رمز بارز في سماء باكستان، نقلها نقلة بعيدة في صراعها الوجودي مع جار إقليمي يسعى إلى استئصال وجودها، لم يكن عبد القدير خان مجرد عالم بل مشروع كرامة، وكانت حياته نموذجا لكل من أراد أن يحيا عزيزا في وطن عزيز
في ظهيرة يوم 28 مايو عام 1998م، اهتزت الأرض تحت جبال "تشاغاي" الباكستانية، ولم يكن ذلك بفعل زلزال طبيعي، بل بسبب ما أطلق عليه الإعلام آنذاك "زلزال العزة"، خمس تفجيرات نووية هزّت الأرض وأربكت العالم، وأعلنت بوضوح أن باكستان قد دخلت نادي الدول النووية من أوسع أبوابه.
لكن خلف هذا المشهد المهيب، لم يكن هناك فقط قرار سياسي ولا إرادة عسكرية، بل كان هناك اسم يتردد همسًا وصخبًا، في الأروقة المغلقة والشوارع العامة على السواء، اسمٌ يحمل بين حروفه قصة علم، وتحدٍ، ومواجهة مع قوى كبرى، اسمٌ سيخلده التاريخ؛ إنه العالم الباكستاني عبدالقدير خان، الرجل الذي حمل بلاده من ضفة العجز إلى قمة الردع، متحديًا الجغرافيا، والحصار، والتجسس، والخيانة، ومكر السياسة الدولية.
النشأة والبدايات: من بوبال إلى كراتشي
في مطلع أبريل من عام 1936م، وتحديدًا في مدينة بوبال الهندية، وُلد عبدالقدير خان وسط عالم يئنّ تحت وطأة الاستعمار البريطاني، وعالم آخر يُختمر في رحم الأمل والإصرار على التحرر. كانت بوبال، آنذاك، واحدة من الممالك الإسلامية شبه المستقلة داخل الهند البريطانية، تتسم بهوية دينية واضحة، وطبقات اجتماعية مختلطة، وهو ما ترك في وجدان الطفل الأول من عائلة خان انطباعًا باكرًا عن ازدواجية الانتماء: مسلم في بلاد غالبها من الهندوس، وهندي في ظل مستعمر غريب. نشأ عبدالقدير في كنف أسرة مثقفة متدينة، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة، كان والده عبد الغفّار خان موظفًا حكوميًا تلقى تعليمه في الجامعات البريطانية، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، وقد غرس في أبنائه، منذ نعومة أظفارهم، احترام العلم، والاعتزاز بالهوية الإسلامية، والشعور بالمسؤولية تجاه الأمة. أما والدته، فكانت امرأة شديدة الذكاء، حنونة الملامح، تردد على مسامع ابنها دومًا: "العلم سلاح الفقير، فلا تدعه يسقط من يديك"، وهي عبارة ظل يرددها عبدالقدير حتى بعد أن أصبحت بلاده تملك سلاحًا من نوع آخر.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت ترتفع دعوات الاستقلال والانفصال، وسرعان ما قاد ذلك إلى واحدة من أعنف موجات التهجير في التاريخ الحديث، وفي عام 1947م حين كان في الحادية عشرة من عمره، قررت أسرته، كباقي ملايين المسلمين، الرحيل من الهند المستقلة نحو دولة الولادة الجديدة: باكستان، كانت الهجرة من بوبال إلى كراتشي تجربة مؤلمة، محفوفة بالمخاطر والمآسي، قال عبدالقدير في مذكراته: "تركت بوبال طفلًا، لكنني لم أصل كراتشي إلا وقد شخت من الداخل، رأيت أناسًا يُذبحون بسبب دينهم، ونساءً يُختطفن، وعائلات تتفتت، وبلادًا تتمزق، ومنذ تلك اللحظة، عرفت أن الأمن لا يُمنح، بل يُصنع".
