تتحدث تقارير كثيرة عن اختراق داعش أو تعاون تنظيم الدولة مع جهات أو مخابرات دول أو مجموعات مسلحة لتنفيذ أهداف مشتركة
أسفر الهجوم الانتحاري المزدوج الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية يوم الخميس الماضي
قرب مطار كابول حيث احتشد الآلاف من الأفغان الذين كانوا يريدون الهرب من البلاد،
ويحاولون الدخول إلى مطار كابول، عن مقتل 85 مدنيا و13 عسكريا أمريكيا وجرح أكثر من
150 آخرين، ولكن المثير أنه قبل هذه الحادثة بعدة أيام تصاعدت التحذيرات الغربية من
وقوع عمليات إرهابية وشيكة، فقد طلب تحذير أمني أمريكي السبت أي قبل عدة أيام من
التفجيرات من المواطنين الأمريكيين بالبقاء بعيدا عن المطار لتهديدات أمنية محتملة
خارج البوابات.
وما إن وقعت تفجيرات الخميس حتى تصاعد التحذيرات مرة أخرى عن وقوع تفجير محتمل آخر،
حتى أن بايدن نفسه شارك في هذه التحذيرات الجديدة، حين ذكر أمس السبت أن هناك هجوم
"محتمل جدا" على مطار كابول "في الساعات الـ 24 الـ 36" القادمة.
وفي وسط هذه التحذيرات تتعدد الغارات الانتقامية من الطائرات الأمريكية المسيرة في
كابول وخارجها، والتي تزعم الولايات المتحدة فيها أنها قتلت قيادات من تنظيم الدولة
الذي تحمله أمريكا مسئولية تلك الهجمات، وقال الكابتن بيل أوربان المتحدث باسم
القيادة المركزية في بيان إن الضربة نفذتها طائرة بدون طيار وقضت على "تهديد وشيك
لداعش- خراسان" على مطار حامد كرزاي الدولي.
وبالرغم من أن تفجيرات كابول تتسم بأساليب داعش في التنفيذ، وبالرغم من كون داعش
لها أجندة معلنة وهي إقامة خلافة إسلامية يتزعمها أبو بكر البغدادي (إذا كان حيا)
وذلك بعد أن يتم تكفير كل من لا يوافق على أطروحاتها المتطرفة، الا أن المتتبع
لعمليات تنظيم الدولة السابقة سواء في العراق أو سوريا او ليبيا أو مصر أو حتى في
أوروبا، يلاحظ أن تلك التفجيرات لا تكون أبدا مجردة أو عشوائية، بل تحمل في طياتها
أهدافا وترمي لأغراض أخرى لتكون متفقة مع أجندات جهات ودول.
وتتحدث تقارير كثيرة عن اختراق داعش أو تعاون تنظيم الدولة مع جهات أو مخابرات دول
أو مجموعات مسلحة لتنفيذ أهداف مشتركة.
فالمخابرات العراقية على سبيل المثال نجحت في اختراق تنظيم الدولة عام 2016، ونشرت
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حينها قصة حارث السوداني الجاسوس البالغ من العمر 36
عاما، والذي نجح في اختراق صفوف تنظيم الدولة لمدة 16 شهرا وتمرير معلومات وفيرة
للاستخبارات العراقية ساعدت في إحباط العديد من العمليات الإرهابية، ويعتقد أن
تنظيم الدولة كشفه وقتله، وقال أبو علي البصري مدير الاستخبارات العراقية وقتها
للصحيفة إن جهود السوداني ساعدت في إحباط 30 هجوما بعربات مفخخة و18 مخططا
انتحاريا.
وإذا كانت المخابرات العراقية عن طريق اختراق داعش قد نجحت في احباط مخططات
للعمليات الإرهابية التي تقوم بها، فإنه من السهل على أي مخابرات أخرى اختراق داعش
وتوجيهها إلى عمليات لها أغراض سياسية.
ولكن في تفجيرات كابول الأخيرة من هي الجهات التي يمكن ويحتمل أن تقوم بدفع داعش
لذلك وما هي غرضها وغايتها من هذا العمل؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح حاليا حتى نستطيع تتبع ما يجري وما يتم التخطيط له.
هناك عدة سيناريوهات واحتمالات لتفسير الدوافع التي قد تدفع جهات ودول لداعش على
تلك التفجيرات:
أولى هذه الاحتمالات وأقواها: أن هناك دول وقوى إقليمية ودولية هالها سيطرة طالبان
على أفغانستان وانسحاب أمريكي من المنطقة، فهذه التفجيرات في نظر هذه الدول يمكن أن
تكون أداة لخلط الأوراق داخل أفغانستان وتعيد بعثرة الأمور والأهداف
والاستراتيجيات، بل وتريد أيضا تفكيك المشهد برمته لتعيد الوضع إلى الفوضى مرة
أخرى، لأنه من خلال تلك الفوضى يمكن ترتيب الأوضاع مرة أخرى بما يتناسب مع أجندات
هذه الدول.
وأصابع الاتهام توجه إلى عدة دول وبالأخص روسيا والهند:
القلق الروسي
فروسيا تبدي قلقا مخفيا متزايدا من سيطرة وهيمنة طالبان على أفغانستان، ويبدو أن
جهود طالبان للطمأنة لم تكن كافية، ففي الثامن من يوليو الماضي زار وفد من حركة
طالبان موسكو، وقابل مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى أفغانستان زامير كابولوف وفي
النهاية عقد مؤتمرا صحافيا، حيث تعهد وفد طالبان بلسان المتحدث باسم وفد الحركة،
شهاب الدين ديلاوار بعدم انتهاك حدود دول آسيا الوسطى، وضمان أمن البعثات
الدبلوماسية في أفغانستان، ودعم مساعي السلام عن طريق المفاوضات، واحترام حقوق
الإنسان في البلاد، كما أكد الوفد على عزم الحركة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي في
أفغانستان، والقضاء على إنتاج المخدرات بالبلاد بعد انتهاء الصراعات الداخلية.
