• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ولادة تكتل عالمي جديد

لإثبات دور المنظمة العالمي وأن التجمع ليس كمثله من التكتلات الهامشية أو الظواهر الصوتية، فقد أعلنت منظمة الدول التركية أنها ستتبرع لإفريقيا بمليونين ونصف مليون جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وأن تركيا ستتكفل بتوفير مليونين منها.


"نهدف إلى تحقيق عالم تركي يقوم بدور رائد في حل القضايا العالمية"

هذا جزء من كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة الماضي خلال مؤتمر صحفي في قمة المجلس التركي الثامنة المنعقدة بإسطنبول، يعلن فيه تحويل المجلس التركي الذي يضم الدول الناطقة بالتركية إلى منظمة الدول التركية، متحدثا عن آفاق واسعة لتعزيز التعاون بين دول هذا التكتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

وأوضح أردوغان أنهم يهدفون إلى تحقيق عالم تركي يسهم في السلام والاستقرار، ويضطلع بدور رائد في حل القضايا العالمية، مشددا على ضرورة ألا ينزعج أحد من منظمة الدول التركية، بل أن يسعى ليصبح جزءا من هذا الهيكل الفريد القائم على التاريخ والعلاقات الإنسانية، حسب تعبيره.

والسؤال ما الذي يجعل أحدا أو دولا منزعجة من هذا التكتل التركي كما يقول أردوغان؟...

هل يستطيع ذلك التجمع أن يكون له دورا عالميا؟ ...

وهل سيكون له دورا إيجابيا في طموح الأمة الإسلامية ومحاولاتها لاستعادة مكانتها بين الأمم؟

وللإجابة على هذه الأسئلة لابد من معرفة أولا حقيقة ذلك التجمع التركي، وماهية دوله والرباط الذي يربطها، وعلاقة ذلك باستراتيجيات وأهداف حزب العدالة التركي باعتباره الحزب الحاكم في تركيا والذي يقود توجهات البلاد لأكثر من عشرين عاما.

الشعوب التركية وتطلعها الى الوحدة

في الثالث من أكتوبر عام 2009، تم تأسيس ما يعرف يومها ب "المجلس التركي، كمؤسسة إقليمية مكونة من زعماء الدول الأعضاء السبع الناطقة بالتركية، وهي تركيا، وأذربيجان وجمهورية شمال قبرص وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، والمجر كعضو مراقب.

ولكي نعرف قوة هذا التجمع، يجب أن ندرك هذا التكتل الجغرافي يضم أكثر من 250 مليون نسمة، وتبلغ مساحته حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع، ويبلغ إجمالي الدخل القومي للجمهوريات التركية أكثر من 2 تريليون دولار (التريليون ألف مليار)، بينما يصل الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس التركي 3.8 تريليون دولار، فيما يبلغ حجم التجارة المتبادلة 20 مليار دولار، ويساهم الاستثمار الأجنبي فيها بإجمالي 460 ميار دولار.

وكان رئيس كازخستان نور سلطان نزارباييف أول من طرح هذه الفكرة عام 2006، لتشكيل كيان يوحد الدول الناطقة بالتركية على غرار تكتلات دولية مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.

ومنذ تأسيسه عام 2009 تم عقد ثمان قمم على مستوى زعماء الدول الأعضاء، وبهدف تعزيز التعاون تم توقيع 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين وزارات هذه البلدان ومؤسساتها المعنية.

تتمثل أهداف المجلس المعلنة، إلى تأسيس وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا السياسة الخارجية، والاقتصاد، والمواصلات، والجمارك، والسياحة، والتعليم، والإعلام، والرياضة والشباب، إلى جانب تعميق العلاقات بين الدول الناطقة بالتركية، وتوسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وبين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الأوراسية، وترسيخ السلام والاستقرار فيها.

وأنشأ هذا التجمع مجموعة من الآليات لتسهيل العمل على تحقيق الأهداف المتعددة، أبرزها جمعية برلمانات الدول الأعضاء، ومجلس العمل التركي، ومنظمة الأكاديمية والثقافة التركية الدولية، واتحاد الغرف والبورصات المشتركة في العالم التركي، وفي مايو 2019 تم تأسيس غرفة التجارة والصّناعة لمجلس تعاون البلدان الناطقة بالتركية في العاصمة الكازاخية.

في الاجتماع الأخير حضره رؤساء أذربيجان إلهام علييف، وكازاخستان قاسم جومرت توقاييف، وقرغيزيا صدر جباروف، وأوزبكستان شوكت ميرضيائيف، كما حضرها الرئيس التركماني قربان قولي بيردي محمدوف، لأول مرة بصفته رئيس دولة عضو مراقب، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان كعضو مراقب.

ولكن هل هناك جديد أو مغزى معين في تحويل تسمية التكتل من المجلس التركي إلى منظمة الدول التركية؟

يمكن اعتبار أن تلك التسمية الجديدة نقلة استراتيجية جديدة لهذا التجمع لتحقيق تعاون أوثق وتضامن أكبر بين الدول الأعضاء، ولذلك سيتم مناقشة ورقة أطلق عليها (رؤية عام 2040)، وورقة أخرى تسمى (الاستراتيجية الخمسية 2020 ـ 2025)، وتلك الورقتان تشكلان الأساس النظري في الخطوة الأولى للوحدة السياسية والاقتصادية.

