تسريبات ويكيليكس مؤامرة، أم فضيحة؟
اهتزت وسائل الإعلام في العالم كله على أثر تسريب موقع ويكيليكس الإلكتروني 90 ألف ثم 400 ألف وثيقة ومستند، أعلن أنه جـرى تسريبها من البنتـاغون، ثم 250 ألف وثيقـة تم تسريبها من الخارجية الأمريكية. ولأول مرة يستطيع موقع إلكتروني قَهْر وسائل إعلام كبيرة بإمكانياتها الجبارة في خبر هام مثل ذلك الخبر. وهو ما أعطى قوة إعلامية للمواقع الإلكترونية وخاصة موقع ويكيليكس[1].
وقد سبقه موقع فيس بوك من خلال تأثيره في السياسة الداخلية المصرية، ومن ذلك تأثيره في إضراب 6 أبريل. وكذلك موقع تويتر وتأثيره في أحداث إيران السياسية الداخلية وما شهدته من اضطرابات ومظاهرات كان لها تأثير كبير. والآن يبرز موقع ويكيليكس بدور قوي على الساحة السياسية الأمريكية والعالمية ليتبادر للذهن السؤال التالي: هل هي حقاً حرية وسبق إعلامي، أم مؤامراة لن تتضح خيوطها وأسرارها الآن؟
إن واقع قوة الخبر إعلامياً - وهو الذي يفوق زلزال هايتي وإعصار تسونامي في قوَّته الإعلامية والسياسية - فرض نفسه؛ فسارعت عدة وسائل إعلامية كبيرة وقوية: من فضائيات كالجزيرة، وصحف كالغارديان البريطانية والنيويورك تايمز الأمريكية إلى التنسيق مع الموقع في الاستفادة الحصرية من نشر الوثائق بالتزامن مع بعضهم في وقت واحد.
ومع هذا الانفجار الإعلامي نتوقف وقفات نستضيء بها طريق الرؤية في معرفة حقيقة تلك المستندات المسرَّبة من أقوى وزارة دفاع في العالم لأقوى جيش في العالم طبقاً لكل الإحصائيات والدراسات العسكرية.
الوقفة الأولى:
لقد ظهر الموقع من قَبْل بتسريبات كثيرة أحدثت دوياً لكن بحدود وقدر، كان أبرزها ما نشره في يوليو 2010م من تسريب 90 ألف وثيقة تتعلق بالحرب على أفغانستان فانتبه العالم كله لأهمية الموقع وذكرت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية أهم التسريبات التي نشرها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني قبل كشفه عن 90 ألف تسجيل ووثيقة عسكرية أمريكية عن خفايا الحرب في أفغانستان وتفاصيلها السرية.
وقالت الصحيفة: «في مقدمة أهم عشرة تسريبات أثارت اهتماماً واسعاً قام بنشرها الموقع: مقطعُ الفيديو الذي أظهر القوات الأمريكية وهي تقتل 12 مدنياً من بينهم صحفيين من رويترز في أحد أحياء بغداد عام 2007م».
ومنها رسائل البريد الإلكتروني لعلماء المناخ في العام الماضي قبل قمة كوبنهاغن، تلك التي عززت الشكوك حول الاحتباس الحراري.
ونشر «ويكيليكس» في عام 2007م قائمة بأسماء وعناوين ووظائف أعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف «بي إن بي» التي كشفت أن من بينهم عدداً ليس بالقليل من ضباط الشرطة والجيش وكذلك أطباء ومحامون.
كما نشر نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل غوانتانامو الأمريكي بكوبا.
كما نشر الموقع أيضاً وثيقة لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» تعتبر (ويكيليكس) خطراً على الأمن القومي.
إن الشاهد الذي لا يخفى على ذي عقل وفَهْم: هو أن ما نشره الموقع قبل نشر وثائق أفغانستان والعراق كان تمهيداً لنشر مصداقية للموقع على أوسع نطاق.
