• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أنور إبراهيم رئيسًا لوزراء ماليزيا.. حلمٌ مؤجل منذ ربع قرن!

بعد عقود من العمل السياسي ومسيرة حافلة بالتقلبات المتباينة ما بين النجاحات والإخفاقات وحملات التشويه والسجن، كيف وصل أنور إبراهيم إلى رأس السلطة في ماليزيا؟


 ولد أنور إبراهيم في العاشر من أغسطس1947م في ولاية بينانغ الماليزية، كانت عائلته من العائلات السياسية المعروفة في ماليزيا ولعل هذا ما ساعده في بدء مسيرته النضالية واحتكاكه بعالم السياسية في مرحلة مبكرة من حياته، وخلال الفترة بين عامي 1968م و1971م كان أنور رئيسًا للاتحاد الوطني للطلاب المسلمين الماليزيين كما تولى رئاسة جمعية اللغة الماليزية بجامعة ملايا، خلال فترة دراسته الجامعية برز دوره كناشط طلابي له مساهماته في الحياة السياسية والاجتماعية الماليزية وتم القبض عليه ذات مرة بسبب دوره في قيادة التظاهرات ضد الفقر والجوع في المناطق الريفية، وفي أعقاب ذلك أصبح عضوًا في اللجنة المؤيدة لحركة الشباب المسلمين في ماليزيا، وتم انتخابه رئيسًا مساعدًا لمجلس الشباب الماليزي، وفي عام 1975م كان ممثلاً للمؤتمر العالمي للشباب الإسلامي في آسيا والمحيط الهادئ واستمر في هذا المنصب لمدة 7 سنوات، لم يكن اقتحامه للساحة السياسة مفاجئًا، ففي عام 1982م شكّل انضمامه لحزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (UMNO) ـ الذي كان يقوده آنذاك رئيس الوزراء مهاتير محمد ـ لحظة فارقة في مسيرة أنور السياسية.

كان صعوده سريعًا داخل الحزب، وسرعان ما تمت ترقيته إلى مناصب مختلفة ثم بات من أصحاب الحقائب الوزارية رفيعة المستوى، شغل منصب وزير الثقافة والشباب والرياضة عام 1983م، ثم أصبح وزيرًا للزراعة في العام التالي، وتقلّد وزارة التعليم بين عامي 1986م و1991م قبل تعيينه وزيرًا للمالية بين عامي 1991م و1998م، وفي عام 1993م كان نائبًا لرئيس الوزراء إلى جانب ما يشغله من حقائب وزارية، في تلك الأثناء كان من المتوقع بشكل كبير أن يخلف أستاذه ومعلمه مهاتير محمد في المنصب، لا سيّما وأن أسهمه السياسية كانت في ارتقاء مستمر وكان يتمتع بمكانة مرموقة وشعبية كبيرة داخل البلاد وخارجها، كان يُنظَر إلى أنور على أنه أحد أعمدة الازدهار الاقتصادي الملحوظ لماليزيا خلال فترة التسعينيات، وهو ما أكسبه احترامًا واسعًا على الساحة السياسية العالمية، ولعل هذا ما دفع مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى تصنيفه على أنه الرجل الأول في شرق آسيا في تلك الفترة، بيد أن الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في عام 1997م كانت بمثابة لحظة فارقة في العلاقة بين أنور وأستاذه مهاتير محمد بشأن تنفيذ إجراءات التعافي الاقتصادي، كان الخلاف بينهما في الرؤية هو بدايةً الشقاق الطويل بين الرجلين.

من السلطة إلى السجن

في سبتمبر 1998م، تمت إقالة أنور إبراهيم من منصبه، وبقى رهن الاعتقال لعدة أيام دون تهمة، ثم وُجِهَت إليه عدة تهم من بينها الفساد الإداري والمالي، ظل أنور ينفي هذه التهم طوال فترة محاكمته المثيرة للجدل ويعتبرها اتهامات مزيفة ذات دوافع سياسية وافتراءات باطلة تهدف إلى إنهاء حياته المهنية، انتهت المحاكمة بسجنه لمدة 9 أعوام بتهمة الفساد، وفي تلك الأثناء اندلعت احتجاجات عنيفة ضد محاكمته حيث نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج، وبعد عام واحد حُكِمَ عليه مجددًا بالسجن لمدة 6 أعوام بسبب اتهامات في قضية أخلاقية، أثارت الاتهامات ضده انتقادات دولية حيث وصفته منظمة العفو الدولية بـ "سجين الرأي"، فيما ظل أنور يؤكد على أن محاكمته كانت مؤامرة سياسية من قبل مهاتير لإنهاء حياته المهنية، وبعد عام واحد من تنحي مهاتير محمد عن رئاسة الوزراء بعد 22 عامًا في السلطة، ألغت المحكمة العليا الماليزية حكمها ضد أنور وهو ما ساهم في إطلاق سراحه في عام 2004م.

وبعدها بعدة سنوات قام بتأسيس حزب "عدالة الشعب"، والذي بات في وقتٍ قصير من أكبر أحزاب المعارضة الماليزية مما ساعده على العودة بقوة إلى الأوساط السياسية، لكن سرعان ما واجه تهمة جديدة في قضية أخلاقية أخرى، فدخل السجن للمرة الثانية في عام 2015م حين كان يواجه حكمًا بالحبس لمدة 20 عامًا، قال أنور حينها إن التهمة الموجهة إليه مزيفة وأنها مكيدة مفتعلة لسحق تحالفه الذي كان يحقق مكاسب ضد الحكومة التي تقودها المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة.

