المشكلة الرئيسة في النظام الانتخابي الصهيوني هو أن الديمقراطية يمكن التلاعب بها بسهولة، فالتمثيل النسبي الصارم الذي يطلب من المرشحين الحصول على نسبة 3,25% للحصول على مقعد في الكنيست، يفتح المجال لحالة كبيرة من التمزق وتشكل التجمعات الحزبية الصغيرة
أظهر مؤشر الديمقراطية العالمي الصادر عن مجلة الإيكونيميست لعام 2019 أن دولة
الاحتلال الصهيوني يمكن وصفها بأنها "ديمقراطية معيبة" وفقاً لمعطيات نشرت حول
شوائب الديمقراطية لدى الصهاينة، وحصلت دولة الاحتلال على المرتبة 28 من أصل 167
دولة في القائمة، ورغم أنها الأفضل من بين جيرانها في الشرق الأوسط على حد وصف
المجلة، إلا أن صندوق الانتخابات لديها يستغل بطريقة سيئة للعب على مخاوف الناخبين.
تشرف لجنة الانتخابات المركزية على العملية الانتخابية في الكيان، وهي لجنة مشكلة
من ممثلين عن تجمعات حزبية داخل الكنيست ويرأسها قاضي من قضاة المحكمة العليا، ولكي
يتم ضمان شفافية ونزاهة اللجنة يتم إستئناف قراراتها في المحكمة الصهيونية العليا.
ويلعب القضاء دورياً حيوياً في الفصل بين المتنازعين خلال العملية الانتخابية، فقد
ألغت المحكمة العليا قرارات لجنة الانتخابات المركزية في الأعوام 1988 و 2003 و
2009، وكذلك ألغت قرار حظر لجنة الانتخابات بمنع مشاركة الأحزاب العربية في
الانتخابات رغم تأييدها لمشاركة حركة كاخ المتطرفة، وتمكنت المحكمة من سجن رئيس
الوزراء السابق (ايهود أولمرت) بتهم فساد وكذلك الرئيس السابق( موشية كتساف)
لإرتكابه جرائم جنسية، ووجهت لائحة إتهام لرئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو.
المشكلة الرئيسة في النظام الانتخابي الصهيوني هو أن الديمقراطية يمكن التلاعب بها
بسهولة، فالتمثيل النسبي الصارم الذي يطلب من المرشحين الحصول على نسبة 3,25%
للحصول على مقعد في الكنيست، يفتح المجال لحالة كبيرة من التمزق وتشكل التجمعات
الحزبية الصغيرة، فالكنيست يضم 120 مقعداً موزعة على عشر كتل حزبية، الأمر الذي
يجعل من المستحيل أن يحصل حزب واحد على الأغلبية التي تمثل 61 مقعداً. وهذا الأمر
يقود البلاد إلى صراع عميق من أجل محاولات بناء تحالفات سياسية داخل الكنيست. لذلك
لتحقيق هذا الهدف تجري مفاوضات قذرة للغاية يتم فيها التخلي عن الكثير من المبادئ
من أجل تحقيق مكتسبات شخصية خاصة فيما يتعلق بالأحزاب الصغيرة. لذلك نتج عن
الديمقراطية الصهيونية نظامي سياسي قائم على الشعبوية بدرجة كبيرة، وهذا الأمر سبب
إنجراف السياسيين نحو اليمين اليهودي المتطرف والذي يقوده مجموعة من كبار الحاخامات
والمستوطنين، والذين لايزيد تعدادهم عن 700 ألف نسمة أي حوالي 10% من نسبة السكان،
ولإرضائهم وكسب أصواتهم يتم استخدام شعارات مختلفة ضد الفلسطينيين والعرب والهدف،
لذلك رغم توجيه لائحة اتهام ضده بالفساد، تمكن رئيس الوزراء السابق، بنيامين
نتنياهو من العودة إلى الصراع السياسي في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.