استقرت العائلة في كراتشي، تلك المدينة الساحلية التي ستتحول لاحقًا إلى القلب التجاري والثقافي النابض للدولة الباكستانية الناشئة، وهناك بدأ عبدالقدير رحلة تعليمية جديدة، حافلة بالعوائق، لكنها مملوءة بالعزيمة، التحق بالمدارس الحكومية، وتفوق منذ المراحل الأولى، خاصة في الرياضيات والفيزياء، حينها لم تكن سنوات مراهقته سهلة، فقد كانت باكستان تعاني من شح الموارد، وفوضى الإدارة، وعدم استقرار سياسي دائم. لكن عبدالقدير كان يرى في هذا الفشل الجماعي مبررًا إضافيًا للعلم، لا مبررًا للهجرة أو الهروب، واختار أن يدرس العلوم الطبيعية، وتحديدًا الفيزياء، في وقت كانت فيه الطب والهندسة هما المجالان الآمنان اجتماعيًا ومهنيًا، أكمل دراسته الجامعية في جامعة كراتشي، ونال شهادة البكالوريوس في الفيزياء عام 1960م، لم يكن ذلك كافيًا لطموحه، فقرر أن يسافر إلى أوروبا، لا من أجل الهجرة، بل ليعود محمّلًا بما لا تملكه بلاده.
في قلب أوروبا.. الفصل الأهم
بذهابه إلى أوروبا؛ يبدأ الفصل الأهم في حياته، باحثًا عن المعرفة في أرقى جامعاتها، رافعًا في داخله علمًا لا يُرى، عنوانه "سأجعل لبلادي سلاحًا يهابه من لا يخاف الله ولا يرحم الضعفاء"، كان عبدالقدير قد شق طريقه في البداية نحو ألمانيا الغربية، حيث التحق بجامعة برلين التقنية، ومن ثم انتقل إلى هولندا التي كانت في تلك الفترة واحدة من المراكز النشطة في تطوير التقنيات النووية المدنية، وهناك تابع دراسته في جامعة دلفت للتكنولوجيا، ليحصل على درجة الماجستير في هندسة المعادن عام 1967م، وهو تخصص نادر يربط بين العلوم النظرية وتطبيقات المواد النووية، ما ميّز هذه المرحلة لم يكن فقط اجتهاده في التحصيل العلمي، بل أيضًا اختراقه المبكر لعوالم محظورة في ذلك الزمن، وهي تقنيات تخصيب اليورانيوم. وقد تحقق له ذلك حين تم توظيفه في شركة "URENCO"، وهي كيان صناعي ضخم أنشأته ألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة لتطوير أجهزة الطرد المركزي، وهي التكنولوجيا الأساسية لتخصيب اليورانيوم اللازم لصناعة القنبلة النووية.
كان التحاق عبدالقدير بتلك الشركة بمثابة نقطة تحوّل في حياته كلها، وربما في تاريخ باكستان الحديث، حيث تم تعيينه في موقع حساس مكّنه من الاطلاع على وثائق داخلية دقيقة تتعلق بالتصميمات التقنية لأجهزة الطرد المركزي، فأصبح داخل قلب العصب التكنولوجي الغربي، يتنفس تفاصيل مشروع لا يُسمح للعالم الإسلامي بالاقتراب منه، ناهيك عن استيعابه، لم يكن عبدالقدير مجرد موظف أو مهندس يعمل ساعات محددة في مختبر، بل كان عقلًا يشتعل بأسئلة كبرى: لماذا يُسمح للهند بامتلاك هذا النوع من التقنية بينما تُحرَم باكستان؟، لماذا يحق للقوى الكبرى الاحتفاظ بالسلاح النووي بينما تُمنع الدول الأخرى من حتى التلميح إليه؟ في كل يوم كان يعمل فيه داخل الشركة، كان ينقش في قلبه عهداً صامتاً: أن ينقل هذه المعرفة إلى بلاده، مهما كان الثمن.
