتتالية)، بينما تكتل المعارضة الذي يقوده حزب الله يمثل 60% من اللبنانيين على الرغم من امتلاكه لعدد أقل من المقاعد، حسب تصريحات نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب (المستقبل 8/11/2006م).

لا مجال بعد الأحداث الأخيرة للتشكيك في أن حزب الله - مدعوماً من إيران - يهدف إلى إعادة صياغة دولة جديدة في لبنان، وهو اتجاه لا يتناسب مع مسار « التقسيم »؛ فلماذا تؤسس إيران دولة شيعية صغيرة في جنوب لبنان، بينما يمكنها السيطرة على لبنان بأسره؟

وتتضح نوايا الحزب من خلال معرفة أن استقالة أعضائه وممثلي المعارضة من الحكومة هي مجرد إجراء شكلي؛ إذ تشارك المعارضة في الحكومة بمنتهى الفعالية، ويتمسك الحزب بتوزيع المناصب الحكومية وبخاصة في المجال الأمني إلى الدرجة القصوى؛ إذ يسيطر الحزب على جهاز الأمن العام والأحوال الشخصية والجمارك وأمن المطار والأمن الداخلي، هذا فقط في نطاق وزارة الداخلية التي يترأسها وزير سني؛ فكيف بالوزارات التابعة للشيعة وقد أشعل الحزب بيروت الغربية من أجل إعادة مدير أمن المطار إلى منصبه ورفض تماماً تعيين ضابط شيعي آخر مكانه؟ فالحزب إذاً ليس بمعزل عن الحكومة أو الجهاز التنفيذي للدولة، بل هو حاضر بقوة ويمثل إعاقة حقيقية للأغلبية في إدارة شؤون الدولة.

بعبارة مختصرة: إذا كان الحزب يطالب بنسبة « الثلث المعطِّل » في الحكومة، فهو في واقع الأمر يطبق أسلوب « التعطيل » على الأرض وهو ما يجعل الحكومة عاجزة في الحالتين حتى عن بلوغ مستوى حكومة « تسيير أعمال ».

* احتلال بيروت الغربية:

إن عملية احتلال ميليشيات حزب الله لبيروت الغربية لم تكن وليدة انفعال وقتي، بل هي خطوة محسوبة وممنهجة ضمن إستراتيجية حزب الله؛ فالحزب يعلم جيداً تغيرات موازين القوة على الساحة اللبنانية، وأي فوارق في القوة لا بد من تفعيلها على أرض الواقع، أو بمصطلح سياسي: « تسييل القوة الفائضة » وتحويلها إلى عملة سياسية قابلة للتداول، والحزب يمتلك قوة كبيرة، وطيلة الثمانية عشر شهراً الماضية كان واضحاً أن الحزب يعلم ما الخطوة التالية للاعتصام في ساحة رياض الصلح أمام سراي الحكومة، وكان الهدف هو انتظار توقيت مناسب لإظهار قوة الحزب في مقابل عجز الحكومة عن تنفيذ قراراتها، وهو ما حدث في مايو الماضي، فكانت الضربة القاضية. وقبل الحديث عن نتائج احتلال بيروت الغربية، ينبغي استحضار ما يلي:

1 - قوى الأكثرية النيابية لا تمتلك قوة عسكرية حقيقية؛ إذ تمتلك فقط بعض الأسلحة المكدسة، مع عناصر مسلحة ينطبق عليها وصف المرتزقة أكثر من وصف الأتباع والأنصار، وهم بمنزلة « هواة » عند مقارنتهم بقوات حزب الله ذات الخبرة والتدريب المكثف على يد خبراء الحرس الثوري الإيراني.

2 - المنطلق الأيديولوجي غير متوفر لدى الأغلبية، وحتى تيار المستقبل الممثِّل للسنة يتبنى نهجاً علمانياً فجّاً جعل كثيراً من أتباعه منتفعين يبحثون عن مصالحهم الفردية، في مقابل الخلفية الأيديولوجية القوية لدى أتباع حزب الله، المرتكزة على المعتقد الشيعي.

