من يصدق أن قصة حياة طفلة صغيرة، ستكون شاهدة على أحوال حاضرة من حواضر العالم الإسلامي، وبقعة عزيزة مقربة من قلوبهم، وهي أرض الشام التي كانت ولازالت منذ ما يقرب من نصف قرن تعاني مأساة تسلط الباطنيين عليها
" أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ثم توقفت لتقول أنا
أعرف التجويد لكن عندما أكون مريضة أتعب"
هكذا تحدثت الفتاة السورية الصغيرة التي لا يتعدى عمرها العشر السنوات وهي تحت
أنقاض بيتها المهدم، بينما رجال الإنقاذ يحاولون جاهدين إخراجها من تحت الأنقاض،
حيث كانت تبدو عليها علامات التعب والإرهاق بعد ساعات مضنية قضتها تحت الأنقاض.
وبعد أن شعرت بالتعب وضيق التنفس، طلب منها أحد المنقذين أن تنشد للشام التي سُميت
باسمها، فقالت الطفلة: يا شام أنت شامنا، وذلك في محاولة من رجال الإنقاذ للتهدئة
من روعها والتخفيف عنها من قسوة المشهد الذي عاشته.
من يصدق أن قصة حياة طفلة سورية صغيرة، ستكون شاهدة على أحوال حاضرة من حواضر
العالم الإسلامي، وبقعة عزيزة من أرض المسلمين مقربة من قلوبهم، وهي أرض الشام التي
كانت ولازالت منذ ما يقرب من نصف قرن تعاني مأساة تسلط الباطنيين عليها، بعد أن
تحالفوا مع الرافضة وشتى الملل والنحل من ألد أعداء الإسلام والمسلمين، لنشر الفساد
والظلم والانحلال بين رجال ونساء وشباب أهل السنة.
|
ولقد كان لأهل الشام وسوريا تحديدًا دورًا مشهودَا في تاريخ الإسلام، سواء
على المستوى العلمي والجهادي، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية أحد أبرز مجددي
الدين ينشأ بين ظهورها. |
ففي بداية هذا الشهر وقع الزلزال المدمر الذي كان مركزه هضبة الأناضول في تركيا
وضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا حيث بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة
7.6 درجات وعشرات الهزات الارتدادية.
ودمر الزلزال محافظات عديدة في ذلك البلد المنكوب، وامتد تدميره إلى سوريا
المجاورة، ومن بين آلاف المنازل المهدمة ومئات الآلاف من ضحايا الزلزال، يُخرج رجال
الدفاع المدني السوري، الطفلة شام صاحبة السنوات العشر من أسفل أنقاض منازلها
المُهدم جراء الزلزال، في بلدة أرمناز الواقعة بريف إدلب الغربي.
وبالرغم من تعدد نماذج الناجين من الزلزال ممن يؤخذ من قصصهم العبر، سواء من طفل
رضيع بقي على قيد الحياة أياما عديدة من غير طعام وشراب، إلى امرأة تأبى الخروج إلا
من بعد أن يحضروا لها حجابًا وغيرها من القصص.
ولكن تبقى قصة الطفلة شام تحمل كثير من المضامين والدلائل والتي لا يمكن تجاوزها،
ويجب الوقوف عندها، لأنها لا تعبر عن موقف فردي أو شخصي ملهم، بل حالة شعب ومكانة
أمة.
فمنذ قدوم الطفلة شام إلى الحياة وهي تتنقل بين مدينة وأخرى هربًا من ويلات الحرب
التي تعيشها سوريا درة بلاد الشام، فقبل عدة أعوام عاشت الفتاة في قرية تلمنس التي
تقع بريف إدلب الشرقي، لكن وبسبب الحرب قررت عائلتها الخروج من بلدتهم مودعين
أحبائهم هربًا من الموت نحو مكان آخر أكثر أماناً، لتستقر العائلة في ريف إدلب
الغربي لم تُدرك حينها أنّ الموت سيلاحقهم هناك.
