ما هي استراتيجية مجموعة عرين الأسود ومجموعات المقاومة الجديدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة؟ وما هي معالم الاستراتيجية الصهيونية في مواجهتها؟ وما هو مستقبل هذه الاستراتيجية الجديدة
سينتهي عام 2022 بعد شهرين فقط، وقد شهد سقوط 25 قتيلاً عبر 2204 هجمات فلسطينية
منذ بداية العام، هذا ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية واستخبارية
صهيونية، ووفقًا لنفس المصدر فإنه منذ 2015 وحتى الآن فقد قتل 141 قتيلاً
"إسرائيليًا"، ولولا إحباط الشاباك لأكثر من 380 هجمة كبيرة شملت عبوات ناسفة
وعمليات خطف، لوصل عدد القتلى الإسرائيليين عام 2022 إلى 200، وليس 25 فقط، وهذا
معناه أن هناك تصاعدًا لعمليات المقاومة الفلسطينية، ومعلوم أن مقاومة الاحتلال هي
أمر طبيعي إسلاميًا وسياسيًا وقانونيًا ، كما إنه من المعلوم أن تصاعد ضغط اليمين
الصهيوني والمستوطنين لقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة والاستيلاء عليها
بالقوة وقتل وإصابة وترويع الفلسطينيين يدفع أغلب الفلسطينيين للمقاومة، ونظرًا
لفشل وتدهور السلطة الفلسطينية بقيادة فتح وتكبيل الاحتلال لفاعلية حركات المقاومة
الأخرى كحماس والجهاد وشهداء الاقصى وغيرهم فقد ظهرت مجموعات مقاومة جديدة لها
استراتيجيات وتكتيكات جديدة هذه المجموعات مثل عرين الأسود وكتيبة جنين ونحوها، وقد
نجحت حتى الآن في قض مضاجع الاحتلال.
لكن لماذا نجحت هذه المجموعات في إيقاع خسائر غير قليلة بالاحتلال الصهيوني؟
تكمن إجابة هذا السؤال في طبيعة الاستراتيجيات والتكتيكات التي اتبعتها هذه
المجموعات.
|
إن استخدام السوشيال الميديا واعتماد بساطة التكتيكات والأساليب واعتماد
العمليات الفردية السهلة كل هذا يهدف لتحويل المقاومة الجديدة إلى تيار
شعبي جارف يقوم به جماهير الشباب الفلسطيني |
استراتيجية المقاومة الجديدة
إن أول معلم من معالم استراتيجية مجموعات المقاومة الجديدة هذه أنها لا تنتمي
تنظيميًا لأي من حركات المقاومة الفلسطينية التقليدية
كفتح او حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية ونحوها فهي مجموعات عابرة لتنظيمات
المقاومة التقليدية الشهيرة المعروفة فهي تضم بين جنباتها أي فلسطيني يريد أن يقاوم
الاحتلال أيًا كان انتماؤه.
وثاني معالم هذه الاستراتيجية عدم القطيعة اللوجستية مع أي من منظمات المقاومة
الشهيرة
فهم يقبلون التمويل والتسليح من كل جماعة مقاومة تمد لهم يد العون.
وثالث معالم هذه الاستراتيجية هي تشجيع والترويج لعمليات المقاومة المسلحة الفردية
عبر الهجمات ضد أهداف صهيونية كحواجز قوات الاحتلال او بعض المستوطنين.
وقد رصد المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عشرين عملية هجومية بإطلاق نار
خلال شهر ونصف فقط ضد مواقع إسرائيلية عسكرية واستيطانية في الضفة الغربية.
ورابع معالم هذه الاستراتيجية هو استقطاب الشباب ومدهم بالأسلحة
لتنفيذ هجمات المقاومة بشكل فردي وعفوي، وهذا مكنهم من تنفيذ عدد كبير من الهجمات
في وقت قصير نسبيًا.
وخامس معالم هذه الاستراتيجية هو تصوير عمليات المقاومة المسلحة أثناء تنفيذها
وبثها على نطاق واسع عبر مواقع السوشيل ميديا
مما يلهب مشاعر سائر الشباب الفلسطيني وينشر بينهم فكرة المقاومة ويدفعهم للحاق
بركب مجموعات المقاومة المسلحة الجديدة بتنفيذ عمليات فردية.
وأما تكتيكات العمل المقاوم وأدواته وأساليبه عند هذه المجموعات الجديدة فهي تتلخص
في كلمة واحدة وهي "البساطة"،
فعمليات المقاومة المسلحة لا تتطلب سوى سلاح فردي ناري أو أبيض بجانب موبايل لتصوير
العملية وبثها بثا مباشرا "Live"
أثناء التنفيذ غالبا إن أمكن، أما لو لم يتم بثها مباشرة "Live"
فيجرى تاليًا النشر على السوشيال ميديا لكل ما يتاح بعد ذلك من فيديوهات وصور
للعملية.
أما الهدف الذي يجري الهجوم ضده فعادة يكون هدفًا واضحًا إما حاجز أمني إسرائيلي أو
مركبة عسكرية في الأراضي المحتلة أو تجمع أو مركبة للمستوطنين في الضفة الغربية
أيضا، فهم لا يستهدفون هدفا سريا أو حصينا.
واستخدام السوشيال ميديا هو من أبرز تكتيكات هذه المجموعات المقاومة فمواقع
السوشيال ميديا لا يجري توظيفها في الترويج للمقاومة واستراتيجياتها الجديدة فقط بل
إن هذه المواقع كثيرًا ما تحل محل الروابط والاتصالات التنظيمية التقليدية التي
كانت معتادة في مجموعات المقاومة التقليدية أو القديمة.
