• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
طلقة أمريكية من مسدس صوت!

ما الذي دفع الرئيس بايدن للتراجع عن قرارٍ اتخذه في بداية فترة رئاسته عندما حذف الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية؟ وما تأثير هذا التصنيف وتبعاته على الحوثيين، وعلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعلى أمن واستقرار المنطقة؟


مع تواصل الهجوم الحوثي على السفن المتجهة إلى "إسرائيل" في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إعادة تصنيف جماعة الحوثي في اليمن كجماعة إرهابية عالمية، وهو ما يعني إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية التي يُمنَع وصولها إلى النظام المالي العالمي فضلا عن عقوبات أخرى.

سياسة مترددة

من يراقب السياسة الأمريكية تجاه اليمن، وبالتحديد تجاه الحوثيين، سيجد أن أبسط ما يمكن وصفها به هي أنها "سياسة مترددة"، فملف الأزمة وُضِعَ لسنوات على جانب من طاولة أولويات واشنطن، فتحته إدارة الرئيس جو بايدن مرتين في غضون 4 سنوات، في المرة الأولى تم سحب تصنيف الحوثيين من قائمة الإرهاب، وذلك في فبراير 2021، كان تبرير حينها ذلك يعود إلى المخاوف من الإضرار بآفاق محادثات السلام وإلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اليمني في بلد يواجه شبح المجاعة، المرة الثانية تحدث خلال هذه الأيام، حيث قررت إدارة بايدن العدول عن قرارها السابق، فالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واتساع رقعته في المنطقة غيّرَ من التوجهات الأمريكية، فما الذي حدث مؤخرًا؟

عندما اتخذت إدارة بايدن قرارها السابق؛ كانت تريده كعربون من واشنطن لطهران، يمهد لعقد صفقة كبرى جديدة بينهما ترتبط بملف إيران النووي والتهدئة في اليمن وملفات إقليمية أخرى، لكن خلافًا لما تمنّاه الأمريكيون فإن الدعم الإيراني واصل تدفقه نحو الحوثيين، ومكنهم من صناعة صواريخ محلية، بعيدًا عن أعين ومسمع الاستخبارات الأمريكية، التي أصبحت ـ وفقًا لتقارير إعلامية أمريكية ـ لا تمتلك معلومات دقيقة عن تحركات الحوثيين ومواقعهم، وكان تركيزها في اليمن ينصب على متابعة تحركات القاعدة فقط.

 

 تطلع الحوثيون، المدعمون إيرانيًا، منذ فترة طويلة إلى أن يصبحوا قوة إقليمية ذات امتداد عالمي حيث عززوا نفوذهم داخل اليمن وخارجه، وقد باتوا بالفعل لاعبين رئيسيين في الشرق الأوسط

قبل أيام؛ اتخذت إدارة بايدن أمرًا تنفيذيًا جديدًا يقضي بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية بشكل خاص (SDGT)، وهو تصنيف أقل حدة من تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، يزعم الأمريكيون أنهم يهدفون من وراء ذلك إلى القضاء على تمويل الحوثيين وتسليحهم، وذلك عن طريق إبعادهم قدر الإمكان عن إيران، والهدف النهائي من وراء ذلك كله هو إقناع الحوثيين بوقف التصعيد في البحر الأحمر وإحداث تغيير إيجابي في سلوكهم، تحت التصنيف الجديد سيتم تجميد جميع أصول الجماعة الحوثية والأفراد التابعين لها ضمن الولاية القضائية للولايات المتحدة، كما يُمنَع أي أمريكي من المشاركة في أي معاملات مالية أو تجارية مع الحوثيين، ولهذا التصنيف أيضًا آثار عالمية، حيث قد يؤدي إلى إجراء تحقيقات جنائية وإعطاء الأولوية لتجميد الأصول في بلدان أخرى.

