• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مسلمو جنوب السودان... إستراتيجية دعوية وأُطُر عملية

مسلمو جنوب السودان... إستراتيجية دعوية وأُطُر عملية

في البَدء:

تتسارع الأحداث وتتشابك المواقف أثناء كتابة هذا المقال إزاء قضية تقرير مصير جنوب السودان، ولعله عند نشره تكون قد اتضحت الرؤية وبان الأمر وظهرت نتيجة الاستفتاء حول ذلكم المصير، ويظهر لكل ذي عينين أن انفصال جنوب السودان عن سائره واقع ولا بد، وتكثر التساؤلات عن مصير العلاقات بين الشمال والجنوب كدولتين ناشئتين عن ذلك، ولكن لا أحد يتحدث عن مستقبل (مسلمي جنوب السودان) الذين يشكلون ربع سكان الجنوب وأغلبية السكان من حيث العقيدةُ[1]، ويتردد في النفوس كثير من المخاوف حول ذلك المستقبل؛ فـ (الحركة الشعبية) القابضة على زمام الأمور في جنوب السودان يسيطر عليها طابع نصراني وارتباطات بالكنيسة، وتملؤها أضغان وأحقاد تاريخية نحو الإسلام ومَنْ يمثله غرستْها يد الاستعمار البريطاني، إضافة إلى علاقاتها التاريخية منذ نشأتها بالحركة الصهيونية العالمية.

ينقسم مسلمو جنوب السودان إلى حركات (صوفية وسلفية وأخرى حركية ذات صلة بإسلاميي السودان ‏عموماً)، ومع قرب الاستفتاء واحتمالات انفصال الجنوب قرروا عقد مؤتمرهم التأسيسي في الجنوب وتدشين ‏‏«المجلس الإسلامي العام لجنوب السودان» ليشرف رسمياً على شؤونهم ويوحِّدهم في حال أصبحت هناك ‏دولة جنوبية مستقلة عن الشمال في مؤتمر جامع.

وهكذا تدرجت مواقف المسلمين في جنوب السودان تجاه الانفصال: من رفضه في ظل المخاطر المحتملة، إلى الحياد والوقوف موقف المتفرج، والانكفاء إلى الداخل ولملمة الصف المسلم؛ لتحقيق مصالح الحفاظ على حريتهم الدينية، والإشراف على الأوقاف والهيئات الإسلامية بالجنوب. كل ذلك نتيجة التجاهل الذي تعرضوا له خلال معالجة قضية الجنوب، والخذلان والتخاذل العام وتراخي القبضة الحكومية عن الجنوب ككل.

ويبدو تكوين ذلك المجلس خطوة مهمة على ‏طريق الاعتراف الرسمي بحقوق مسلمي الجنوب وفتح الطريق أمامهم للعمل بحُرية ودون عوائق بعدما كانت ‏مؤسساتهم تتعرض للنهب والاعتداء عليها من قِبَل متطرفي الحركة الشعبية أو جماعات جنوبية أخرى نصرانية متطرفة[2].

وفي ظل هذا الواقع المضطرب والمستقبل الذي يكسوه الغَبَش، لا بد من رؤية إسلامية لمعالجة الأمر، تُخرِج المسلمين من المأزق الذي أدخلوا أنفسهم فيه بغياب أنظارهم عن هذا الجزء من جسد الأمة. وفي ما هو آتٍ محاولة لوضع إطار نظري وخطة أوَّلية لعمل إسلامي دعوي موجَّه لجنوب السودان، يخدم المسلمين هنالك، بإعداد ودعم أفرادهم وكياناتهم، وترقية طرحهم، أخذاً بسنن الله - تعالى - الكونية في التغيير، وبسننه الشرعية في اتباع منهج الحق.

ضرورة التخطيط الإستراتيجي:

التخطيط الإستراتيجي سمة مميزة للمجتمعات المتحضرة، تضع للناس غايات ساميةً لبلوغها وتحقيقها تتمثل فيها الأشواق التي تَنْشُدها تلك المجتمعات وتحشد طاقاتها كلها للوصول إليها، وترسم لها الطريق لبلوغها، وتحدد نقاط تفاعلها مع عالمها وبيئتها.

