• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من يحمي الأقصى؟

يرتبط المكان المتواجد فيه الأقصى بما يطلق عليه اليهود هيكل سليمان. ومصطلح الهيكل في اللغة العبرية يتكون من مقطعين؛ الأول "هي" ويعني البيت، والثاني "كل" ويعني الضخم الكبير، وبهذا تكون كلمة هيكل تعني البيت الكبير.


منذ منتصف رمضان، ومع بدء أعياد الفصح اليهودي تجددت المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين مرة أخرى داخل المسجد الأقصى وفي ساحته.

جاءت هذه المواجهات إثر عودة المتطرفين الإسرائيليين الى التهديد بذبح قرابينهم داخل ساحة الأقصى، باعتبار ان المسجد هو مكان هيكل سليمان وفق مزاعمهم التي لا تنتهي.

وقد احتشد ما يقرب من مائة وخمسين ألف فلسطيني تمكنوا من أداء صلاة الجمعة الثالثة من رمضان في المسجد الأقصى، كما يقول الشيخ عزام الخطيب مدير عام دائرة الأوقاف الاسلامية في القدس؛ وأعقب الصلاة مواجهات اندلعت في ساحات المسجد صباح الجمعة الماضي، بين مصلين والشرطة الإسرائيلية، وأسفرت عن إصابة 31 فلسطينيا، وصفت جراح اثنين منهم بالخطيرة.

ولكن قبل هذه المواجهات ساد التوتر الأرض المحتلة، إثر تواصل العمليات الفردية المسلحة التي شنها الفلسطينيون ضد الاحتلال والتي أسفرت عن مقتل 13 شخصا.

ومثلت هذه الهجمات الفردية، التي يشنها فلسطينيون بمعزل عن المُنظمات التقليدية، تحديا للاحتلال من حيث صعوبة التنبؤ بزمانها ومكانها وأفرادها وكذلك سبل الرد عليها، وهو ما يضعف بشكل مباشر منظومة الردع الإسرائيلية، لأن أمثال تلك العمليات لا ترتبط بأحداث بعينها، بل هي عمليات مستمرة باستمرار الاحتلال.

وما يزيد من خطورة تلك العمليات أن الذي يقوم بأغلبها ما يعرف بفلسطينيي الداخل، وهم الفلسطينيون الحاصلون على الجنسية الإسرائيلية.

وفي وسط هذا التوتر في فلسطين صبت الجماعات اليهودية المتطرفة النار على الزيت، بإعلان جماعات الهيكل المزعوم اقتحام الأقصى في عيد الفصح لتقديم القرابين، ولذلك نشر جيش الاحتلال آلاف الجنود في القدس، ودخل في حالة تأهب قصوى خوفا من انفجار الأوضاع. وانتهى هذا التوتر الى تصادم بين أهل فلسطين والصهاينة كما هو متوقع، ولكن ليس بنفس وتيرة العام الماضي، ولكن هذا لم يمنع إعلان الفصائل المسلحة في غزة استعدادها للرد على اقتحام الأقصى أو تغيير معالمه، وتطور الوضع بشن تلك الفصائل هجمات صاروخية غير مؤثرة الأمر الذي جرى تفسيره على أنها مجرد رسائل تحذيرية، مما دفع إسرائيل الى الرد بشنها غارات غير فعالة على المواقع الفلسطينية في غزة، وسط نذر تهديدات متبادلة بين الطرفين، وأدى الى قيام حكومة الكيان الصهيوني في النهاية بإغلاق المعابر بين غزة وسائر فلسطين، بعد توصل أجهزة المخابرات الاسرائيلية الى قناعة بعدم الرد عسكريا على إطلاق الصواريخ الصورية من غزة، والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية، إذ أن التصور في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن منع دخول العمال من غزة أكثر فاعلية من القصف.

