• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المقاومة في غزة انتصرت أم انهزمت؟

لقد أصبحت معركة سيف القدس هي الحرب الأولى فلسطينيا، التي تقرر المقاومة الفلسطينية فيها المبادرة إلى الحرب، وتحدد ساعة الصفر لانطلاقها


مع قرب نهاية شهر رمضان بادرت المقاومة الفلسطينية إلى شن عملية عسكرية على الاحتلال الصهيوني، إثر الإعلان عن خطط لحكومة نتنياهو تستهدف تهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ثم إغلاق باب العامود بداية شهر رمضان والاعتداء على المسجد الأقصى من جانب المستوطنين اليمينيين المتطرفين في حماية شرطة الاحتلال، والإعلان عن تنظيم فعالية ضخمة يقتحم من خلالها أكثر من 30 ألفاً من المستوطنين باحات المسجد في ليلة القدر.

ونتج عن هذه الحرب خسائر للطرفين نال منها الجانب الفلسطيني القسط الأكبر.

وتقول وزارة الصحة في غزة أن عدد قتلى الهجوم الإسرائيلي على القطاع بلغ 230 شخصا، بينهم 65 طفلا، و39 سيدة، و17 مسنا، إضافة إلى 1710 جرحى بجروح مختلفة، وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن نحو 450 مبنى في قطاع غزة، منها ستة مستشفيات وتسعة مراكز للرعاية الصحية الأولية، دُمرت أو لحقت بها أضرار كبيرة منذ بدء الصراع الذي تسبب أيضا في نزوح أكثر من 52 ألف فلسطيني يحتمي معظمهم بمدارس تديرها المنظمة الدولية في غزة، ولكن مكتب الإعلام الحكومي في غزة وثق الحقيقة بأرقام أكبر، حيث ذكر تعرّض أكثر من 770 وحدة سكنية بين الهدم الكلي والبليغ، فضلاً عن تضرر ما لا يقل عن 4 آلاف و976 وحدة أُخرى، لأضرار وصفت بين المتوسطة والجزئية جراء القصف المتواصل.

كما رصد المكتب قصف 97 بناية سكنية، وهدمها بشكل كامل، وقال إن الخسائر الأولية المباشرة في قطاع الإسكان، من بين إجمالي الخسائر، وصل إلى 36 مليون دولار، وبين المكتب أن الغارات تسببت في تضرر 36 مدرسة، وعدد من المرافق الصحية وعيادات الرعاية الأولية بشكل بليغ وجزئي جراء القصف الشديد في محيطها.

ودمرت إسرائيل نحو 32 مؤسسة إعلامية، من خلال قصف عدة أبراج تواجدت هذه المؤسسات بداخلها.

 وقال السجل المدني الفلسطيني، إن هناك 12 عائلة شطبها الاحتلال الإسرائيلي بالكامل في قطاع غزة، من السجل المدني الفلسطيني، جراء قصفه المتواصل على القطاع، موضحة أن العائلات تم شطبهم لأنهم استشهدوا بالكامل من سجلات السجل المدني وانتقلوا إلى سجلات الخالدين، وفي الضفة الغربية، قال مسؤولون فلسطينيون إن 21 فلسطينيا على الأقل قتلوا في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية ووقائع أخرى منذ العاشر من مايو أي منذ بداية الحرب.

في حين ذكرت السلطات الإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ 12 في إسرائيل وإن 336 يعالجون من إصابات تعرضوا لها في هجمات صاروخية أثارت الذعر وجعلت الناس يهرعون إلى المخابئ.

ومنذ انتهاء الحرب والجدال لا يتوقف حول هل انتصرت المقاومة الفلسطينية كما تعلن بالفعل وأقامت مظاهرات الفرح بذلك أم هي بروباجندا إعلامية وليس هناك نصر على آلة عسكرية تفوق المقاومة بمراحل عديدة، سببت خسائر هائلة في الجانب الفلسطيني.