بحلول أوائل السبعينيات، كانت صورة المشروع النووي قد اكتملت في ذهنه، وكان مستعدًا لفعل كل ما يلزم لترجمتها على أرض الواقع، وفي عام 1972م حصل على درجة الدكتوراه في هندسة المعادن من جامعة لوفان البلجيكية، ليكمل بذلك سلسلة من التكوينات العلمية التي لم تكن تهدف فقط إلى المجد الأكاديمي، بل إلى تشكيل بنية تحتية علمية تتيح له فيما بعد كسر الحصار المفروض على بلاده، وكان عبدالقدير يعلم أن مجرد العودة إلى باكستان بشهادة دكتوراه لا يكفي، بل عليه أن يحمل في ذهنه النماذج، والخرائط، والملاحظات، والإستراتيجيات، وقد أجاد استخدام موقعه العلمي لاختزان هذه الأسرار. لم يكن الأمر سهلاً، فالشركات النووية الأوروبية تعتمد أعلى درجات الحيطة، لكن دهاءه العلمي، وتفانيه في عمله، وصورته كخبير دولي غير مقلق، جعلته يتسلل إلى عمق الملفات دون أن يُشك فيه في البداية.
نداء الوطن.. بداية الحلم الباكستاني
كان عام 1971م عامًا مأساويا في ذاكرة باكستان. ففي حرب لم تدم سوى ثلاثة عشر يومًا، انهارت الجبهة الشرقية، وأعلنت بنغلاديش استقلالها عن باكستان، لتُمنى الدولة الحديثة الولادة بأكبر هزيمة في تاريخها الحديث. لم تكن الهزيمة عسكرية فقط، بل وجودية بكل ما تعنيه الكلمة، إذ بدا أن باكستان على وشك الانهيار الكامل، وسط صدمة داخلية وفقدان الثقة بالجيش ومؤسسات الدولة. في تلك اللحظة، صعد ذو الفقار علي بوتو إلى السلطة، وهو يحمل شعورًا غريزيًا بأن الرد على هذه الهزيمة لا يمكن أن يكون عبر السياسة فقط، بل عبر خلق توازن رعب حقيقي مع الهند التي كانت قد أجرت خطوات حثيثة نحو امتلاك القنبلة النووية. وفي أجواء من الألم والغضب، أطلق بوتو جملته التي ستظل محفورة في الوجدان الباكستاني: "إذا اضطررنا لأكل العشب، فسنحصل على القنبلة النووية، ليس لدينا خيار آخر"
كأن هذه الكلمات كانت نداءً، وصل صداه إلى عبدالقدير خان في أوروبا، فأدرك أن لحظة العودة قد حانت، لم يكتب كثيرًا في رسالته إلى بوتو، لكنه قال بما يشبه القسم: "يمكنني أن أُنجز المهمة، فقط أعطني الضوء الأخضر"، وكانت تلك بداية رحلة العودة إلى الوطن، لا كعالم فقط، بل كقائد لمشروع استراتيجي سيغيّر ملامح بلاده وهذا الجزء من القارة الآسيوية، وفي عام 1976م وصل عبدالقدير خان إلى باكستان بهدوء، على متن طائرة تابعة للمخابرات الباكستانية، بعيدًا عن الأضواء، ليتم نقله مباشرة إلى منشأة "كهوتّه" القريبة من العاصمة إسلام آباد، حيث تم إنشاء نواة أول مختبر بحثي خاص بتخصيب اليورانيوم، تحت مسمى غامض: "مختبرات أبحاث خان"، كان كل شيء يتم في سرية مطلقة، حتى العاملون في المختبر لم يكونوا يعرفون الهدف النهائي لما يصنعونه، إلا أفرادًا معدودين في الدائرة الضيقة، لم تكن هناك أجهزة طرد مركزي جاهزة، ولا يورانيوم مخصب، ولا دعم دولي، فقط فريق صغير من المهندسين، وبعض التصاميم التي خزّنها خان في ذهنه وذاكرته، وحلم ببناء قوة نووية تردع الهند وتجعل العالم يعيد النظر في موقع باكستان.