إن ما نُشِر يؤكد على أن الموقع يقوم بدور خطير يحتاج إمكانيات عالية، منها: أن يكون له عملاء نافذون داخل الأماكن التي جرى تسريب تلك المستندات منها، وهي إمكانيات لا تتحصل إلا لدول أو منظمات تعمل لحساب دول؛ وهو ما يجعلنا نقف أمام مؤامرة خطيرة تحرِّك الأحداث وَفْقَ منظومة عملٍ وأهداف محدَّدة، منها تغيير الأدوار وتأسيس قواعد لعبة جديدة. وما نُشِر يجعل الموقع يتفوق على قناة الـ (سي إن إن) بإمكانياتها الجبارة، ووكالة (رويتر)، والـ (بي بي سي)، وصحف كبيرة مثل التلغراف والواشنطن بوست... وغيرهما؛ ليفرض على المتابع أن يقف أمام حقيقة جديدة تفرض قوة المواقع الإلكترونية (خاصة ويكيليكس)، واحتلالها مكان وسائل إعلام جبارة، ومن ثَمَّ عندما تُنشَر فيها أي تسريبات فإنها تقفز بها إلى قمة المصداقية عند المتابع البسيط وهو هدف في حد ذاته.
وهنا نقف مع تهديد البنتاغون للموقع بعدم نشر المستندات ومحوِها، وإصرارِ الموقع على النشر ليقفز السؤال البديهي: من يتحدى البنتاغون بإمكانياته وسجلِّ مخابراته القذر في العمليات السرية؟ وأي قوة هذه التي تملكها إدارة الموقع؟
إن الإجابة عند المتابعين والسياسيين أُولِي الفهم تقول: إن الموقع يعمل - بلا شك - لصالح جهة قوية ترغب في ترتيب أوراقٍ وبلورة أحداثٍ على الساحة السياسة العالمية والأمريكية خاصة وَفْقَ منظومة أهداف محددة. وإلا فما هي تلك القوة الجبارة التي استطاعت اختراق البنتاغون بكل احتياطياته في الحفاظ على السرية، واستطاعت تسريب 490 ألف وثيقة؟ إنه ليس مكتبة أو منزلاً جرى اقتحام حاسبه بواسطة قرصان هاوٍ، ولنفرض جدلاً أن القرصان الكويكيليكسي نجح في اختراق البنتاغون وسرَّب 90 ألف وثيقة خاصة بأفغانستان ثم هدد البنتاغون الموقع وانتبه للتسريبات، ألم يكن من باب أَوْلى أنَّ البنتاغون ينتبه لمكان الاختراق ويحصنه ويتتبع كيفية الاختراق ليمنعه؟
ولكنَّ هذا لم يحدث؛ فبعد ثلاثة شهور خرج الموقع بتسريب 400 ألف وثيقة خاصة بالعراق، ليزداد الموقف وضوحاً وأن البنتاغون مكان مفتوح، وأن التسريب يجري تحت أعين نافذين لهم مصالح يعملون وَفْق خطة ودعم دوليين.
الوقفة الثانية:
كان أهم ما تناوله تسريب مستندات تتعلق بالحرب على أفغانستان نشر مستندات تفيد قتل مدنيين، ويقول بعضهم بسذاجة: إن ذلك تأكيد مصداقية وفضحٌ لانتهاكات الجيش الأمريكي للمواثيق الدولية. وهو أمرٌ لا جديد فيه؛ فالأخبار تتوالى كل يوم عن تلك الانتهاكات الدموية الصارخة، ولكن تعمُّد نشر الخبر إنما هو لسحب المتابع للمصداقية في فضح الأمريكان إلى تصديق الموقع في ما بعد.
ويؤكد ذلك المحور الثاني في نشر الوثائق التي تتحدث عن دعم الجيش الباكستاني لحركة طالبان، وهنا نقف عند بيت القصيد؛ فالغرض واضح، وهو الجيش الباكستاني الذي قدَّم مساعدات لا حصر لها للجيش الأمريكي في عدوانه على أفغانستان، ولكن قوة المقاومة الأفغانية أفقدت الإدارة الأمريكية صوابها فاتجهت إلى إلقاء تبعة الفشل الأمريكي في أفغانستان على تقديم الجيش الباكستاني مساعدات لطالبان؛ فالشعب الأمريكي لن يقبل بتلك المهانة على يد مقاومة لا تملك إلا قُوتَ يومها وأحياناً لا تجده، وتقاتل بأقل الأسلحة ومع ذلك تحقق انتصارات مذهلة بكل المقاييس العسكرية، وآخر الإحصائيات حتى أكتوبر عام 2010م تفيد بمقتل ما يزيد عن 600 جندي أمريكي في تأكيد واضح لتفوق المقاومة.