لكي نستطيع تقييم حقيقة الطرف الخاسر أو المنتصر، يجب جيدا إدراك أن الصراع الاستراتيجي لا يحسم بالضربة القاضية بل هو صراع متراكم، لا يجدي معه تحديد الطرف المنتصر أو الخاسر بل يمكن تقييمه من خلال رؤية الطرف المتقدم استراتيجيا نحو غاياته والطرف المتراجع.

فالتقييم هنا يتناول خصائص الاستراتيجية المستخدمة في لحظة من لحظات المواجهة، وما مدى تحقق معايير الاستراتيجية الفعالة، علما بأنه ليس هناك في الغالب أداء استراتيجي متكامل، بل أداء يتحقق فيه معايير أكبر أو أقل من الفاعلية الاستراتيجية.

ولكن كيف نقيم أداء المقاومة استراتيجيا؟

في عام 1998 وضع الأكاديمي الكندي هنري منتزبرج خمسة مقاييس للاستراتيجية الناجحة تضمنها تعريفه للاستراتيجية هذه العناصر هي:

1.    الخطة (Plan): ونعني بها مسار للانتقال من النقطة أو الوضع الحالي إلى نقطة محددة في المستقبل.

2.    الحيلة أو مناورة (Ploy): أن تقوم بشيء مختلف عما يتوقعه منافسك.  

النمط أو النسق أو النموذج أو المثال (Pattern): نموذج أو مثال تعكس اتساقا أو تناغما أو ترابطا في السلوك عبر الزمن.

3.    المكانة أو التموضع (Position): وهي اختيار وتحديد موقع المؤسسة في بيئة الصراع.

4.    وجهة النظر أو الرؤية أو المنظور(Perspective): تعكس الثقافة وطريقة تفكير القائمين على الاستراتيجية.

5.    النمط أو النسق أو نموذج أو مثال (Pattern): هي نموذج أو مثال تعكس اتساقا أو تناغما أو ترابطا في السلوك عبر الزمن.

فما مدى توفر هذه العناصر الخمسة في استراتيجية المقاومة في معركة سيف القدس؟

بالنسبة للعنصر الأول وهو الخطة: فقد كانت معركة سيف القدس بالفعل بمثابة فعل مخطط له، تحاول فيه المقاومة ارباك العدو وافشال هدفه المتمثل في تفتيت نظريته الجديدة والتي أطلق عليها صفقة القرن والتي قوامها نقل فلسطيني 48 وبعض الذين يعيشون في الضفة إلى وطن بديل سواء في الأردن أو سيناء لتفتيت الغالبية السكانية الفلسطينية، ومن ثم إقامة دولة خالصة لليهود، ولكن المقاومة في معركة سيف القدس أسقطت هذه الفكرة باطلاق الصواريخ على كل مدن فلسطين وجعل الكيان في حالة دفاعية ونجحت في استخدام نظرية الردع الاستراتيجي ليعيد حساباته من جديد.

أما العنصر الثاني وهي المناورة: فقد قامت المقاومة بالبدء بالهجوم على العدو الصهيوني في مفاجأة لم يتوقعها الكيان الغاصب.

لقد أصبحت معركة سيف القدس هي الحرب الأولى فلسطينيا، التي تقرر المقاومة الفلسطينية فيها المبادرة إلى الحرب، وتحدد ساعة الصفر لانطلاقها. وهي الحرب الثانية عربياً، بعد حرب أكتوبر 1973، التي يبدأ بها العرب. وجميع الحروب الأخرى كانت بمبادرة الكيان الصهيوني، ابتداء من حرب النكبة والعدوان الثلاثي والنكسة، وانتهاء بحروب غزة الثلاث، وآخرها حرب عام 2014، مرورا بحرب لبنان الأولى عام 1982، وحرب لبنان الثانية عام 2006، بالإضافة إلى عشرات المعارك والعمليات العسكرية الأخرى، لقد فضحت المعركة التي بادرت بها المقاومة فشل كل أجهزة الاستخبارات والتقدير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بدليل أن أي منها لم يشعل الضوء الأحمر أمام قيادة الدولة السياسية محذراً من مبادرة حماس لعملية عسكرية كبيرة، إذا ما استمرت إسرائيل في تغولها على القدس والأماكن المقدسة.

