ماجرى في برشلونة قد يكون مايجعله مثيراً للإهتمام هو وجود رواية من قبل شهود عيان يمثلون الدولة الاسبانية ويقرون بجرمهم وقد يكون الصدام الحقيقي ليس فيما يتعلق بقابلية الدولة الإسبانية على تطبيق العدل والإعتذار للمسلمين
في مقالة نشرتها مجلة "أتلنتك" للكاتبة الأمريكية، إيمي زيغارت، قالت فيها إن صناعة
الترفيه جزء من عملية غسيل الأدمغة التي تقوم بها وكالة الاستخبارات الأمريكية لفرض
رواية واحدة على الجمهور الأمريكي حول أنشطتها في العالم، وتضيف اليوم في كل مكتب
من مكاتب وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع ضباط في الشؤون المعنوية تقتضي
مسؤوليتهم تبييض سمعة مؤسساتهم أمام المجتمع ولذلك لا يمكن إستغراب وجود ملصقات
أفلام هوليوودية في غرف الإجتماعات في مقر وكالة المخابرات في لانغلي.
هذه اللفتة من الكاتبة تشير إلى عالم موزي
يتم صنعه في ما يتعلق بالإرهاب كظاهرة عالمية يراد دائماً إلصاقها بالمسلمين، لكن
الرواية القائمة على الأكاذيب والتي دائما مايدعم تصديقها وجود أطراف مستفيدة من
هذه الرواية في عالمنا الإسلامي تصطدم بظهور حقائق غير متوقعة لتكشف زيف المنظومة
الغربية وقذارتها في التآمر على المسلمين، فقبل أيام أقر رجل الأعمال والضابط
السابق في الشرطة السرية الإسبانية، خوسيه مانويل فياريخو، بأن الهجمات الإرهابية
التي استهدفت برشلونة وكامبريلز في اسبانيا في أغسطس عام 2017 كانت من فعل
المخابرات الاسبانية بهدف زعزعة استقرار كاتالونيا ومنع الاستفتاء هناك.
وأضاف في إعترافه أمام الصحفيين بالتزامن مع إنعقاد جلسات لمحاكمته بسبب تورطه في
قضايا فساد متورط فيها سياسيين كبار في البلاد، أن الرئيس السابق لجهاز المخابرات
الوطنية (CNI)
فيليز سانز رولدان، "أراد أن يخيف كتالونيا،لكنه أخطأ تقدير العواقب". وأوضح
فيلاريخو أن جهاز المخابرات الاسباني كان على علم بالخلية المنفذة للهجوم وبكامل
خططها، وكشف أن العقل المدبر للهجوم هو إمام أحد المساجد في مدينة ريبول، وكان يعمل
مخبراً للمخابرات الوطنية الاسبانية.
تصريحات ضابط الشرطة السابق، أرعبت النخبة السياسية الأسبانية وخرجت تصريحات مختلفة
بشان المطالبة بالكشف عن تفاصيل العملية من قبل المخابرات الوطنية، وقال نائب رئيس
حكومة كتالونيا، جوردي بوينيرو، إن الدولة الإسبانية تريد توضيح، وأعرب عن قلقه من
عدم نفي أي مسؤول في الدولة لهذه المعلومات.
ماجرى في برشلونة قد يكون مايجعله مثيراً للإهتمام هو وجود رواية من قبل شهود عيان
يمثلون الدولة الاسبانية ويقرون بجرمهم وقد يكون الصدام الحقيقي ليس فيما يتعلق
بقابلية الدولة الإسبانية على تطبيق العدل والإعتذار للمسلمين، بل يأتي في سياق
صدام بين نخب سياسية فاسدة تهيمن على صناعة القرار في أسبانيا، لكن مايجري في سوريا
والعراق وأفغانستان منذ عقود على يد الجيش الروسي والمليشيات الإيرانية والجيش
الأمريكي رغم وضوحه للمنظومة العالمية برمتها لايوجد نظام عدلي عالمي يمكن الاحتكام
إليه، فملايين الضحايا سقطوا نتيجة هذا الإرهاب المنظم دون محاكمة قاتله، ففي
ديسمبر 2020 أصدر الرئيس الأمريكي سابق عفواً عاماً عن أربعة قتلة من شركة بلاك
ووتر، قتلوا 14 مدنياً عراقياً عام 2007 بينهم طفلان في ساحة النسور ببغداد،
والقتله هم، بول سلاو، وإيفان ليبرتي، وداستن هيرد، ونيكولاس سلاتن، واكتفت الحكومة
العراقية إلى يومنا هذا بالتنديد بالعفو الأمريكي. التاريخ الأمريكي حافل بالجرائم
الإرهابية ليس فقط ضد المسلمين بل ايضاً ضد كل من يعارض مصالح الرجل الغربي، فبين
عامي 1979 و1990 دعمت واشنطن متمردي الكونترا في نيكاراغوا الذين نفذوا 1300 هجوم
إرهابي ضد الحكومة الرسمية، ومارست نفس الجريمة خلال عقود من حصارها لكوبا. قد تكون
التفجيرات الإرهابية هي ظاهرة إلصقت بالإسلام خصوصاً لكن الإرهاب بصفته العمومية
تتعدد أشكاله، وأحد أكثر أوجهها إنتشاراً هو الإرهاب الغربي الذي يحاصر دولة كاملة
مثل أفغانستان أو السودان أو غيرها من بلدان العالم الإسلامي في حال قررت عدم
الخضوع لإرادته، ويخيرها بين الفوضى أو التجويع، وما تجربة مالي من الإنعتاق
الفرنسي عنا ببعيد !.