• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لماذا لم يضرب الكيان الصهيوني حماس في غاراته الأخيرة على غزة؟

السؤال لماذا يصر الصهاينة على عدم ضرب حماس واستثناءها من الضربة الأخيرة هذه المرة، خاصه أن الجيش الصهيوني هو الذي بدأ بالضربة وباغت بها قيادات الجهاد؟ للإجابة على هذا السؤال يلزمنا فهم الفروق المنهجية والفكرية والعسكرية بين حماس والجهاد والعلاقات بينهما


"الضربات التي وجهها الجيش لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة هي الأقوى في تاريخها"

هكذا وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو الضربة التي قام بها الجيش الصهيوني لحركة الجهاد الفلسطينية.

فبدون أي مقدمات، وفي فجر يوم التاسع من مايو شنت الطائرات الاحتلال للإسرائيلية غارة على منازل القيادات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في عملية عسكرية استغرقت عدة أيام، اغتالت خلالها ستة من كبار القيادات العسكرية لسرايا القدس وهو الجناح العسكري للحركة.

فقد تم اغتيال جهاد الغنام أمين سر المجلس العسكري للحركة، وخليل البهتيني عضو المجلس العسكري، وطارق عز الدين الذي وصفته سرايا القدس بأنه أحد قادة العمل العسكري للسرايا بالضفة، وعلي غالي عضو المجلس العسكري وقائد الوحدة الصاروخية، وأحمد أبو دقة أحد أبرز قادة السرايا، وتقول مصادر إعلامية إنه نائب علي غالي، وكان آخر القادة الذين تم اغتيالهم إياد الحسني مسؤول وحدة العمليات المركزية.

 

يبدو أن قيادات حركة الجهاد تأثرت وشرعت في تدشين علاقات مع الأجهزة الإيرانية في ذلك التوقيت، حتى وصل الحال إلى أن إيران أصبحت تزود الجهاد بالأسلحة الدقيقة والصواريخ بعيدة المدى

وفي خضم هذه الضربات القاتلة حرص القادة العسكريين الصهاينة على الإعلان أنهم لا يستهدفون حركة حماس، إلا إذا أعلنت عن مشاركتها في الرد الفلسطيني.

مع العلم أن الكيان الصهيوني استهدف قادة حماس منذ نشأتها سواء السياسيين والعسكريين، بعضها فشل والآخر نجح، منذ اغتيال محمود هنود وصلاح شحادة، مرورًا بالشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ جمال منصور والشيخ نزار ريان، أو محاولة اغتيال خالد مشعل وقائد كتائب عز الدين القسام محمد ضيف.

وهنا يثار السؤال لماذا يصر الصهاينة على عدم ضرب حماس واستثناءها من الضربة الأخيرة هذه المرة، خاصه أن الجيش الصهيوني هو الذي بدأ بالضربة وباغت بها قيادات الجهاد؟

للإجابة على هذا السؤال يلزمنا فهم الفروق المنهجية والفكرية والعسكرية بين حماس والجهاد والعلاقات بينهما، ومن ثم نحاول أن نستنتج سبب التركيز الصهيوني الراهن على حركة الجهاد وسرايا القدس.

حماس وإدارة غزة

تأسست حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصارًا باسم حماس في ديسمبر من عام 1986 على يد الشيخ أحمد ياسين وبعض قيادات الحركة الإسلامية العاملين في الساحة الفلسطينية، مثل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار وغيرهما.

وصعدت حماس بدء من الانتفاض الفلسطينية الأولى عام 1987، وانتشرت في فلسطين لتكون أبرز حركات المقاومة على الساحة الفلسطينية والتي تلتف حولها الجماهير، حتى أنها عندما خاضت تجربة المشاركة السياسية في 2006، فازت بالأغلبية في الانتخابات متفوقة على حركة فتح أقدم المنظمات الفلسطينية والتي كان الكيان الصهيوني قد أبرم معها اتفاقية أوسلو عام 1994، والتي بمقتضاها مُنح الفلسطينيون نوعًا من الحكم الذاتي في غزة وبعض مناطق الضفة الغربية.

وفي عام 2007، ونتيجة لتعاون بعض قيادات فتح في غزة مع أجهزة الأمن الصهيونية، أقدمت حماس على السيطرة على قطاع غزة عسكريًا بعد أن سيطرت عليه سياسيًا من خلال الانتخابات، وخاضت اشتباكات مسلحة مع سلطة فتح لم تستغرق إلا ساعات محدودة.

وللتعرف على فكر هذه الحركة يجب النظر إلى عنصرين: ميثاق الحركة والصادر عام 1988، أي بعد تأسيسها بعام، ووثيقة المبادئ والسياسات العامة والتي أصدرتها عام 2017.