أما العنصر الثالث وهو التموضع والمكانة: فبضرب المقاومة الكيان الصهيوني ردا على تدنيسه المسجد الأقصى، فقد أعادت اللحمة للشعب الفلسطيني في كامل تراب فلسطين التاريخية: في غزة وفي الضفة الغربية وفي مناطق عام 48، وتحركت القوى الحية في هذه المناطق بتناغم كامل واستراتيجية واحدة غير مسبوقة الأمر الذي أربك الاحتلال الإسرائيلي وأصابه بالإحباط والاضطراب.

ولكن الأخطر في هذه الخطوة أي خطوة لم الشمل الفلسطيني وقبلها خطوة المبادأة، أنها جعلت المقاومة تتحرك من مربع وخانة الطرف الذي يتلقى العدوان ويرد عليه إلى خانة الهجوم ووضع العدو في موقف صعب، كما حولت المقاومة العسكرية السياسية من طرف داخلي إلى خانة الريادة وقيادة الشعب الفلسطيني كله الباحث عن حقوقه، والطرف الوحيد الذي يحق له أن يتحدث باسمه، ومن هنا دخلت المقاومة مفاوضات القاهرة من هذه النقطة ومن هذا المربع الجديد.

بالنسبة للعنصر الرابع وهو الرؤية: فقد انطلقت رؤية المقاومة الفلسطينية في غزة من توحيد جميع الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية لغاية مشتركة، وهي إقامة دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني تكون عاصمتها القدس، وجعلت المسجد الأقصى ومحاولات المتطرفين اليهود لتقويضه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه فرصة لحشد الفلسطينيين واثارة حماستهم نحو واجبهم الديني، بل فرصة لجعل المسلمين في أنحاء العالم يتكاتفون ويتحمسون لنصرة القضية الفلسطينية وتحريك حكوماتهم في هذا الاتجاه.

أما العنصر الخامس وهو النموذج والنمط: فالمقاومة الفلسطينية تاريخيا كانت لها دائما في الماضي والحاضر استراتيجيتها الشاملة، وهي استخدام جميع الوسائل الممكنة لتحقيق تلك الغاية سواء وسائل المقاومة الشعبية من مظاهرات وانتفاضات واعتصامات كما جرى في الضفة أو أحياء القدس ومدن مناطق 48، وقد كانت تلك الوسيلة المفضلة في انتفاضة عام 1987 وانتفاضة عام 2000، أو السلاح كما حدث مع انطلاقة فتح في أوساط ستينات القرن الماضي وعملياتها التي تنوعت من خطف طائرات إلى ارسال مقاومين داخل فلسطين ضد أهداف إسرائيلية.

وفي العشرين عاما الماضية، تميزت المقاومة الإسلامية بفصائلها المختلفة ومن ثم استحوذت على قطاع غزة، وجعلته منطلقا لعملياتها وركيزة لها في حروب عسكرية مع الكيان الصهيوني.

فهذه كلها نمط يمكن ملاحظته لاستراتيجية فلسطينية غير مهادنة وتحاول توظيف كل وسيلة ممكنة لتحقيق غاياتها، ومعركة سيف القدس ليست خارجة عن هذا النمط المتكرر.

نعم هناك نقص في بعض جوانب الاستراتيجية كما هي أي جهد بشري مبذول يعتريه النقص، وبإذن الله تستكمل جوانب النقص لتنطلق لتحقيق حلمها الكبير، وتعيد سيادة المسلمين مرة أخرى على كامل فلسطين وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى.  

أعلى