هل نحو ما حدث من تقارب بين أنقرة والقاهرة هل يمكن أن تحدث مصالحة بين أنقرة ودمشق، هل الأجواء باتت مهيئة لمثل هكذا تقارب، أم شقة ما زالت بعيدة؟
بعد قطيعة دامت لأكثر من عقد من الزمن، بين مصر وتركيا اتسمت فيها العلاقة
بينهما بالكثير من المواقف والتصريحات السلبية المتبادلة تجاه كل منهما لنهج سياسات
الآخر خاصة على المستوى الإقليمي، بدأ على أرض القاهرة عهد جديد بينهما يتسم
بالتوافق وعودة العلاقات بين البلدين بعد زيارة رسمية من أردوغان للسيسي،
والتي من المنتظر أن يكون لها انعكاسات إيجابية على العديد من الملفات والقضايا
الإقليمية، خاصة تلك التي تتشابك فيها مصالح البلدين، مثل أحداث غزة، والوضع في كل
من ليبيا، والسودان، وملف غاز شرق المتوسط.
فهل نرى مثل هذه الزيارة قريبًا في دمشق بين أردوغان والأسد لتسوية الخلافات
بينهما أسوة بما حدث مع السيسي، وبالتالي حل خلافات الملفات الإقليمية العالقة بين
البلدين المجاورين لبعضهما البعض والتي تمثل الحدود بينهما بقعة نار ملتهبة ومصدر
تهديد للأمن القومي التركي؟!
المنطق يتحدث
عملًا بالقاعدة السياسية التي تقول "لا عدو دائم ولا صديق دائم"، يبدو من
الطبيعي بل ومن المنطقي أن يتم فتح باب ملف العلاقات التركية
– السورية
على مصراعيه، وأن يبدأ الجميع في التكهن بالموعد الذي سيتم فيه تبادل الزيارات
الرسمية بين البلدين، ليلتقي أردوغان والأسد وجهًا لوجه.
فالواقع الإقليمي وما تمر به المنطقة من توترات، والدعم الذي يتلقاه النظام السوري،
كلها عوامل تؤكد أن بشار الأسد باقٍ على رأس السلطة وأن مسألة الإطاحة به أو محاولة
تغييره لم تعد مطروحة حاليًا لا
|
التطورات
الإقليمية والدولية والمكاسب التي يمكن لأنقرة إحرازها، قد تعجل بإنهاء
الخلافات بما يفضي إلى عودة قريبة للعلاقات "التركية – السورية" وتبادل
الزيارات الرسمية |
على
الصعيد الإقليمي ولا الدولي.
قانون أمريكي لمواجهة التطبيع
في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الأمنية والعسكرية من أجل إيجاد آلية دبلوماسية
يمكن من خلالها تقريب وجهات النظر، وتخطّي النقاط الخلافية التي تعيق مسار عملية
إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، تم الإعلان عن موافقة مجلس النواب الأمريكي على
مشروع قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد" بأغلبية ساحقة من الحزبين
"الديمقراطي والجمهوري"، إذ صوت لصالحه 389 عضوًا، مقابل رفض 32، وامتناع 10
أعضاء عن التصويت.
ورغم الآمال التي يضعها الكثيرون على مشروع القانون الأمريكي الجديد، فإنه لا يحوي
أي بنود ملزمة لدول العالم بعدم التعاطي مع نظام الأسد، أو فرض عقوبات على الدول
التي تتعامل معه.
لكنه في مجمله يدور حول منع المسؤولين الفدراليين داخل الولايات المتحدة
الأمريكية من اتخاذ أي إجراء يهدف إلى الاعتراف بحكومة الأسد، أو تطبيع العلاقات
مع أي حكومة سورية يقودها الأسد، كما يحظر على أي مسؤول فدرالي اتخاذ إجراء أو
تخصيص أموال تشير رسميًا أو ضمنيًا إلى اعتراف الولايات المتحدة بنظام بشار الأسد
أو حكومته، إلى جانب أن بنود مشروع القانون تحظر على أي رئيس أمريكي التفكير في
الاعتراف بنظام بشار الأسد.