كانت شام الأصغر بين أشقائها، وتروي شام ما حصل معها، وتقول في يوم الكارثة ذهبت
لسريري من أجل النوم، وأول ما بدأ الزلزال كنت متغطية باللحاف بسبب البرد. أمي صارت
تصيح وتنادي: قوموا قوموا. لم أفهم ما يحصل. بعد ذلك انطفت الأضواء وكان الظلام في
كل مكان، حتى صوت أمي اختفى هو الآخر، وجلسنا أنا واخواتي نستغفر وقرأنا القرآن،
وبعد ذلك وقع سقف المنزل علينا، وقد كانت هناك حجارة كبيرة منعتني من الحركة.
وأضافت أختي حاولت تنقذ نفسها عدة مرات ولكنها لم تستطع الخروج.
في مساء الثلاثاء وبعد نحو 40 ساعة، وصلت قوات الدفاع المدني إلى شام، بعدما أنقذت
والدها وشقيقها وانتشلت جثمان شقيقتها ووالدتها، ولم يتبقَ في المنزل سوى شام،
والتي كانت تنام وفوقها نحو 3 طوابق حيث كانت الصغيرة تسكن رفقة عائلتها في الطابق
الأول من المنزل المنهار.
على مدار ساعتين حاول فيها رجال الدفاع المدني إنقاذ الفتاة، قاموا بتهدئتها
وأوصلوا لها الأكسجين، طالبوها بترتيل القرآن، تفاعلت معهم شام كانت تساعدهم في
التفكير بطريقة لخروجها، وطالبتهم أيضًا بقارورة مياه لتروي جوفها الذي لم تدخله
المياه ليومين، كانت تبتسم أحيانًا وتبكي أخرى، لكنّها في النهاية كانت صامدة وقوية
تحدّت الخوف والألم وخرجت إلى الحياة من جديد.
اليوم تنام شام على سرير داخل إحدى غرف العناية المشددة في مستشفى بإدلب، تداوي
جروحها وتُضمد آلامها، فالفتاة مصابة بإصابات شديدة في قدميها التي علقت تحت
الأنقاض لفترة طويلة، لكنّ بعد أيام ستخرج شام ستتذكر ما ألم بها وعائلتها ستتذكر
قوتها التي كانت حديث العالم أجمع وخرج جميع أفراد عائلة تلك الفتاة من تحت الركام
ما بين شهيد وناج، وتركوها وحيدة لساعات طويلة.
ما مرت به شام الفتاة تذكرنا ما حل بشام المسلمين...كيف ذلك؟
الشام والطائفة المنصورة
هناك ما يقرب من عشرين حديثًا صحيحًا تمت روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم في
فضل الشام وأهلها.
فهي التي دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم لها بالبركة، فقد روى ابن عمر وأخرجه
البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا
في يمننا،.. إلى بقية الحديث.
وهي التي بها الإيمان إذا وقعت الفتن، ففي حديث عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي
اللَّه عنهما والذي رواه الحكام وصححه الألباني، يقول رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإِذا هو نور ساطع عمد به
إِلى الشام، ألا إن الإِيمان إذا وقعت الفتن بالشام.
|
لم يستطع أحرار سوريا تحرير سوى 10% من أرض سوريا، بسبب عوامل عديدة منها
حصار الدول الكبرى لهم ومؤامرتهم عليها، فضلاً عن وقوف دولة الكيان
الصهيوني والنظام الرافضي الإيراني والحيلولة دون سقوط نظام بشار النصيري |
وهي أيضًا التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي عبد الله بن حوالة رضي
اللَّه عنه في الحديث الذي صححه الألباني في سلسلته الصحيحة؛ حيث وصفها صلى الله
عليه وسلم بأنها صفوة الله عز وجل من بلاده، وإليه يحشر صفوته من عباده. ... فإن
الله عز وجل قد تكفّل بالشام وأهله.
