بالتأكيد من حق الأطفال الترفيه عن أنفسهم، لكن الخطورة هنا هي اعتبار وسائل التواصل وسيلة أساسية من وسائل الترفيه، بسبب هذا التأثير السلبي الخطير وغيره من التأثيرات، هناك العديد من وسائل الترفيه يمكن للوالدين الاعتماد عليها بدلاً من هذا الخطر..
لو كان لوسائل التواصل الاجتماعي فوائد على مستوى تقريب المسافات مثلاً بين البشر
ونشر الأفكار وما إلى ذلك إلا أن مضارها وآثارها السلبية على الأطفال خاصة كارثية
على كافة المستويات، سواء النفسية أم الاجتماعية، أم حتى الصحية، حتى إن تحصيل
الأطفال الدراسي وقدراتهم العقلية تتأثر بصورة سيئة للغاية بسبب استخدام الهاتف
والسوشيال ميديا.
وهذا مشاهد حولنا في حالات أكثر مما تتخيل من الأطفال، ويمكننا تلمس هذا الأثر بعد
مرور عدة ساعات فقط من استخدامهم لها. ومع ذلك بكل أسف يتساهل الكثير من الأهالي في
ذلك جدا، لدرجة أن الكثير من الأمهات يتركن أبناءهن أمام الهواتف فريسة لهذه
التطبيقات بالساعات يوميا حتى يسترحن من أعبائهم، وهذا خطير جدًا.
|
الفتاة تكره جسدها بسبب ما تراه من استعراض مثير للأجساد على الأنستجرام
والتيك توك وغيرها، وهذا بالتأكيد يصل بها إلى حالة نفسية سيئة من القلق
والاكتئاب وعدم الرضا والشعور بالفشل، ويترتب على ذلك إيذاء النفس وإيذاء
الجسد نفسه |
هل تتقبل الأم فكرة أن تضع ولدها يوميًا بالساعات في ساحة مفتوحة مليئة بالبشر من
كل جنس ولون وبلا أية قيود؟! فيهم الصالح وفيهم الفاسد، وجميع أنواع الممارسات،
الأخلاقية منها وغير الأخلاقية، فكيف تعرّضين طفلك لهذا؟ على سبيل المثال أطفالنا
الآن معرضون لخطر مشاهدة الإباحية أكثر من أي وقت مضى، حتى الفلاتر الموجودة على
اليوتيوب مثلاً التي تُستخدم للأطفال ليست فعالة بالقدر الكافي، ويتسرب منها كثيرا
محتوى غير مناسب للطفل، وهذه كارثة أخرى لأن الآباء يمنحون ثقتهم لها ثم تخونهم في
الأخير.
مخاطر نفسية وسلوكية وإدراكية:
وجدت دراسة في جامعة ستانفورد الأمريكية أن الفتيات المراهقات في سن 13 عاماً،
واللائي استخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً على
الأقل، ثم زدن من فترة استخدامهن بمرور الوقت، كن أكثر عرضة للانتحار. هل يتصور
الأهالي ذلك؟ الأب والأم جالسان في غرفة مطمئنين تمامًا على ابنتهما لأنها لا تفعل
سوى أنها تشاهد اليوتيوب أو التيك توك، وفجأة يجدانها معلّقة من رقبتها في غرفتها
بعد أن انتحرت!!
ولكن كيف يحدث ذلك؟! حسبما جاء في الدراسة: "المشكلة مع الأشياء التي تطلق الكثير
من الدوبامين دفعة واحدة، أن الدماغ يبحث باستمرار عن التعويض، وفي حالة نقص
الدوبامين، يمكن أن يعاني الأشخاص من أعراض الاكتئاب والقلق". تخيلوا اكتئاب لدى
الأطفال!! يدفعهم نحو الانتحار دفعة واحدة.
