• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السيلفي  ظاهرة واحدة.. وأبعاد متعددة

ما هي ظاهرة السيلفي؟ كيف يفسر علماء النفس انتشار هذه الظاهرة وهل تم تصنيفها انحراف سلوكي؟ ما هي تداعياتها ولماذا يمثل انتشاراها خطرا على المجتمعات خاصة الأجيال الجديدة


ازدادت في السنوات القليلة الماضية استخدام التطبيقـات الذكيـة والذكاء الاصطناعي، والهواتـف ذات الكاميـرات عاليـة الجودة والدقـة. حتى بات يمكننا وصف العصر الحديث الذي نحيا فيه، بأنه عصر التكنولوجيـا الحديثة التي غيرت كثيرًا من أنماط حياتنا وتصوراتنا على كافة المستويات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية، وقـد تدخلـت في حياتنـا اليوميـة دون أن نعـي.

ورغم ما يبــدو للبعــض أن التطــور التقنــي الــذي يتســم بــه عصرنــا يحمل الكثير من الإيجابيات التي تدفع بواقعنا إلى التطور إلا أن هــذا التطــور يحمــل معــه العديــد مــن الأضرار والســلبيات التــي وصلــت إلــى حــد الاضطرابات النفســية والســلوكية والاجتماعية، فمــع زيــادة ســرعات الإنترنت وكثــرة اســتخدام مواقــع التواصــل الاجتماعية خــلال الأعوام القليلــة الماضية زاد انتشــار ظاهرة جديدة عرفت بظاهرة التصويــر الذاتــي أو السيلفي (selfie) بالتــوازي مــع زيــادة اســتخدام  مواقـع التواصـل الاجتماعي، فوفقـًا إحصائيات الإنترنت فإن أكثـر مـن 22مليـون مراهـق يسـتخدمون شـبكات التواصـل الاجتماعي عب، وإن بلغـت هـذه الإحصائية حتى العام 2019 إلـى حوالـي 5.4 مليـار مواطـن، بمـا يقـرب مـن نصـف ســكان الكــرة الأرضية.

 

 لقد انتشرت ظاهرة السيلفي كالنار في الهشيم حتى أصبح كل مشهد مثير؛ مؤلم أم مفرح، لا يستثير في نفوس جيل السليفي إلا حاسة التصوير والتوثيق

فقـد أصبـح تصويـر الـذات "السـيلفي" على سبيل المثال ظاهـرة عالمية أو هوسًـا يشمل كل الفئـات العمريـة؛ وصـارت الصـورة الذاتيـة السـيلفي في كل وقـت وحيـن، وحتـى داخـل غرفـة العمليـات، فـإن حـدث التصويـر الفوتوغرافي الرقمـي أصبـح وسـيلة لتناقـل الأخبار والأحداث فــور وقوعهــا، وقــد يدفــع الكثيــرون حياتهــم في بعــض الأحيان بســبب المغــالاة والتهـور في التقـاط الصـور الذاتيـة " السـيلفي".

السيلفي التعريف العلمي

اعتمــد مصطلح السيلفي في عــام 2013 مــن قبــل أكســفورد، ويعرفها قامــوس "أكســفورد" بأنها الصــورة التــي يأخذهــا الفــرد لنفســه عــن طريــق كاميــرا الهاتــف ويتــم عرضهـا علـى مواقـع التواصـل الاجتماعي.

هذا التعريف يتضمن ثلاثة عناصر أساسية تحدد السيلفي وتُميزه من بقية الصور.

 أولًا: إنها صورة ذاتية.

ثانيًا: أداتها الهاتف الذكي.

ثالثًا: النشر يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

إذن هذا التعريف يحدد أركانًا ثلاثة للسيلفي: الذات، والتقنية الحديثة، تواصل عبر مواقع النت.

 

الأغرب من ذلك هو صنع اللحظة ثم توثيقها "صناعة السليفي" مثل الذي يقف في مكان خطر كأعلى مبنى أو بجانب قطار يتحرك بسرعة، معرض نفسه لخطر فقد الحياة نفسها من أجل توثيق اللحظة.

لقد انتشرت ظاهرة السيلفي كالنار في الهشيم حتى أصبح كل مشهد مثير؛ مؤلم أم مفرح، لا يستثير في نفوس جيل السليفي إلا حاسة التصوير والتوثيق، فمشهد مسن يغرق، أو طفل يكاد يسقط من بناية عالية، أو شخص يهم بقتل آخر كل ذلك لا يدفع المحيطين إلى محاولة المساعدة أو الإنقاذ بقدر ما يثير فيهم محاولة توثيق اللحظة وعرضها وانتظار التعليقات.