ولكن هل سيظل ذلك الصراع محتدما بين الطرفين وسيظل ثابتا على هذه الدرجة من التوتر؟

أم سيتصاعد ويدخل مراحل أخرى متفجرة من الحروب؟

أم سيتجه الى التهدئة والانحسار مع تصاعد الدعوات الى التطبيع بين الشعوب العربية؟

الإجابة على هذه التساؤلات تحتاج إلى تحليل الدوافع التي ينسجها الصهاينة ويبررون بها هذا التصعيد وهل سيتم التنازل عنها أو الوصول الى حلول وسط أو سيصر هؤلاء على التشبث بها؟

نظرة الصهاينة للأقصى

يرتبط المكان المتواجد فيه الأقصى بما يطلق عليه اليهود هيكل سليمان.

ومصطلح الهيكل في اللغة العبرية يتكون من مقطعين؛ الأول "هي" ويعني البيت، والثاني "كل" ويعني الضخم الكبير، وبهذا تكون كلمة هيكل تعني البيت الكبير.

وحسب الرواية اليهودية، فإن نبي الله داود هو الذي بنى أساسات هذا الهيكل، ولكنه توفي قبل أن يبدأ في البناء، وجاء من بعده ابنه نبي الله سليمان فأتم ما بدأه أبوه وشيد الهيكل فوق جبل موريا في فلسطين، وأطلق عليه المسلمون بعد ذلك هضبة الحرم، وهو المكان الذي يوجد الآن فوقه المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.

ويعد الهيكل الرمز المقدس الأكبر لدى اليهود لذلك فهم يحجّون إليه في أعياد الحج، وهي ثلاثة الفصح والأسابيع والمظال، وقبل بناء الهيكل وطوال الفترة بين عهد النبي موسى إلى عهد النبي سليمان لم يكن لليهود مكان عبادة مقدس ثابت. وكانت لوحات الوصايا العشر التي جاء بها نبي الله موسى توضع في تابوت أطلق عليه اسم تابوت العهد وخصصت له خيمة عرفت بـخيمة الاجتماع ترحل مع اليهود أينما رحلوا، ووفق الرواية اليهودية أنه بعد بناء الهيكل نقل التابوت ووصايا موسى العشر اليه.

أما مكان الهيكل فقد اختلف اليهود حول أين يقع في القدس تحديدا: فهناك من يرى أن الهيكل مكانه خارج ساحة المسجد الأقصى، وآخرون يقولون إن مكان الهيكل تحت قبة الصخرة، فيما يزعم رأي ثالث تبناه المتطرفون اليهود أن مكان الهيكل تحت المسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى في نظر هؤلاء قد بُنيَ مكان الهيكل، وأن ما يطلقون عليه حائط المبكى وهو أصلا الحائط الغربي من الأقصى هو آخر آثار هيكل سليمان.

وتواصل الرواية التاريخية اليهودية سردها فتقول أن هذا البناء قد تعرض للتدمير على يد القائد البابلي نبوخذ نصَّر أثناء غزوه للقدس عام 586 ق.م، وبعد أن استولى الفرس على سوريا وفلسطين سمح الملك قورش عام 538 ق.م لمن أراد من الأسرى اليهود الرجوع إلى أورشليم وأمر بإعادة بناء الهيكل، ثم جاء الهدم الثاني للهيكل على يد الملك السلوقي أنطيخوس الرابع حوالي عام 165 ق.م.

هذه هي الرواية اليهودية لذلك المعبد أو الهيكل، أما الرواية الإسلامية فهي الأدق وتتلخص في أن ما يطلق عليه اليهود الهيكل، ما هو الا المسجد الأقصى وقد اختلف في توقيت بنائه ففي رواية أنه بُنيَ قبل ولادة النبي سليمان -عليه السلام- بنحو ألف عام على أقل تقدير، وقد يكون الذي بناه آدم أو إبراهيم أو يعقوب عليهم الصلاة والسلام، وربما يرتبط بناءه أيضا ما ذكره ابن خلدون في مقدمته أن داود وسليمان -عليهما السلام- هما من بنى المسجد، ولكنّه قد تعرض للتخريب، وبناؤه الذي هو عليه اليوم هو من بناء الوليد بن عبد الملك بن مروان.

