• - الموافق2024/11/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المقاومة الفلسطينية واستراتيجية الردع

هل يستطيع الفلسطينيون تطوير استراتيجية للردع، ينجحون بها في كبح الاعتداءات الصهيونية على الأرواح والممتلكات الفلسطينية؟ وقبل كل ذلك هل تستطيع سياسة الردع تلك وقف هجمات المتطرفين اليهود على المسجد الأقصى، والحيلولة دون تنفيذهم لمخطط هدمه وازالته لإقامة هي


لقد أثارت العمليات التي قام بها الفلسطينيون في الأيام الأخيرة في الضفة هذه التساؤلات، وجددت الحديث عن مدى قدرة الفلسطينيين على إيقاف الهمجية الصهيونية ضدهم، في خضم تخاذل عربي إسلامي عن مناصرتهم.

ففي يناير من هذا العام تصاعدت موجات القتل ضد الفلسطينيين من جانب العصابات الصهيونية، حتى صار العام الأكثر دموية في الصفة الغربية منذ ما يقرب من ثمان سنوات.

وتشير الإحصائيات أن مع مطلع العام الجديد 2023، تم الإعلان عن مقتل 35 شهيدًا من الفلسطينيين من بينهم 8 أطفال وامرأة مسنة، وتوضح وزارة الصحة الفلسطينية أن الإصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين تركزت على الأجواء العلوية في الجسد والرأس، كما تشير لغة الأرقام أن غالبية الشهداء في العام الجديد سقطوا في رام الله والقدس وجنين.

ولكن جنين سجلت الرقم الأكبر من الشهداء الذين وصلوا إلى عشرين شهيدًا، في يوم واحد وهو السادس والعشرين من شهر يناير، فقد استيقظ أهالي مخيم جنين على اقتحام قوات صهيونية المخيم، فقتلت عشرة شبان وامرأة في الستين من العمر، وأوقعت عشرات الإصابات في أكبر عملية استعراض للقوة والقدرة على القتل من الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة بقيادة نتانياهو.

ولم يقتصر الإجرام الصهيوني على القتل فقد أحرق المستوطنون عشرات المنازل والمزارع الفلسطينية.

 

في موسوعة علم العلاقات الدولية فيفسر الردع على أنه عبارة عن استراتيجية يهدد بموجبها الطرف الأول، بإنزال عقاب قد يقنع الطرف أو الأطراف الثانية بأن تكلفة العمل العدائي الذي يراد القيام به سيفوق بأي حال من الأحوال النتائج التي قد تترتب عليه.

وفي خضم الإجرام الصهيوني، إذا بفلسطيني يدعى خيري علقم ينصب كمينًا للمستوطنين الذين كانوا داخل كنيس لهم في القدس وفور خروجهم فتح عليهم النار، ثم انسحب وفتح النار على المارة في الطريق؛ وفق صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية.

وبعد تقارير أولية تضمنت عددا أكبر للقتلى، أعلنت الخارجية "الإسرائيلية" أن الهجوم أدى لمقتل 7 "إسرائيليين" وجرح 10 آخرين.

وقالت وسائل إعلام "إسرائيلية" إن حصيلة القتلى هذه تجعله أخطر هجوم من نوعه منذ عام 2008، أي الأكبر منذ 15 عامًا.

ولو يمض يومًا واحدًا على العملية التي قام بها خيري علقم حتى قام فتى فلسطيني يدعى محمود عليوات يبلغ من العمر 13 عامًا، بإطلاق النار على مستوطنين يهود في حي سلوان بالقديمة بالقدس المحتلة.

وبحسب المعلومات التي نقلتها المصادر "الإسرائيلية" كان هناك تأكيد من قبل من كانوا موجودين بالمكان وتابعوا الوضع، بأن منفذ هذا الهجوم كان قد ترجل عبر المواصلات العامة إلى منطقة معينة في حي سلوان واختبأ، ومن ثم قام بإطلاق النار على مستوطنين، وذكر متحدث باسم نجمة داود الحمراء الصهيونية، إن رجلاً يبلغ من العمر 23 عامًا في حالة خطيرة ونقل إلى العناية المركزة في وضع حرج، كما تمت إصابة مستوطن يبلغ من العمر 47 عامًا في حالة متوسطة إلى خطيرة مع إصابات بأعيرة نارية في الجزء العلوي من جسده.

