ذكرت سفيرة أفغانستان السابقة في النرويج مانيشا باراكزاي، أن للنرويجيين دوراً مباشراً في كتابة الاتفاق الذي عقد بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة
"الحديث مع طالبان ومحاسبتهم هو الأمر الصحيح"
بهذه الكلمات يبرر رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستوره زيارة وفد طالبان الى
أوسلو عاصمة النرويج.
ففي يوم الأحد ٢٣ يناير انطلقت المحادثات في أوسلو، بين وفد من طالبان وممثلين عن
المجتمع المدني الأفغاني، بحضور نرويجي رسمي ومسؤولين من المجتمع الدولي.
وهذه المرة الأولى -منذ عودة طالبان للحكم في أغسطس الماضي- التي تعقد فيها الحركة
اجتماعات بأوروبا، حيث عقد ممثلوها في وقت سابق اجتماعات في روسيا وإيران وقطر
وباكستان، وتحدث المصادر الصحفية على ان مسؤولين من طالبان ودبلوماسيين أميركيين
وأوروبيين بالإضافة إلى منظمات إغاثة ومجموعات أفغانية من المجتمع المدني مشاركون
في الاجتماعات.
ويمضي المسئول الأول النرويجي حديثه للصحفيين، خلال مؤتمر صحافي مقتضب عقده بعد
ترأسه جلسة في مجلس الأمن الدولي في نيويورك لشهر يناير، فيقول: لقد جرت المحادثات
في أوسلو خلال وجودي هنا في نيويورك، ولكن انطباعي أنهم جادون...لقد استمر الاجتماع
بين طالبان وممثلين عن المجتمع المدني الأفغاني لأكثر من ست أو سبع ساعات... هذه
خطوة أولى للبدء بالتعامل مع الذين لديهم السلطة الفعلية في أفغانستان. وإذا لم
نبدأ بهذه الخطوة الأولى، أخشى أننا سنرى تطورات فظيعة وكارثة إنسانية.
وقال ستوره: أوضحنا لهم أننا نريد أن نرى الفتيات يعدن إلى المدرسة في شهر مارس
أيضاً، بمن فيهن اللواتي أعمارهن فوق الثانية عشرة. نريد أن نرى وصول المساعدات
الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين إليها من المدنيين. ولحدوث هذا نحتاج تسهيلات
فعلية على الأرض. وسنتتبع تنفيذ كل هذا.
وأضاف: هذا ليس اجتماعاً لطالبان مع النرويج، بل اجتماع لطالبان في النرويج مع
منظمات المجتمع الأفغاني أولاً، لقد جعلنا هذا اللقاء ممكناً بين نشطاء المجتمع
المدني من داخل أفغانستان وخارجها للجلوس معاً إلى طاولة مع الذين لديهم السلطة
الفعلية في أفغانستان طالبان، وأضاف: إن هذا لا يعني اعترافاً من جانبنا بطالبان.
إنه مجرد إطار عمل للتواصل وإيصال الرسائل ومحاسبتهم.
نلاحظ أن كلام رئيس الوزراء النرويجي لم يتطرق الى الدور الأمريكي في هذا الحوار،
مع أن وفود من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي كانت مشاركة في تلك
الاجتماعات.
بل ان روسيا أيضا شجعت حوار أوسلو مع طالبان، وجاء الأمر في شكل بيان أصدرته
الخارجية الروسية، ذكرت فيه أن المحادثات التي أجراها وفد رفيع من حركة طالبان في
النرويج خطوة نحو الاعتراف الدولي بالحركة كسلطة شرعية في أفغانستان، وأعربت
الخارجية الروسية عن استعداد روسيا لاستضافة محادثات بين حركة طالبان وممثلين عن
المجتمع الأفغاني.