والغريب أن فكرة إعادة بناء الهيكل لم يثرها اليهود الا في القرن التاسع عشر، عندما تصاعدت الأفكار الصهيونية والتي تطالب بتكوين دولة لليهود في فلسطين. فظهرت كتابات يهودية في صحف أمريكا وأوروبا تدعو إلى إعادة بناء الهيكل في فلسطين. ثم كانت أولى الخطوات العملية في هذا الاتجاه عام 1918، حينما وصلت بعثة يهودية بقيادة حاييم وايزمن إلى القدس وقدمت طلبا إلى الحاكم العسكري البريطاني آنذاك الجنرال ستورز تطالبه بإنشاء جامعة عبرية في القدس، وتسلم حائط البراق (المبكى) في الحرم القدسي، إضافة إلى مشروع لتملك أراض في المدينة المقدسة.

وحاول اليهود بعد ذلك اقتحام الأقصى مما أدى الى ثورة أهل فلسطين عام 1929، الذين شكلوا جمعية حراسة المسجد الأقصى التي انتشرت فروعها في معظم المدن الفلسطينية، الأمر الذي نتج عنه أن كونت عصبة الأمم (والتي تحولت بعد ذلك الى الأمم المتحدة) لجنة دولية للتحقيق في ملكية الحائط‏،‏ وأعدت تقريرها الذي نشر عام‏ 1930،‏ وجاء فيه ما نصه‏:‏ تصرح اللجنة استنادًا إلى التحقيق الذي أجرته بأن ملكية الحائط وحق التصرف فيه‏‏ وما جاوره من الأماكن المبحوث عنها في هذا التقرير‏،‏ عائد للمسلمين‏،‏ ذلك أن الحائط نفسه ملك المسلمين‏ لكونه جزءاً لا يتجزأ من الحرم الشريف‏، والرصيف الكائن عند الحائط‏‏ حيث يقيم اليهود صلواتهم‏،‏ هو أيضًا ملك للمسلمين.

ولكن العقلية الصهيونية لا تعترف بمواثيق دولية أو غير دولية الا إذا وافقت أهواءها، ففكرة إعادة بناء الهيكل مكان الأقصى تتضمن معنيين عند الصهاينة:

المعنى الأول محاولة تجميع اليهود في الشتات على أسطورة دينية.

والمعنى الثاني هو هدم مسجد الأقصى لإقامة الهيكل، وهنا يدخل منطق الصراع لجعل اليهود لحمة واحدة بدلا من اشغالهم بالخلافات بينهم كما هي عادتهم.

قامت استراتيجية الكيان الصهيوني لهدم الأقصى على التدرج وتمحورت في بعض المحاور منها:

1-السماح للجماعات المتطرفة اليهودية المتعلقة أنشطتها بتلك الغاية بالتواجد، ولا يخفى على أحد دور جهاز الشاباك الإسرائيلي (جهاز الامن الداخلي) في التنسيق لها ورسم خطواتها.

2-الحصول على دعم اللوبي الصهيوني في أمريكا لهذه الخطوة، في محاولة استمالة رؤساء أمريكا وضمان حيادهم، أو على الأقل أن تكون ردود أفعالهم فارغة من المضمون.

3- الحرص على افقاد الفلسطينيين الحاضنة العربية، بتسريع خطوات التطبيع.

4- العمل على فلسطيني الداخل، سواء بزرع الشقاق بينهم أو افقارهم والهاءهم بلقمة العيش، أو نشر الفساد الأخلاقي بين الشباب وتغيير المفاهيم الإسلامية، حتى ينشأ جيل لا يهتم بالأقصى ولا يكون من أولوياته.

وهذا العامل الأخير نجح الفلسطينيون حتى الآن في هزيمته، ومن يراقب الفلسطينيين الذين يحتشدون في الأقصى يجد أن غالبيتهم الغالبة من الشباب الذين تتوقد قضية الأقصى في نفوسهم، ليس لدوافع قومية أو وطنية انما إرضاء لله ونصرة لدينه.

 

 

أعلى