أكبر الكوارث التي تسببها وسائل التواصل هي إصابة الأطفال بالاكتئاب، وحينها يصبحون
عرضة للتصرف بأية طريقة غير محسوبة، على سبيل المثال دراسة أخرى قامت بها الجمعية
الوطنية البريطانية في 2017 أكدت زيادة في أعداد الأطفال الذين أدخلوا إلى
المستشفيات، جراء جرح أو تسميم أنفسهم، تخيل!! وما السبب؟ بسبب الاضطرابات النفسية
التي سببتها مواقع التواصل الاجتماعي، كالاكتئاب! حسب ما جاء في الدراسة.
في عام 2021 أثبتت الأبحاث أن 33% تقريبا من الفتيات اللاتي يستخدمن أنستجرام يشعرن
بصورة سلبية تجاه أجسامهن، وكذلك 14٪ من الذكور يشعرون بنفس الشعور.
ما معنى ذلك؟ معناه أن
الفتاة تكره جسدها بسبب ما تراه من استعراض مثير للأجساد على الأنستجرام والتيك توك
وغيرها، وهذا بالتأكيد يصل بها إلى حالة نفسية سيئة من القلق والاكتئاب وعدم الرضا
والشعور بالفشل، ويترتب على ذلك إيذاء النفس وإيذاء الجسد نفسه
لأنها غير راضية عنه. وهناك فتيات مراهقات عرضت علينا حالاتهن، وبسبب ما شاهدنه وصل
بهن الريجيم الصارم لدرجة الهزال والمرض، لأنهن يرغبن في الوصول للوزن المثالي
والجمال الذي يشاهدنه على وسائل التواصل، لكن تنقلب الحالة فيما بعد إلى انفجار في
زيادة الوزن بسبب الشعور بالحرمان من الطعام والفشل في الوصول للهدف، فتتفاقم
الحالة النفسية أكثر ويزيد الاكتئاب أكثر وأكثر.. وهذه في حد ذاتها كارثة..
|
بالمناسبة دعونا نؤكد أن الفيديوهات التي يقبل عليها الشباب ليست مصدرًا
للعلم ولا المعرفة، وإنما هي مجرد وسيلة ترفيهية ليس إلا، ومعلوماتها في
الغالب مضللة وغير صحيحة، والصحيح منها لا يسير وفق منهجية معرفية واضحة |
هل هي وسيلة ترفيهية؟
لكن أليس من حق الأطفال الحصول على بعض الترفيه ليتمكنوا من أداء مهامهم الدراسية
مثلاً بصورة فعالة، لاسيما ونحن في بداية العام الدراسي الجديد؟!
بالتأكيد من حق الأطفال الترفيه عن أنفسهم، لكن الخطورة هنا هي اعتبار وسائل
التواصل وسيلة أساسية من وسائل الترفيه، بسبب هذا التأثير السلبي الخطير وغيره من
التأثيرات، هناك العديد من وسائل الترفيه يمكن للوالدين الاعتماد عليها بدلاً من
هذا الخطر..
وبمناسبة الدراسة دعونا نستعرض هذه الإحصائية عن المقاطع القصيرة الموجودة الآن على
كافة المنصات، التي لا تتعدي 30 أو 60 ثانية، مشاهدة هذه المقاطع والإدمان عليها
تسبب بصورة مباشرة نقص التركيز وتشتت الانتباه حسب دراسة في مجلة نيتشر كومينيكيشن،
والأشخاص الذين يستهلكون هذا النوع من الفيديوهات يصبحون غير قادرين على التركيز
عند مشاهدة الفيديوهات الأطول ولو كانت مدتها 10 دقائق فقط، وبالتالي يتأففون
ويعرضون عن قراءة كتاب أو أداء الواجبات المنزلية. وإنا لنتساءل: متى آخر مرة رأينا
فيها شابا يقرأ كتابا في أي مكان؟ وما مدى الإقبال الآن على الكتب والمكتبات؟ سنجد
أن النسبة ضعيفة جدا.. الكل الآن منهمك في هاتفه ولا وقت لديه سوى ما يشاهد من
فيديوهات.