ففي كل من الميثاق والوثيقة تؤكد الحركة على استقلاليتها وإن كانت في الوثيقة الأخيرة تؤكد أنها ليست تابعة لأي كيان إسلامي سابق، وبدت الحركة في تلك الوثيقة تميل لجعل الحركة أكثر قطرية أو كما نقول أكثر تركيزًا على البعد المحلي الفلسطيني وارتباطه به أكثر من كونها مرتبطة بفرق أو مجموعات أخرى.

وحرصت الحركة كذلك على استقلاليتها عن المشروع الامبراطوري لإيران، بالرغم من أن إيران تعتبر الداعم الوحيد لحماس تقريبًا للحركة بالسلاح والتدريب.

وعندما اشتد الضغط الإيراني على حماس لإعادة علاقتها بنظام بشار الأسد، اضطرت حماس للصلح مع النظام السوري، ولكنها لم تعتذر له عن موقفها السابق المؤيد للثورة السورية، ففي سبتمبر عام 2022، نقل موقع ميدل ايست آي عن مصدر في حماس أن الأخيرة رفضت شرط النظام السوري الاعتذار عن موقفها السابق لإعادة العلاقات. كما أن أحد أبرز قيادات الحركة وهو الشيخ صالح العاروري أكد في لقاء مع قناة الأقصى منذ شهور أن حركته لا تذهب لسوريا لتأييد النظام في صراعه الداخلي ولا الاصطفاف معه ضد المعارضة، وإنما لأهداف تتعلق بعملها كحركة مقاومة.

ويقول الباحث سعيد الحاج: حماس في ذهابها لدمشق لا تقرأ فقط المتغيرات العالمية على هامش الحرب الروسية- الأوكرانية والإقليمية المتعلقة بمسار التطبيع، وإنما تستشرف كذلك انفتاح أطراف إضافية على النظام السوري مع مرور الوقت من زاوية التعامل مع الأمر الواقع، وهو ما جعل تبكير قرارها أرجح فائدة لها من تأخيره.

الجهاد الإسلامي وإيران

أما حركة الجهاد الإسلامي فقد تم تأسيسها في السبعينات على يد بعض الطلبة الفلسطينيين والذين كانوا يدرسون في مصر، حينما ذهب فتحي الشقاقي عام 1979 والذي كان يدرس الطب في مدينة الزقازيق بمصر إلى إيران بعد تخرجه، واستلهم فكرة الجهاد من الثورة الإيرانية عام 1979 ونقلها إلى فلسطين عام 1981 وأعلن عن تأسيس جماعة الجهاد في نفس العام، أي قبل تأسيس حزب الله 1984 وتأسيس حركة حماس عام 1987.

وكان الكثيرون من الشباب في ذلك الوقت أصحاب العاطفة الإسلامية مبهورين بالثورة الإيرانية وقدرتها على تغيير نظام طاغية مثل شاه إيران، غير مكترثين أو غافلين عن أيديولوجيتها، وأنها قامت لنشر التشيع من خلال مشروع لها يتمدد على حساب المسلمين، يهدف الى إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية متسربلا بدافع حب البيت.

ويبدو أن قيادات حركة الجهاد تأثرت وشرعت في تدشين علاقات مع الأجهزة الإيرانية في ذلك التوقيت، حتى وصل الحال إلى أن إيران أصبحت تزود الجهاد بالأسلحة الدقيقة والصواريخ بعيدة المدى، وتدرب عناصر التنظيم في سوريا ولبنان، وصار المكتب الرئيسي للجهاد في سوريا رغم الحروب التي تمر بها سوريا، والأمين العام للحركة يسكن لبنان سواء كان رمضان شلح الذي رحل مؤخرًا، وخلفه زياد النخالة، تحت حماية حزب الله الذي يقوم بحماية قادة الجهاد داخل لبنان.

 

 في المواجهة الأخيرة اختار الاحتلال الصهيوني، الانفراد بحركة الجهاد وفق استراتيجية تجزئة العدو والبدء بتصفية التنظيم الأصغر، الذي هو في نفس الوقت المصدر الرئيس للسلاح القادم من إيران وتحديث أنظمتها الصاروخية

ولكن يبقى التساؤل ما هي درجة استقلالية قرار حركة الجهاد عن إيران باعتبارها السند والداعم الأكبر للحركة تمويلاً وعتاداً؟ أم ان علاقتها بإيران مثل علاقة حماس بإيران أي تتبع مستوى المصالح والمفاسد بعيدًا عن أي ارتباط عقدي ومرجعي، وحرصًا على استقلالها وليست جزءًا من مشروعها الامبراطوري؟

في سبتمبر 2021 وبحسب وكالة الأناضول، قال قائد مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري، غلام رشيد علي في تصريح صحفي، إن القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، أبلغهم أنه نظّم 6 جيوش خارج حدود بلاده، (ذكر من ضمنها حركتي حماس والجهاد الإسلامي)، مضيفًا أن العدو إذا أراد استهداف الجمهورية، عليه مواجهة هذه الجيوش. وقد ردت حركة الجهاد على هذه التصريحات في بيان تقول: فيه إن تحالفها مع إيران جاء لمواجهة الكيان الصهيوني، وليس مرتبطًا بأي هدف آخر، وأضافت الحركة في بيانها مقاومة الشعب الفلسطيني موجودة منذ تأسيس المشروع الصهيوني واحتلاله لفلسطين، وليست مرتبطة بأي هدف آخر، وأردفت: قوى المقاومة بما فيها إيران، تقف موضوعياً في جبهة واحدة ضد العدو الصهيوني وحلفائه.

