هل ستهاجم إسرائيل إيران؟
فجأة وفي ما بدا أنه في غير السياق لأول وهلة، أطلق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي
تهديدات ضد إيران، وقال أفيف
كوخافي
خلال مؤتمر نظمه معهد الأبحاث الدفاعية في جامعة تل أبيب ونُشر على الإنترنت يوم
الثلاثاء الماضي: إن أي اتفاق يشبه اتفاق عام 2015 أمر سيئ من الناحيتين
الاستراتيجية والعملانية، وأضاف يجب مواصلة ممارسة الضغوط على إيران، ولا يمكن
لإيران امتلاك قدرات لحيازة القنبلة النووية، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي هاجم
500 هدف في الشرق الأوسط في 2020.
وقال: أنه أصدر أوامر للجيش بوضع خطط عملانية إضافية في 2021، ستكون جاهزة إذا قرر
المسؤولون السياسيون شن هجوم على إيران، حسب ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتأخر الرد الإيراني يوما واحدا، عندما خرج محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني
حسن روحاني في تصريح للصحافيين، على هامش اجتماع الحكومة ونقلته وكالة الصحافة
الفرنسية قائلا: إن الإسرائيليين يقومون بش حرب نفسية... عملياً ليست لديهم أي خطة،
أي قدرة، وهم غير قادرين على مهاجمة إيران.
وعلى نفس النهج وبنفس اللغة أي الحرب النفسية جاء تحذير المتحدث باسم هيئة الأركان
العامة الإيرانية العميد أبو الفضل شكارجي، في تصريحات مصورة نشرها الموقع
الإلكتروني للتلفزيون الرسمي الإيراني، حين قال إن التهديدات الإسرائيلية للمنشآت
النووية وقواعد الصواريخ مبنية على أوهام...فهذه التصريحات ما هي إلا حربا نفسية،
ولكنه لم ينس في النهاية كما هي العادة الإيرانية، أن يهدد بضرب مدينتي تل أبيب
وحيفا وتسويتهما بالأرض، في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ مخططاتها بشن هجوم محتمل
على أهداف إيرانية.
وهنا يكمن السؤال: هل التهديدات الإسرائيلية جدية؟ أم تأتي في إطار الحرب النفسية
كما يراها الإيرانيون؟ أم الأمر له حسابات أخرى عند مختلف الأطراف الفاعلة في
التصعيد الحالي؟
نبدأ بالطرف الإسرائيلي وهو الذي بدأ التصعيد:
هناك بلا شك قلق إسرائيلي من وصول ادارة بايدن للحكم، بالرغم من أن بايدن سبق وأن
وصف نفسه بأنه صهيوني، وسبق وأن قال عندما كان سيناتورا خلال كلمة له في الكونغرس
الأميركي حيث خاطب المشرعين قائلا: حان الوقت لنتوقف عن الاعتذار عن دعمنا
لإسرائيل.. إنه أفضل استثمار قيمته 3 مليارات دولار نقوم به... إذا لم تكن هناك
إسرائيل، على الولايات المتحدة الأميركية أن تخلق إسرائيل أخرى لحماية مصالحها في
المنطقة.
ولكن كما يقول مركز بيجن ــ سادات للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي، فإن هناك
متغير سيؤثر على سياسة بايدن، ألا وهو قوة ما يسمى بالتقدميين داخل الحزب
الديمقراطي، فكثير منهم معادون لإسرائيل بشدة، وقد قاوم بايدن محاولتهم إدخال مواقف
معادية لإسرائيل في البرنامج الديمقراطي، ولكن إذا أراد بايدن الحفاظ على الوحدة
داخل الحزب ومنع المعارضة كما يقول المركز الاسرائيلي، فسيتعين عليه تعيين العديد
من هؤلاء التقدميين في مناصب كبيرة وهذا لا شك سيؤثر بدرجة ما على علاقته بإسرائيل.
فالمقصود من تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي هي الولايات المتحدة وليس إيران
وبالتحديد إدارة بايدن، والتي يخشى منها نتانياهو أن تقلص دعمها أو لا تكترث
للتحالف الذي أقامه ترامب بين إسرائيل وبين دول المنطقة، وخاصة أن هذا التحالف مبني
على تركيز العداء لإيران ومنع تمددها في المنطقة.
هناك عامل آخر مقلق لدى إسرائيل وما يتعلق منه بمستقبل نتانياهو، حيث ستجري
انتخابات برلمانية في مارس أي بعد أقل من شهرين، وهناك مصلحة لنتانياهو في التشدد
ضد إيران للتغطية على فشله في ادارة ازمة كورونا.
والأهم إن تخفيف التصعيد مع إيران سيقوض التحالف بين إسرائيل ودول المنطقة، والذي
يعتبره نتانياهو انجاز كبير في ادارته للحكم في إسرائيل، وأي اضعاف لهذا التحالف هو
هدم لهذا الإنجاز ومن ثم تقليل لحظوظه في الفوز في الانتخابات المصيرية له.