إن جوهر الفكر الإستراتيجي والحلول الإستراتيجية هو القدرة على إنتاج المستقبل التاريخي المختار، وليس المستقبل الذي فرضه الغير، أو تمليه المصادفات العمياء، أو تشكله المضاعفات العارضة، وهو (أي الفكر الإستراتيجي) ينطوي على معاني الرؤية التنبؤية للمستقبل والبصيرة باتجاهات تشكُّله وتطوُّر وقائعه، والإبصار للأخطار القادمة ودرئها في الوقت المناسب، وحساب الآثار والانعكاسات الوقتية لبعض البرامج أثناء صناعة ذلك المستقبل المختار وتفاديها أو تخفيف وقعها. وهذه الرؤية المستقبلية هي نقيض الغفلة والتخمين الاعتباطي، ولا سبيل معها للارتجالات والمفاجآت إلا بما تفرضه - جبراً - أقدار الله وحينها يتصل دفع أقدار الله بأقدار الله.

هذه الإستراتيجية:

إن الإستراتيجية التي نحن بصددها ينبغي أن تكون:

أولاً: البدايةَ الشاملة للنهضة الدعوية والتنمية الإسلامية في جنوب السودان وكذلك الموجَّهة إليه، وتحريك القِطاعات الدعوية وتعبئة قواها في إطار عمل إسلامي خلاقَّ يفجر الطاقات الكامنة ويستنهض الهمم المستكينة.

وثانياً: تخطيطاً شاملاً يستوعب كل الجهود الدعوية في اتساق وتناغم وتكامل لتحقيق النهضة الدعوية والتنمية الإسلامية والتمكين للإسلام الذي يشتاقه كل مؤمن.

وثالثاً: خطةً شاملة للتوظيف الأمثل لمجمل الموارد والطاقات التي تزخر بها الساحة الدعوية.

ورابعاً: خطةً طموحة تحيي الأمل، وتجدد الثقة في قدرات الصحوة الإسلامية المعطاءة وترسم صورة لما يمكن أن يتحقق بجهد أبنائها إذا ما أُحكِم التخطيط وصدق العزم وعلت الهمة وأُتقِن العمل.

وخامساً: هادية للتحول نحو التمكين للواقع الذي نصبو إليه، وهو: «بسط الدعوة الإسلامية في جنوب السودان».

إن الساحة الدعوية في شتى أصقاع الأرض تشهد كثيراً من البرامج والخطط والكيانات والتوجهات لكنها لا تستهدي بإستراتيجية شاملة، وغاب عن معظمها الإبداع والتطوير فجاءت في أكثرها فوقية أو سطحية منفصلة عن الواقع أو مستغرقة في جزء ضئيل منه؛ فحققت في أحسن الأحوال نجاحاً محدوداً تبدَّى في المحافظة على جذوة الدعوة مشتعلة، ولعل هذا من حكمة الله البالغة. كما أنها كرَّست أغلب الجهد في الأعمال الموسمية أو المشاريع الفردية: كفالةً ليتيم أو حفراً لبئر أو توزيعاً لأضاحٍ، وما واقع العمل الإسلامي بخافٍ على ذي بصيرة.

غير أن هذه الإستراتيجية الدعوية ينبغي أن تختلف عن البرامج والخطط الأخرى المعمول بها من حيث إنها:

أولاً: خطة أصيلة كبرى لتفجير طاقات الدعوة الإسلامية المبدعة كلها والاعتماد على الذات بالمعاني المجتمعة لموارد الدعوة ولقدرات الروح والشمائل، ولقوى المعرفة والمهارة في العمل الدعوي في إفريقيا التي حبا الله بها دعاة السودان بغير انغلاق أو عزلة أو استسلام للضغوط والإكراهات.

وثانياً: حركة الفعل الدعوي بأطيافه المختلفة للتخطيط لنفسه وليست حركة فئة معيَّنة أو مذهب محدد.