الذات الرقمية:

ظهر ما يعرف بالذات الرقمية التي لا تجد سعادتها إلا في مغادرة الواقع الفعلي والإقامة خارج ذاتها حيث تدخل في تواصل وتسويق لذاتها عبر السيلفي، وهو ما يجعل الذات عاشقة لذاتها وتحقيق ما يعرف «اللذة السيلفية»

فالقيمة الاجتماعية للفرد لم تعد تتحدد في الدور الاجتماعي الذي يمارسه داخل المجتمع على اعتبار أن قيمة الشخص فيما يقوم به، وأن أحب الناس إلى الله أكثرهم نفعًا للناس، هذا الأساس أصبح متجاوزًا وربما مشروخًا لأن القيمة الافتراضية داخل شبكات التواصل بات تتحدد من خلال المتابعات والإعجابات، وليس في المجهود الوظيفي لذات داخل الواقع المعيش.

كأدة للتعبير عن الذات:

كشفت تلك الظاهرة بوضوح أن الصورة صارت أهم من الذات وأن الإعجاب لا يكون لصاحب الصورة، بل للصورة وأن العواطف أصبحت فعلاً رقميًا عبر وضع أيقونات موحدة تعبر عن الإعجاب أو الغضب.

ساهمت ثقافة الصورة اللحظية في عرض كم هائل من الأشكال البشرية من خلال شاشاتها وتحديدًا وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساهم في إباحة الخصوصية والإصابة بتضخم الأنا وتضيقها إلى حد الجسد.

ربما الوظيفة الأهم في تجارب السيلفي كوسيلة للتعبير عن الذات إنها طريقة للإمساك بالذاتية والاحتفاظ بها في زمن سريع التحولات، عالم يحول الإنسان إلى أجزاء ويقوم بتفتيته كما يقوم بتفتيت قيم المجتمع ونظمه من أجل إحكام السيطرة

والأغرب من ذلك هو صنع اللحظة ثم توثيقها "صناعة السليفي" مثل الذي يقف في مكان خطر كأعلى مبنى أو بجانب قطار يتحرك بسرعة، معرض نفسه لخطر فقد الحياة نفسها من أجل توثيق اللحظة.

فقد كشفت جريدة الإندبندت البريطانية أن حوالي 259 شخصًا خلال الست السنوات الأخيرة لقوا حتفهم وهم منشغلون بالتقاط صور السيلفي في أماكن خطرة ، الأمر يكشف خطورة تلك الظاهرة وأن المهوسين بالسلفي يعرضون أنفسهم للخطر من أجل بعض الإعجابات.

لم تعد تطبيقات السيلفي تتيح لك عرض ذاتك بل أضافت لك إمكانيات هائلة لصنع شخصيتك لا كما هي بل كما تريد فتطبيق مثل سناب شات يعطيك إمكانية الحصول على صورة سيلفي مختلفة من خلال إخفاء العيوب في الوجه وتنعيم البشرة وتصفية الصورة وتبييض الأسنان وتغيير لون الشعر وتكبير أو تصغير الوجه، وغيرها من التعديلات وبطريقة سهلة.

تقول روك ويندت "Brooke Wendt" الناقدة والمصورة الفنية، في مقال طويل صادر عن دفاتر شبكة الثقافات- أمستردام، بعنوان "جاذبية السيلفي" " كأن الذات تخشى فقدان صورتها، أو تخشى ضياعها في الفضاء، وتمثل الرغبة بإنتاج أكبر كم لنا من الصور هو إنقاذ أنفسنا من هذا الضياع، وهناك من يعلمك على نفس الموقع أو المواقع الأخرى كيوتيوب، كيف تختار الزاوية المثلى، درجة الإضاءة، دراسة بروفايلك الأمثل، لـ"إنتاج" أفضل نسخة منك، فكل كاميرا لديها إمكانية أن تعدك بأن صورتك المقبلة ستكون أفضل من سابقتها، وأولئك الذين يسعون لإنتاج أنفسهم عبر الصور، يقومون بتجميع "أجزاء من كل"، فالصورة لا تصف كينونتك، رائحتك، طبقة صوتك وآلية تفكيرك، إنما تجمّع أجزاء لك مبعثرة، لإنتاج صورة مثلى تظهرك كما ترضى، أو كما تحب أن تظهر للآخرين.[1]

لقد انتشرت فكرة "الفلاتر" وكثرة استخدامها في صور السيلفي، فعبر هذه الوظيفة لديك فرصة في إعادة "تصميم" الأشكال بصورة أفضل، كأن تنقص من عمرك فنبدو أكثر شباباً  أو تزيده فتصبح أكثر ناضجًا وحكمة لقد أصبحت وظيفة المرشح هي تمكين الناس من رؤية أنفسهم كما لو أنهم ماتوا فعلاً، لطمأنة أنفسهم أنهم سيبقون أحياء عبر صورهم الافتراضية التالية حتى لو كانوا أمواتًا في الحقيقة".