وهو بهذه الصورة ليس سوى مجرد محاولة أمريكية تستهدف إظهار دعم السياسة الأمريكية
لمطالب المعارضة السورية، وإصرارها على ضرورة إحداث إصلاح سياسي جوهري دون أدنى
فاعلية تذكر.
بعين المكاسب الاقتصادية والسياسية فهناك جملةً من المكاسب لا يمكن تجاهلها، يمكن
لأنقرة تحقيقها إذا ما قررت استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وفي
مقدمتها بطبيعة الحال إغلاق ملف اللاجئين السوريين لديها؛ تحقيقًا لمطالب
شعبية واسعة النطاق تتخطى شريحة العلمانيين والكماليين إلى باقي شرائح المجتمع
التركي، خصوصًا منتمي الطبقتين "الفقيرة والمتوسطة"، الذين أصبحوا يعانون
أشد المعاناة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة، والارتفاع غير المسبوق في
أسعار كافة السلع والخدمات والسكن.
إلى جانب الرغبة في إنهاء التوتر القائم على المناطق الحدودية، الذي يعيق عمليات
التبادل التجاري التي طالما كانت السبيل الوحيد أمام تحقيق مكاسب اقتصادية،
ومصدر كسب لسكان المنطقة، وخلق فرص عمل أمام آلاف الشباب من خلال تجارة الترانزيت
الحدودية.
بالإضافة إلى أن هناك حاجة إلى وجود قنوات دبلوماسية مع دمشق، يمكن من خلالها وضع
آلية "تركية
– سورية" للتعاون في ملف غاز شرق المتوسط،
وهو الأمر الذي يعضد موقف تركيا، خاصة إذا نجحت في ترسيم حدودها البحرية مع
القاهرة، مما يمنحها قدرة أكبر على التصدي للموقف الأمريكي والأوروبي الرافض
لاقتسامها ثروات المنطقة مع باقي الدول تحت ضغط كل من اليونان وقبرص.
تسريع المصالحة
التطورات الإقليمية والدولية والمكاسب التي يمكن لأنقرة إحرازها، قد تعجل بإنهاء
الخلافات بما يفضي إلى عودة قريبة للعلاقات "التركية – السورية" وتبادل الزيارات
الرسمية،
في ظل نصائح المؤسستين "العسكرية والاستخباراتية" التركيتين، اللتين طالبتا
فيها بضرورة تغيير السياسة التي تم انتهاجها خلال السنوات الماضية في التعاطي مع
الملف السوري، بعد إجرائهما دراسات معمقة حول الأوضاع الدولية والإقليمية،
وانعكاساتها المستقبلية على الأوضاع الداخلية التركية سياسًيا واقتصاديًا.
بالإضافة إلى دعم كل من "موسكو وطهران" لاتخاذ خطوات أكثر إيجابية في سبيل
إنهاء الخصومة واستئناف العلاقة بين تركيا والنظام السوري، مع احتمالية أن تلعب
القاهرة هي الأخرى دورًا فاعلًا في هذا الملف للتقريب بين وجهات النظر وحل
المسائل الخلافية التي تعرقل إتمام هذه المصالحة بعد تصالحها هي نفسها مع أنقرة.
تغيُّر مسارات السياسة الخارجية التركية في العقدين الأخيرين، يشير بوضوح إلى أن
موقفها من مشروع القانون الأمريكي "مناهضة
التطبيع مع نظام الأسد"
لن يؤثر على قرارها بالمضي قدمًا في طريق عودة علاقاتها مع دمشق، قياسًا
بحجم المكاسب المنتظر تحقيقها من هذا التوجه.
فمصالح أنقرة المُلحة حاليًا والتي تتمحور حول أهمية الحفاظ على أمنها القومي،
وتوسيع نطاق علاقاتها الاقتصادية والأمنية على المستوى الإقليمي يعدّان المحرك
الفعلي لقراراتها السياسية، وما تتخذه من خطوات بهدف الوصول إلى تحقيق هذه
الأهداف، بغض النظر عما إذا كان موقفها هذا يتوافق مع موقف الإدارة الأمريكية
أم يختلف معه.