وثالثاً: إستراتيجية تهتم بالإنسان المسلم بكل أبعاده كمحور أساسي تدور حوله الخطط والبرامج، ولا تقتصر على القوالب النمطية والوسائل التقليدية، ولا تنحاز إلى التوجه الإلقائي والوعظي وحدَه، بل تمزج بين حاجات الروح وضرورات المعيشة والتقدم.

ورابعاً: إستراتيجية قد حددت أهدافاً واضحة (كمّاً ونوعاً) ينبني عليها التخطيط، ورسمت إطاراً زمنياً معلوماً يجري فيه الإنجاز، وأقامت المؤشرات والمعايير لقياس العمل وتقييم الأداء.

وخامساً: تمتاز عن غيرها باتساق برامجها وخططها في المجالات المختلفة وَفْقَ رؤية جامعة موحَّدة، تربط الأصول بالحاضر والمستقبل، وتصل الدنيا بالآخرة، وتعبِّئ طاقات الدعاة لبلوغ غاياتها المرسومة.

ولما كان التخطيط الإستراتيجي لا ينطلق من فراغ؛ فإن كلَّ إيجابيات العمل الدعوي الماضي والحاضر وكلَّ ما شَابَهُ من سلبيات وخلل وكلَّ ما أنجز في تأسيسه؛ اعتُمِد قاعدة متينة لإستراتيجيتنا هذه.

واستناداً إلى ذلك كله حددت هذه الإستراتيجية الغاية الدعوية والأهداف الرسالية والموجِّهات العامة كما يلي: استشرافاً لمستقبل واعد لجنوب السودان، واستلهاماً لروح جديدة في التعاطي مع واقعه المعقَّد؛ تأتي خطتنا بأربع غاياتٍ مؤدَّاها المنشود «بسط الدعوة الإسلامية في جنوب السودان» بحول الله وقوته.

الغايات الدعوية الإستراتيجية:

انبثقت من قراءتنا لواقع الجنوب أربع غايات رئيسة، يتمحور حولها العمل الدعوي في المستقبل القريب بمشيئة الله - تعالى - وعونه، وهي كالتالي:

• تنمية العنصر البشري المسلم وزيادة معدلات نموِّه، والمحافظة الكمية والنوعية على المسلمين وتقليص كَمِّ الوثنيين والنصرانيين في الجنوب لصالح الإسلام.

• توطين العمل الإسلامي، والترقي بواقعه، وبناء المجتمع المسلم بأيدي أكفياء.

• التنمية المستدامة للدعاة، وبناؤهم وتطويرهم.

• تفعيل النخب المسلمة، وتعزيز الانتماء للإسلام، وتنمية الوازع الديني للمثقفين والمؤثرين وصناع القرار من المسلمين.

إن الغـايات الأربع المذكـورة قد بُنيَت بنـاءً متـدرجاً لتصـل - بإذن الله - بالدعوة الإسلامية في جنوب السودان إلى مرحلة التمكين للإسلام، وهي الرؤية الشاملة التي تنطلق منها هذه الغايات.

تنمية العنصر البشري المسلم:

يعاني جنوب السودان من مشكلات حادة تؤثر بالضرورة في العنصر البشري المسلم وزيادة معدلات نموِّه؛ فالحرب الطويلة التي شهدها الإقليم، والواقع الذي فرضته هذه الحرب متمثلاً في ضعف البُنَى التحتية وتخلُّف الخدمات الصحية والتعليمية، أنتج وضعاً أقل ما يوصف به: أنه بائس؛ إذ تعتَبَر المؤشرات الصحية في جميع أنحاء المنطقة سيئة جداً[3]. ويعاني الوضع الغذائي سوءاً حادّاً بين الحوامل والرضَّع؛ حيث تبلغ حالات الوفاة 50 حالة وفاة طفل رضيع من كـل 1000 مولـود، إضـافة إلـى أن مـا لا يقـل عن 45 % من سكان الجنوب لا يستطيعون الحصول على مياه شرب نقية؛ فالتدابير والاحتياطات اللازمة للصحة البيئية في التعامل مع الموارد المائية الشحيحة في أصلها قليلة.

