هناك عدّة مواضيع متعلّقة بالإسلام تشكّلُ أرضًا خصبةً للسّجال بين الفاعلين السياسيين الفرنسيين، من أجل استمالة الأصوات والمؤيدين، مثل الدعوة إلى منع الذبح بالطريقة الإسلامية، منع الأسماء العربية أو الإسلامية مثل محمد وغيره
نتيجةً للتحديات التي فرضتها العولمة، أصبحت الأسئلة المتعلقة بالهوية من بين
الاهتمامات الأساسية في المجتمعات الغربية في الوقت الراهن. ولا تَشُذُّ فرنسا عن
هذه الحالة، خصوصًا في مواسم الانتخابات، التي تعرف صعودًا كبيرًا للخطاب الهويّاتي
ومعاداة المهاجرين والإسلام والمسلمين ...
في المناظرة الأخيرة، التي عُقِدَت يوم 20 أبريل 2022، بين المرشحين "إمانويل
ماكرون" و"مارين لوبين"، اللذين تأهلا للدور الثاني من الانتخابات
الرئاسية الفرنسية، حضرت المواضيع المتعلّقة بالإسلام والمسلمين بشكر بارز، فكيف
تناول المرشّحان هذه المواضيع؟
في المناظرة، وعند التطرّق لموضوع العلمانية، التي تعتبرُ مبدأ دستوريًا في فرنسا،
ورغم اتفاق المرشّحين حول هذا المبدأ، إلا أنّهما اختلفا اختلافًا طفيفًا بخصوص بعض
الإجراءات المتعلقة بالتعامل مع الإسلام وما يسمونه بـ'الإيديولوجية الإسلامية".
حيث تدعو المرشحة "مارين لوبين" إلى محاربة 'الإيديولوجية الإسلامية"، من
خلال منع نشر هذه الإيديولوجية وتمويلها، ومنع ممارسة الدعوة في المرافق العمومية
والشركات، وإبعاد الأجانب الإسلاميين من الأراضي الفرنسية، وحلّ المنظمات المدافعة
عن الأيديولوجيات الإسلامية ... ورغم كلّ هذه الإجراءات التي تدعو إليها، إلا أنّ
المرشّحة اليمينية تؤكّدُ أنّها ليست ضدّ الإسلام كدين، لكن لا يبدو واضحًا كيف
تفرّق لوبين بين الإسلام كدين والأيديولوجية الإسلامية.
وفي المقابل، فإنّ "إمانويل ماكرون" أشاد بالإجراءات التي تمّ تفعليها بموجب
قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية المثير للجدل، الذي يُعرفُ إعلاميًا باسم
قانون مكافحة الإسلام الانفصالي، والذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)
في 23 يوليو/تموز الماضي 2021. ويفرض القانون رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة
عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين.
كما يفرض قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها بالمنازل. وبناءً على هذا
القانون، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، المحسوب على الرئيس الحالي "إمانويل
ماكرون"، عن إغلاق 21 مسجدًا إلى حدود أواخر سنة 2021، بزعم أنها كانت تشهد
"مظاهر تطرف"، دون أن يقدّم ما يؤكّد مزاعمه هذه.
وبخصوص ارتداء الحجاب، تدعو "لوبين" إلى حظر الحجاب في الأماكن العامة، مثل
الشوارع، والأماكن المفتوحة للعموم والمرافق العامة ... لأنّهل تعتبرُ الحجاب
لباسًا خاصًّا بالإسلاميين، وأنّه مفروض على النساء المسلمات، دون أن تأتي بأدلة
تؤكّدُ دعواها هذه. وفي المقابل، عارض "ماكرون" هذه الدعوة، وحذّر من أنّها
قد تشعل حربًا أهلية في البلاد. ورأى أنّ ما يقلقُ في خطاب المرشّحة "لوبين"
هو الربط الذي تقوم به بين الحجاب والإرهاب والإسلاميين والمهاجرين ... لأنّ الأمر
يتعلّق بمشاكل مختلفة ولا يجب الخلط فيما بينها.
وبالإضافة إلى هذا، هناك عدّة مواضيع متعلّقة بالإسلام تشكّلُ أرضًا خصبةً للسّجال
بين الفاعلين السياسيين الفرنسيين، من أجل استمالة الأصوات والمؤيدين، مثل الدعوة
إلى منع الذبح بالطريقة الإسلامية، منع الأسماء العربية أو الإسلامية مثل محمد
وغيرها ...
ورغم الاختلاف بين "ماكرون" و"لوبين" في مواقفهما من الإسلام
والمسلمين، إلا أنّ هذا الاختلاف يبقى طفيفًا لأنّ كلّ مرشّح يدركُ بشكل جيّد وجود
مشاعر معاداة للإسلام والمسلمين عند نسبة مهمّة من المجتمع الفرنسي، ولهذا فهما
يحاولان، كلٌّ بطريقته، مسايرة هذه المشاعر وإظهار الصرامة والحزم في التعامل مع
المواضيع المتعلّقة بالإسلام والمسلمين من أجل الفوز بأصوات غالبية الفرنسيين.
ويثير هذا التركيز على الإسلام والمسلمين، في الدعايات الانتخابية، مخاوف المسلمين
في فرنسا. حيث أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أنّ العديد من المسلمين في فرنسا
يفكّرُ في مغادرة فرنسا، نتيجة لمشاعر الكراهية اتجاههم، التي تتزايد كلما اقترب
موعدٌ انتخابيٌّ.