في ساعات قليلة تمكنت عناصر حزب الله من السيطرة على بيروت الغربية والمطار والميناء، وهو ما يوحي بوجود خطة مسبقة للسيطرة وُضعت من قبل، فلم تكن التحركات عشوائية، وكان المقاتلون يعلمون أين يتحركون وكيف، وكانوا حملون عُدّتهم الميدانية بما فيها الذخائر الاحتياطية والمياه وغيرها، كما كانت معدات نقل الأشخاص ووسائل قطع الطرقات جاهزة للتحرك في عشرات المواقع داخل المدينة بتزامن دقيق، كما كانت حدود التصرف واضحة ونمطية في مختلف المناطق: التخريب، والاعتداءات تشمل فقط مراكز تيار المستقبل وعناصره المدافعة.

يمكن ملاحظة النتائج التالية لعملية احتلال بيروت الغربية:

أولاً: ما حدث كان بمنزلة « بروفة » عملية وتدريب استباقي لعناصر الحزب من أجل السيطرة على المدن، وذلك في حال تطور الأحداث إلى مستوى حرب أهلية أو قريب منها.

ثانياً: تكشَّف عجز الأغلبية في مواجهة جيش حزب الله، وتوضحت أمام الجميع حقيقة أن الحزب هو الأقوى على الساحة اللبنانية، وأنه ليس من مصلحة قادة الأغلبية ترك الأمور تنطلق إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، فهم غير مستعدين لها تماماً.

ثالثاً: بَعَث حزب الله رسالة واضحة للطائفة السنية، وهي: تيار المستقبل لا يستحق تمثيلكم؛ لأنه لا يستطيع حمايتكم، فهو - ببساطة - عاجز عن حماية قادته، ولذلك قصفت قوات الحزب مقر الحريري في (قريطم) قصفاً رمزياً لتأكيد الرسالة، ومن ثم يقدم الحزب الرموزَ السنية الموالية له لتكون بديلاً لتيار المستقبل، وإلا...!

رابعاً: كان واضحاً مستوى التنسيق - أو السيطرة - التي بلغها الحزب في إدارة تجمعات المعارضة الأخرى، فهو حرك أحزاباً صغيرة مثل: السوري القومي، بينما ابتعدت عناصر ميشيل عون عن المواجهات لاعتبارات طائفية، وأيضاً لتوجيه رسالة إلى الموارنة في بيروت الشرقية مفادُها أن عون وحده هو من يملك حمايتكم، ولا يزال حزب الله يراهن على الموارنة بصورة أساسية لتنفيذ مشروعه في لبنان.

* السنة كما يريدهم حزب الله.. وحرب طائفية بشعارات وطنية:

يتّبع حزب الله مع السنة في لبنان نهجاً بارعاً في التغطية على منطلقاته الطائفية، فهو يخوض حرباً طائفية مع السنة لكن مع رفع شعارات وطنية، على الرغم من محاولة كثيرين - حتى من داخل الطائفة السنية - حصرَ الصراع في النطاق السياسي، غير أن الشواهد والمعطيات ترسخ البعد الطائفي الديني، ومنها:

1 - هجوم حزب الله يتركز بالأساس على شخص السنيورة، ومعلوم أنه حاز منصبه بناءً على انتخابات نيابية أولاً، ثم بناءً على ترشيحه من قِبَل قوى الأغلبية ثانياً، فهو بذلك مرشح السنة للمنصب؛ ومطالبة الحزب باستقالته يعني أنه يريد أن يتحكم في اختيار السنة لمن يمثلهم.

