• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل السلطة الفلسطينية

بعد الفشل الصهيوني في جنين وعجزه عن إخضاعها، هل ستقدم المقاومة الفلسطينية على إنهاء وجود السلطة في الضفة للاتحاد مع غزة في مقاومتها للاحتلال وتكرر نموذجها المقاتل؟


منذ عدة أيام نقلت قناة 14 الصهيونية عن مسؤول سياسي لم تسمه، قوله: إن المستوى السياسي في دولة الاحتلال أصدر أمراً إلى الجيش الصهيوني وجهاز الشاباك وحرس الحدود بتجميد النشاط الأمني الاستباقي في جنين، وأشار المسؤول أنه وبعد العملية العسكرية الأخيرة في جنين ومخيمها، فإن القوات الصهيونية لم تعمل في المنطقة منذ أكثر من 10 أيام، ولن تعمل هناك قريبًا.

وذكرت القناة، أن هذا التجميد جاء بعد اتفاق أُبرم بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، يقضي بإعطاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية فرصة استعادة السيطرة في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.

ولم يكد يمر يومان على هذا الاتفاق، حتى جاءت الأنباء بحملة اعتقالات تقوم بها السلطة الفلسطينية.

 

جاءت الانتفاضة في الداخل الفلسطيني عام 1987، لينتقل مركز التأثير في القضية الفلسطينية من يد منظمة التحرير إلى قيادات الداخل للشعب الفلسطيني وفي القلب منهم حماس.

فقد نقل المركز الفلسطيني للإعلام، عن وكالة صفا عن مصادر محلية تأكيدها، أن أجهزة أمن السلطة نفذت حملة اعتقالات واسعة في صفوف أفراد المقاومة الفلسطينية في بلدة جبع جنوب جنين.

كما واصلت أجهزة السلطة حملات الاعتقال السياسي، واعتقل جهاز الأمن الوقائي للسلطة في جنين الطالب في جامعة النجاح الوطنية أحمد العتيق، والشاب “طارق جابر” بعد استدعائه للمقابلة.

وذكرت المصادر أن أمن السلطة اعتقل خالد عرعراوي، عم الشهيد مجدي عرعراوي، ووالد الجريح كمال عرعراوي.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد قبل أسبوع خلال تفقده مخيم جنين للاجئين على فرض سلطة ودولة واحدة وقانون واحد، مهددًا بأن كل من يعبث في وحدتنا وأمننا لن يرى إلا ما لا يعجبه، واليد التي ستمتد إلى وحدة الشعب وأمنه وأمانه ستُقَص من جذورها، وفي نفس الوقت الذي أصدرت فيه داخلية السلطة الفلسطينية بيانًا نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أكدت فيه على العمل المتواصل على تطبيق سيادة القانون وتوفير الأمن والأمان لأبناء شعبنا في جميع أماكن تواجده.

وحذرت الوزارة كل من تسول له نفسه المس بأمن فلسطين وشعبها، وبأنها ستقطع يد كل من يحاول العبث بالأمن والاستقرار ومصالح بلدنا وشعبنا ولن يكون هناك أي تهاون أو تقصير في تطبيق القانون والأمن

وقد كشفت مؤسسة محامون من أجل العدالة أنها وثّقت أكثر من 300 حالة اعتقال سياسي نفّذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية عام 2023، فيما أشار المحامي مهند كراجة، مدير المؤسسة، إلى أن الاعتقالات السياسية ارتفعت وتيرتها بعد انتخابات الجامعات، وتركّزت على استهداف الطلبة بشكل عام، بالإضافة إلى استهداف نشطاء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي والنشطاء السياسيين.

ولكن هذه الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، كان لها طعمًا مرًا هذه المرة لدى المقاومة وأنصارها، بعد التغير الاستراتيجي الذي تم في مخيم جنين مؤخرًا، عندما عجزت قوات الاحتلال بآلياتها وطائراتها وجنودها المدججين بالسلاح عن اقتحام المخيم، دون أن يحققوا الهدف الذي أرادوه وهو تركيع المخيم واخضاعه.

فهذه الاعتقالات التي قامت بها السلطة الفلسطينية، تعيد للأذهان التفكير في طبيعة الدور الذي تقوم به هذه السلطة، وموقف المقاومة منها، وهل سيستمر هذه الموقف السلبي تجاهها من قبل فصائل المقاومة، أم سيكون هناك تغيير يتناسب مع حجم التغيير الاستراتيجي الذي أحدثته المقاومة في مواجهتها مع الاحتلال الصهيوني؟

للإجابة على هذا التساؤل واستشراف مستقبل العلاقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وأجهزة السلطة، ينبغي فهم أهداف واستراتيجيات الأطراف الثلاثة التي تتحكم في المشهد داخل الأراضي المحتلة وهم: السلطة الفلسطينية، وجماعات المقاومة، وأخيرًا الكيان الصهيوني.