ورغم أن هذه الإحصاءات عامة لكل الجنوب إلا أننا إذا علمنا أن أغلب المنظمات العاملة في الجنوب - إن لم تكن كلها - هي منظمات نصرانية لاستطعنا أن نستنتج كيف وَضْعُ المسلمين هناك، الأمر الذي يستلزم الإسهام في حلِّها لتقليل عدد غير المسلمين في واقع يعتبر الزيادة السكانية معياراً لتقسيم الثروات والسلطات والصلاحيات ويتفاخر بكثرة البنين والبنات.

ويعد الوثنيون رصيداً مخزوناً لمن يسبق إليهم في جنوب السودان؛ لذا كانت قرى ومناطق الوثنيين مضماراً لسباق محموم بين المسلمين والنصارى: أيهم يسبق فتنحاز أعداد منهم إلى جانبه وصفِّه. ورغم تناقص الوثنية في جنوب السودان لحساب الإسلام والنصرانية، إلا أنه لا تزال نسبتهم مرتفعة؛ حيث تتراوح نسبتهم بـ 65 % في عام 1983م حسب تقديرات مجلس الكنائس العالمي.

إن الخبرة التراكمية الكبيرة في العمل وسط الوثنيين في إفريقيا، وإدخال كثير منهم في دين الفطرة، تجعل العمل وسط هذه الفئة مثمراً بإذن الله. لقد استطاعت منظمة مثل (المنتدى الإسلامي) في توغو وحدها - بفضل من الله - إدخال 12950 نسمة في دين الله الحق خلال 6 سنوات فقط[4]، وذلك في منطقة محصورة في الدولة، وهذا يعني أنه قد أضيفت نسبة 0.233% لصالح المسلمين من جملة السكان بالدولة الذين يبلغ عددهم 5.548.702 نسمة.

إن توجيه برامج مُحكَمَة تدور في محور تنمية العنصر البشري المسلم وزيادة معدلات نموِّه، بتقليص كم الوثنيين لصالح المسلمين؛ لَـمِن المهمات في المرحلة القادمة؛ لتمكين الإسلام في جنوب السودان.

وإن من المنح التي تلفعت بأثواب المحن مؤخراً على المسلمين والعمل الإسلامي: الحَراكُ الكبير في المجتمعات النصرانية لتتعرف على الإسلام، وليست إفريقيا ببدع من دول العالم التي دخلت في دوائر الاندياح الكبيرة للقيم والمفاهيم الإسلامية التي أُبرِزت لتعكس الصورة الحقيقية لهذا الدين العظيم. إن أعداد النصارى الداخلين في الإسلام في ازدياد؛ غير أن كثيراً من الأحداث والمسالك التي تنتهجها الفئات المسلمة تفتقر إلى التوجيه السليم وتحتاج إلى كثير من المراجعات. لقد أثبت التاريخ أن للتعايش والاندماج والمخالطة للمجتمعات غير المسلمة دوراً كبيراً في نشر الإسلام وتمكينه بينهم بمجرد المعاملة العادية والأخلاق التي يتصف بها المسلم فطرةً.

وليزداد نور الفطرة التي فطر الله - سبحانه - عليها الناس: يتطلب الأمر إشاعة نور الوحي وقيم الهدى بين المسلمين بتزكية المجتمع أفراداً وجماعات وتربيتهم تربية إسلامية راشدة عبر برامج هادية تحافظ على رأس المال، وتؤهل لربح جديد.

إن الاهتمام بالفرد المسلم (طفلاً ومرأةً وشاباً) وبمؤسسات المجتمع المسلم (أسرةً وقِطاعات)، والعمل على حمايته وتنشئته وتحريره من المشكلات الاجتماعية، وإعانته على تنمية مقدَّراته وتزويده بالاتجاهات الإيجابية التي تمكنه من المساهمة الفاعلة في شؤون مجتمعه ومن ثَمَّ أمته، وإشباع حاجاته المادية والمعنوية والروحية: لَـمِن أولى أولويات هذه الإستراتيجية؛ فالإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها.