الفروق بين حماس والجهاد الاسلامي

يمكن أن نلاحظ أن ثمة قضيتين أساسيتين تختلف فيها حماس عن الجهاد:

أولا / العلاقة مع إيران، فحماس ترفض أن تكون جزءًا من مشروع إيران الامبراطوري، ولكن لا مانع من التحالف معها ضد الكيان الصهيوني، فحماس ظلت إلى وقت قريب تعاني من الحصار في المنطقة.

ولكن حماس حريصة على ألا تتمدد إيران فكريًا وعقديًا داخل غزة، ولوحظ أنه في السنوات الأخيرة صادرت حماس كتبًا شيعية، كما أنها ألقت القبض على أفراد اعتنقوا هذه العقيدة.

فمنذ عدة سنوات ظهرت حركة الصابرين التي كانت قريبة من الجهاد وأصبحت أول حركة شيعية في غزة بل فلسطين أسسها هشام سالم، لكن سرعان ما ألقت حماس القبض عليهم، وتدخلت إيران لتهدئة الأوضاع بين الحركتين.

ولكن بالرغم من ذلك تظل حركة الجهاد الإسلامي تحاول ألا تضع نفسها في نفس خندق أذرع إيران الشيعية مثل حزب الله، فالحركة رفضت التدخل في الصراع السوري وأيضًا رفضت إدانة ضرب التحالف العربي للحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

ثانيا/ أما القضية الأخرى التي تختلف فيها حماس عن الجهاد، فبحكم أن حماس بمثابة حكومة ومسئولة عن قطاع غزة، فإنها مطالبة بتخفيف آثار الحصار عن حياة أهل القطاع، ومطالبة بتوفير الوقود والغطاء والأمن لهم، وإعادة اعمار بيوتهم المدمرة واستمرار أعمالهم وأرزاقهم.

وهذه الاعتبارات تضعها في حساباتها عند أي مواجهة مع الكيان وهذه الحسابات التي ربما لا تكون في ذهن صانع القرار في حركة الجهاد، ويحتاج الأمر لتنسيق عالي المستوى بين الطرفين لأخذ هذه الاعتبارات عن مواجهة الكيان أو الرد على استفزازاته وهمجيته.

الكيان الصهيوني بين حماس والجهاد

في المواجهة الأخيرة اختار الاحتلال الصهيوني، الانفراد بحركة الجهاد وفق استراتيجية تجزئة العدو والبدء بتصفية التنظيم الأصغر، الذي هو في نفس الوقت المصدر الرئيس للسلاح القادم من إيران وتحديث أنظمتها الصاروخية، وتعويض الفاقد والمستهلك في حروب ومواجهات المقاومة مع الكيان الصهيوني.

وهذه الاستراتيجية تتوافق مع ما نقلته صحيفة التايمز البريطانية عن مصادر صهيونية، أن إيران حاولت توقيع اتفاق دفاع صاروخي بين حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي ضد الكيان وأن يكون هناك نظام واحد للصواريخ بين المكونات الثلاثة، ولكن وفق الصحيفة فإن الجناح السياسي لحماس رفض هذه المبادرة.

ولذلك فالكيان الصهيوني على ما يبدو لا يستطيع الجلوس في انتظار توافق فلسطيني إيراني على ضربة مُنسّقة من الجنوب والشمال، فأراد استباق ذلك بضربة يوجهها إلى أضعف مجموعة في ثلاثية حزب الله وحماس والجهاد.

كما يحاول الكيان باستفراده بالجهاد واستهداف قادتها، فصل موقفها عن حركة حماس، وبذر بذور الفتنة بينهما، والهاء الحركتين بالخلافات بينهما، بعيدًا عن التفكير وتطوير قدرتهما على ردعه. 

الكيان الصهيوني يعلم جيدًا أن حماس مصممة على الرد على الاستفزاز الصهيوني يوم الخميس القادم، عندما أعلن قادة اليمين المتطرف وعلى رأسهم أربعة وزراء في الحكومة، مشاركتهم في مسيرة الأعلام والتي ستجوب القدس القديمة وتمر من المسجد الأقصى، والتي أعلن نتانياهو دعمه لتلك المسيرة، فعن طريق استهداف قادة العمل العسكري للجهاد، فهو يوجه رسالة تهديد إلى قادة حماس باستهدافهم إذا نفذوا تهديدهم بضرب الصواريخ كرد على مسيرة الأعلام.

 

 

 

أعلى