• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نيران تنفجر في إيران..  ماذا بعد غارة أصفهان؟

تفجيرات أصفهان، هل كانت "إسرائيل" وحدها وراء الحادث؟ ولماذا دخلت أوكرانيا على خط العلمية؟ وما الدوافع وراء الاعتراف "الإسرائيلي" بالقيام بتلك العملية على غير عادتها؟ ماذا تحمل تلك العمليات من رسائل للنظام الإيراني؟


إغارة الطائرات المسيّرة "الإسرائيلية"، وهي هليكوبترات مصغّرة رباعية المراوح quadcopters بحسب الموقع "الإسرائيلي" debka، على مصنع عسكري في أصفهان ليل الأحد الماضي، ترافقت مع نوع من التشويش الذي قد يكون متعمّداً، فيما يتعلّق بالجهة الفاعلة، ربما لتخفيف الوطء النفسي على طهران، وتحريرها من ردّ متعجّل، قد يُشعل حرباً إقليمية في المنطقة، لا تريدها الآن الإدارة الأميركية، ولا الحلفاء في الناتو.

 

سرعان ما أكّدت المصادر الأميركية و"الإسرائيلية" بعد ساعات قليلة، مسؤولية تل أبيب حصرياً عن الغارة من خلال صحيفتي "وال ستريت جورنال" الأميركية و"جيروزاليم بوست" "الإسرائيلية". وهذا تغيير لافت في سياسة الغموض البنّاء

في البدء، شاع أنّ الغارة أمريكية، ردّاً على التدخل الإيراني في حرب أوكرانيا إلى جانب موسكو، وتزويد الجيش الروسي بما يحتاجه بشدة من مسيّرات وصواريخ باليستية لتنفيذ استراتيجيته الجديدة في قصف المرافق المدنية الحيوية في أوكرانيا، وحرمان السكان من الطاقة في الشتاء القارس. ولو تأكّد الخبر، لكانت التأويلات والأبعاد والآثار والمخاوف والضجيج الإعلامي أكبر بكثير. لكن الالتفات أولاً إلى الولايات المتحدة، وارتباط الأهداف المقصوفة بالحرب الأوكرانية (موقع تصنيع مسيّرات وصواريخ باليستية)، من التي تصدّرها إيران إلى روسيا، أسهم في استبعاد "إسرائيل" لوقت قليل، وفي تردّد طهران بشأن تحديد الفاعلين. لكن سرعان ما أكّدت المصادر الأميركية و"الإسرائيلية" بعد ساعات قليلة، مسؤولية تل أبيب حصرياً عن الغارة من خلال صحيفتي "وال ستريت جورنال" الأميركية و"جيروزاليم بوست" "الإسرائيلية". وهذا تغيير لافت في سياسة الغموض البنّاء، نحو الإقرار شبه الرسمي بتنفيذ الضربات داخل إيران، وهو ما يختلف عن السياسات التي درجت عليها حكومات "إسرائيل" في السنوات الأخيرة، حين نفّذت سلسلة عمليات تخريبية في مواقع التخصيب النووي، ومن أخطرها اغتيال مسؤول المشروع النووي الإيراني محسن فخري زادة عام 2020، ولاحقاً كوادر في الحرس الثوري. هل هو تبديل نوعي في استراتيجية الضربات الوقائية أم هو تعقيد الموقف الإقليمي والدولي الذي دفع إلى اختيار لحظة شائكة لتحقيق أهداف متعدّدة في عملية واحدة؟ 