لذلك كان النشر متزامناً مع الخسائر الأمريكية لتوجيه الضغط نحو الجيش الباكستاني. ويبدو في الأفق أنه محاولة للحصول على دعم لمخطط مستقبلي ضد باكستان وجيشها لتفكيكها أو الدخول إليها واحتلالها تحت مظلة دولية، ويؤكد ذلك الأخبارُ التي تتناثر عبر القادة الأمريكان عن اختباء قادة المقاومة الأفغانية في باكستان.
وأيضاً لا يخفى أن الإدارة الأمريكية تريد خطة انسحاب من أفغانستان تحفظ ماء وجه العسكرية الأمريكية الذي تعكر بالتراب الأفغاني؛ فلذلك تحاول بكل الطرق شق وحدة طالبان بفتح باب التفاوض وإرغامها بكل الإغراءات على العمل السياسي وَفْق منظومة محددة أمريكياً.
وخيوط ما يحدث كلها تتجمع نحو هدف واحد هو انسحاب أمريكي مشرِّف من أفغانستان، وربما تصاحبه عملية تمويه ضد باكستان.
الوقفة الثالثة:
بعد تسريب مستندات أفغانستان ظهرت المستندات المتعلقة بالعراق فقط، وهو ما يدل على أنه يوجد هدف من التسريب، ويدفعنا ذلك بداية إلى التساؤل: هل لا توجد وثائق عن دول أخرى في العالم؟ خاصة أن عدد 400 ألف وثيقة كبير جداً؛ فهل لم يكن من بين تلك الوثائق الـ 400 ألف وثيقة عشرات فقط عن دول أخرى مثل بريطانيا أو حتى كوبا وكوريا الشمالية؟ ولماذا العراق فقط والآن؟
بالنظر إلى أحداث المرحلة من خلال وقائع المشهد العراقي؛ فإن الناظر فيه يجد مجموعة صور كلها تبرز في وقت واحد:
1 - التراجع العسكري للقوات الأمريكية: ويتمثل في إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سحب القوات الأمريكية من العراق وانتهاء مهمة «الحرية للعراق».
2 - أن العراق هدف في دعاية أوباما الانتخابية.
3 - كلفت حرب العراق الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات.
4 - تغيُّر الخطط العسكرية الأمريكية ما بين إعادة جدولة عدد الجنود وخطة انسحابها المنظم، وبعد أن وصل عدد الجنود إلى 160 ألف ينخفض إلى 50 ألف.
5 - ما تكبدته القوات العسكرية الأمريكية من خسائر مادية في العتاد، تُعَدُّ أكبر خسائر بشرية في تاريخها العسكري، وهي ما بين رقم معلَن رسمياًً يقرب من 4500، ورقم آخر يصل إلى 40 ألف.
6 - تصريحات كبار قادة الولايات المتحدة على أن حرب العراق لا طائل من ورائها وأنها حرب خاسرة بكل المقاييس ولم يكن لها مبرر.
7 - الفشل الأمريكي الواضح في:
• ضبط توازن القوى مع إيران التي كان الاتفاق معها على العدوان على العراق يشمل تمكين شيعة العراق من الحكم، ولكن إيران استغلت الوضع وتمكنت من فرض وجودها العسكري والسياسي، بل الاجتماعي والسكاني على خريطة العراق؛ فعملت على تهجير آلاف من الإيرانيين إلى العراق، والتمكين للميليشيات الشيعية بالدعم اللوجستي، وفرض مرجعية قم على مرجعية النجف، فوجد الأمريكيون أنفسهم في خلل في توازن القوى؛ فعلى الرغم من وجودهم العسكري واحتلالهم للعراق وتقديمهم كل المساعدات لحكم الشيعة للعراق، إلا أن إيران استطاعت أن تجعل العراق عمقاً إسترتيجياً لها.