وبأهل الشام سيؤيد الله هذا الدين، ففي حديث أبي هريرة الذي حسنه الألباني في
السلسلة الصحيحة، يقول صلى الله عليه وسلم، إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق
بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً وأجودهم سلاحًا يؤيد الله بهم الدين.
وغيرها من الفضائل التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التنبيه بشأن ومكانة
الشام وأهلها.
ولقد كان لأهل الشام وسوريا تحديدًا دورًا مشهودَا في تاريخ الإسلام، سواء على
المستوى العلمي والجهادي، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية أحد أبرز مجددي الدين ينشأ
بين ظهورها.
ومن ينسى دور الشيخ عز الدين القسام الذي ولد باللاذقية في بدء الجهاد والدعوة إليه
في فلسطين في ثلاثينات القرن الماضي، ضد عصابات بني صهيون حتى استشهد في أرض
فلسطين.
ولم يسكت أهل سوريا على حكم النصيرية عندما اعتلوا عرش سوريا، إثر الانقلاب الدي
قاده حافظ الأسد عام 1970، ليحكم الباطنيون سوريا لأول مرة في التاريخ، فقاد
الشرفاء حرب عصابات ضد الزمرة النصيرية والتي قام بهدم مدينة حماة فوق رءوس ساكنيها
في مذبحة القرن العشرين والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من ساكنيها.
ومنذ عام 2011، وأهل سوريا ينتفضون ضد بشار الأسد، والذي سار على نهج أبيه في القتل
والتشريد حتى هاجر الملايين من أهل الشام أرضهم لاجئين في شتى بقاع الأرض، في مأساة
فاقت بشاعتها ما حدث لإخوانهم من أهل فلسطين على يد الصهاينة.
لم يستطع أحرار سوريا تحرير سوى 10% من أرض سوريا، بسبب عوامل عديدة منها حصار
الدول الكبرى لهم ومؤامرتهم عليها، فضلاً عن وقوف دولة الكيان الصهيوني والنظام
الرافضي الإيراني والحيلولة دون سقوط نظام بشار النصيري
كنقطة ارتكاز ضد نهوض أهل السنة.
ولكن العامل الأكبر هو خذلان جماهير أهل السنة في الأرض المغلوبين على أمرهم لأهل
الشام، والذي نأمل أن يكون الزلزال الأخير محفزا للمسلمين لنجدة أحرار سوريا
وتخليصهم من حكم الباطنيين الطغاة.
ظهرت الطفلة شام في فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي ترد على سؤال الإعلامي
السوري عمر مدنية: "أنتِ كويسة"، قائلة: "بإذن الله أكيد أتحسن، بإذن الله سأقوم".
وتسببت عفوية الطفلة شام وبراءتها في بكاء الإعلامي السوري وتقبيل يدها إلا أنها
أكدت أنها يمكن أن تكتفي بإمساك يد أحدهم لها خاصة أنها كانت تشعر بالألم، قائلة:
"أمسك أيدي أنا بحب أمسك أيد حدا".
وودع الإعلامي السوري الطفلة شام قائلاً: "المرة الجاية راح تكونين تحسنتي"، إلا
أنها ردت بعفوية قائلة: "إن شاء الله ما بقدر أوعدك بس بقول إن شاء الله".
لقد جمعت شام بين الايمان الذي أمدها بتلك الشخصية القوية الصامدة على الألم
والجراح وفقد الأحباب، وبين القوة المعنوية التي لم تفقد الأمل أبدًا.
وكأن تلك الفتاة تعبر عن خصائص جهاد وكفاح أهل الشام طيلة السنين الماضية.
وكما صمدت شام الفتاة أمام التهجير ثم الزلزال لتظهر بتلك الصورة القوية المتفائلة
المليئة بالأمل، فإنه لا شك علامة ومؤشرًا على تحويل وتغيير ليظهر النصر وتستيقظ
الأمة من سباتها.