 

عودة أنور إلى السلطة لن تكون مفروشة بالورود، إذ يواجه مهمة شاقة في سد الانقسامات العرقية التي تعمقت مؤخرًا، فقد وعد خلال حملته الانتخابية على تشكيل حكومة متعددة الأعراق ووعد بإنهاء التعصب العنصري والديني

بالرغم من كل ذلك، لم يستسلم أو يرضخ لأهداف المغرضين منه، ومن داخل زنزانته تصالح مع مهاتير الذي عاد إلى السياسة بينما كان رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق آنذاك يعاني من فضيحة بمليارات الدولارات تتعلق بصندوق الاستثمار الحكومي (MDB1)، أدى لمّ شمل أنور ومهاتير في تحالف سياسي معارض يدعى "جبهة الأمل" خلال انتخابات 2018 التاريخية إلى الإطاحة غير المتوقعة بالتحالف الذي تقوده المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، وهو التحالف الذي ظل في السلطة منذ استقلال ماليزيا عن بريطانيا في عام 1957م، حينها أصبح مهاتير هو أكبر زعيم في العالم بعمر 92 عامًا فيما تم العفو عن أنور بموجب عفو ملكي في مايو 2018م، استأنف أنور حياته السياسية وترشح لمقعد في البرلمان حيث كان يتزعم حزب "عدالة الشعب" وانتخب في أكتوبر 2018م وكان من المخطط له أنه سيخلف مهاتير في المنصب، كان الرجلان يخططان لتحقيق مستقبل أفضل للماليزيين بعدما تفشي الفساد في ماليزيا في ظل حكومة عبدالرزاق، كان تحالفهما الجديد هو أول تحالف متعدد الأعراق فعليًا في البلاد وحصل على دعم واسع من أغلبية الملايو المسلمة وكذلك من الأقليات الصينية والهندية ذات التعداد الكبير أيضًا في البلاد، لكن سرعان ما بدأ الاقتتال الداخلي على الخلافة وعودة القومية الملاوية داخل تحالفهما وهو ما أدى إلى انهيار الحكومة بعد 22 شهرًا فقط، وعادت المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة إلى السلطة بعد تحالفها مع كتلة التحالف الوطني، ودخلت ماليزيا فترة غير مسبوقة من الاضطرابات السياسية، وتُرِكَ أنور خالي الوفاض مرة أخرى.

العودة إلى السلطة

أخيرًا، وبعد سعيه المستمر في هذه الطريق الوعرة التي مرَّ بها، ذاق الرجل البالغ من العمر 75 عامًا طعم الانتصار السياسي ووصل إلى ذروة السلطة، اختاره ملك ماليزيا رئيسًا للوزراء بعد أيام من الجمود السياسي الناتج عن انتخابات غير حاسمة والتي تم إجرائها بالأساس لتنهي حالة عدم الاستقرار التي أدت إلى تعيين 3 رؤساء وزراء منذ عام 2018م، لكنها أسفرت بدلاً من ذلك عن حالة من عدم اليقين بعد أن لم يفز أي حزب بتفويض واضح، فتحالف الأمل متعدد الأعراق بقيادة أنور حصل على 82 مقعدًا فقط، أي أقل من 112 مقعدًا اللازمة للأغلبية، فيما فاز التحالف الوطني الذي يتزعمه محيي الدين ياسين بـ 73 مقعدا، وبرز الحزب الإسلامي الماليزي الحليف كأكبر حزب منفرد بـ 49 مقعدًا، لكن بالرغم من هذا الوضع المشتت خرج أنور منتصرًا بعد أن وافقت الكتل الأصغر على دعمه لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد أصدر القصر الملكي بيانًا بعد موافقة الملك ومجلس حكام الولايات يفيد بتعيين أنور إبراهيم بصفته رئيس للوزراء العاشر في تاريخ البلاد التي تتمتع بنظام ملكي دستوري فريد يتم فيه اختيار الملوك بالتناوب من العائلات الملكية في 9 ولايات للحكم لمدة 5 سنوات.

لكن عودة أنور إلى السلطة لن تكون مفروشة بالورود، إذ يواجه مهمة شاقة في سد الانقسامات العرقية التي تعمقت مؤخرًا، فقد وعد خلال حملته الانتخابية على تشكيل حكومة متعددة الأعراق ووعد بإنهاء التعصب العنصري والديني، وإنعاش اقتصاد يعاني من ارتفاع التضخم ومعالجة وضع العملة التي هبطت إلى أضعف نقطة لها، وسد المليارات من الدولارات المفقودة بسبب الفساد المستحكم، وفي مهمته الجديدة والدؤوبة كرئيس للوزراء سيحتاج إلى معالجة تباطؤ النمو مع تعافي الاقتصاد من جائحة فيروس كورونا، قال أنور خلال أول خطاباته إلى الأمة إن حكومته "ستكفل وتحمي حقوق جميع الماليزيين، خاصة المهمشين والفقراء، بغض النظر عن العرق أو الدين، نحن لن نتنازل أبدًا عن الحكم الرشيد، وحملة مكافحة الفساد، واستقلال القضاء، ورفاهية الماليزيين العاديين"، مضيفًا أنه لن يتقاضى راتباً طوال فترة رئاسته للوزراء، ومؤكدًا على الحاجة إلى إصلاحات مؤسسية واقتصادية واسعة النطاق.

ما زال  شعار "الإصلاح" الذي تبناه إبراهيم في الانتخابات يلقى قبولاً واسعًا على الصعيد الوطني، ولا يزال هو وعده الرئيسي لبرنامجه الذي انتخبه الناس من أجل تحقيقه. الآن على السياسي السبعيني أن يقود ماليزيا في هذا الوقت الصعب، وأن يخرجها من أزماتها.

أعلى