• والفشل فرض الإرادة السياسية الأمريكية على المشهد السياسي العراقي: وأبرزها فشل قائمة إياد علاوي الموالية للأمريكيين في تشكيل الحكومة؛ على الرغم من فوزها في انتخابات البرلمان، وفَشَل الأمريكيين في الضغط على المالكي للاستقالة، وهو ما جعل تشكيل الحكومة العراقية يتأخر شهوراً بسبب موالاة المالكي لإيران وتلقِّيه الأوامر منها، وهو الأمر الذي جعل المشهد السياسي في العراق يشهد قمة الاستهزاء بالإدارة الأمريكية التي تحتل العراق وتملك أحدث الأسلحة على الأرض العراقية، ولكنها بعد سبع سنوات من الاحتلال وما قدَّمته من مساعدات للشيعة تفشل في فرض قراراها وإرادتها السياسية عليهم.
الوقفة الرابعة:
نشر موقع ويكيليكس مستندات مسربة من البنتاغون في أواخر أكتوبر2010م تتعلق بالعراق وقيل: إن عدد المستندات يصل إلى 400 ألف وثيقة مسربة تتعلق معظمها بثلاثة محاور:
المحور الأول: ويتضمن:
• انتهاكات الجيش الأمريكي وقتله للمدنيين، وأن العدد المنشور يخالف المستندات التي تشير إلى عدد أكبر.
• وثائق تشير إلى ارتكاب الجيش الأمريكي جرائم قتل بدم بارد للمدنيين العراقيين على نقاط التفتيش.
• التستر على التعذيب الممنهج في السجون والمعتقلات في العراق، وقد اعتبر بعض المراقبين هذا المحور فضيحة للجيش الأمريكي، ولكن المتابع للشأن العراقي يجد أنه لا جديد في نشر وثائق ويكيليكس غير الإشارة إلى التوثيق. والعراقيون يحتفظون بمئات الآلاف من الوقائع الدامية لانتهاكات الجيش الأمريكي لكل المواثيق والأعراف الإنسانية، ولكن من يسمع لهم؟
المحور الثاني: وفيه وثائق تفضح دور رئيس الوزراء المالكي في تكوينه مليشيا خاصة تمارس عملها خارج كل الأطر القانونية ولا تلتزم إلا بأوامر المالكي، وقامت بعمليات وممارسات كثيرة انتهكت فيها كل القوانيين وحقوقَ الإنسان.
المحور الثالث: وثائق تشير إلى الدور الإيراني في دعم ميليشيات شيعية في العراق بكل أنواع الدعم في الحرب الطائفية، وأنها قامت بمجازر وحشية.
مما سبق يتضح أن نشر الوثائق في ما يتعلق بالمالكي وإيران مقصود في الوقت؛ حيث يبدو أن التحالف غير الشرعي بين الإدارة الأمريكية وبين إيران وشيعة العراق قد انتهى؛ فبدأت تعلن أنه اتضح لها بعد سبع سنوات من احتلال العراق أنها دعمت دولة شيعية دينية، وأنها دعمت مخططاً إيرانياً بدون قصد.
والآن يهدد المحور (الشيعي العراقي والإيراني) استقرار المنطقة؛ وخاصة دول الخليج التي ترتبط بمصالح قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد عليهم في الدعم البترولي.
ومن جهة أخرى فإن المشهد العسكري الأمريكي في العراق يشهد تراجعاً وانسحاباً مقرراً له كما أعلن أوباما في أوائل عام 2012م، فكان لا بد من إعادة ترتيب الأوراق في العراق، تلك التي إن تركها الأمريكيون على حالها أصبحت قاعدة إيرانية تُخِل بالتوازن في المنطقة وتهدد مصالحهم، فكانت التسريبات التي تضمَّنت ما هو معلوم ولا جديد فيه من انتهاكات أمريكية لتأكيد المصداقية على الوثيقة. والغرض من ذلك تمرير وثائق تفضح ممارسات رئيس الوزراء العراقي وتهدد بقاءه على كرسي رئاسة الوزراء التي تتحكم في المشهد السياسي العراقي وتعجِّل بخلعه بصنع ثورة على ممارساته التي كانت معلومة ولكنها مكتومة.
إن نشر انتهكات الجيش الأمريكي لا جديد فيه، والمجتمع الدولي تابع للولايات المتحدة؛ حتى إنه من المضحك أن يطالب مسؤول أممي الولايات المتحدة بأن تحقق في تلك الجرائم؛ أي: مطالبة المتهم الجاني أن يكون حكماً على نفسه.