ولم تكن الأحزاب العربية التي تمثل قرابة مليوني فلسطيني في الداخل المحتل بعيدة عن
هذه المسرحية التي يقودها غالباً الجهاز الأمني والديني الصهيوني، وهذا الأمر سبب
عزوف من قبل الناخبين العرب، فبحسب إستطلاعات الرأي هناك 40% من الناخبين العرب
يرفضون المشاركة في العملية الانتخابية بسبب انضمام بعض الكتل العربية لتحالفات
صهيونية داخل الكنيست.
من المرتقب أن يشهد نوفمبر المقبل الانتخابات الخامسة خلال الثلاثة أعوام الماضية
في الدولة العبرية، وتراجع أصوات العرب وإنقسام الكتل التي تمثلهم قد يمثل فرصة
ذهبية أمام بنيامين نتنياهو للعودة إلى رئاسة الوزراء بسبب قوة اليمين في الفترة
الأخيرة، فهو يقود الليكود هذه المرة لمنافسة "يش عتيد" بزعامة رئيس الوزراء الحالي
يائير لبيد، وقد يزيد إنسحاب نفتالي بنيت من السباق فرصة لزيادة الرصيد الإنتخابي
لليكود.
أما حزب الوحدة الوطنية فهو يحل في الترتيب الثاني ويضم بيني غانيتس وجدعون ساعر
والمتطرف إيتامار بن غفير الذي يقود حزب عوتسما يهوديت المتطرف الذي تأسس عام
1998م. أما المعسكر الديني فيضم شاس الأرثوذكسي المتشدد، بقيادة آريه درعي،
وإسرائيل بيتنا برئاسة أفغيدور ليبرمان، والبيت اليهودي بزعامة ايليت شاكيد. أما
اليسار فيضم حزب ميريتس بزعامة زهافا غالون وحزب العمل ويقوده ميراف ميخائيلي.
ويمثل العرب في الداخل مجموعة منقسمة من الكتل السياسية أبرزها الجبهة العربية
بقيادة أيمن عودة، والقائمة الموحدة بزعامة منصور عباس، والقائمة المشتركة التي
يمثلها سامي أبو شحادة. في الانتخابات التي جرت خلال العام الماضي قدمت الأحزاب
العربية أداءً سيئاً في الكنيست فقد حصلت على ستة مقاعد بعد انضمام أحد أعضائها وهو
منصور عباس إلى الحكومة الإئتلافية بقيادة نفتالي بنيت، وهذا الأمر تسبب في إنخفاض
أعداد المشاركين في الانتخابات، بعكس العام 2020 حيث حصلت القائمة المشتركة على 15
مقعداً بفضل الإقبال الكبير، وهذا الأمر سينعكس على تأثير العرب على المؤسسة
السياسية في الدولة العبرية، فقد قرر حزب البلد القومي العربي خوض الانتخابات
بمفرده في وحال لم يتخطى نسبة الحسم سوف يخسر القدرة على الحصول على مقعد في
الكنيست. لذلك تشير التوقعات إلى مسارين بالنسبة للعرب، الأول يتعلق بإنخفاض
مشاركتهم في الانتخابات وبالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على أصوات اليمين ويزيد من
فرص عودة بنيامين نتنياهو للحكم.
المسار الآخر هو المشاركة القوية للعرب وبالتالي يمنح أحزاب اليسار والوسط فرصة
لتشكيل الحكومة والقضاء على فرصة نتنياهو بالعودة مرة أخرى. تعول الجماهير العربية
على هذه المشاركة من أجل الحصول على مجموعة من الحقوق مثل الرعاية الصحية والخدمات
الأساسية في قرى النقب والتي تتجاهلها الحكومة الصهيونية بصورة متعمدة تمهيداً
لإخلائها من السكان ضمن سياسة استيطانية ممنهجة لطرد العرب من النقب، لذلك تبقى
مشاركتهم بين استخدامها كأداة سياسية من قبل اليسار في الكنيست للوصول إلى السلطة
أو عدم مشاركتهم ومنح فرصة لليمين لزيادة هيمنته وبسط نفوذه داخل الجهاز الحكومي
الصهيوني.