2 - في الأحداث الأخيرة كان الهجوم الشيعي بقيادة حزب الله متركِّزاً على المناطق السنية في بيروت، في حين لم يتعرض لبيروت الشرقية، ومن ضمنها مناطق تمركز القوات اللبنانية التي يتزعمها سمير جعجع و حزب الكتائب الذي يتزعمه أمين الجميل، وكلاهما من أقطاب الأغلبية، وكانا مؤيدين لقرارات الحكومة التي أغضبت الحزب؛ فلماذا تركز الهجوم على بيروت الغربية فقط؟

3 - التقسيم الطائفي في لبنان يُظهِر ثلاثة طوائف رئيسة: السنة، الشيعة، الموارنة. وحزب الله يسيطر على الشيعة، ويعتمد بدرجة كبيرة على قدرة ميشيل عون على اجتذاب أكثرية الموارنة، فلم يتبقَّ إذن إلا السنة يمثِّلون العقبة الرئيسة في طريق الحزب للسيطرة على الدولة في لبنان.

4 - من يتابع إعلام الحزب والإعلام الموالي لإيران عامة، يلاحظ النَّفَسَ الطائفي واضحاً في ثنيات الخطاب الإعلامي. وعلى سبيل المثال: هناك شخصيات متحالفة مع حزب الله، ولكنها لا تتمتع بأي ثقل سياسي داخل نظام المحاصصة، مثل: وئام وهاب، رئيس تيار التوحيد - وهو درزي موالٍ لسورية وسائر في ركاب حزب الله - ويعد بمنزلة « الشاتم الرسمي باسم حزب الله » وعادة ما تستضيفه قناة المنار عندما تريد توجيه سيل من السباب والشتائم إلى قيادات الأغلبية والدول العربية وفي مقدمتها السعودية التي يتهمها بأنها السبب فيما يحدث في لبنان، كما يصف وهابٌ أمينَ الجامعة العربية عمرو موسى بأنه « موظف صغير عند السعودية ».

وفي الأحداث الأخيرة استُضيف (وهاب) عدة مرات في فضائيتي العالم والمنار، كما بثت « الجزيرة مباشر » على الهواء مباشرة بالتزامن مع المنار والعالم ما أسمته مؤتمراً صحفياً لوئام وهاب - على الرغم من كثرة المؤتمرات الصحفية في لبنان التي لا تنقلها القناة - تبيّن من خلال المتابعة أنه لقاء مع أربعة أو خمسة صحفيين في مكتبه، أغلبهم من المنار. وفي برنامج « مع الحدث » على قناة العالم (10/5/2008م)، كان وهاب ضيفاً، وكانت هناك مداخلة للنائب عن تيار المستقبل د. مصطفى علوش الذي اتهم حزب الله بموالاته لإيران، فرد وئام وهاب بالقول: «.. مفلوش هذا مش علوش.. ليش قطش.. المقطوش علوش.. هذا العميل الصغير الذي ينفذ أوامر السعودية »، بينما يجلس مقدم البرنامج ضاحكاً.

5 - منذ نهاية حرب تموز 2006م، يعتمد الحزب إستراتيجية جديدة في إقامة مقراته، ترتكز على عدم الاقتصار على الضاحية الجنوبية ملاذاً وحيداً، بل تدعم الانتشار في بيروت وبخاصة في المناطق التي تشهد اختلاطاً متكافئاً نسبياً بين السنة والشيعة، وإقامة مربعات أمنية صغيرة في تلك المناطق، ويقوم الحزب عبر وسطاء وسماسرة بشراء أراضٍ بمساحات كبيرة في العاصمة وبخاصة في مناطق المصيطبة و البسطا و زقاق البلاط و خندق الغميق، فيما قرر بناء مجمع كبير له في المصيطبة، كما يسعى الحزب لشراء أرض واسعة في منطقة الزيدانية ذات الكثافة السكانية السنية إلا أنه لم يوفّق حتى الآن. وتتركز عملية الشراء في بيروت في الدائرة الانتخابية الثانية، وهي الدائرة الوحيدة التي تضم عدداً كبيراً من الناخبين الشيعة، بحيث يسعى الحزب لإحداث تغيير ديمغرافي داخلها، بداية بشراء الأراضي، وتالياً بدفع السكان الأصليين للمنطقة لمغادرتها خوفاً من المربعات الأمنية المستحدثة، التي بدأت ملامحها الأمنية تظهر للجميع، (عكاظ 15/4/2008م).