من نفّذ الغارة؟

قبل محاولة الإجابة على التساؤلات السابق ذكرها، لا بدّ من المضيّ في تشريح الموقف المعقّد. توجهّت الأنظار أولاً إلى الولايات المتحدة، إذ كان رئيس جهاز الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز في "إسرائيل" قبل الغارة بقليل، لتنسيق العملية وتحديد نطاقها بدقة، ونُفّذت الضربة فيما كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن في طريقه إلى تل أبيب. وما بين ذلك، أمضت الولايات المتحدة و"إسرائيل" أسبوعاً كاملاً، وهما تجريان مناورة عسكرية جوية مشتركة ذات علاقة بقصف أهداف عدوة، في بلد كإيران. وتطلّعت التحليلات أيضاً إلى أذربيجان كعنصر مساعد لوجيستياً، لمجاورتها إيران شمالاً، وتصاعد التوتر بين باكو وطهران مؤخراً، بسبب الهجوم المسلّح على السفارة الآذرية في طهران، قبل يومين من الغارة، والإعلان عن نية إخلاء السفارة، وهو ما أُضيف إلى التوتر الجيوسياسي الموروث بين البلدين، منذ انقسام أذربيجان بين روسيا وإيران عقب معاهدة تركمانجاي عام 1824، ثم عندما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وتزعزع حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة، واندلاع نزاع عنيف بين الآذريين والأرمن، ومن بعده الصدام العسكري في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه تاريخياً بين أذربيجان وأرمينيا بين عامي 1988 و1994، ثم انقلاب ميزان القوة إلى جانب أذربيجان عام 2020، وانحياز إيران إلى أرمينيا لأسباب جيوبوليتيكية صرفة. وزاد على ذلك، أنّ التعاون العسكري الآذري الأوكراني يعود إلى سنوات خلت، كما هو التقارب الآذري "الإسرائيلي" الذي تعزّز بقرار إرسال أول سفير آذري إلى "إسرائيل"، بعكس القرب الروسي الأرميني التاريخي، والجفاء الروسي "الإسرائيلي" المستجدّ، بسبب التقارب الروسي الأوكراني.

فلما لا تكون كييف متورطة أيضاً في الهجوم على أصفهان، لا سيما وأنه يخدم المصالح الأوكرانية في هذه الحرب؟ هو احتمال لم يغب عن تكهّنات المتابعين وافتراضاتهم والتي تعزّزت بتغريدة من مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولاك، مفادها باختصار: "ألم أقل أنكم ستندمون حين تتدخلون في حرب لا مصلحة لكم بها؟". وللمستشار نفسه تصريح لافت في كانون الأول/ديسمبر الماضي حين دعا إلى تصفية مصانع السلاح الإيراني (مسيّرات وصواريخ باليستية) واعتقال مورّدي السلاح إلى روسيا. فهل كانت مجرّد مصادفة، أم أنّ العملية تورّطت فيها دول عدة. ظاهرها ضربة "إسرائيلية" استباقية لإضعاف القدرات الإيرانية في المجال المتعدّد الاستخدام (التقليدي والنووي)، بعدما بدا منذ عودة بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/نوفمبر إلى رئاسة الحكومة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية، أنّ الحكومة الأشد تطرّفاً في تاريخ "إسرائيل" تنوي توجيه ضربة حاسمة ضدّ المنشآت النووية في إيران.

 

لو ربح بوتين رهانه، فإن طبيعة النظام الدولي ستتبدّل، ولن تبقى الولايات المتحدة في مرتبتها الحالية. أما لو خسر بوتين معركته المصيرية، فلن يخسر نفوذه وسلطته، بل روسيا نفسها ستتغيّر، وتتراجع مكانتها في العالم.

الأكثر قلقاً مما ورد من معلومات عن عملية أصفهان، من مواقع "إسرائيلية"، أنّ المنفّذين للعملية قامت بها خلايا تابعة لجهاز الموساد. وبحسب موقع دبكا "الإسرائيلي"، فإن المسيّرات التي نفّذت الغارات في قلب أصفهان، لا يتجاوز مداها كليومترين، ولا يمكن تسييرها من خارج إيران. ويأتي ذلك، في مناخ شعبي معادٍ للنظام على نحوٍ متزايد، واحتمالات تجنيد عملاء "لإسرائيل" في إيران باتت أكثر معقولية من ذي قبل. وتلاحقت بعد غارة المسيّرات، غارات جوية ضدّ قوافل السلاح الإيراني بين العراق وسوريا، عند نقطة البوكمال. وهو ما يعني أنّ الاشتباك الإقليمي والدولي وصل إلى أقصاه. فالتفاهمات السابقة التي تولّت إدارة النزاعات ضمن الستاتيكو السائد آنذاك، والتي كانت تقرّ ضمناً بنفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كأمر واقع، تبدو الآن في خطر شديد، وكلّ ذلك بسبب الحرب في أوكرانيا.