وبالمناسبة دعونا نؤكد أن الفيديوهات التي يقبل عليها الشباب ليست مصدرًا للعلم ولا
المعرفة، وإنما هي مجرد وسيلة ترفيهية ليس إلا، ومعلوماتها في الغالب مضللة وغير
صحيحة، والصحيح منها لا يسير وفق منهجية معرفية واضحة
يمكن البناء عليها، وإنما هي تمنح الشاب بعض المعلومات السطحية عن أمر ما وربما
يكون ضررها عليه أكبر من نفعها.. فتخيلوا.. نحن نضع بين أيدي أطفالنا قنبلة موقوتة
ونحن لا ندري!!
سبل الوقاية.. هل الحل في المنع؟!
بناءً على ما سبق؛ ما الحل؟! هل نمنع الأطفال من الهواتف؟ هل المنع هو الحل في ظل
هذا الإغراق الجارف الحادث الآن؟ وكيف يمكن للوالدين تدريب الأطفال على الحد من
استخدام وسائل التواصل الاجتماعية؟!
إن التحدي صعب وكبير، والحل ليس المنع بالتأكيد، ولكن تأخيرها قدر المستطاع، فلا
هاتف في يد الطفل قبل سن 14 عامًا على الأقل؛ لا هاتف ذكي ولا تاب، ولا سوشيال
ميديا، ولا أي شيء من هذا، ولا حتى ألعاب على الهاتف، أبعدوا الهاتف تماما عن أيدي
الأطفال طوال هذه المرحلة حفاظا على أدمغتهم من التلف. نحن صرنا فريسة للتقليد
للأسف، وإنني لأتساءل: هل هناك ضرورة لكي يحمل طفل صغير هاتفًا ذكيًا؟ أم أنها مجرد
رفاهية وتقليد فارغ للآخرين؟ وهذا بالمناسبة ما ذكره بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت
نفسه ومدير أكبر شركة برمجيات في العالم؛ حيث يمنع أطفاله من الهاتف قبل 14 عامًا.
هذا أولاً.
ثانياً: أشغلوا الأطفال في الأنشطة الاجتماعية الحقيقية، كالرياضة والنوادي الصيفية
وحلقات المساجد وما شابه ذلك، لأن من مساوئ الهواتف والسوشيال ميديا أنها تتسبب في
عزلة الطفل عمن حوله وانسحابه من الحياة الاجتماعية، واكتفائه بالعلاقات الافتراضية
بدلاً من العلاقات الحقيقية بأبويه وإخوته وأصدقائه وأقاربه. وهذا خطر كبير على
الأسرة والمجتمع فيما بعد، سينتج عنه تفكك الأسرة وبالتالي تفكك المجتمع.
ثالثاً: إشباع الاحتياجات النفسية للأبناء، وخاصة الفتيات، لأن الفتاة لديها عاطفة
قوية تحتاج لإشباعها، وإن لم يشبعها والداها ستلجأ للآخرين، وهؤلاء الآخرون صاروا
الآن موجودين بغزارة وبسهولة شديدة على السوشيال ميديا.
رابعًا: تربية الثقة في نفوس الأبناء، بحيث يكونون محصنين تجاه هذه الاختراقات التي
تنهال عليهم ليلاً ونهارًا، وتعليمهم -خاصة البنات- أن الجمال ليس في الجسد ولا
الشكل، وإنما الجمال جمال الخُلُق والشخصية، حتى لا يتأثروا بما يشاهدونه على تيك
توك وغيره. مع احتقار كل من يستعرض جسده أو جماله، أو يتعرى لأجل الحصول على
الإعجاب أو المال من الآخرين.
خامساً: إن كان لابد من الألعاب الإلكترونية فيجب أن نراعي فيها عدة معايير: أن
تكون مناسبة لسنهم، وألا تكون على الهاتف، فيمكننا استخدام البلاي ستيشن مع شاشة
كبيرة حتى لا يؤثر ذلك على دماغهم ونظرهم، وأن يكون بعدد ساعات محدد خلال الأسبوع.