أكبر المنتجي الطاقة مع أكثر المستخدمين لها، هذا ما دشتنه قرارات قمة البريكس الأخيرة التي دعت 3 دول عربية منها السعودية والتي تتحكم بحصة وازنة من سوق النفط، بجانب دول مثل الصين والهند، كما تم دعوة مصر التي تملك اقتصادًا ناشئًا وثقلا ً"جيوسياسي" كبير.
هيمنت الدعوات لتوسيع “البريكس” على جدول أعمال قمتها التي استمرت ثلاثة أيام في
“جوهانسبرج”، وكشفت عن انقسامات بين الكتلة بشأن وتيرة ومعايير قبول الأعضاء الجدد.
ويعلق مواطنو الدول التي أعلن الموافقة على طلب انضمامها إلى تكتل بريكس آمالا
كبيرة في تخفيف هذه الخطوة ضغوطا يشكلها الدولار الأمريكي على عملتها المحلية خاصة
مصر، التي شهدت مؤخرا تحركا في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، مما جعلها تبحث عن
حلول اقتصادية جديدة؛ لكسرة هيمنة العملة الأجنبية أمام العملة المحلية.
إذ بعد سنوات من إساءة استخدام وضع الدولار الأمريكي كعملة احتياط، تواجه الولايات
المتحدة الآن موجة متزايدة من عمليات إزالة الدولرة العالمية، حيث تتحد العديد من
اقتصاديات الدول الكبرى وأكثرها اكتظاظًا بالسكان على هذا الكوكب لإطلاق بديل
بالدولار الأمريكي لاستخدامه في التجارة العالمية.
|
من وجهة نظر صُناع القرار في واشنطن، فقد قلل المسؤولون الأمريكيون من
احتمال ظهور البريكس كمنافس جيوسياسي، ووصفوا الكتلة بأنها مجموعة متنوعة
للغاية من الدول التي تحتوي على أصدقاء ومنافسين |
وفي غضون ذلك، ذاع صيت "مجموعة بريكس" في الآونة الأخيرة إعلامياً بعد الحرب
الأوكرانية، وأضحت عدة دول تبحث عن الانضمام إلى تكتل يحقق نوعاً من القطبية
الاقتصادية، رغبة منهم في إنشاء نظام متعدد الأقطاب بدلاً من الأحادي القطبية التي
تسيطر عليه الولايات المتحدة.
وتأسست مجموعة بريكس عام 2006 وكانت تسمى "بريك"، أي الأحرف الأولى من الدول
المشكلة لها أي البرازيل وروسيا والهند والصين، وعقدت أول قمة لها عام 2009، ثم
انضمت إليها جنوب أفريقيا لتتحول إلى بريكس (BRICS).
وأعلنت دول البريكس الخمس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – انضمام
ستة دول جديدة اعتبارا من العام المقبل، حيث يسعى نادي الاقتصادات الناشئة الكبيرة
والمُكتظّة بالسكان إلى إعادة تشكيل النظام العالمي.
وتقدمت ما يقرب من عشرين دولة رسميًا بطلبات للانضمام إلى النادي من جميع أنحاء
“الجنوب العالمي”، وهو مصطلح واسع يشير إلى الدول غير الغربية، وحضر القمة نحو 50
رئيس دولة وحكومة آخرين، مما يؤكد ما يقوله زعماء البريكس عن جاذبية رسالتها.
ومن وجهة نظر صُناع القرار في واشنطن، فقد قلل المسؤولون الأمريكيون من احتمال ظهور
البريكس كمنافس جيوسياسي، ووصفوا الكتلة بأنها مجموعة متنوعة للغاية من الدول التي
تحتوي على أصدقاء ومنافسين.
وعن تأثير انضمام مصر إلى مجموعة البريكس رسميا، يرى مراقبون أن أعضاء التكتل رؤوا
أن بانضمام مصر إليهم، ستكون القاهرة عنصرا فعالا وتحقق قيمة مضافة للتكتل بشكل
عام.
ويرى المراقبون أن انضمام مصر للبريكس، سيكون له تأثيرات إيجابية على مصر في المقام
الأول وعلى التكتل في المقام الثاني، وأن الفترة المقبلة من المفترض أن تشهد مصر ضخ
مزيد من الاستثمارات من الدول الأعضاء في المجموعة والدول الجديدة المنضمة، ما
ينعكس على تخفيف الطلب على الدولار خلال الفترة المقبلة، وبالتالي يشهد سعر صرف
الدولار أمام الجنيه استقرارًا، بعد تنويع سلة عملات التبادل التجاري مع دول
البريكس خلال الفترة المقبلة.
وكانت قمة بريكس 2023 لفتت انتباه العالم، لما تمثله من أهمية على المستوى الدولي
خاصة لحجم الدول التي يضمها التكتل، وما يشكله من قوة دولية تُعد من أقوى
الاقتصادات، حيث يبلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 44 تريليون
دولار، كما تسيطر مجموعة بريكس على 17% من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة
التجارة العالمية، كما تسيطر أيضًا على 27% من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة
إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع.
|
تشكل دول البريكس حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي، وبإضافة السعودية
والإمارات وإيران، ستشكل مجموعة البريكس ما يقرب من 42% من إنتاج النفط
الخام العالمي |
المفاجأة الكبرى من قمة البريكس في جنوب أفريقيا، حسب تقرير لمركز “ثين كينغ”
البحثي، هي دعوة المملكة العربية السعودية للانضمام إلى مجموعة الدول الناشئة
الكبرى، وهذا يضيف زخماً جديداً إلى النقاش الدائر بشأن التخلص من الدولار، وهو ما
يشكل تحدياً محتملاً لهيمنة الدولار الأمريكي في التجارة العالمية.