وهنا تطرح الأسئلة:
لماذا تحرص امريكا وروسيا والعالم على فتح حوار مع طالبان؟
هل هو حقا الخشية على أهل أفغانستان من المجاعة كما يزعمون؟
أم أن الأمر يتعلق بحسابات وأجندات أخرى؟
في البداية يجب أن نعرف لماذا تمت هذه الاجتماعات في أوسلو بالذات؟
لأن الإجابة على هذا السؤال ستوضح الى حد كبير أهداف هذه اللقاءات..
أوسلو تتمتع بسمعة في العالم العربي والإسلامي بأنها شهدت توقيع اتفاقية بين
الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، سميت حينها اتفاقية أوسلو، جرى فيها ترتيبات
بين منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات باعتبارها الممثل الوحيد للشعب
الفلسطيني، وتم بموجبها تشكيل السلطة الفلسطينية الحالية المتواجدة في غزة وجزء من
الضفة الغربية، والتي اعتبرها كثير من العرب استسلام للشروط الصهيونية وانهاء
للقضية الفلسطينية، بينما رأى فيها آخرون أنها الخطوة الممكنة الوحيدة المتوفرة وفق
ميزان القوى الموجود حينها بين العرب والصهاينة، في حين أثارت الجدل والانقسام بين
التيارات السياسية الاسرائيلية حتى الآن، واعتبروها بأنها أوجدت للمقاومة
الفلسطينية المسلحة موطأ قدم في الداخل الفلسطيني.
وربما تسير أوسلو طالبان على نفس الدرب وفق ما تطمح فيه القوى المعنية بالشأن
الأفغاني، فقد ذكر موقع اندبندنت عربي البريطاني، أن حركة طالبان لها اتصالات
بالسياسيين النرويجيين منذ عام 2005، عندما أعادوا تجميع صفوفهم بعد سقوط حركتهم من
السلطة عام 2001، فخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، دُعي رؤساء المجموعة بشكل
متكرر إلى النرويج في رحلات سرية وأجروا محادثات مع المسؤولين هناك، وقال دبلوماسي
أفغاني سابق تحدث للموقع البريطاني شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الدعوات الرسمية
لطالبان ليست أمراً مستجداً بالنسبة إلى النرويج، وأضاف في عام 2013، عندما أُطلق
سراح سجناء طالبان من غوانتانامو وتم نقلهم إلى الدوحة، أصدرت الحكومة النرويجية
جوازات سفر دبلوماسية لبعض قادة طالبان ودعتهم إلى إجراء محادثات على أراضيها...
بينما كانت الحكومة الأفغانية حينها ترفض إصدار جوازات سفر لأولئك الأشخاص.
وتعليقا على قول رئيس الوزراء النرويجي الذي زعم للصحفيين أنه لا يعرف هل وزير
الداخلية الأفغاني أنس حقاني ضمن وفد طالبان، وهو الموجود على قائمة الارهابيين
الامريكية، قال الدبلوماسي الافغاني السابق حتى لو كانت زيارته تحت اسم مختلف، فإن
جواز سفره يحمل صورته التي ينبغي ألا تخدع سلطات الهجرة النرويجية التي أصدرت له
تأشيرة.
بينما ذكرت سفيرة أفغانستان السابقة في النرويج مانيشا باراكزاي، أن للنرويجيين
دوراً مباشراً في كتابة الاتفاق الذي عقد بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة.
ولكن أخطر ما قالته السفيرة الأفغانية، إن النرويج تعمل كعنصر ضغط ناعم لمصلحة
الولايات المتحدة، والنرويج من الدول المهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة حيث تقوم
بدور الوسيط بينها وبين المجموعات التي لديها خطط بشأنها.
اذن من هنا نستنتج أن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بشكل أساسي بتلك المحادثات.