إن استخدام السوشيال الميديا واعتماد بساطة التكتيكات والأساليب واعتماد العمليات
الفردية السهلة كل هذا يهدف لتحويل المقاومة الجديدة إلى تيار شعبي جارف يقوم به
جماهير الشباب الفلسطيني
في كل بقعة من الأراضي المحتلة بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الفكري أو
الإمكانات التسليحية التي يمتلكها.
والدليل على نجاح استراتيجية وتكتيك مجموعات المقاومة الجديدة حتى الآن أنها كسبت
تأييدًا شعبيًا واسعًا بين الجماهير الفلسطينية وهذا واضح في خروج الجماهير بالآلاف
في جنازات شهداء المقاومة، وهذا كله سبب صداعًا لإسرائيل، لأنها تخشى من صحوة شعبية
فلسطينية واسعة ضدها.
وهذا التأييد الشعبي سيجعل الشباب أكثر حماسًا للانخراط في صفوف المجموعات المسلحة،
وتنفيذ المزيد من عمليات المقاومة المسلحة ضد أهداف "إسرائيلية"، لا سيما وأن شهداء
المقاومة اكتسبوا شهرة كبيرة في الإعلام الفلسطيني والعربي، وأصبحوا رمزًا للبطولة
الفلسطينية ضد إسرائيل.
|
سببت
ظاهرة مجموعات المقاومة الجديدة مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وأخواتهما
قلقًا واسعًا داخل أجهزة الكيان الصهيوني لأن "إسرائيل" تخاف من انتشار
الظاهرة واستمرارها |
استراتيجية إسرائيل
لقد فوجئ الاحتلال الصهيوني بنشوء هذا التيار المقاوم الجديد وبادر إلى صك
استراتيجية لمواجهة هذه المقاومة الجديدة المتصاعدة تعتمد على عدد من العناصر
الرئيسية وهي:
-الحصار:
مع تفتيش كل مركبة تخرج أو تدخل، كما حدث بمحاصرة نابلس وجنين، وأدى هذا إلى انتقال
الاشتباكات مع المقاومة من المستوطنات والطرق إلى مداخل المدينة، مما منح الاحتلال
قربًا أكثر لجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية كما لم يكن من قبل.
-المداهمات والاعتقالات:
كما حدث ويحدث في مختلف الأراضي المحتلة، والهدف من الاعتقالات جمع المعلومات عن
مجموعات المقاومة الفلسطينية، ومع هذا فإن الاحتلال الصهيوني اعترف في أكثر من
مناسبة أن الاعتقالات والمداهمات لم تحسن الوضع الأمني كثيرًا بالنسبة لجنود
الاحتلال والمستوطنين.
-التصفيات المستهدفة لعناصر المقاومة المهمة:
كما حدث مع تامر الكيلاني وقادة عرين الأسود، فالاحتلال يرى أن محاولة اعتقال هذه
العناصر المقاومة قد ينتج عنه مقتل مزيد من الجنود الصهاينة فصار يعمد لقتلهم بأقل
خسائر بين صفوفه ويحاول تجنب اصابة الفلسطينيين الآخرين كي لا يؤجج مزيدًا من مشاعر
الغضب الشعبي الفلسطيني.
-تكثيف المتابعة الاستخبارتية:
وجاء هذا التكثيف عبر التوسع في استخدام التجسس الإلكتروني واختراق هواتف
المقاوميين حتى أن بعض الصحف الاسرائيلية زعمت أن برنامج بيجاسوس هو الذي ساعد قوات
الاحتلال في تحديد مكان قادة عرين الأسود واغتيالهم في نابلس.
-مساومة قادة المقاومين عبر السلطة الفلسطينية:
حيث عمدت سلطات الاحتلال الصهيوني إلى دفع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس أبو
مازن للتواصل مع بعض قادة مجموعات المقاومة الجديدة وعرضت عليهم تسليم سلاحهم
وتحديد إقامتهم داخل الضفة الغربية المحتلة لفترة قصيرة ثم دمجهم بعد ذلك ضمن أجهزة
القوى الأمنية الفلسطينية وألحت عليهم السلطة الفلسطينية في ذلك.
قلق
"إسرائيل"
وقد
سببت ظاهرة مجموعات المقاومة الجديدة مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وأخواتهما قلقًا
واسعًا داخل أجهزة الكيان الصهيوني لأن "إسرائيل" تخاف من انتشار الظاهرة
واستمرارها، كما
أنها تخشى أن تمتد هذه الظاهرة لتشعل عمليات مقاومة مسلحة داخل الأراضي المحتلة عام
1948.
وبجانب ذلك فالكيان الصهيوني يحذر من اندلاع انتفاضة فلسطينية جماهيرية واسعة
احتجاجًا على قتل المقاومين، وأيضًا هناك خشية "إسرائيلية" من أن قمع الاحتجاجات
الشعبية بالقوة يمكن أن يؤدي إلى مواجهة أوسع مع الفلسطينيين.
وأخيرًا فإنا لا نجد تعبيرًا يصف مستقبل هذا الصراع أدق مما قاله الجنرال
"الإسرائيلي" المتقاعد "أودي ديكل" في ورقة تقدير موقف نشرها معهد دراسات الأمن
القومي "الإسرائيلي"، حيث أكد أن ظاهرة عرين الأسود في الضفة الغربية تشكل إشارة
أخرى "لإسرائيل" بأنها لن تكون قادرة على احتواء الأراضي الفلسطينية إلى الأبد.