وحسب المراقبين فإنّه جنبا إلى جنب مع زملائها المصدرين للنفط والغاز إيران
والإمارات العربية المتحدة فإن قبول المملكة العربية السعودية في مجموعة البريكس
سيركز حتما النقاش على استخدام العملات غير الدولار في التجارة.
وسيزيد انضمام الرياض على غرار طهران وأبو ظبي على الهيمنة الطاقية لمجموعة بريكس،
وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بالنفط الخام، وفي الوقت الحالي،
تشكل دول البريكس حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي، وبإضافة السعودية والإمارات
وإيران، ستشكل مجموعة البريكس ما يقرب من 42% من إنتاج النفط الخام العالمي.
أما السعودية فهي أكبر مصدر للنفط الخام. وفي عام 2022، صدرت المملكة حوالي 7.3
مليون برميل يوميًا من النفط الخام، وهو ما يزيد قليلاً عن 17٪ من صادرات النفط
الخام العالمية. ويذهب الجزء الأكبر من هذه الصادرات (76%) إلى آسيا، منها 35% تذهب
إلى الصين والهند الأعضاء في مجموعة البريكس.
وبالنظر إلى طموحات مجموعة البريكس في التخلص من الدولار، فمن المؤكد أنه سيكون
هناك تكهنات متزايدة بأن هذه الخطوة الأخيرة، قد تؤدي إلى تحول المملكة العربية
السعودية بشكل متزايد إلى عملات غير مقومة بالدولار في تجارة النفط.
وبعيدًا عن الآثار المترتبة على مدى سرعة تحدي دور الدولار باعتباره العملة الدولية
الوحيدة، فإن الحديث عن “نزعة الدولرة” عن الاقتصاد العالمي، يفترض بالضرورة الحديث
عما يعنيه ذلك بالنسبة للريال السعودي، الذي تم ربطه بالدولار عند 3.75 ريال
سعودي/دولار أمريكي منذ الثمانينيات.
حيث إنه سرعان ما قاومت السلطات السعودية أي نوبات عرضية من المضاربة ضد الريال –
إلى حد كبير من خلال سوق العقود الآجلة للعملات الأجنبية.
وبرأي البعض فإنه إذا بدأ السعوديون في التخلص من اعتماد اقتصادهم على الدولار من
خلال زيادة الإيرادات من العملات غير الدولارية، فقد يبدأ المستثمرون في التساؤل
عما إذا كانت التغييرات ستطرأ على عملية تحديد سقف الدولار بالنسبة للريال – على
سبيل المثال، هل ينبغي إدارة الريال مقابل سلة من العملات بدلاً من مقابل الدولار
وحده؟
ومن المفترض أن السلطات السعودية لن ترحب بهذه التكهنات، لكنها تتوقع أن يراقب
المستثمرون الآن عن كثب زوج الدولار الأمريكي الريال السعودي الآجل لمدة 12 شهرًا،
والذي يتم تداوله حاليًا عند 3.7570 وقريب جدًا من السعر الرسمي.
وبحسب سفير جنوب أفريقيا في مجموعة "بريكس" أنيل سوكالالا، فإن الأمر يتعلق بالشرق
الأوسط بشكل كبير بحيث تم إدراج المملكة السعودية وإيران والإمارات ومصر، مضيفًا أن
الآثار "الجيواقتصادية" و"الجيوإستراتيجية" و"الجيوسياسية" ستدفع بعض دول "بريكس"
إلى التفكير أكثر بسياساتها في الشرق الأوسط، وستدفع الصين والهند إلى تعزيز
السياسات الحالية.
وكانت الصين قد توسطت مؤخرًا لإعادة تأسيس العلاقات بين السعودية وإيران، وهو الدور
الذي كانت تشغله تقليديا دولة مثل الولايات المتحدة. فيما وقعت الهند مؤخرا اتفاقية
مع الإمارات للتداول بالروبية الهندية والدرهم الإماراتي بدلا من الدولار الأميركي.
وأوضح السفير سوكالالا أن الأمر الأهم هو أن قائمة التوسع "تتمحور بشكل كبير حول
الطاقة"، مشيرا إلى أنه عند اختيار الأعضاء الجدد، ربما يكون الاتحاد قد أخذ في
الاعتبار تسعير منتجات الطاقة، وكيف يمكن لبلدانه تقليل مسؤوليتها وضعفها فيما
يتعلق بتكلفة النفط.
وتعد الإمارات والسعودية من أكبر الشركاء التجاريين لدول المجموعة في المنطقة،
وانضمام الدولتين إلى بريكس يدعم استراتيجيتهما القائمة على الانفتاح والتنوع وتعزز
من وصولهما إلى شبكة قوية من الشركاء الاقتصاديين في ظل التحولات العالمية الجارية
التي يشهدها العالم وسط توترات جيوسياسية وعقوبات متبادلة بين موسكو من جهة،
وواشنطن وعواصم دول أوروبية من جهة أخرى.
أما انضمام مصر فيحمل لها الكثير من الفرص والمزايا، خاصة على صعيد التنمية
والتجارة والاستثمار، فحجم التبادل التجاري بينها وبين بريكس يتجاوز 31 مليار
دولار، ويمنحها الانضمام متنفسًا أوسع للتحرر من قبضة الدولار بتوسيع معاملاتها
التجارية بعملات محلية.
كما يمثّل انضمام دول عربية إلى المجموعة، محطة مهمة في تحوّل موازين القوى
الاقتصادية العالمية، فالإمارات والسعودية ومصر، مرشحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج
وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود القليلة المقبلة، على غرار الهيدروجين الأخضر
والأمونيا الخضراء، التي من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفوري.