القطبية تعني عدد من الدول تتصارع على بسط نفوذها في النظام الدولي، وتلك القوى تحتاج إلى مؤشرات: منها السكان، والأرض، والموارد الاقتصادية، والعسكرية، والاستقرار السياسي، وهذا الأمر يجعل من الصين والولايات المتحدة يمثلان قوى قطبية
يحتاج العالم الحالي إلى معجزة كونية لوقف التدهور الاقتصادي والعسكري الحاصل بسبب
الصراع بين القوى الدولية التي تتنافس على النفوذ والثروة، ومنذ الحرب العالمية
الثانية خرجت الولايات المتحدة كقوة عظمى ليس بفعل قوتها العسكرية فقط بل أيضاَ
نفوذها الاقتصادي والرأسمالي وانتشارها الجغرافي وفاعليتها في الكثير من الملفات
السياسية وقدرتها على المناورة والاشتباك في ساحات دولية مختلفة استطاعت أن تبسط
نفوذها فيها.
في العقدين الأخيرين أصبحت الصين أكبر محركات التأثير للتغيير الجيوسياسي وفقاً
لوصف مجلة فورين بوليسي، ورغم الصراع مع روسيا في أوكرانيا إلا أن واشنطن تعتقد
بوضوح أن الصين هي الخطر الحقيقي الذي يهددها
لذلك في يونيو 2022 قام حلف الناتو بإدراج الصين في مفهومه الإستراتيجي كقوة مصادمة
باعتبارها من المخاطر الأمنية التي يواجهها.
المعايير الأمريكية لتحديد مدى خطورة الصين مرتبطة بدرجة كبيرة بمجموعة مسارات
أولها هيمنة الصين على ميزان التجارة العالمي وانتشارها الديمغرافي في مناطق النفوذ
الأمريكي مثل الاستيلاء على موانئ الكيان الصهيوني من خلال عقود تشغيل وكذلك تعزيز
تحالفها مع باكستان وبعض البلدان العربية وحضورها الساخن في شرق آسيا، وهيمنتها على
نسبة كبيرة من واردات قطاع التكنولوجيا الغربي بالإضافة إلى نشرها قواعد عسكرية في
مسارات التجارة العالمية، لكن لنعرف إذا كان كل ذلك سيجعل من الصين قوة عظمى أم لا
يجعلنا نعود لمقارنة قوة الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي في حقبة الحرب
الباردة وفقاً لثلاث مفاهيم وهي الاستقطاب والهيمنة والتعريف الحقيقي للقوة العظمى.
|
إن
الأقطاب في النظام الدولي فقط هي التي يمكن أن تكون قوى عظمى لكن كون هذه
الأقطاب تتفرد بالقطبية لا يعني ذلك أنها يمكن أن تكون قوة عظمى لذلك لا
يمكن تعريف الصين على أنها قوة عظمى، |
كانت الولايات المتحدة قطب عالمي وتمتلك هيمنة نجحت عبرها في شن الكثير من الحروب
مثل حرب الخليج وأفغانستان والتدخلات العسكرية عبر الناتو ونجحت من خلال ذلك فرض
نفسها كقوة عظمى أما بالنسبة للاتحاد السوفيتي فقد كان قطباً وقوة عظمى لكنه لم يكن
يمتلك الهيمنة الإقليمية وهو الأمر الذي تعاني منه الصين
فالقطبية تعني عدد من الدول تتصارع على بسط نفوذها في النظام الدولي، وتلك القوى
تحتاج إلى مؤشرات: منها السكان، والأرض، والموارد الاقتصادية، والعسكرية،
والاستقرار السياسي، وهذا الأمر يجعل من الصين والولايات المتحدة يمثلان قوى قطبية
على غرار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
من الناحية الاقتصادية فإن الصين تمتلك ثروة تعادل الثروة الإجمالية للولايات
المتحدة تقريبًا، بينما لم تكون قوة الاتحاد السوفيتي الاقتصادية تعادل 50 في
المائة من الاقتصاد الأمريكي، أما بالنسبة للقوة العسكرية فإن الفجوة كبيرة بين
الصين والولايات المتحدة والسبب الرئيسي هو أن الصين تنفق حصة أقل من ناتجها المحلي
الإجمالي مقارنة بالإنفاق على التسليح الذي مارسه الاتحاد السوفيتي.
محاولة الطرفين الحصول على مصادر القوة والنفوذ من خلال صناعة الصراعات المتراكمة
مثل أزمة أوكرانيا التي تسببت في استقطاب كبير وانقسام بين تحالف يضم روسيا والصين
من جانب والولايات المتحدة والكتلة الغربية من جانب آخر وأثر بشكل كبير على
الاقتصاد العالمي يوضح طبيعة سلوك القوى العظمى والانقسام العالمي الواضح ويظهر
صورة مكشوفة للحرب الباردة التي تتصاعد حدتها وتظهر دلائلها وقدرتها وتأثيرها
وانعكاساتها على مناطق نفوذ القوى العظمى مثل محاولة واشنطن استدراج بكين في مواجهة
مع تايون مع عقود تسليح ضخمة تفصح عن توجهات الولايات المتحدة.
يقول الباحث في العلاقات الدولية وليام فوكس في كتابه " القوى العظمى" الذي نشر عام
1944 إن الأقطاب في النظام الدولي فقط هي التي يمكن أن تكون قوى عظمى لكن كون هذه
الأقطاب تتفرد بالقطبية لا يعني ذلك أنها يمكن أن تكون قوة عظمى لذلك لا يمكن تعريف
الصين على أنها قوة عظمى،
بل هو يصنفها على أنها قوى إقليمية لعدة أسباب أولها أنها لا تمتلك قدرة عسكرية
يمكن أن تؤثر على المسرح العالمي من خلال تدخلها السريع في الحروب والأزمات
العالمية كذلك فإن الاستقرار السياسي في الصين رهينة لصانع القرار المركزي الذي
يقوده الحزب الشيوعي بقيادته وبالتالي هناك مركزية قد تنهار مع تأثرها باختلال
التوازن داخل الحزب الحاكم الذي يقوده صاحب الصلاحيات المطلقة رئيس الدولة. بالنسبة
لفوكس كانت بريطانيا قوة عظمى بفضل اتحاد الكومنولث الذي كانت تقوده ويوفر لها توسع
جيوسياسي في مسارح رئيسية في العالم لكنها خسرته وتحولت من قوة عظمى إلى قطب بعد
تراجعها على المسرح الدولي.