مع فشل التحذيرات في إيجاد من يسمعها لدى الحوثيين؛ شنّت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين ضربات على مواقع للجماعة الحوثية في وقت سابق من الشهر الحالي بهدف تعطيل وإضعاف قدرات الجماعة على تهديد الملاحة في البحر الأحمر وتقويض حركة التجارة العالمية، كما وافق مجلس الأمن الدولي في مطلع هذا الشهر على قرار يدعو الحوثيين إلى وقف هجماتهم في البحر الأحمر، بأغلبية 11 عضوا مع امتناع 4 دول عن التصويت، منها روسيا والصين.

‏● إذا كانت الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في تصنيف الحوثيين مجددًا كمنظمة إرهابية ومن ثمّ توجيه ضربات عسكرية محددة لهم، هي استعادة التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، ومنع تأثير ذلك الهجمات الحوثية على الاقتصاد الصهيوني الذي يعاني بالفعل بسبب الحرب على غزة، فإن ثمة هدف آخر في غاية الأهمية وهو تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، فالحوثيون في نهاية المطاف مجرد ميليشيا متمردة ليس لديها الكثير لتخسره، وتسيطر على دولة منقسمة أو "فاشلة" وفقًا للأدبيات السياسية.

ردود فـعـل

الرد الحوثي على القرار الأمريكي الأخير لم يتأخر طويلًا؛ إذ قال المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، إن الجماعة المسلحة تعتبر تصنيفها الإرهابي الجديد من قبل الولايات المتحدة بمثابة "وسام شرف لليمن لدعمه المقاومة الفلسطينية في غزة"، فيما وصف عبدالملك العجري، عضو المكتب السياسي للجماعة الحوثية، القرار بأنه "ابتزاز أمريكي غير مشروع، وليس له قيمة"، وتلك حقيقة واقعة يمكن تفنيدها من خلال النقاط التالية:

واقعيًا، سيكون هذا التصنيف تحصيل حاصل، لأن اليمن يعاني بالأساس حصارًا اقتصاديًا منذ 9 سنوات، أي أن الموضوع سيكون مجرد فرض عقوبات داخل عقوبات موجودة من قبل ولن يضيف جديدًا، لذا من المؤكد أن الحوثيين قد سخروا من تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية عندما لوّحوا بإعادة النظر في حذف الجماعة الحوثية من تصنيف الإرهاب، إذا أوقفت هجماتها.

هناك حصار مفروض على نظام السويفت (نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) في اليمن، وتم نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء، وهناك صعوبة موجودة بالفعل في عمليات نقل الأموال من وإلى اليمن، لا توجد للجماعة الحوثية مؤسسات مالية ولا تحويلات مصرفية ولا أرصدة في الخارج، وبالتالي لن تتأثر الجماعة بشيء من القرار الأمريكي الجديد.

تحاول الولايات المتحدة تحقيق التوازن بين الموقفين الدفاعي والهجومي عبر مهمة أطلقت عليها "حارس الازدهار" لحماية الملاحة الدولية، وتنتهج الإدارة الأمريكية خلالها ضربات محدودة على الحوثيين، وُصِفَت بالتأديبية، ولا شك أن الحوثيون يدركون تماما أن هذه الضربات غير قادرة على تغيير الوضع الراهن ولن تؤثر كثيرًا عليهم، ويرى بعض المحللين أن التصنيف بمثابة خطوة سياسية أكثر من كونه خطوة عملية فعّالة، فالأمر لا يعدو كونه محاولة لتصحيح المسار، إذ بالرغم من أن هذه الخطوة مرحب بها، إلا أنها قد تكون قليلة ومتأخرة جدًا، خاصة للتأثير على تصميم الحوثيين على مواصلة هجماتهم البحرية.

على الصعيد العالمي؛ هناك انقسام غربي حول التعامل مع الحوثيين وتحفظات لدى بعض الدول الأوروبية على التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة، وقد تحدثت تقارير غربية عن تكهنات تشير إلى أن الولايات المتحدة تستغل هذه الأزمة لتعزيز تواجدها الجيواستراتيجي في مضيق باب المندب، والسيطرة على التبادل البحري بين أسواق شرق أسيا والأسواق الأوروبية، لذا فإن واشنطن لا تريد أن تنتهي هذه الأزمة سريعًا حتى تكرس وجودها وقواعدها وتواجدها البحري وحلفائها هناك، ويتضح ذلك من خلال ضرباتها غير الرادعة، وعقوباتها الضعيفة.