توطين العمل الإسلامي:

تنامت - بحمد الله وفضله - القدرات المسلمة في جنوب السودان خلال العقود الماضية بفضل الوجود المكثف للمسلمين خلال الحرب، وقبل ذلك بفضل الوجود الإسلامي القديم فيه، فينبغي ضرورةً سدُّ الفجوات المعرفية والسلوكية للدعاة المحليين؛ إذ هم الأحرص على أهلهم، والأعرف بالواقع، والأجدر ببذل الجهد.

غير أن العمل في جملته لا يزال في طور البناء والتأسيس إن لم يكن في طورٍ قبل ذلك، ويحتاج تأصيلاً وترسيخاً بعمق. وإن الاتجاه إلى تعميق الدعوة الإسلامية، وإعداد جملة من القيادات تنطلق باقتدار في المجتمع المسلم لا تعيق ولا تعاق، لتنقل جيل الصحوة الناهض في جنوب السودان من مرحلة التلقي المستمر والانتظار الدائم للهبات والمنَح (ماديةً كانت أو معنوية)، إلى جيل معطاء قادر على قيادة المجتمع المسلم بكفاية وفاعلية؛ لَـمِن الأوليَّات.

وإن المخاطر الكبيرة على العمل الإسلامي في ظل التغيرات الموَّارة التي يمرُّ بها العالم تجاه الإسلام والمسلمين، تفرض بالضرورة إستراتيجيات تناسب المرحلة، وتنقل مراكز الثقل إلى وحدات طرفية، فيقل التركيز وتتسع المساحة. فَلْتكن من السياسات التي ننتهجها: الانتقال من الممارسة إلى المساندة، ثم التوطين؛ بعد ضمان الكفاية والفاعلية في العاملين والكيانات الإسلامية في الجنوب.

إن إيجاد جمعيات ومنظمات محلية متخصصة ذات كفاية وفاعلية في العمل الدعوي سيحقق قدراً كبيراً من النجاح لهذه الغاية. كما أن إشاعة روح العمل المؤسسي البعيد عن الفردية والشخصية من أهم أولويات هذه الغاية. وتقوم هذه الغاية على إيجاد أفراد وكيانات قادرة على العمل، جديرة بالميراث الكبير الذي خلفته منظمات العمل الإسلامي في إفريقيا عامة، وهو ما يصطلَح عليه بـ (توطين الخبرات) في هذا المسار الإستراتيجي.

ويقتضي النهوضُ بالواقع الإسلامي وتوطين العمل فيه وجودَ عناصر قائدة، تفعَّل بغير أَسْرٍ أو تضييق عليها بما قد يفرضه واقع العمل الإسلامي في هذه المرحلة. إن تحسين وضع القيادات من الإستراتيجيات المهمة في هذه الغاية.

يجب السعي إلى ترسيخ التخصصية وتوفير مقتضياتها للجمعيات والمنظمات والكيانات العاملة بالجنوب وسدِّ الثغرات بجمعيات متخصصة في المجالات الأكثر احتياجاً وفي المناطق الأكثر أهمِّية.

التنمية المستدامة للدعاة:

إن قضية التطوير والترقية المستمرة للدعاة من أولى الغايات التي ينشدتها العمل الإسلامي الدعوي؛ حيث يجب تنفيذ الدورات التطويرية والتأهيلية، وتوزيع ومدارسة الإصدارات الفكرية والمنهجية بهدف بناء الدعاة بناءً متكاملاً.

تعاني الدعوة الإسلامية في السودان عموماً من نقص تربوي كبير وسط الشباب الذين درسوا في كليات شرعية أو معاهد إسلامية، في دولة لا توفر الشهادة الشرعية فيها التوظيف الحكومي أو الخاص إلا النزر اليسير.

إن العمل على بناء دعاة المستقبل وتهيئتهم للدور الكبير المنوط بهم في مجتمعهم، بتربيتهم تربية إسلامية متكاملة: يعد من القضايا المهمة في هذه الغاية.