كداء نفسي:

تقول الدراسات: إنه يوميًّا يتم التقاط مليون صورة سيلفي، فمع السيلفي أصبح التقاط الصور جزءًا من الممارسات اليومية لا يحتاج طقوسًا أو مناسبات خاصة: سيلفي في أثناء التسوق، أو في مطعم، أو حتى الجلوس في الغرفة وحيدًا. في المقابل، لنتخيل لو أراد أحدهم ممن عاش في بداية القرن العشرين التصوير في أثناء ممارساته اليومية، كالأكل: عليه حينها أن يمسك الملعقة ويضع لقمة الطعام في فمه لمدة عشر دقائق، وقد تخرج صورة تستحق أو عليه إعادة اللقطة! مشهد تراجيدي أكثر منه كوميدي،

وإن كنت لا أعلم ما الذي يعنيه أن يصور أحدهم نفسه وهو يمضغ الطعام. ومع هذا لا يمكن أن نتغافل عن الفرضية التي تطرحها المفارقة هنا، وهي أن التقنية تنتج موضوعها. فمع الكاميرا سريعة الالتقاط أصبح بالإمكان التقاط لقطات تستغرق ثواني، كمضغ الطعام! ليصبح مضغ الطعام مثلًا، هو الموضوع مع السيلفي.

لنستطيع تفسير ما الذي يدفع أحدهم لتصوير حالة مكررة، يفعلها الجميع كل يوم مرات عدة، كمضغ الطعام، ربما علينا الاطلاع على التفسيرات التي قُدمت لأسباب انتشار السيلفي. بعض الدراسات النفسية اقترحت، بل بعضها أكّد إمكانية أن يكون استخدام السيلفي المكثف إحدى العلامات لاضطراب نفسي الذي قد يتداخل فيه عدد من اضطرابات الشخصية كالنرجسية أو الحدية أو الهستيرية أو الوسواس القهري وتحديدًا الأفعال القهرية.

مثل الدراسة التي أجرتها الرابطة الأمريكية للطب النفسي (APA)،و كشفت أن انتشار هذه الظاهرة يعد مؤشرًا على الإصابة باضطراب عقلي لدى من يمارسها.

أطلق القائمون على هذه الدراسة مصطلح "selfitis" على الاضطراب العقلي المُشار إليه، ويوصف بأنه انعكاس لرغبة جامحة في "التعويض عن انعدام الثقة بالنفس وفجوة في العلاقات الإنسانية".

كما خلصت الدراسة إلى 3 مستويات من "selfitis" :

الخفيفة: وتتمثل في التقاط الصور بعدد لا يقل عن 3 مرات يوميا ولكن دون نشرها في مواقع التواصل الاجتماعية.

والحادة: وتعني التقاط الصور أكثر من 3 مرات أيًضا، لكن مع نشر هذه الصور في المواقع.

المزمنة: وتشخص حالة ناشط يفقد السيطرة على رغبته في تصوير نفسه "على مدار الساعة"، ونشر الصور في المواقع 6 مرات في اليوم على الأقل.

هذا ولا تقدم الرابطة الأمريكية للطب النفسي حتى الآن حلولا لتجاوز هذا الاضطراب العقلي، الذي تفشى بوتيرة سريعة في السنوات القليلة الأخيرة، بفضل اتساع رقعة انتشار أجهزة الاتصال الذكية التي سهلت عملية التقاط الصور الذاتية ورفعها خلال لحظات في المواقع الإلكترونية.[2]

يبقى أن نشير أن السيلفي أصبح مناسبة يحتفل بها عشاق التصوير وحدد له يوم 21 يونيو من كل عام، بعدما أصبح هذا النوع من الصور طقسًا أساسيًا ومرضًا ساريًا في المجتمع. ولا عجب فكثيرًا ما تحتفل الحضارة الغربية بضعفها وعجزها وهذه سمتها. تجعل من الأمراض وأدواء أعيادًا، ومن الشاذ والنادر أصولاً وجذورًا.

 


 


[1] وباء "الـ"سيلفي" الذي يملأ مقبرة العالم الافتراضي، محمد دريوس، الاثنين 18 مايو 2020

 https://raseef22.net/article/1078336-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%84%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D9%85%D9%84%D8%A3-%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A

[2]  https://arabic.rt.com/news/750234-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B6%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D9%82%D9%84%D9%8A/

 

 

أعلى