وكما قلنا من قبل فإن الإشكالية تدور حول مدى قدرة تلك العمليات الفلسطينية على ردع الممارسات الصهيونية المتوحشة ضدهم.

لذلك يلزمنا تعريف الردع وما هي شروطه وخصائصه؟ وهل تنطبق هذه الشروط والخصائص على العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون؟

الردع

أما تعريف الردع في الموسوعة العسكرية فيتم تعريفه بأنه: التدابير التي تعدها وتتخذها دولة واحدة أو مجموعة من الدول، بغية عدم تشجيع الأعمال العدائية التي يمكن أن تشنها دولة معادية أو مجموعة من الدول، وذلك عن طريق بثّ الذعر لدى الطرف الآخر إلى حد يصبح فيه هذا الذعر غير محتمل.

أما في علم السياسة فيتم تعريف الردع في قاموس بنغوين للعلاقات الدولية على أنه: تعهد مشروع بالثأر أو بالعقوبة إذا فشل طرف آخر بالسلوك بالطريقة المطلوبة والمطاوعة.

وفي موسوعة علم العلاقات الدولية فيفسر الردع على أنه عبارة عن استراتيجية يهدد بموجبها الطرف الأول، بإنزال عقاب قد يقنع الطرف أو الأطراف الثانية بأن تكلفة العمل العدائي الذي يراد القيام به سيفوق بأي حال من الأحوال النتائج التي قد تترتب عليه.

وقد شاع استخدام مصطلح الردع أو استراتيجية الردع أو نظرية الردع أو سياسة الردع إبان الحرب الباردة، حيث تم وصف انتاج الأسلحة النووية والتنافس على امتلاكها وتطويرها، بأنه جزء أصيل من استراتيجيات الردع التي تستخدمها القوى الكبرى في تنافسها فيما بينها على الزعامة الدولية.

أنواع الردع

هناك عدة أنواع للردع جرى استخدامها في السياسة: ردع بالعقاب سواء الاقتصادي أو العسكري، وردع بالتطمين من خلال إقناع الخصم بحسن النوايا، والردع بالمصالحة والتراضي بتعويض الخصم ومكافأته نظير إحجامه عن القيام بممارسات عدائية، والردع بعدم الجدوى من خلال إقناع الخصم بامتلاكك القوة الكفيلة بالقضاء عليه.

شروط الردع الناجح

هناك عدة اشتراطات في استراتيجية الردع لكي يمكن تكليلها بالنجاح وتحقيق الأهداف المرجوة:

أول هذه الاشتراطات، هي الإدراك الجيد لقدراتك المادية والتكنولوجية والبشرية ونقاط قوتك وضعفك، وكذلك قدرات الخصم ونقاط ضعفه وقوته.

وثاني الشروط، المصداقية في إقناع الخصم برسالتك وكذلك عدم إظهار التردد في ذلك. كما أن عليك أن تكون مستعداً لتحمل المخاطر الناتجة عن تنفيذ تهديداتك.

وثالث تلك الشروط، أن تتوفر المعلومات الكافية عن الطرف الآخر. وكذلك أن يتم الإبقاء على قانون الاحتمالات لكي يكون القائم بالردع على دراية وحذر بكل ما يمكن أن يحصل.

وأخيرًا رابع هذه الشروط، هي الكفاءة في الأداء وذلك من أجل إيصال الرسالة بوضوح والتمكن من تحقيق الغاية منه.

 

ظل أهل الضفة الغربية يعبرون عن مقاومتهم بالفعاليات السياسية والتي كان من أبرزها التظاهر، بينما كان التنسيق الأمني يجري بين السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية يحول دون ظهور أي بادرة انتماء للفصائل المسلحة في غزة أو محاولة هذه الفصائل مد خيوطها إلى مدن الضفة

الفلسطينيون والردع

منذ بدايات احتلال الصهاينة لفلسطين عام 1948، بمساعدة من القوى العظمى، كان هناك اختلال في موازين القوى بين الدولة الصهيونية وبين الفلسطينيين على عدة مستويات:

المستوى الأول: تأييد غربي واسع النطاق لهذه الدولة على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لدوافع عقدية ومصلحية، حيث أمد الغرب الدولة الناشئة بأحدث الأسلحة بل كان حريصًا أن تظل هذه الدولة على الدوام متفوقة عسكريًا وتكنولوجيًا على أي دولة في المنطقة، فما بالك بالفلسطينيين المستضعفين داخل حدود هذه الدولة.