منظمة التحرير بين السلاح والسياسة

يرجع جذور السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية، والتي تم الاعتراف بها دوليًا كسلطة تدير الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى ما يعرف باسم منظمة التحرير الفلسطينية.

أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، عقب قرار صدر عن القمة العربية الأولى التي عقدت بالقاهرة يقضي بتكليف ممثل فلسطين أحمد الشقيري، بتقديم تصور للقمة الثانية عن إنشاء كيان يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ووضْع مشروع للميثاق والنظام الأساسي. وأسفرت جهود الشقيري من خلال زيارته للعديد من التجمعات الفلسطينية المنتشرة في الدول العربية عن انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني الذي يعتبر بمثابة السلطة التشريعية للمنظمة.

 

الكيان الصهيوني كان ينظر لأوسلو بمنظور مختلف، فهو من جهة يعطي الفلسطينيين الفتات نظير أنهم يتحملون عنه أعباء إدارة الحكم الفلسطينيين من مال وأمن، ما يرسخ مفهوم الاحتلال الناعم

وأعلن المؤتمر العربي الفلسطيني الأول الذي عقد لهذا الغرض في القدس في 28 أغسطس من عام 1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصادق على الميثاق القومي للمنظمة وعلى نظامها الأساسي، وانتخب الشقيري رئيسًا للجنتها التنفيذية التي كلف باختيار أعضائها.

كان هدف المنظمة الأساسي توحيد جهود الفلسطينيين لإقامة دولة لهم على أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وتم اعتماد الكفاح المسلح كخيار استراتيجي لإقامة تلك الدولة بمؤازرة ومساندة الدول العربية، خاصة تلك الدول المجاورة لفلسطين والتي تم تعريفها بدول المواجهة.

وقد عارضت حركة فتح بزعامة ياسر عرفات قيام المنظمة في البداية، ثم ما لبثت أن انضمت إليها لتكون الفصيل الأساسي والمحوري والعمود الفقري لتلك المنظمة.

وطوال ما يقرب من عشرين عامًا شنت المنظمات المنضوية تحت اسم منظمة التحرير الفلسطينية هجمات مسلحة على الكيان الصهيوني، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الخارج، ولكن مع قرب انتهاء عقد الثمانينات بدا أن آثار تلك الاستراتيجية في العمل المسلح قد اصطدمت بحائط سد لعدة عوامل: أهمها اعتمادها على الدول العربية كنقطة انطلاق لعملياتها، فخضعت هذه العمليات لأمزجة النظم العربية وخياراتها والتي كانت آخذة في التعارض مع القضية، وتتجه إلى الانعزال عن قضية الأمة والانفراد بصلح مع الكيان الصهيوني متخلية عن نصرة القضية الفلسطينية، وهذا ما دفع التشكيلات المسلحة المنضوية تخت لواء منظمة التحرير إلى الاصطدام المسلح مع هذه الأنظمة في بعض الأحيان، فخاض الفلسطينيون حربًا في الأردن عام 1970، ولبنان عام 1975 مع مسيحيي لبنان، ثم مع عملاء الأسد على الأراضي اللبنانية، وهذا أدى في النهاية إلى انتكاسة للمقاومة المسلحة والعمليات التي تقوم بها.

أضف إلى ذلك عمليات الاختراق القوي والذي قامت به المخابرات الصهيونية (الموساد) لقيادات المنظمة الأمر الذي مكن الكيان من اغتيال قادتها المؤثرين وهذا ساهم في إضعاف المنظمة.

ثم جاءت الانتفاضة في الداخل الفلسطيني عام 1987، لينتقل مركز التأثير في القضية الفلسطينية من يد منظمة التحرير إلى قيادات الداخل للشعب الفلسطيني وفي القلب منهم حماس.

صحيح حاولت منظمة التحرير السيطرة على الوضع في الداخل بإرسالها الدعم المالي، ومحاولة تجنيد كوادر، ثم المشاركة بفصيل مسلح وهو كتائب شهداء الأقصى، عندما تحولت الانتفاضة تدريجيًا من الفعاليات السلمية إلى حمل السلاح في وجه الكيان الغاصب، فبرزت كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس، ثم سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي.

ولكن محاولات الهيمنة على الداخل لم تحقق النتائج المرجوة، وأصبح واضحًا للعيان أن ثقل القيادة الفلسطينية بات على وشك أن ينتقل إلى القيادات الفلسطينية في الداخل وفصائلها المسلحة.

وفي نفس الوقت فإن فصائل الداخل الفلسطيني وصلوا إلى طريق مسدود في الكفاح المسلح بلا أفق سياسي يفتقد إلى دعم إقليمي ودولي، فمنظمة التحرير تحظى بتلك المشروعية الإقليمية على الأقل وبعض الدول الخارجية.