ولإثبات دور المنظمة العالمي وأن التجمع ليس كمثله من التكتلات الهامشية أو الظواهر الصوتية، فقد أعلنت منظمة الدول التركية أنها ستتبرع لإفريقيا بمليونين ونصف مليون جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وأن تركيا ستتكفل بتوفير مليونين منها.

أهداف واستراتيجيات حزب العدالة والتنمية التركي

في أعقاب سقوط الدولة العثمانية، تبنت الجمهورية التركية الجديدة استراتيجية ذات بعدين، حتى يتم القبول بها على الساحة الدولية مستلهمة مبدأ اتاتورك القائل: سلام في الوطن وسلام في العالم.

الاول الدفاع عن الحدود القومية بدلا من الاستراتيجية ذات البعد الدولي.

الثاني أن تكون تركيا جزء من محور الغرب المتصاعد وليست بديلة او معارضة له.

وأدى هذا الوضع إلى أن ظنت النخبة السياسية بأن الوحدة السياسية الداخلية والحفاظ على الحدود تتم عن طريق تصفية الهوية السياسية العثمانية ومؤسساتها.

تعد سنة 2002 منعطفا مهما في تاريخ تركيا الحديثة حيث وصلت الدولة في هذا العام الى حافة الانهيار والافلاس وتراكم الديون الخارجية لدى صندوق النقد الدولي ودخلت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة جراء فشل الأحزاب السياسية في إيجاد مخرج للوضع المتأزم في تركيا.

ويصف وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو الوضع حينها فيقول: دخلت الجمهورية الكمالية في مرحلة الموت السريري استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا وحضاريا، وفشل العلمانيون في إنقاذ ما تبقى من جمهوريتهم الكمالية التي ولدت بالأساس ضعيفة ومترهلة وفاقدة لمقومات العمق الاستراتيجي والحضاري، فمصدر التمايز الأساسي لتركيا عن بقية المجتمعات كما يوضح أوغلو هو تاريخ تركيا وجغرافيتها.

بوصول حزب العدالة والتنمية التركي الى سدة الحكم في أواخر عام 2002، بدأ عهد جديد لتركيا.

ففي غلاف رؤية الحزب لعام 2023 يضع حزب العدالة والتنمية هذين الشعارين:

الشعب العظيم -القوة العظمى، وبينما يلخص هذه الأهداف الباحث عماد يوسف في ثلاث كلمات تتصف بهم دولة حزب العدالة التنمية المنشودة (حاسمة -مركزية-كبرى)، في حين يعتبر أوغلو أن تركيا يجب أن تكون دولة محورية في مركز الاستراتيجيات الدولية والإقليمية.

ويوضح أن الهدف من أي استراتيجية تتبعها تركيا يجب أن تركز على اعادتها مرة أخرى إلى المسرح التاريخي وتحافظ على وجودها وتحولها إلى قوة مؤثرة.

ويشدد أوغلو على أن تركيا مثلها مثل دول مثل روسيا وألمانيا وإيران ومصر، تقع ضمن تصنيف الدول المركز التي لا تقبل بمقتضى وضعيتها الجغرافية أن تظل منحصرة في منطقة بعينها، بل لديها القدرة على النفوذ إلى مناطق أخرى متعددة في آن واحد، ولذلك يتوجب على تركيا أن تنخلع من كونها دولة طرفية، وأن تكتسب وبسرعة وضعيتها كدولة لا تصرف جهودها فقط من أجل حماية استقرارها، بل وتوظفها لحماية نظامها من خلال الاضطلاع بدور يحمي استقرار ونظم الدولة المجاورة.

ويبين أوغلو أنه كما للجغرافيا والتاريخ على حد سواء دور في جعل دولة ما دولة مركزية. فان بعض الدول تقوم بدور مركزي في منطقتها كانعكاس لتراثها الثقافي والتاريخي.

ومن حيث تأثيرها ودائرة نفوذها فان تركيا دولة تنتمي الي كل من؛ منطقة الشرق الاوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأسود. وبناء على هذه الصورة يجب على تركيا أن تجعل من دورها كدولة هامشية جزء من الماضي، وان تخصص لنفسها مكانة جديدة: لا يجب عليها فقط حماية استقرارها والحفاظ على امنها بل وانما الحفاظ علي امن واستقرار المناطق المجاورة لها. وذلك من خلال لعب دور أكثر نشاطا وأكثر فاعلية لتوفير النظام والاستقرار والأمن في محيطها.

لا شك أن تركيا تبحث عن رافعة سياسية لتتواجد بها على طاولة الكبار، فحاولت في البداية أن تكون تلك الرافعة العالم الإسلامي فلما لم تجد استجابة كبيرة، يممت وجهتها صوب الدول الناطقة بالتركية وكلها دول غالبيتها مسلمون، وتزامن هذا التوجه مع تعزيز التحالف بين حزب العدالة مع الحزب القومي التركي، فالائتلاف بينهما هو الذي ساعد حزب العدالة في الحصول على الغالبية في البرلمان والاحتفاظ بالحكم في الدورة الانتخابية الماضية، سواء كانت برلمانية أو رئاسية.

هناك بلا شك رغبة تركية محمومة، حيث تحاول التحرر من السيطرة الغربية تدريجيا، والتي برزت بإيجاد صيغة من التفاهمات مع روسيا في ملفات، تم ابعاد الغرب عنها مثل القوقاز وليبيا وسوريا، ثم الخطوة الثانية بتزعم تحالف صلب يضم عدد من الدول التي تشترك في القومية التركية تمهيدا لتوسيعه ليشمل العالم الإسلامي.

أعلى