بينما أعرب الجانب الروسي عن قلقه جراء من تزايد وتيرة العنف في المناطق الشرقية من
أفغانستان، داعيا طالبان للحد من انتشار العنف بالمنطقة.
ولكن يبدو أن روسيا مثل كمثل دول عديدة قد فوجئت بالسرعة التي استولت بها طالبان
على أفغانستان وتقدمها السريع واستردادها كابل، حينئذ بدأت روسيا تغير من لهجتها
قليلا.
فقد جرى تهديد روسي على لسان الرئيس السابق لأركان الجيش الروسي، الجنرال يوري
بالويفسكي، حين صرح بأن روسيا قد تستخدم القاذفات بعيدة المدى من طراز "تو-22 أم
زي" في حال اعتداء حركة طالبان على بلدان آسيا الوسطى.
وقال بالويفسكي في حديث لوكالة نوفوستي الروسية: "في إطار منظمة معاهدة الأمن
الجماعي علينا أن نقدم مساعدة حال ظهور تهديد بالعدوان أو عدوان حقيقي. وهناك صيغ
محتملة للرد. من تابع المناورات العسكرية في أوزبكستان، لاحظ أنه تم استخدام قاذفات
بعيدة المدى من طراز "تو-22 أم زي" هناك، وهذه الأسلحة ليست مخصصة لدعم القوات
البرية بل لضرب منشآت بعيدة. وتعتبر هذه الطائرات تحذيرا لطالبان بعدم الاقتراب من
الحدود.
الخوف الروسي ليس فقط من تأثر دول الجوار الروسي بطالبان، بل أيضا بسبب انتقال
وإعادة نشر قوات أميركية في هذه الدول: أوزباكستان وطاجيكستان وغيرها لتكون منطلقا
لتأديب أي جماعات إرهابية في التصنيف الأمريكي تتواجد في أفغانستان وتسبب قلقا
وتهديدا للمصالح الأمريكية، وهذه الدول تمثل في النهاية سياجا حدوديا يحمي الأمن
القومي الروسي
لذلك فهناك مخاوف روسية من أن أي اتفاق بين طالبان والولايات المتحدة سيكون على
حساب المصالح الروسية وأهدافها في المنطقة، وتتحدث تقارير عديدة عن دعم روسي لتمرد
أحمد مسعود في وادي بنجشير حيث تتجمع الجماعات المسلحة المعارضة لطالبان.
الهند أكبر الخاسرين
هكذا يصف المراقبون هذه الحالة التي تجد فيها الهند نفسها إزاء التطورات الأخيرة من
سيطرة الطالبان على كابول، فالهند هي الدولة الوحيدة من دول جنوب آسيا والدول
المجاورة لأفغانستان التي أغلقت سفارتها وهجّرت مواطنيها بعد أن تمكنت حركة طالبان
من السيطرة على كابل، كما أغلقت تباعا قنصلياتها في المدن الأفغانية بعد سيطرة
طالبان عليها.
وإلى جانب سحب دبلوماسييها ومواطنيها من أفغانستان، أعلنت الهند نوعا جديدا من
التأشيرات لسرعة دخول المواطنين الأفغان إلى الهند كما أعلنت ترحيبها بكل الهندوس
والسيخ الأفغان الراغبين بالقدوم إليها.
الهند لديها أيضا مشكلة مزدوجة من سيطرة حركة طالبان على الحكم، مشكلة مع الحركة
نفسها ودعم هذه الحركة للمجاهدين في كشمير ضد الاحتلال الهندي، أما عنصر التهديد
الآخر فيتعلق بباكستان التي تكاد تجمع الدوائر الغربية على أنها هي الرابح الأكبر
من سيطرة طالبان على أفغانستان بفضل الدعم الاستخباراتي والعسكري والسياسي الذي
تقدمه باكستان لطالبان، وبذلك تكون باكستان قد نجحت في اتخاذ أفغانستان حديقة خلفية
وسندا لها في صراعها الوجودي والأبدي مع الهند.
ومما زاد الطين بلة، أن هناك استثمارات هندية ضخمة في أفغانستان وهذه تختلف عن
المساعدات الإنسانية التي كانت الحكومة الهندية تقدمها لحكومة كابل عقب الغزو
الأميركي.
فقد استثمرت الشركات الهندية الخاصة والحكومية 10.5 مليارات دولار في أفغانستان
خلال العقدين الماضيين في قطاعات التعدين وإنشاء مصنع للصلب والحديد وإنشاء محطة
طاقة ومد خطوط نقل الكهرباء وغيرها، وستذهب هذه الاستثمارات هدرا، ان لم يتم
الاتفاق بين الهند وطالبان وهذا خط أحمر بالنسبة للداعم الرئيس لطالبان وهي
باكستان.
هناك دول عديدة لها مصلحة في عرقلة استقرار أفغانستان على يد طالبان، والانسحاب
الأمريكي، وتعتقد هذه الدول أنه عن طريق الأعمال الإرهابية التي تقوم بها داعش سواء
باختراقها أو التعاون معها ستغير البيئة الاستراتيجية في أفغانستان، على الأقل
ستساهم هذه العمليات في تلين مواقف طالبان المتشددة وأن تجعلها أكثر انفتاحا ورغبة
في التوافق مع مصالح هذه الدول.