يصر إعلام الحزب على اتهام القيادات السنية بموالاتها الخارجية سواء لدول عربية أو للولايات المتحدة، على الرغم من أن تلك القيادات ليست على المستوى المأمول لقيادة الطائفة السنية، إلا أن إصرار الحزب على اتهامهم بالولاءات الخارجية يثير العجب مع كون الحزب نفسه بمنزلة فرع للحرس الثوري الإيراني يدار من قِبَل ضباطه على الأقل فيما يتعلق بالجوانب العسكرية والاستخباراتية، ولا تدخر قناة المنار وسعاً في تصميم إعلانات دعائية وبثها ضد القيادات السنية مع إبراز صور اللقاءات بين السنيورة والمسؤولين الأمريكيين، مثل: (كوندوليزا رايس) وزيرة الخارجية للدلالة على التبعية. وبينما لا توجد صورة يقوم فيها السنيورة - مثلاً - بتقبيل يد جورج بوش؛ فإن صورة حسن نصر الشهيرة وهو يقبل يد المرشد الإيراني علي خامنئي تعطي دلالات على عمق تبعية الحزب لإيران.

ونقدم في الجدول الآتي مقارنة بين مستويات العلاقة وطبيعتها بين تيار المستقبل و الولايات المتحدة من جهة، وبين حزب الله وإيران من جهة ثانية، لبيان أي القوى اللبنانية أحق بوصف التبعية الخارجية التي ما فتئ قادة حزب الله يتهمون بها تيار المستقبل:

* أحجية الجيش اللبناني:

متى يكون الجيش اللبناني في أقوى حالاته؟ الجواب: عندما لا يكون هناك صراع طائفي في لبنان.

ومتى يكون الجيش اللبناني في أضعف حالاته؟ الجواب: عندما يتصاعد الصراع الطائفي داخل لبنان.

إن الجيش اللبناني عبارة عن مجتمع مصغر للتركيبة الطائفية اللبنانية، ومن ثم يحمل أمراضها ومشكلاتها. وعندما تبرز الحاجة إليه بقوة لوقف تدهور الصراع؛ فإنه في حقيقة الأمر يكون قد بلغ أضعف حالاته، ولذلك كان قائده العماد ميشيل سليمان يحذر من أن الجيش سينهار إذا استمرت الأزمة.

عبر تاريخ الجيش اللبناني لم يحدث أنه ثبت في مواجهة الحروب والنزاعات الأهلية، فدائماً ما كان يتمزق إلى مكوناته الطائفية؛ لأنه لا أحد لديه استعداد لمقاتلة أبناء طائفته ولو من أجل « لبنان ».

وفي الأزمة الأخيرة بدا الجيش اللبناني وهو يفرض سيطرته، وكأنه يقوم بعملية تسليم وتسلُّم من جيش حزب الله، وليس سيطرة فعلية، فلم يتدخل الجيش لمنع تجاوزات جيش الحزب، وفي بعض الأحيان كان لبعض الضباط الموالين للمعارضة دور في إتمام عمليات السيطرة لجيش الحزب على بعض مقرات قوى 14 آذار.

اعتادت القوى اللبنانية أن تستخدم الجيش ورقة توت أو شماعة أو قشة... إلخ، لإخفاء حالة التشرذم القوية بالداخل، تماماً كما كانوا يفعلون في بعض الأوقات مع نبيه بري ودوره التوازني التوسطي المزعوم بين الطوائف. الآن سقطت ورقة التوت عن بري، وقريباً ستسقط عن الجيش عندما ينتهي دوره، ليبقى في النهاية جيش واحد فقط هو جيش حزب الله.