عمل خان وفريقه ليلًا ونهارًا، رغم شحّ الموارد وغياب المعدات المتقدمة، كانت رحلة صناعة القنبلة النووية شاقة ومليئة بالتحديات التكنولوجية، من تصنيع الأسطوانات الدقيقة إلى ضبط مستويات التخصيب، وهو ما استغرق أكثر من عقدين، حتى وصلت باكستان إلى نقطة اللاعودة، لم تكن المعركة علمية فقط، بل استخباراتية أيضًا، فبمجرد أن علمت وكالات التجسس الغربية بعودة عبدالقدير خان إلى بلاده، بدأت مرحلة جديدة من المراقبة المكثفة، ومحاولات الاختراق والتجسس، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والموساد الإسرائيلي والمخابرات البريطانية (MI6) تتابع كل شحنة تدخل باكستان، وتلاحق أي موظف يخرج من مختبر "كهوتّه"، وتضغط على الموردين الأوروبيين حتى يقطعوا الطريق أمام أي تهريب تكنولوجي، لكن عبدالقدير كان قد أسّس شبكة معقّدة من الشركات الوهمية والموردين غير المباشرين، استخدم فيها تقنيات التمويه التجاري ونقل القطع على مراحل، بما يشبه سلسلة سرية من الصفقات المتداخلة التي صعب تتبعها.
اللحظة النووية الباكستانية
في بداية مايو 1998م، اجتاح جنوب آسيا زلزال سياسي مدوٍّ، حين أعلنت الهند عن سلسلة تفجيرات نووية ناجحة، متحديةً كل التفاهمات الدولية، ومكرّسة نفسها كقوة نووية واقعية، لكن تلك الانفجارات كانت في الوقت ذاته بمثابة استدعاء استفزازي لباكستان، لم يكن الرد الباكستاني خيارًا قابلاً للنقاش. ففي اليوم الثامن والعشرين من الشهر ذاته، وتحت وقع التهديدات الهندية، أُجريت خمس تجارب نووية متتالية في سلسلة جبال "تشاغاي" في إقليم بلوشستان، كانت الجبال ترتجف، وكان التاريخ يُكتب على يد عبدالقدير خان وفريقه العلمي، الذين حضروا العملية كاملة، وأشرفوا على توقيت التفجيرات، ودقة القياسات، ومستوى النجاح، كانت تلك اللحظة إعلانًا صريحًا بأن باكستان أصبحت الدولة الإسلامية الأولى التي تملك السلاح النووي، والسابعة عالميًا، ودخلت بذلك نادي الدول التي تتحكم في موازين القوة والردع. في تلك الأيام، لم يكن اسم عبدالقدير خان مجرد توقيع علمي، بل أصبح رمزًا وطنيًا يُستقبل في الجامعات كما يُستقبل الأبطال، وتُطبع صوره على الطوابع، وتُرفع صوره في الشوارع.
مشهد ضبابي وحقيقة غائبة
كان عبدالقدير خان لا يزال يتلقى رسائل الإشادة من طلاب المدارس، ويُحتفى به كرمز وطني، حينما انقلبت الرواية فجأة، ففي عام 2004م وتحت ضغوط هائلة من الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، خرج الرئيس الباكستاني برويز مشرف ليعلن للعالم أن العالم الذي أهدى بلاده السلاح النووي، متورّط في إدارة شبكة سرية لنقل تكنولوجيا التخصيب إلى دول "مارقة" بحسب التصنيف الأمريكي: إيران، ليبيا، وكوريا الشمالية. لم يكن الخبر مجرد مفاجأة، بل كان زلزالًا أخلاقيًا وسياسيًا في الداخل الباكستاني. الرجل الذي صُوّر يومًا على الطوابع البريدية، أصبح فجأة في نظر حكومته متهمًا بالخيانة، أو على الأقل بسوء التقدير، وكان القرار أن يخرج بنفسه ليواجه الشعب، لا في ندوة علمية، بل في مشهد تم ترتيبه بعناية على شاشة التلفزيون الرسمي، حيث قرأ بيانًا اعتذاريًا للشعب الباكستاني، قال فيه: "أتحمل كامل المسؤولية، وأطلب الصفح من أبناء وطني".