المستوى الثاني في موازين القوى المختلة، هو أن دعم دول الجوار في الإقليم المحيط بالدولة الصهيونية للفلسطينيين طيلة العقود الماضية، يكاد يكون قد انعدم أو تلاشى نتيجة التطبيع المستمر بين غالبية نظم المنطقة ودولة الكيان الصهيوني، الأمر الذي أفقد الفلسطينيين المحيط المساند، وان كان هذا التأييد لايزال موجودًا على مستوى الشعوب.

قاوم الفلسطينيون طوال تاريخهم في صراعهم مع الصهاينة هذا الاختلال في ميزان القوى.

وفي العقود الأخيرة تبوأت غزة رأس المقاومة الفلسطينية خاصة بعد وصول حماس لحكم قطاع غزة.

دارت بين مقاومة غزة المسلحة وبين جيش الكيان الصهيوني عدة معارك شرسة، دفع فيها أهالي غزة أثمانًا غالية من قتل وقصف المنازل والمرافق العامة والمستشفيات، وصاحبه حصار خانق يكاد يمنع عنهم القوت والغذاء وبالطبع السلاح، فقابله الفلسطينيون بالصمود والتحدي.

أظهرت الهجمات "الإسرائيلية" على غزة مدى اختلال توازن السلاح بين غزة ودولة الكيان، كما عبرت عن مدى التفوق الصهيوني في سياسات الردع المتبادل.

عبر هذه السنوات، ظل أهل الضفة الغربية يعبرون عن مقاومتهم بالفعاليات السياسية والتي كان من أبرزها التظاهر، بينما كان التنسيق الأمني يجري بين السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية يحول دون ظهور أي بادرة انتماء للفصائل المسلحة في غزة أو محاولة هذه الفصائل مد خيوطها إلى مدن الضفة، ولكن ظل الغضب كامن في النفوس مع تزايد إجراءات القمع الصهيوني.

وانفجر الغضب في الضفة إزاء ممارسات الجماعات الصهيونية المتطرفة في ساحات الأقصى، وهنا بدأت مرحلة جديدة في الجهاد الفلسطيني.

فقد بدأ الإعلان عن تكوين مجموعات مسلحة في نابلس وغيرها، وبدأ السلاح ينتشر بين أيدي الشباب، الأمر الذي قابلته العصابات الصهيونية بحملة اعتقالات ومداهمات وتصفيات في محاولة لردع أهالي الضفة عن فكرة المقاومة المسلحة برفع التكلفة التي يجب أن يدفعها الفلسطينيون بالقتل وهدم المنازل.

وهنا بدأت سياسة ردع فلسطينية جديدة تمثلت في محاولات ردع مضاد ضد أجهزة الأمن الصهيونية والمستوطنين، بزيادة الهجمات على الصهاينة، والتي وصفها خبير الأمن القومي الجنرال احتياط كوبي مروم بقوله: نحن في أيام صعبة، وأتوقع المزيد من العمليات في الأيام المقبلة. نحن في واقع صعب يشبه العام 2005، والسلطة ضعيفة.

ولكن يمكن أن يتساءل البعض كيف تكون استراتيجية للردع، والأعمال التي يقوم بها الفلسطينيون أشبه بعمليات ما يطلق عليها الذئاب المنفردة؟

يقول موقع انتلي نيوز "الإسرائيلي": حتى لو لم يكن المنفذ من حماس، فمن الضروري الرد ضد حماس فهي تحرض وتمول السلاح في القدس وجنين ونابلس وكل الضفة الغربية.

فالكيان الصهيوني يعتبر أن تحريض حماس المستمر للفلسطينيين على المقاومة المسلحة قد أتى أكله ليقوم الشباب بواجب الجهاد، بعد أن نجح الكيان الصهيوني بمساعدة السلطة الفلسطينية بتفكيك خلايا المقاومة المسلحة باستمرار.

بيننا تعتقد صحيفة ديلي تليغراف البريطانية، بأن ان هذه الحرب تقوض الاستراتيجية التي قامت عليها دولة "إسرائيل".

سياسة الردع الفلسطينية قد تحتاج لكثير من التطوير والإبداع في المقاومة، سواء من حيث الكفاءة في الأداء أو على صعيد المعلومات.

 

 

أعلى