ثم ظهرت بعض التنديدات من بعض المنظمات، وكان من المفروض أن تتحرك الأمم المتحدة بلجنة تحقيق؛ لأن الوقائع والاتهامات تمثل جرائم حرب؛ ولكن سيناريو التسريبات لا يشمل ذلك، فضلاً عن أن الجنود الأمريكيين يُحظَر محاكمتهم دولياً؛ حيث رفضت الولايات المتحدة التوقيع على اتفاق تأسيس المحكمة الجنائية الدولية عام 1998م وبدء عملها في يوليو 2002م، وهي تسمح بمحاكمة (الأفراد وليس الدول) بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ليس فقط التصديق عليها، وطالبت الولايات المتحدة باستثناء جنودها وكبار المسؤولين فيها من المحاكمة أمام هذه المحاكم في حال قررت هيئات أو مجموعات حقوقية المطالبة بمحاكمتهم على جرائم حرب ارتكبوها في الصومال أو العراق أو غيرها ووقَّعت اتفقيات ثنائية مع 50 دولة بحصانة جنودها والدول التي لم توقع فرضت عليها حظراً
الوقفةالخامسة:
أدى نشر الوئاثق التي تم تسريبها بشأن العراق إلى فضح الدور الإيراني في العراق ودفع العالم للانتباه لهذا الدور وخطورته، وخاصة الدول العربية الصامتة والساكنة؛ كي تتحرك في الملف العراقي بدور حيوي يقلِّص من الدور الإيراني.
ومن هنا يشار إلى التغير الذي شهده دور القاهرة التي تمثل حالة عالية من العداء مع إيران؛ فقد شهدت ساحتها السياسية:
- فتح خطوط طيران مع طهران كانت مقطوعة منذ ثلاثين عاماً.
- وزيارات لقيادات شيعية (إياد علاوي، وعمار الحكيم، والمالكي) للقاهرة.
- وبروزاً للدور المصري والسعودي والتركي في اختيار رئيس الوزراء العراقي.
- وكان لافتاً للانتباه أن تغلق القاهرة قناة (صفا) التي تهاجم الفكر الشيعي الدخيل، بل تحظر القاهرة مهاجمة الشيعة في القنوات الفضائية؛ وهي التي ظلت تهاجم الشيعة وإيران وما سمي بالثورة الإيرانية منذ عام 1979م، وألقت القبض على كثير من التنظيمات الشيعية.
وتحليل ما يحدث مبدئياً يشير إلى وجود خطة أمريكية جديدة في المنطقة تعمل فيها بعض الدول العربية على فتح قنوات مع قادة الشيعة في العراق لخلخلة قبضة إيران. يتزامن هذا مع نشر وثائق ويكيليكس التي تفضح الدور الإيراني، وهو ما يعطي دعماً قوياً لموقف الدول العربية.
إلا أن هناك شكّاً كبيراً في نجاح هذا المخطط الذي يغطي الفشل الأمريكي في العراق؛ لأن الولاء الشيعي عقدي وهو أقوى من السياسي، ثم إنه لا يُعقَل بعد أن قامت الولايات المتحدة بتربية وتقوية الوجود الشيعي في العراق حتى كبر وقوي واستأسد ثم انتبهت لخطورته على مصالحها، لا يعقل أن تأتي الدول العربية بمحاولة وقف وتطويق هذا الوجود وهي التي أبعدتها الإدارة الأمريكية عن أي دور في العراق طيلة سبع سنوات مضت وأخذت من الدول العربية العراق العربي السُّني وسلَّمته لأيران وأتباعها أمام أعينها؛ لذلك من الصعب جداً أن تقوم الدول العربية بدور ولو كأحجار على رقعة شطرنج.
لكن الأكثر إثارة وتوضيحاً يأتي بعد ثلاثة شهور من نشر وثائق العراق؛ حيث قام الموقع بنشر 250 ألف وثيقة جديدة مسربة من الخارجية الأمريكية تشمل برقيات دبلوماسية بين حكام عرب والإدارة الأمريكية، وكان ملاحَظاً أن حق النشر اقتصر على الصحف التالية: (النيويورك تايمز، ولوموند الفرنسية، والغارديان البريطانية، والبايـيس الإسبانية، ودر شبيغل الألمانية)، بينما لم تحصل قناة الجزيرة على حق النشر لهذه الوثائق[2].