يحتاج الدعاة وحَمَلة لواء البلاغ إلى التطوير في الجوانب الفكرية والاحترافية لضمان أداء أمثل يرتقي بواقع المسلمين في الجنوب نحو الغاية الكبرى، (تمكين الإسلام فيه).

إن توفيرَ الاحتياجات الأساسية للدعاة، وكفالةَ سبل العيش الكريم لهم لَـمِن الأمور المهمة؛ إذ لا تزال المعاناة من قلة المخصصات وعدم كفايتها للاحتياجات الأسرية والمجتمعية قائمة أحياناً، في منطقة هي الأفقر في العالم (ليس طبيعياً ولا مواردياً)؛ ولكنها منهكة بواقع قبلي تسوده روح الاقتتال والاحتراب: من المشكلات التي تعيق عمل الدعاة وتشغلهم عن واجباتهم الأساسية.

تفعيل النخب:

تهدف هذه الغاية إلى التمكين للإسلام عبر الشرائح المسلمة ذات النفوذ في المجتمع: من تشريعيين وتنفيذيين ورجالات الخدمة المدنية والمثقفين وطلاب الجامعات المسلمين في جنوب السودان.

إن التجارب التاريخية قد أثبتت مدى النجاح الذي يتحقق لصالح الإسلام عندما يكون صاحب القرار المسلم مستمسِكاً، يزعُ الله بسلطانه ما لا يزعُ بالمواعظ والخطب.

إن نقل النخب المسلمة في الجنوب من مجرد الانتماء الاسمي للإسلام إلى العطاء الفعلي: هو إستراتيجية هذه الغاية، الأمر الذي يتطلب جهداً مركَّزاً في تنمية الوازع الديني وتغذية روح الانتماء الحقيقي للإسلام، وتقديم البدائل الشرعية للأسس والمفاهيم الوضعية، وهو ما سيمكِّن للإسلام في جنوب السودان عبرهم بإذن الله.

وإن تجسير الفجوة بين الدعاة والنخب، والعمل مع النخب من أوقات مبكِّرة، بصياغة مجموعة من الطلاب الجامعيين النـابغين لأداء أدوار قيـادية في مجتمعاتهم من الإستراتيجيات المهمة لهذه الغاية كذلك.

من الأطر العملية:

لا بد لتلك الإستراتيجية النظرية من قوالب عملية تُنَزَّل عليها، ولا بد لها أن تراعي المحاور المختلفة بما يحقق الأهداف المرجوة.

محور الدعاة:

الدعاة هم ركيزة الدعوة الأساسية وعمادها، والاهتمام بهم ورعايتهم وتطويرهم (علمياً وإعلامياً ومادياً) ضرورة من ضرورات الدعوة، وواجب على كل مهتم بها.

أهداف المحور:

• تأهيل الدعاة الجنوبيين شرعياً بصورة تمكِّنهم من ضمان سلامة الرسالة وتأثير الأسلوب.

• تدريب الدعاة الجنوبيين تقنياً وإعلامياً؛ بحيث يبدعون أخذاً وعطاءً: أما أخذاً: فبمعرفة أساليب الاستفادة من التقنيات الحديثة والمصادر الإلكترونية والإعلامية المتطورة، وأما عطاءً: فبالاطلاع على ما من شأنه الاستفادة من إيصال رسالتهم عبر الوسائل الحديثة. (تحقيق الكفاف والغُنية للدعاة الجنوبيين وأسرهم ليتفرغوا لبلاغ الدعوة).

مشروعات المحور:

تدريب الدعاة الجنوبيين: ويشمل تدريب الأئمة والدعاة الجنوبيين وتأهيلهم؛ لحاجتهم الماسة للعلم والمعرفة، ويركز المشروع على تدريب الدعاة المؤثِّرين والمتميزين، ويراعي المشروع أيضاً خصوصيات المناطق وفهم الدعاة من أهلها لمشكلاتهم، إضافة إلى الاهتمام بالتأهيل العلمي لخريجي (الخلاوي)[5] التقليدية من حفظة القرآن الكريم.

• الكفالات والدعم المباشر: دعماً لاستقرار الدعاة وتنشيطهم وتفريغهم.