سبب التورط الإيراني

إنّ إيران لم يكن ينقصها تعثر الاتفاق النووي منذ انسحاب إدارة دونالد ترامب منه عام 2018، واشتداد العقوبات الأمريكية والأوروبية عليها، حرصاً على الأمن القومي "الإسرائيلي"، فجاء الانخراط الإيراني في المجهود الحربي الروسي، ليثير غضباً أطلسياً غير مسبوق. فما هو متسامَح فيه في الشرق الأوسط، حيث تكتفي واشنطن بإدارة النزاعات دون حسمها، لا يمكن التساهل فيه بشأن الصراع العالمي على أوكرانيا، وفيها. إنّ القذائف الإيرانية ضربت عاصمة أوروبية هي كييف، وليست الآن مجرّد عاصمة لدولة أوروبية شرقية من مخلّفات الاتحاد السوفياتي البائد، بل هي حالياً في بؤرة الاهتمام الغربي، وهي تمثّل مرحلة فاصلة في الصراع العالمي، وعلى شكل النظام الدولي، وهي دون أن تكون عضواً في الناتو، باتت ركناً أساسياً من النظام الأمني في أوروبا. فلو ربح بوتين رهانه، فإن طبيعة النظام الدولي ستتبدّل، ولن تبقى الولايات المتحدة في مرتبتها الحالية. أما لو خسر بوتين معركته المصيرية، فلن يخسر نفوذه وسلطته، بل روسيا نفسها ستتغيّر، وتتراجع مكانتها في العالم. وعلى هذا، فإن شراكة إيران (البراغماتية من حيث المبدأ) مع روسيا ذات العقيدة الأيديولوجية الجامدة، تعني استراتيجياً من حيث المبدأ، أنّ طهران، لم تعد تكتفي بأن تكون لاعباً إقليمياً معترفاً بها من الغرب والشرق، بل باتت تراهن فعلاً على فوز روسيا بالحرب العالمية الدائرة في أوكرانيا، مع لحظ الفوائد الاستراتيجية الجمّة التي يمكن اكتسابها في هذا الموقع إلى جانب روسيا. لكن هل تعتقد إيران حقاً أنّ بوتين سيربح في مغامرته الدموية، أم أنها تسعى وراء أمرين من وراء تزويد موسكو بالأسلحة:

أولاً، تحقيق مكاسب فورية تتمثّل بالحصول على أسلحة روسية حديثة.

وثانياً، العمل جدّياً على منع هزيمة روسيا قدر الإمكان، وتعزيز قدرتها التفاوضية. فسقوط روسيا سيتبعه سقوط منظومة إقليمية ودولية مترابطة، من بحر الصين إلى عمق أفريقيا، مروراً بالشرق الأوسط، والبلدان ذات الأهمية البالغة جيوسياسياً لإيران، مثل العراق وسوريا واليمن.

مهما يكن الغرض الحقيقي لهذا التورّط، بأبعاده المختلفة، فإنه يفتح على طهران مخاطر واحتمالات كانت بعيدة نسبياً عنها في مرحلة ما قبل الحرب الأوكرانية. كلّ الاهتمام كان منصبّاً على تجديد الاتفاق النووي. الآن، لم يعد هذا الاتفاق أولوية للغرب. الاولوية الآن هي لضمان هزيمة روسيا وحلفائها، أي إيران استطراداً إن بقيت في الحلف المضادّ.

 

أعلى