• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
البيدق الهندي والمصالح الأمريكية في أفغانستان

خلال عقدين من الزمن كانت الهند تحتفظ بموقف ثابت من طالبان، ولطالما احتجت على المفاوضات الأمريكية مع الحركة خوفاً من إنعكاس ذلك على زيادة الدعم للجهاديين في كشمير التي تحتلها الهند.

فورين آفيرز

منذ سيطرتها على أفغانستان، لم تحظى الحكومة التي شكلتها حركة طالبان بإعترافاً دولياً وعاشت حالة من العزلة الاقتصادية والسياسية التي أجبرتها على القيام بمناورات علنية لإختراق الحصار الدولي مثل خوض مفاوضات مع الصين وروسيا وإيران، وأخيراً الهند. فقد قدمت الحركة مبادرات علنية للتعاون مع الهند، وحث خلال قمة أمنية عقدت في مايو الماضي بطاجيكستان، مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، على تقديم المساعدة لحكومة الأفغانستان من أجل التصدي لما وصفه بــ" الإرهاب". وفي يونيو سافر وفد من كبار المسؤولين الهنود إلى كابول للقاء قادة من طالبان، وفي 23 يونيو أعلنت نيودلهي عن فتح بعثتها الدبلوماسية في أفغانستان.

وقالت الهند إن طالبان أبدت استعدادها للتعاون الإستخباري معها في مايتعلق بعسكر طيبة وجيش محمد وتنظيم القاعدة، التي لقيت ملاذاً آمناً في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي، وكانت طالبان قد أكدت سابقاً رفضها لطرد الجهاديين الأجانب من أفغانستان، وفي حال صحت التصريحات الهندية فإن ذلك يعدتغيراً كبيراً في نهج الحركة التي تعتبر الجماعات الجهادية جزء من تحالفاتها التي قامت عليها معركتها مع الجيش الأمريكي.

كذلك فإن التقارب الهندي مع طالبان يتعارض بشكل كبير مع المصالح الباكستانية في أفغانستان، التي بدورها قدمت دعماً سخياً للحركة خلال العقود الماضية بهدف منع الهند من زيادة نفوذها في أفغانستان، لذلك إن تغير الموقف الهندي إتجاه طالبان يعد مفاجأة نظير موقفها عام 1996 حيث دعمت نيودلهي الفصائل المعادية لطالبان والتي عرفت آنذاك باسم "تحالف الشمال"، وكذلك عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، وخلال عقدين من الزمن كانت الهند تحتفظ بموقف ثابت من طالبان، ولطالما احتجت على المفاوضات الأمريكية مع الحركة خوفاً من إنعكاس ذلك على زيادة الدعم للجهاديين في كشمير التي تحتلها الهند.

كما أن استعداد طالبان للإنخراط في علاقة مع الهند يعد تحولاً غريباً مقارنة بمهاجمتها للمصالح الهندية خلال فترة مقاومتها للإحتلال الأمريكي، بل أقدمت الحركة على استهداف المصالح الهندية بصورة مباشرة لاسيما تفجير السفارة في كابل عام 2008، وهو هجوم نفذتها شبكة حقاني أحد أذرع طالبان. وتركز الهند في محادثاتها مع طالبان على ملف "الإرهاب" والجماعات الجهادية التي تعتبرها طالبان جزء من تحالفاتها القديمة، وهي تحالفات دعمتها المخابرات الباكستانية بهدف تقويض النفوذ الهندي في أفغانستان، وتقول الحكومة الهندية إن طالبان أبدت استعدادها لوضع مسافة بينها وبين حلفائها السابقين في الأمور التي تتعلق بالعلاقة مع الهند. وفي مقابلة مع قناة إخبارية هندية صرح وزير دفاع طالبان الملا محمد يعقوب بأن حركته لن تسمح بمهاجمة الهند من الأراضي الأفغانية، وأعرب عن إهتمامه بإرسال كوادر من طالبان إلى الهند لتلقي تدريبات عسكرية.

وتعصف بأفغانستان أزمة حادة بسبب الحصار السياسي والإقتصادي الدولي عليها، وكذلك لديها أزمة مع باكستان بسبب خط دوراند الحدودي، وكذلك المواجهات التي تحدث بين حرس الحدود الإيراني وعناصر من حركة طالبان، لذلك تحاول الحركة بناء جسور من التواصل مع جيرانها بهدف كسر عزلتها، وقد يرى صناع السياسة الهنود في ذلك فرصة للضغط على طالبان وصنع مسافة كافية بينها وبين باكستان بهدف الإستفادة من ذلك في تحييد الحركة من معركتها مع السكان المطالبين بإنفصالهم وطرد الاحتلال الهندي في كشمير.

ربما ينظر للهند على أنها تحاول التحرك كقوة إقليمية في آسيا لكن ذلك لايبعدنا كثيراً عن كونها أحد أهم حلفاء واشنطن في مواجهة النفوذ الصيني، لذلك يمكن تفسير ما تحاول صنعه في أفغانستان كجزء من اللعبة الأمريكية في المنطقة، مستغلة بذلك حاجة أفغانستان للدعم الغذائي والبنية التحتية وكذلك إستثمار دورها الإنساني في دعم المعارضة الداخلية وإرباك التحالف الباكستاني الصيني.

لكن بالنسبة لطالبان سيكون المشهد أكثر سوداوية لأن مثل هذا التحالف من شأنه صنع الكثير من العداء بين باكستان وطالبان، لكن في نفس الوقت قد يزيد من إضفاء الشرعية على النظام الحاكم في أفغانستان ويمنح طالبان فرصة للتواصل الدولي، ويثير سمعة سيئة للحركة وعلاقتها بالحزب الهندي الحاكم "بهاراتيا جاناتا" المسؤول عن قمع المسلمين هناك. لذلك يمكن تفسير الحوار الهندي مع طالبان في سياق محاولات واشنطن لإدارة الأزمة الأفغانية من خلال الأبواب الجانبية بعيداً عن المواجهة المباشرة وتقديم التنازلات لحركة طالبان، مقابل استغلالها للضغط على باكستان والصين وإشراك الهند بطريقة مباشرة في إدارة مخاطر التوترات الإقليمية في المحيطين الهندي والهادئ.

 

 

أعلى