لكن خلف هذا الاعتراف العلني، كان كثيرون في الداخل والخارج يشككون في حقيقته، سُرب لاحقًا أن خان أُجبر على الاعتراف تحت التهديد، وأن البيان كُتب له سلفًا، لم تُعرض عليه محاكمة عادلة، ولم تُفتح ملفات القضية أمام الرأي العام، وظلت معظم الوثائق محجوبة، وكأن الدولة أرادت تسوية الأزمة في صمت، وبأقل خسائر سياسية ممكنة.
عقب الاعتراف، وُضع عبدالقدير خان تحت الإقامة الجبرية في منزله بإسلام آباد، مُنع من السفر، أو التحدث إلى الصحافة، أو حتى استقبال الوفود، وخضع لمراقبة أمنية صارمة، وأُقصي تمامًا عن الحياة العامة، لم يكن خان متهمًا عاديًا، بل كنزًا علميًا بالغ الحساسية، وكان على الدولة أن تحافظ على سريته، لكن دون أن تتيح له الفرصة لتبرئة نفسه، ورغم صدور عفو رئاسي من مشرف، بقيت وصمة الاتهام تطارده، لم يُحاكم علنًا، ولم يُبرّأ رسميًا، ولم يُعرف حتى اليوم على وجه الدقة الدور الذي لعبه فعلًا، وما إذا كانت نقل التكنولوجيا قد تم بقرار سياسي ضمني، أم بمبادرة فردية تجاوزت الحدود، وفي هذه السنوات، بدأ البطل الوطني يفقد بريقه في نظر الدولة، بينما ظل كثيرون من أبناء الشعب يرونه ضحية لا خائنًا، ومفكرًا غُدر به بعد أن أهدى بلاده السلاح الذي ضمن أمنها لعقود.
السنوات الأخيرة والرحيل الموجع
في صباح العاشر من أكتوبر 2021م، أُسدل الستار على حياة أحد أشهر رجال القرن العشرين؛ عبدالقدير خان، رائد المشروع النووي الباكستاني، رحل عن عمر يناهز 85 عامًا، متأثرًا بمضاعفات فيروس كورونا، بعد مسيرة امتدت لعقود من التحدي العلمي والسياسي. تحوّلت جنازته، التي شُيعت في أجواء مهيبة، إلى تظاهرة وطنية، شارك فيها مسؤولون حكوميون، وقادة عسكريون، وآلاف من المواطنين الذين احتشدوا ليودعوا الرجل الذي صنع لبلادهم قوة لا تُكسر. رُفعت الأعلام، وترددت الدعوات، وتدفقت الدموع على نعش حمل فوقه رجلًا أفنى عمره في سبيل استقلال بلاده.
قد تختلف الأجيال حول تقييم إرث عبدالقدير خان، لكن المؤكد أن اسمه ارتبط بمرحلة فارقة في تاريخ باكستان. لقد صنع خان، بعقله وجرأته، درعًا نوويًا لبلاده، في وقت بدت فيه ملامح التبعية والتفكك تتهددها بعد نكسة 1971م، كان هو من أعاد المعادلة إلى الصفر مع الهند، ومن أعطى باكستان ورقة ردع حقيقية في وجه أي عدوان.
ترك خان وراءه مختبرات، وتكنولوجيا، وأجيالًا من العلماء، لكنه قبل ذلك ترك قصة، تروى على مفترق طرق بين المجد والمأساة. قصة لا تخلو من التباسات، لكنها تظل محفورة في ضمير أمة كانت، وما زالت، تبحث عن مكان يليق بها تحت شمس هذا العالم المضطرب.