وهناك خلافات أيضا حول دور المرأة في الحياة العامة وبهذا الصدد أشار أحد شخصيات طالبان ووصل لدرجة الافتاء داخل الحركة، الى أن هناك رأيا في الفقه الحنفي يقضي بأن تكون المرأة قاضية ويجوز أن تتقلد مناصب عامة عليا أخرى.
بمناسبة مرور عام على رجوعها للحكم في أفغانستان، تبارت مراكز الدراسات في العالم
وخاصة في الغرب في تحليل مآلات الوضع في أفغانستان بعد هذه المدة على الانسحاب
الأمريكي من البلاد، وأثره سواء على مستوى الداخل الأفغاني ومدى ما حققته الحركة في
مجالي الأمن والتنمية الاقتصادية، أو تأثير حكم طالبان على التهديدات التي كانت
تأتي من أفغانستان على العالم الخارجي.
وعند الاطلاع على ما مرت به الحركة منذ تسلمها الحكم في كابول في أغسطس من العام
الماضي حتى الآن نجد أن هناك ثلاثة تحديات كبرى واجهتها طالبان على مدى ال 12 شهرا
منها: الوضع الاقتصادي وتوفير سبل الحياة الكريمة للناس من طعام وصحة وتعليم.
والتحدي الأمني واستقرار النظام السياسي ومكافحة المعارضة المسلحة واحتواء الأعراق
المختلفة.
ومنها أيضا الخلافات داخل الحركة من تيارات وجماعات وأشخاص والانتقال بهم من مرحلة
حرب العصابات الى بناء الدولة.
وإذا كان التحديان الأول والثاني سواء كان اقتصاديا أو أمنيا، هو من التحديات
الطبيعية التي تعاني منها كثير من دول العالم، فإننا في هذا المقال سنركز على
العنصر الأخير باعتباره أنه الأهم والأخطر والذي يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الحركة
وبالتالي على ما تؤول اليه أوضاع أفغانستان.
النفي المتعمد
وقد أثارت طريقة نفي وزير الخارجية الأفغاني لحكومة طالبان أن هناك خلافات داخل
الحركة، الشكوك حول تماسك الحركة، وجاء هذا النفي ردا على سؤال وجهته له قناة
الجزيرة في حديث تناول موضوعات كثيرة بمناسبة مرور عام على عودة الحركة للحكم.
فقد باغت مذيع الجزيرة المشاهدين عندما سأل وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي،
عن حقيقة وجود انقسامات داخل حركة طالبان، فنفى متقي وجود أي خلافات، وقال إنها
شائعات يتم ترديدها منذ 20 عاما.
ولكن بعد هذا الحديث بيومين، أصدرت وزارة الدفاع الأفغانية بيانا قالت فيه، إن
القائد المنشق عن طالبان المولوي مهدي مجاهد قتل في اشتباك مع الأمن قرب الحدود مع
إيران أثناء محاولته الفرار من البلاد.
والمولوي مهدي مجاهد ينحدر من أقلية الهزارة الشيعية، وأشارت طالبان في بيانها إلى
أنه تمرّد على الحكومة الفعلية للبلاد، وبعد أن شكلت طالبان الحكومة العام الماضي،
تم تعيين مهدي مديرا للمخابرات في إقليم بوسط البلاد، لكن منذ يونيو أعلنت وزارة
الدفاع الأفغانية عن عملية تطهير ضد المتمردين في شمال أفغانستان، ووصفت الوزارة
مهدي بأنه زعيم المتمردين في منطقة بولاية ساريبول في شمال البلاد.
ولم تعلن الحركة عن أسباب الخلاف بين مهدي وطالبان، فإذا كان انضمامه لحركة طالبان
معروفا عندما بسطت نفوذها على أنحاء أفغانستان، حين كان وسيلتها الكبرى في ذلك هي
الاتفاق مع زعماء القبائل والعشائر والطوائف، فإن الحركة لم تذكر لماذا عاد الرجل
للتمرد على طالبان؟
وهنا مربط الفرس فالحركة تخفي الخلافات داخلها وتحاول التعتيم عليها وهذا بدا في
حديث أمير متقي في قناة الجزيرة، ولكن بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن مهدي اختلف مع
طالبان عقب وصولها إلى السلطة منتصف شهر أغسطس من العام الماضي، فيما يقول معظم
السكان المحليين؛ إنه انشق بسبب نزاع مع طالبان بشأن عائدات مناجم الفحم المربحة في
بلخ. ولكن حسب روايته الخاصة، غادر الحركة احتجاجا على تعامل الحركة مع أقلية
الهزارة.