هنا تولدت فكرة أو استراتيجية لدى ياسر عرفات تتمحور حول الدخول في مفاوضات، للحصول على أي شكل لدولة أو كيان يقوده في الداخل يمكنه من شيئين:

أولاً إيجاد كيان سياسي للفلسطينيين تكون بمثابة نواة دولة، يبنى عليها فيما بعد، وتتوسع تدريجيًا وتحظى باعتراف من القوى الدولية والإقليمية.

ثانيًا السيطرة على زعامة الفلسطينيين، والحيلولة دون صعود فريق أو فصيل أو جماعة تسيطر على الفلسطينيين.

ومن هنا برزت اتفاقية أوسلو، الذي وقّعت عام 1993م في العاصمة النرويجية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبموجبها اعترفت المنظمة بما يسمى دولة (إسرائيل) مقابل اعتراف الكيان الصهيوني بالمنظمة ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وانسحب الكيان من بعض المناطق الآهلة بالسكان في قطاع غزة وأريحا ثم مناطق من الضفة الغربية، وتحملت السلطة الفلسطينية بدعم إقليمي ودولي أعباء إدارة الحكم من تعليم وصحة وأمن.

الكيان الصهيوني ووهم السيطرة

ولكن الكيان الصهيوني كان ينظر لأوسلو بمنظور مختلف، فهو من جهة يعطي الفلسطينيين الفتات نظير أنهم يتحملون عنه أعباء إدارة الحكم الفلسطينيين من مال وأمن، ما يرسخ مفهوم الاحتلال الناعم، إذ أصبح الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال عرفه التاريخ المعاصر على حد قول أحدهم، وفي نفس الوقت يتفرغ الاحتلال لمشاريعه الاستيطانية وتهويد القدس والسيطرة على الأقصى، ومن جهة ثالثة فإنه يسكت المطالبات الدولية ولوم الخارج على ما يفعله بالفلسطينيين.

ولكن قيادات الكيان كانوا منتبهين لاستراتيجية ياسر عرفات الخاصة بإيجاد موطئ قدم لدولة فلسطينية، فعملت أجهزة الكيان الأمنية والسياسية على تفريغ هذا الهدف، مثل الضغط على عرفات لكي يضع عملاء الموساد على رأس الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والدخول في مفاوضات ما لا نهاية على الوضع النهائي، ولما وجدت من الرجل إصرارًا على الوصول إلى كيان فلسطيني مستقل عاصمته القدس، فكان القرار بمحاصرته في مقره ثم اغتياله.

وخلف عرفات أبو مازن لقيادة السلطة الفلسطينية الذي سار في المسار الذي تريده دولة الكيان، من مفاوضات لا نهائية، وتعزيز قوات الأمن الفلسطينية التي تقمع المقاومة، وأخيراً السماح دخول الأموال لمسئولي السلطة حيث استشرى وغرق هؤلاء في الفساد، وفي النهاية تحولت السلطة إلى مجرد وكيل أمني للكيان الصهيوني يقمع المقاومة، ويتلقى الأموال من الدول الداعمة ينهب منها القسم الأكبر قيادات السلطة.

ولذلك تحركت حماس في غزة لتنهي السلطة وتسيطر على القطاع، واعتبر الكيان الصهيوني هذه فرصة ليتخلص منها من غزة التي كانت تؤرق أحلامه، ويبدأ أطول حصار تمت ممارسته على شعب في التاريخ.

ولكن تحول السلطة في مرحلة ما بعد عرفات إلى أداة صهيونية فاسدة، وفي نفس الوقت صمود غزة وبدء مرحلة إطلاق الصواريخ على دولة الكيان، في محاولة بناء استراتيجية لردع الكيان الصهيوني عن ممارساته وخططه، والحيلولة دون تنفيذ مخططاته في السيطرة على الأقصى وتهويد القدس، كل ذلك أعطى زخمًا للمقاومة في الضفة الغربية، والتي مدت إليها مقاومة غزة يد العون لتنطلق في عملياتها في مدن الضفة الغربية لتخفف عبء الحصار وضربات الكيان.

والآن بعد الفشل الصهيوني في جنين وعجزه عن إخضاعها، هل ستقدم المقاومة الفلسطينية على إنهاء وجود السلطة في الضفة للاتحاد مع غزة في مقاومتها للاحتلال وتكرر نموذجها المقاتل؟

طبعًا تختلف الظروف حيث الوضع في الضفة أكثر تعقيدًا من حالة غزة، ولكن في جميع الأحوال فإن بقاء السلطة الفلسطينية في وضعها الراهن أصبح موضع شك كبير، وهي إلى زوال في وقت قريب سواء على أيدي فصائل المقاومة أو عن طريق الكيان الصهيوني الذي لن يجد لها أي جدوى أو فائدة، وباتت تشكل عبئا استراتيجيًا عليه.

أعلى