عالميًا أيضا؛ يتجمع منتقدو إسرائيل في صف قضية الحوثيين، فمن ناحية لأن الدول العظمى التي تظهر دعمًا كبيرًا للقانون الدولي عندما يتعلق الأمر بالملاحة الدولية في البحر الأحمر، هي نفسها التي تدير ظهرها لذاك القانون ولا تلقي بالًا لما تفعله إسرائيل في غزة، ومن ناحية أخرى فإن العداء لإسرائيل يحركه التزام عاطفي قد يؤدي لتجنيب أي اعتراضات على ما يرتكبه الحوثيون في اليمن أو البحر الأحمر الآن، فالهجوم على سفن الشحن العالمي بشكل عشوائي قد يتم غض الطرف عنها آنيًا طالما أنه يهدد المصالح الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية حصرًا، وربما أيضا لأن الجميع متخوّف من أن تلد الحرب الإسرائيلية على غزة حربًا أخرى لا يعرف أحد نهايتها.

 

 المؤسف في القرار الأمريكي الأخير هو أن الحرب وسوء الحكم المزمن في اليمن تركا 24 مليون يمني معرضين لخطر الجوع والمرض، ووفقًا للأمم المتحدة فإن هناك ما يقرب من 14 مليونًا في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية

خـلفية تاريخية

اليمن، الدولة الواقعة على طرف شبه الجزيرة العربية المطلة على البحر الأحمر، هي واحدة من أفقر دول العالم العربي، وقد تأسست على أرضها جماعة الحوثيين أو حركة (أنصار الله) في عام 1992م على يد حسين بدر الدين الحوثي، وهي ليست ميليشيا عشوائية ولكنها حركة منظمة سياسيًا واجتماعيًا، تحكم قسمًا كبيرًا من اليمن بعدما نشأ التمرد الحوثي في عام 2014م، وذلك بزعم وجود مظالم تاريخية لم يتم حلها بشأن التهميش السياسي والاقتصادي للجماعات الشيعية الزيدية الموجودة في اليمن، ومع تفاقم بسبب الصراع الجيوسياسي على السلطة بين إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنية؛ نجح الحوثيون في أن يصبحوا حركة اجتماعية وسياسية فعالة وخطيرة للغاية تهدد سلامة ورفاهية المدنيين في كل من اليمن ومنطقة الخليج على نطاق أوسع، وعلى مدار عدة سنوات سعى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن إلى مواجهة التطرف الحوثي، لكن الحوثيين برزوا كخصم هائل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم وجود دعم أمريكي ملموس للحرب، واسترضاء أمريكا لإيران.

لقد تطلع الحوثيون، المدعمون إيرانيًا، منذ فترة طويلة إلى أن يصبحوا قوة إقليمية ذات امتداد عالمي حيث عززوا نفوذهم داخل اليمن وخارجه، وقد باتوا بالفعل لاعبين رئيسيين في الشرق الأوسط، وفي المشهد المتطور باستمرار للحرب الحالية بين إسرائيل وحماس، ازدادت ثقة الحوثيين ونفوذهم، وأثبتوا الآن أنهم - كما أدرك التحالف العربي لردعهم بعد سنوات - يشكلون تهديدًا كبيرًا له آثار واسعة النطاق، فهم يستغلون موقعهم الجغرافي الاستراتيجي للسيطرة على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ومن ثمّ يقومون بتعطيل التجارة العالمية، أو على الأقل إرباكها وهو ما أدى حتى الآن إلى ضرر اقتصادي عالمي من خلال مهاجمة الشحن البحري، ويمكن ملاحظة ذلك ببساطة من خلال ارتفاع أسعار النفط وزيادة نفقات السلع الأساسية وزيادة قيمة التأمين على الحاويات المشحونة عبر البحر الأحمر.