• المساعدات الموسمية: يرمي هذا المشروع إلى إدخال السرور إلى نفوس الدعاة الجنوبيين في المواسم المختلفة، بتوزيع مستلزمات المناسبات المختلفة، مثل السلال الرمضانية، وكسوة العيدين، والأضاحي.

محور الدعوة:

لا تزال الدعوة العامة هي الأسلوب المفضل والمؤثر لدى كثيرين من الدعاة؛ من خلال التفرغ المعنوي والجسدي لها، إضافة إلى أنها أوقع في النفس، وأقرب إلى الاستفادة المباشرة بالنقاش والحوار.

أهداف المحور:

• نشر آداب الإسلام وتعالميه في أوساط المسلمين الجنوبيين وتعريفم بالعقائد وأحكام العبادات وغيرها حتى تتحقق لهم العبادة على بصيرة.

• بسط المعرفة الحقة بدين الإسلام في أوساط كل المجتمعات الجنوبية، وإزالة الشبهات والأكاذيب حول دين الإسلام.

• دعوة غير المسلمين من الجنوبيين إلى الدخول في دين الله تعالى.

مشروعات المحور:

الدورات الشرعية والتأهيلية: وهي تسهِّل العلم وتقرِّبه للدعاة الجنوبيين؛ حيث إنها تركِّز على الكتب العلمية المختصرة وعرض أمهات المسائل، وأساليب الدعوة والحوار.

المحاضرات الدعوية: وتسعى إلى التركيز على موضوعات محددة، وعلى موضوعات التعريف بالإسلام وأخلاقه ومعاملاته.

رعاية المهتدين (المسلمين الجدد): ببيان القَدْر المفروض من العبادات والعقائد؛ من خلال المحاضرات والندوات والتأهيل العلمي، وتوزيع المواد الدعوية من أشرطة سمعية، وأسطوانات، وكتب، ورسائل دعوية، بلغات مناسبة لهم.

محور التواصل:

التواصل مع الفئات والمناطق المختلفة من أهم متطلبات الدعوة ونشر العلم الشرعي، ومن خلاله يتمكن الدعاة من صقل تجاربهم وزيادة خبراتهم، ووصول دعوتهم ورسالتهم إلى كافة المجتمعات.

أهداف المحور:

• ربط الإخوة المسلمين في الجنوب مع إخوانهم في الشمال، وتقوية أواصر الأخوة الإيمانية بينهم.

• دعم تواصل الدعاة الجنوبيين وسائر المسلمين في الجنوب بالعلماء الراسخين للاستفادة من علمهم وتجاربهم ووسطيتهم وتأهيلهم للدعوة على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة.

• ربط الدعاة الجنوبيين بعضهم ببعض ليقوموا بواجبهم الدعوي.

• عكس واقع الدعوة الإسلامية في الجنوب لبقية العالم الإسلامي عبر علمائه ودعاته.

• إعداد عناصر مؤهلة لتنظيم الأعمال الدعوية بالجنوب.

مشروعات المحور:

القوافل الدعوية: تتيح القوافل الدعوية للأئمة والدعاة الجنوبيين فرصة الالتقاء بالمشايخ وأساتذة الجامعات والمتخصصين مما له الأثر الطيب في الارتقاء بالَملَكة العلمية للفئتين والوقوف على الواقع الحياتي والديني في الجنوب.

الاستضافات الخارجية: يتيح الفرصة للعلماء والمتخصصين من مختلف أنحاء العالم اللقاء والتفاكر حول القضايا التي تهم الدعوة الإسلامية في إفريقيا.

محور الإعلام:

الإعلام وسيلة لتحقيق غاية مقصودة، والحكم عليه مرتبط بطبيعة الاستخدام، وبطبيعة الغاية المرجوة منه. وقد أصبح في زماننا ضرورة لا بد منها على الصعيد العالمي والمحلي، وعلى صعيد الأفراد والجماعات أو المؤسسات، يخدم الأفكار والمبادئ والاتجاهات.