الطرف الثاني والذي يهمه هذا التصعيد هي الولايات المتحدة، فأمريكا في عام 2015
نجحت في تجميع كل من إيران ومجموعة الست (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا
وروسيا وألمانيا) لإبرام خطة عمل شامل مشتركة لتسوية المسألة النووية الإيرانية،
بعد توتر استمر اثني عشر عاماً، وفي عهد إدارة دونالد ترمب، انسحبت الولايات
المتحدة من الاتفاق في 2018 وأطلقت حملة لفرض ضغوط قصوى على طهران، عبر إعادة فرض
ثم تشديد العقوبات الأميركية على إيران المتهمة بالسعي إلى حيازة السلاح الذري تحت
غطاء برنامج مدني، وهذا أدى إلى أن تتخلى طهران عن معظم التزاماتها التي نص عليها
الاتفاق نافية السعي لتطوير قدرة نووية عسكرية.
وبعد تهديدات رئيس الأركان الإسرائيلي الأخيرة، فعلى ما يبدو فقد فهمت إدارة بايدن
الإشارات والمناورات الإسرائيلية والرسالة الموجهة لها من هذه التهديدات ضد إيران،
حيث عملت الإدارة الجديدة على الرد على الرسالة الاسرائيلية بتوجهين:
الأول هو تهدئة المخاوف الإسرائيلية بمتانة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وهذا
ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن أمام الكونجرس، حين تحدث عن
قدسية العلاقة مع إسرائيل، وأتبعه بالاتصال الهاتفي بين أنتوني بلينكن مع نظيره
الإسرائيلي غابي أشكنازي جدد فيه التزام الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل، ووفقا
لما جاء في بيان للخارجية الأميركية، تعهدا الرجلان بالتعاون في مواجهة التحديات
الراهنة، والعمل على إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، كذلك أصدرت إدارة بايدن
توجيهاتها للجيش الأمريكي بإعادة القاذفات الأمريكية طائرات بي ١٢ إلى الأجواء في
الخليج للمرة السادسة في خلال شهرين.
ثم كان النهج الأمريكي الثاني وهي عدم تعجله في معاقبة إيران أو التصعيد معها، وهذا
ما تعمده وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمره الصحفي والذي تعمد فيه اهمال ذكر
التهديدات الإسرائيلية لإيران.
وللتذكير فإنه هناك ثلاثة من مهندسي الاتفاق الايراني في عهد أوباما موجودين
كمسئولين كبار في ادارة بايدن، كما أن هناك أيضا اجماع أوروبي أمريكي بضرورة احتواء
إيران وليس التصعيد العسكري معها، فالاعتبارات الاستراتيجية لدى أمريكا وأوروبا لا
تتجه الى التصعيد، فمهما ارتفعت نبرة رئيس الأركان الإسرائيلي فإنها لن توقف
التنسيق الاوروبي الأمريكي للاتفاق مع ايران.
ونجيئ للطرف الثالث في المعادلة وهو إيران، وتمثل ردها أيضا عبر محورين:
الأول هو التقليل من شأن هذه التصريحات والتركيز على أنها في إطار الحرب النفسية
الموجهة ضد إيران.
والتوجه الثاني يتمثل في اجراء مزيد من المناورات، وإطلاق التصريحات الرنانة من
قبيل تدمير تل أبيب وحيفا.
إيران مقبلة على انتخابات رئاسية قريبة، وسيكون هذا التصعيد كبند أساسي في
المنافسة، فطالما أظهرت الدورات الانتخابية الرئاسية الايرانية السابقة، أن العلاقة
مع امريكا والبرنامج النووي الإيراني تكون دائما مصدرا للتجاذبات بين الأطراف
المختلفة.
والتصعيد الإسرائيلي يصب في اتجاه التيار المتشدد والذي يلقبه البعض أيضا بالتيار
الاصولي في النخبة السياسية الإيرانية، والرافض للاتفاق النووي وهم الذين يرون ان
اسرائيل تريد انهاء البرنامج النووي الإيراني.
اما التيار والذي يوصف بالمعتدل الإصلاحي، فالأصل عنده حل المشكلات بالتفاوض
والحوار مع الغرب، ولكن لا مانع عنده في اظهار وإطلاق التصريحات العنترية.
ولكن نعود ونذكر بأن التخوف الإسرائيلي الغربي من المشروع النووي الإيراني، هو فقط
للحيلولة دون صعود إيراني لتكون قطبا عالميا، ولكن لا يزال هناك رغبة ومصلحة
إسرائيلية غربية في وجود إيران كقوة إقليمية، يقتصر دورها على الحيلولة دون صعود أي
قوة سنية إسلامية تناوئ المشاريع الغربية للمنطقة ويكون لها دورا عالميا.