ولكن ما هي الدوافع الأمريكية وراء تلك الاجتماعات من الباب الخلفي النرويجي؟
تحدث المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان توماس ويست، في سلسلة تغريدات عن بعض هذه
الدوافع وان غلفها بالغلاف الدبلوماسي الإنساني المعتاد فيقول: إن الولايات المتحدة
وحلفاءها يسعون إلى إيجاد سبل لمعالجة الأزمة الإنسانية في أفغانستان. وأضاف: بينما
نسعى إلى معالجة الأزمة الإنسانية جنبا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء ومنظمات
الإغاثة، سنواصل الدبلوماسية الواضحة مع طالبان فيما يتعلق بمخاوفنا ومصلحتنا
الراسخة في أفغانستان مستقرة تحترم الحقوق وشاملة.
بهذه العبارة الأخيرة لخص المسئول الأساسي عن ملف طالبان في الإدارة الأمريكية
الدوافع التي تدفع أمريكا من أوسلو، وهي استقرار المصالح الأمريكية في أفغانستان.
فما هي تلك المصالح؟
تشكل الجغرافيا السياسية لأفغانستان بعدا خطيرا للمصالح الأمريكية في العالم،
فبالرغم من كونها مساحة جغرافية مغلقة، ولكنها تشكل مركزا لتقاطعات أربع مناطق
جغرافية هامة، وهي:
أولا/ شرق آسيا وعلى رأسها الصين، التي تنظر الى أفغانستان كمعبر أساسي لمشروعها
العالمي الحزام والطريق، كما تمثل ثروات أفغانستان مجالا ممتازا للاستثمارات
الصينية وخاصة ما يتعلق منها بالمخزون الهائل من المعادن، مثل النحاس وغيره، لذلك
في إطار التنافس الاستراتيجي بين أمريكا والصين على الزعامة العالمية، فإن القوة
التي تملك نفوذا أكبر في أفغانستان ستوجه ضربة موجعة للقوة الأخرى.
ثانيا/ جنوب آسيا حيث تتواجد قوتان نوويتان وهما الهند وباكستان، فالهند بالنسبة
لأمريكا القوة الكبرى والتي بالتحالف معها ستحد من النفوذ الصيني، أما باكستان
فتنظر اليها الولايات المتحدة كمركز للإرهابيين كطالبان باكستان والقاعدة والخوف من
تكرار هجمات تهدد الداخل الأمريكي على شاكلة أحداث سبتمبر.
ثالثا/ وسط آسيا الذي تتواجد فيه خمس جمهوريات إسلامية، تشكل حزاما حاميا لروسيا
التي بدأ نفوذها يعود محاولة استعادة مكانة الاتحاد السوفيتي، فالنفوذ الأمريكي في
أفغانستان يشكل لها ورقة رابحة في المفاوضات الدائرة حول وقف التمدد الروسي في
العالم.
رابعا/ إيران، والتي تتطلع الى أن تكون القوى الإقليمية الأكبر في الشرق الأوسط،
مهددة إسرائيل بالزعامة، بعد أن خرجت عن الدور المرسوم لها أمريكيا وصهيونيا، وهو
أن تحد من نفوذ أي قوة سنية في المنطقة بمذهبيتها الطائفية.
ان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي اعتبره حلفاء أمريكا وكذلك عدد كبير من
الساسة الأمريكان مذلا، رأى فيه كثيرون إعادة للتموضع وتصدير المشكلة لطالبان، حتى
أطلق عليه الباحث الأمريكي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد بولوك تبادل
المواقع، أي اغراق طالبان بمسئولية الحكم بعد أن حجب عنها أمريكا الأرصدة الأفغانية
في البنوك الأمريكية والتي تبلغ عشرة مليارات من الدولارات، لتعجز طالبان عن سد
حاجات الناس فتلجأ الى أمريكا حينها تفرض عليها شروطها.
ولكن طالبان قادرة بإذن الله، على تخطي تحدي الحكم وتنجح فيه، كما نجحت في السابق
في هزيمة أكبر إمبراطورية عالمية في التاريخ وأخرجتها من أفغانستان.