أهداف المحور:

• مخاطبة جماهير المسلمين في الجنوب، وبيان الأحكام والتعاليم الإسلامية، ومواجهة ما يبرز من قضايا بين حين وآخر، وحل مشكلات تلك الجماهير، ومتابعة همومها.

• الرقي بفكر المسلمين في الجنوب، وإشاعة الثقافة الإسلامية بمبادئها السامية، وقيمها الرفيعة، والسعي لتوحيد الأمة (فكراً ووجداناً وولاءً)، مع بث روح الأُلفة والمودة والتعارف والتآلف والانسجام ونبذ العنصرية.

• إبراز الدعاة الجنوبيين، وتسليط الضوء على القضايا المحلية.

مشروعات المحور:

البث الفضائي: باللغتين العربية والإنجليزية وبلهجات محلية، ملتزماً نهج الإسلام الإعلامي الدعوي، برؤى عصرية، وبرامج نوعية. ولا بد من توفير (بث أرضي) لهذا المشروع؛ يمكِّن القِطاعات الفقيرة من الاستفادة من برامجه.

البث الإذاعي: الذي يستهدف الولايات الجنوبية، ويلتزم نهجاً دعوياً معتدلاً، وتراعى فيه خصوصيات المناطق.

الإنترنت: واحدة من أوسع الوسائط الإعلامية الحديثة انتشاراً، وقدرةً على تخطي الحواجز، وتأثيراً في المجتمعات، ويتزايد ارتباط الناس بها يوماً بعد يوم، وأصبح تقديم الدعوة ونشر المفاهيم الإسلامية عبر الشبكة ضرورة دعوية ملحَّة، وواقعاً لا يمكن تجاوزه. ويتسع طيف نوعية المواد المعروضة ليشمل أشكالاً عدَّة (مقالات، دراسات، محاضرات، خطب، أخبار...)، ومستهدَفين كثر (باحثين، شباب، نساء، أطفال...)، ويشكل الإنترنت وسيلة اتصال سريعة ومضمونة.

النشر الإلكتروني: يشمل استحداث برامج تمكِّن من انتشار الدعوة عبر الوسائط الحديثة: برامج الجوال، الأقراص المدمجة للبرامج الدعوية العامة والخاصة، والإنتاج الدعوي الحديث، خدمات الرسائل النصية المتخصصة.

ختاماً:

تبقى هذه الرؤى والأفكار في إطار الجهد البشري المعرَّض للخطأ، وهي عرضة للتغير حسب ما يستجد من أحوال، مع كونها رهينة بإمكانية التنفيذ على أرض الواقع. ولعلها أن تكون نواة للتفكير في الخروج بمسلمي جنوب السودان من أزمتهم، وقادحاً لأفكار أخرى يُكتَب لها مزيد من البحث والنظر، ولعلها كذلك أن تكون منبهة للمهتمين بالدعوة الإسلامية ونشرها ورعايتها لبعض ما يجب عليهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 


 

[1] محمد جمال عرفة، مسلمو جنوب السودان... كيف يواجهون الانفصال؟ مقال بموقع (إفريقيا اليوم) الإلكتروني، 30 يونيو 2010م. مع التحفظ على أن المسلمين يشكلون ربع سكان الجنوب، فبعض الإحصائيات تشير إلى أنهم 35 % من مجمل السكان، بينما يمثل النصارى 30 %، والنسبة المتبقية هم من الوثنيين.
[2] محمد جمال عرفة، مسلمو جنوب السودان في مؤتمرهم: هل يستعدُّون لانفصال محتمَل؟‏ مقال بموقع السودان الإسلامي، 29 مارس 2010م.
[3] 
http://www.unicef.org/sudan/arabic/reallives_5372.html
[4] تقرير: قرى المهتدين، المنتدى الإسلامي- جمعية المنتدى الإسلامي، توغو، 2005م.
[5] الخلاوي: يقصد بها المكان الذي يخلو فيه الطالب لنهل العلم النافع من القرآن وشيء من التفسير والحديث، إضافة إلى علوم اللغة العربية الفصحى والرياضيات... إلخ.(^)
 

أعلى