لكن المؤسف في القرار الأمريكي الأخير هو أن الحرب وسوء الحكم المزمن في اليمن تركا 24 مليون يمني معرضين لخطر الجوع والمرض، ووفقًا للأمم المتحدة فإن هناك ما يقرب من 14 مليونًا في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، فيما أصدرت جماعات الإغاثة في ذروة حرب اليمن تحذيرات متكررة من أن ملايين اليمنيين كانوا على حافة المجاعة، الآن تشعر منظمات الإغاثة العاملة هناك بالقلق من أن مجرد الخوف من مخالفة اللوائح الأمريكية قد يكون كافيًا لتخويف شركات الشحن والبنوك وغيرها في سلسلة التوريد التجارية التي يعتمد عليها اليمنيون من أجل البقاء، خاصةً وأن اليمن يستورد 90% من غذائه، وبالرغم من أن واشنطن قالت إن العقوبات ستعفي الشحنات التجارية من الغذاء والأدوية والوقود والمساعدات الإنسانية من الدخول إلى الموانئ اليمنية، كما أن هناك مهلة مدتها 30 يومًا لوضع العقوبات موضع التنفيذ، مما يمنح شركات الشحن والبنوك وشركات التأمين وغيرها وقتًا للاستعداد، لكن بأي حال من الأحوال فإن العقوبات ستترك آثارًا سلبية بشكلٍ أو بآخر على الشعب اليمني.

إخـفاق أمريـكي

قبل أيام قليلة من عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر، كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يتفاخر في بيان للصحافة بأن "الشرق الأوسط أصبح أكثر هدوءً مما كان عليه منذ عقود بفضل سياسات بايدن"، ولا شك أن كل الدماء والفوضى التي أعقبت ذلك كافية للتدليل على مدى نجاح تلك السياسات،  يشير البعض إلى أن السياسة الامريكية حيال اليمن كانت واحدة من سلسلة إخفاقات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ تجاهلت خطر الحوثيين ورفضت دعم جهود التحالف العربي لتحرير مدينة الحديدة الساحلية من قبضة المتمردين، التي صار ميناؤها الآن نقطة مركزية في عمليات استهداف السفن، وبلا شك فإن السبب الذي جعل جو بايدن مترددًا في البداية في توجيه ضربات عسكرية رادعة للحوثيين هو أن احتمال الردع الكامل كان ضئيلاً، كما أن خطر تصعيد القتال بشكل واسع وإشعال حريق إقليمي آخر لا يزال يلوح في الأفق.

لقد بات واضحًا أن إدارة بايدن، التي دعمت ـ ولا تزال تدعم ـ إسرائيل علنًا منذ بداية عدوانها على غزة، لن تكون قادرة على الاستمرار في دعم إسرائيل إذا لم تقم حكومة نتنياهو بمساعدة بايدن على خلق سيناريو ما بعد الحرب وإيجاد مخرج ينهي الوضع الراهن المُعقّد، فاستمرار الحرب دون أفق لنهايتها ودعم بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية للعنف ضد الفلسطينيين وطردهم من منازلهم في المنطقة (ج) يخلق أيضًا صعوبات استراتيجية وسياسية أمام إدارة بايدن، ويضر بالمصالح الأمريكية في مناطق أخرى بعيدة عن مركز الحرب، لا شك أن الولايات المتحدة تتجنب مواجهة مباشرة مع إيران، وكذلك تتجنب الانخراط في صراع قابل للتوسع، لا سيما وأن هذا التحدي يأتي قبل الانتخابات الرئاسية بأشهر قليلة، وهو الأمر الذي قد يؤثر على شعبية بايدن المتراجعة أصلًا حسب عدة استطلاعات للرأي، من المؤكد أن بايدن الذي يعرّف نفسه بأنه "صهيوني" سيواصل وقوفه إلى جانب الكيان العبري، لكنه بلا شك سيفكر أكثر من مرة قبل الانجرار خلف نتنياهو، فالأخير يخاطر بكل شيء من أجل مستقبله السياسي وهروبه من قضايا الفساد التي تطارده، فهل ستكون مغامرة نتنياهو غير المحسوبة سببًا في نهايته وهزيمة بايدن بالتبعية؟!

أعلى