وإذا كانت لطالبان خلافاتها التاريخية والعقدية مع الشيعة، فالحركة تنتمي لأهل
السنة وبالتحديد المدرسة الديبوندية فمن الطبيعي أن يحدث خلاف وعدم توافق مع الغير
منتمين لها عقديا، ولكن كثير من الشواهد تدل على أن هناك خلافات أخرى داخل الحركة
لا يمكن تصنيفها تحت مسمى الخلاف العقدي، فهل من مصلحة طالبان التعتيم على هذه
الخلافات ومحاولة غلق الطنجرة بما فيها ثم تنفجر مرة واحدة، بدلا من فتحها
وتنفيسها؟
لقد كانت هناك مظاهر متعددة للخلاف، فمثلا ماذا جرى بعد دخول طالبان كابول بأيام
قليلة واختفاء الملا برادر لأسابيع، ثم معاودة ظهوره بحديث مقتضب تليفزيوني، لكن
مصادر دبلوماسية وسياسية قالت لقناة الجزيرة إن الخلاف بين قيادة طالبان حقيقي.
ثم كان اغتيال المخابرات الأمريكية لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، حيث ربطت بعض
المصادر بين معرفة أمريكا بالمنزل الذي كان يعيش فيه الظواهري بالخلافات داخل حركة
طالبان.
لكي يتيسر لنا اختبار تلك الفرضيات لابد من البحث بعمق في الاحتمالات التي يمكن أن
تسبب الخلافات داخل الحركة، فأول خطوات العلاج دائما تتعلق بالكشف عن المرض
وأسبابه، وحتى لا تتكرر تجربة المجاهدين المُرّة، خلال التسعينيات من القرن الماضي،
ووصلت إلى الاقتتال بين الجبهات والأحزاب.
جذور الخلاف
في الماضي وأثناء وجود الملا عمر بشخصيته القوية على رأس الحركة، لم يكن لكثير من
الخلافات أن تطفو على السطح. ولكن بعد وفاته بوقت
قصير
بدأ يظهر ما هو كامن،
فقد تم انتخاب الملا أختار منصور رئيسا جديدا للتيار الرئيسي أو فصيل الأغلبية، وقد
قوبل انتخابه بمعارضة شديدة من قبل فصيل بقيادة الملا محمد رسول.
ويؤكد تلك المعلومة الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل في روايته للجزيرة: أنه بعد
إعلان وفاة مؤسس الحركة وتولي الملا أختر محمد منصور القيادة، تعرضت الحركة
للانشقاقات.
ففي عام 2015 أعلن الملا محمد رسول ونائبه الملا عبد المنان نيازي تكوينهم فصيلا
مستقلا لطالبان استقر في ولاية هرات، وكان هذا احتجاجا على تولي الملا أختر منصور
زعامة الحركة، إضافة إلى خروج بعض القيادات العسكرية المهمة مثل الملا عبد القيوم
ذاكر، وهذا أدى إلى شق صف طالبان وإضعافها آنذاك، ولكن ظلت غالبية الجسم العسكري في
الحركة والعلماء وأسرة الملا محمد عمر يدعمون الملا أختر منصور.
والملاحظ إن الانقسام الذي تعاني منه طالبان يجري على مستويين:
أولا على مستوى الخلافات القبلية، والمستوى الثاني يدور حول التعامل مع القضايا
التي تواجه الحركة مثل التحالفات الخارجية وخاصة مع باكستان، واستيعاب المعارضة،
وقضايا تتعلق بفقه الاستضعاف والتمكين وما يصحبها من تطبيق الشرع في المجتمع.
على مستوى الدوافع القبلية
حسب التقديرات الحالية يشكل البشتون حوالي 40 في المئة من سكان أفغانستان، وتضم
قومية البشتون ما يقرب من 350 عشيرة وقبيلة، وعموما تنقسم قبائل البشتون إلى عدة
اتحادات قبلية كبرى، تشمل: السرباني، والبتاني، والغرغتشي، والكارلاني وغلزاي.
وأهم قبائل السرباني هي قبيلة الدوراني، بينما تعتبر قبيلة زدران أكبر قبائل اتحاد
كارلاني.