وأهم محاور تلك البرقيات يرتكز على ثلاث نقاط:
الأُولَى: أن قادة الإمارات ومصر والأردن والسعودية والبحرين و «العدو الصهيوني إسرائيل» وصفوا طهران بالشر وطالبوا بضربها، وواضح من النشر الترتيب؛ فبعد نشر وثائق تدين ممارسات إيران في العراق تُنشَر وثائق فيها طلب من حكامٍ عرب بضرب إيران ليجد المتابع أنه أمام تسلسسل منطقي جرى ترتيبه في عقله بواسطة النشر المتتابع المعدِّ بدقة:
1 - تهيئة المناخ لعملية عسكرية أمريكية ضد إيران
2 - إثارة النزاعات علانية بين إيران وحكام المنطقة ليزداد الخلاف أكثر مما هو موجود، والفتنة بين بعض الحكام والمقاومة وبين بعض الحكام وشعوبهم... والرابح هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتفظ بعلاقات وخيوط مع بعض الأطراف، ومصلحتها فوق الجميع.
3 - السفراء الأمريكيون يقومون بالسخرية من الحكام في برقياتهم: كرزاي يدفعه جنون العظمة... وبوتين الكلب... وميركل ليست مبدعة، ونجاد هتلر... وهكذا بالنسبة لساركوزى وبعض الحكام العرب[3].
4 - السفارات الأمريكية في العالم تُعَد قاعدة كبيرة وجزءاً مهماً من شبكة التجسس العالمية التي تديرها أمريكا؛ حيث تشير الوثائق إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ومِنْ قَبْلها كوندليزا رايز طلبت من دبلوماسييها التجسس على العدو والصديق حتى كبار مسؤولي الأمم المتحدة بما في ذلك أمينها العام (بان كي مون)، وطُلِب منهم جمع معلومات عن المواقع العسكرية والأسلحة والعربات والشخصيات السياسية، وأخذ بصماتهم وصور لقرنيات عيونهم.
إن كل مبتدئ في فهم السياسة يعلم أن السفارات جزء من منظومة مخابرات دولها.
ومما ينبغي التوقف عنده بتأمل: هو رد فعل العدو الصهيوني:
أولاً: أعلنت إسرائيل عن عدم تضررُّها مما نُشِر وأعلن أحد مسؤوليها: أن «إسرائيل» تشعر بالارتياح بعدما كانت تخشى إحراجاً جدياً بفعل مضمون الوثائق الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس.
وقال مسؤول حكومي كبير لوكالة فرانس برس رافضاً الكشف عن اسمه تعليقاً على ما نشره الموقع حتى الآن: «خرجنا بصورة جيدة». وهو بذلك يوقفنا بوضوح على حقيقة نشر تلك الوثائق والغرض منها وانتقائيتها. والأهم هو: لماذا لم تُنشَر وثائق تتعلق بدولة الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل يُعقَل أن 70 ألف ثم 400 ألف ثم 250 ألف وثيقة لا تتناول أي شأن مهم لإسرائيل؟ إن هذا يجعلنا نقول بكل عقلانية وبدون عاطفة: إن اليد الصهيونية ليست بعيدة عن ويكيليكس ولا عن غوليو أسانج؛ بل هي قريبة جداً ومصلحتها واضحة خاصةً في ما نُشِر من وثائق تخص الشرق الأوسط، وفي ما يتعلق بإيران، ودقِّ الأسافين بين المقاومة ودول عربية. وقيام حرب عربية إيرانية تخدم الصهاينة بلا شك، وكذلك تثوير الشعوب العربية ضد حكامهم بنشر برقيات تتناول أدواراً مخزية لهم أو ضعيفة أمرٌ يخدم الصهاينة.
وعدم نشر وثائق تتعلق بقتل الصهاينة للمدنيين الفلسطنيين في حرب غزة وما قبلها، وعمليات اغتيال وتصفية قادة المقاومة ،ودورهم في لبنان، ودورهم في الخلاف بين فتح وحماس، وبرنامجهم النووي، ومؤامراتهم مع أمريكا في لعبة وَهْمِ السلام مع العرب... وغير ذلك في قائمة طويلة لا بد أن تكون موثَّقة لدى الأمريكيين، لم يُنشَر حرف منها، وهو ما يشي بدور حقيقي للصهاينة في ما نشر من تلك الوثائق.