* رايات العرب ناصعة البياض:

لم تتكشف بعد نتائج جلسات الحوار بين الفرقاء اللبنانيين في الدوحة؛ (لأن المجلة مَثَلَت للطبع قبل ذلك)، غير أن السياق العربي الذي أسفر عن هذه الجلسات يعطي إيحاءً بنتائجها المتوقعة سلباً أو إيجاباً، ويمكن أن نرصد بعض الوقفات ذات الدلالة في الموقف العربي من الأحداث:

1 - استهلت قطر الأحداث بتأكيد أن ما يحدث في لبنان شأن داخلي، متوافقة بذلك مع سورية. وعندما أُعلن عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب؛ صرح وزير الخارجية القطري أنه لا يتوقع الكثير من المؤتمر. ثم كانت المفاجأة أن المؤتمر اختار قطر لترأس اللجنة الراحلة إلى بيروت، ثم تستضيف مؤتمر الحوار في الدوحة، ليصبح الشأن اللبناني عربياً من جديد! وكانت قطر قد دخلت من قبلُ على الخط للوساطة فيما يتعلق بتمرد الحوثيين في اليمن؛ فهل أصبحت قطر مختصة بشؤون التمرد الشيعي في الدول العربية؟

2 - الرهانات العربية داخل لبنان تسير في الاتجاه الخاطئ، فلا يصلح أن تكون التوجهات ذات منحى طائفي كليةً، ثم تصر الأطراف العربية على معالجتها في اتجاه معاكس. ولا يعني ذلك المساعدة في تسعير الصراع الطائفي، ولكن مصالح الدول العربية ترتبط تحديداً بالطائفة السنية؛ فما الجهود المبذولة لتقوية الطائفة وجمع كلمتها؟ كانت المساعدات العربية بعد حرب 2006م توزع على جميع اللبنانيين، بينما كانت مساعدات إيران توزع على الشيعة وحلفائهم؛ فهل يتوقع العرب من الشيعي المتلقّي لمساعداتهم أن يتبنى مصالحهم؟ حصيلة الأمر أن الشيعة تلقوا دعماً عربياً وإيرانياً مشتركاً.

3 - إن جلوس حزب الله للحوار في الدوحة جاء على خلفية ما يعتبره انتصاراً ساحقاً على الأغلبية والحكومة، فهو بمفهوم قادة الحزب اجتماع لتحصيل المكاسب وليس للحوار، فهو يعلم تماماً أنه ستقدم إليه تنازلات جديدة على الصعيد السياسي، ولن يبقى للأغلبية إلا التمسك بقشة وهمية، ولا سيما أن الانتخابات النيابية القادمة تحل في عام 2009م، وهو ما يعني أن الحكومة الحالية تلفظ أنفاسها الأخيرة.

4 - للمرء أن يسأل: مَنِ الجهةُ القادرة على نزع سلاح حزب الله أو حتى ممارسة الضغط عليه؟ الجواب بسيط: سورية وإيران.

إذن الجلسات المنعقدة في الدوحة تجمع أطرافاً تمتلك قدرة على الضغط على جانب الأغلبية، بينما تعجز تماماً عن ممارسة أي ضغط على حزب الله وحلفائه.

ولا تغني تصريحات التأييد العلنية للحوار التي يصدرها المسؤولون السوريون عن حقيقة أن الإدارة الحقيقية لهذا الحوار سوف تكون من دمشق و طهران. وكان المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله الموالي لسورية؛ قد صرح بأن (تعريب) الأزمة اللبنانية سوف يزيد وطأتها.

5 - لن تعود حكومة السنيورة إلى ما كانت عليه قبل الأحداث؛ لأن التوازنات السياسية هكذا تسير؛ ولأن العرب يُؤْثِرون تهدئة الأوضاع وإن كان ذلك لصالح حزب الله، على إثارة صراعٍ سوف ينتهي أيضاً بانتصار حزب الله..؛ هكذا يفكر العرب.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

 

أعلى