وتتوزع قيادات طالبان على هذه الفروع، ولايزال التأثير القبلي واضحا في طريقة تعاطي
كل زعيم مع القضايا والمشاكل التي تقابل الحركة.
على المستوى الفكري والسياسي
يعترف مسؤول في طالبان من وزارة الإعلام والثقافة طلب عدم الكشف عن هويته في حديث
مع قناة تي آر تي التركية: نعم، هناك بعض الخلافات حول مسائل الاجتهاد وهناك نقاشات
في الداخل، فمثلا الملا هيبة الله أخوندزاده (زعيم الحركة) يعارض التصوير
الفوتوغرافي وتصوير الفيديو. لكن العديد من العلماء داخل طالبان موافقون على
التصوير الرقمي وتصوير الفيديو. وأوضح أن أمير المؤمنين أعطاهم حرية التصرف وفق
وجهة نظرهم في هذا الشأن.
وهناك خلافات أيضا حول دور المرأة في الحياة العامة وبهذا الصدد أشار أحد شخصيات
طالبان ووصل لدرجة الافتاء داخل الحركة، الى أن هناك رأيا في الفقه الحنفي يقضي بأن
تكون المرأة قاضية ويجوز أن تتقلد مناصب عامة عليا أخرى. واعترف بأن بعض المتشددين
لا يستطيعون إثبات موقفهم من منظور شرعي إسلامي ولكن وجهات نظرهم متجذرة في الثقافة
الأفغانية، وقال: ليس من السهل التخلي عن رأي كان يقوله أجدادك. ولعله يقصد أن
الموقف من المرأة هو عادات للمجتمع الأفغاني أكثر منه اتباع للفقه.
ويقول هذا القيادي الطالباني، إن العديد من الشخصيات البارزة في طالبان، وخاصة
أولئك الذين عاشوا في الخارج خلال السنوات القليلة الماضية، يتبنون وجهة نظر أكثر
تساهلاً في هذا الشأن.
في حين أن من يعارضون تعليم الفتيات، فإنهم يعتقدون أن المجتمع الأفغاني بطبيعته
محافظ إلى حد ما وأن الغالبية العظمى من الناس ستلتزم بسياسات طالبان.
وعلى العموم فإن طالبان يتقاسمها اتجاهان: اتجاه أكثر تشددا سواء في التعامل مع
القضايا الفقهية الخلافية، أو مع دمج غير البشتون في الحكومة سواء من أعراق أو
مذاهب أخرى وهذا الاتجاه يقوده الملا يعقوب ابن الملا عمر، والاتجاه الثاني هم
أعضاء شبكة حقاني ويمثلهم سراج الدين حقاني، وقد نشب بين الفريقين خلافا وصل الى
رفع السلاح بينهما وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز، وأدى الى مصرع ما يقرب من
عشرين مقاتلا من الجانبين، وادعت طالبان بعدها أنهم سقطوا نتيجة إطلاق نار فرحا
بدخول وادي بنجشير، ووصل بعدها رئيس المخابرات الباكستانية الى كابول وحاول التوفيق
بين المجموعتين، فتم تعيين رأس الفريق الأول وهو الملا يعقوب نجل الملا عمر وزيرا
للدفاع، بينما تولى سراج حقاني وزارة الداخلية.
ولكن تبقى مشكلة التعاطي مع باكستان، من أكثر القضايا حساسية والتي تكرس مزيد من
الفرقة بين الطرفين، بينما يميل جناح الملا يعقوب بالحد من نفوذ باكستان وفتح خطوط
اتصالات مع كل من الهند وطالبان باكستان، ولكن جناح حقاني وهو الذي دربته ومولته
المخابرات الباكستانية يعمل في اتجاه تدعيم النفوذ الباكستاني في أفغانستان.
ويبدو أن طالبان طوال عشرين عاما من الجهاد ضد الأمريكان كانت تعمل بطريقة لامركزية
كقوة مقاتلة، مما أتاح للقادة المحليين نوع من الاستقلالية لصياغة السياسة حسب
تقديرهم، ولتخطي تلك الأزمات يجب صياغة استراتيجية يعمل في ظلها الجميع ويتفقون على
خيارات واحدة أمام التحديات التي الخطيرة التي تواجههم وتريد القضاء على مشروع
طالبان برمته وبفصائله.