ثانياً: بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مخزن التسريبات والوثائق خرجت التصريحات كالآتي:
يقول غيتس وزير الدفاع الأمريكي: تسريبات ويكيليكس محرجة ولكن تأثيراتها محدودة.
وتقول كلنتون بكل بساطة وهدوء: إن التسريبات تُعَد خرقاً للقوانين الأمريكية وهي جريمة تجسس سنعمل على تعقُّب القائمين عليها.
إن هذه التصريحات تدل على أن الأمر ليس بالخطورة التي يتعمد الإعلام إظهارها للعالم؛ فلم يجد العالم أسراراً تكشف ملابسات حادثة 11 سبتمبر 2001م، أو أسرار تنظيم القاعدة التي تمتلكها المخابرات الأمريكية، أو أسراراً عن الدوافع الحقيقية للحرب على أفغانستان والعراق والتمويل وحقيقة الحرب الصليبية التي أعلنها بوش، أو أسراراً عن خفايا العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والدور الأمريكي في الدعم غير المتناهي للاحتلال الصهيوني، أو أسراراً عن السلاح النووي الإسرائيلي، أو أسراراً عن المؤامرات الأمريكية على الند الصيني، أو أسراراً عن السياسة النقدية الأمريكية وتحايلها التاريخي على العالم أجمع من خلال طبع ترليونات من الدولارات غير المغطاة بقيم حقيقية وإنما مغطاة بكفالة النفط المسعَّر والمباع... وغير ذلك كثير مما يعد سرّاً مهمّاً خاصة بالنسبة للعرب والمسلمين ويترتب عليه مصلحة هامة.
ثالثاً: ما هو المثير في الوثائق الذي ترتب عليه مفسدة للأمن القومي والعسكري الأمريكي من النشر؟ لا شيء. هذه هي الحقيقة؛ فكل ما ينشر كأنها إعادة هيكلة لِـمَا يعرفه ويفهمه المتخصصون في السياسة في شكل وثائق.
رابعاً: ينبغي الوقوف مع ما تفعله بعض الصحف الكبرى في العالم التي اشترت حق النشر من ويكيليكس، وإعادة نشر بعض من وثائق ويكيليكس بشكل انتقائي، وهو ما يشير إلى أن لأمريكا وإسرائيل دوراً ملحوظاً في محاولة إبراز جوانب معيَّنة على حساب أخرى من الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس.
الوقفة السادسة:
نشر بعض المتعاطفين مع أمريكا أخباراً بعد نشر الـ 250 ألف وثيقة مفادها: أن نطاق الوصول إلى المعلومة في الولايات المتحدة متاح بشكل لا يصدق في ظل انعدام حرية الوصول إلى المعلومات في الشرق بسبب الأنظمة البوليسية؛ غير أن الأمر مختلف في الولايات المتحدة. ودللوا على ذلك بوجود ما سمي بالثغرة القاتلة (نظام سبرينت نيتوورك) أو ما يعرَف بـ Secret Internet Protocol Router Network، ووَفْق ما أوردته مجلة دير شبيغل الألمانية فإن الوثائق الدبلوماسية التي كشف عنها موقع ويكيليكس، جرى الحصول عليها من خلال نظام «سبرينت» الذي يستطيع حوالي 5. 2 مليون موظف في القطاع العام في الولايات المتحدة الولوج إليه.
وقالت الصحيفة: إنه جرى الحصول على المعلومات عبر نظام «سبرينت نيتوورك» الذي استُخدِم أيضاً للحصول على التسريبات بشأن حربَي (العراق وأفغانستان). وقد صُنِّفت الوثائق إلى «خاصة» و «سرية» و «عالية السرية».
ويتمتع حوالي 5. 2 مليون موظف في القطاع العام في الولايات المتحدة بحق الولوج على نظام «سبرينت»، غالبيتهم يعملون لصالح وزارة الدفاع، ويتوفر هذا النظام على أجهزة كمبيوتر خاصة في المراكز التي تعمل فيها القوات الأميركية، وتغيَّر كلمات المرور وإجراءات الولوج مرة كلَّ 150 يوماً تقريباً. وحتى الوثائق المصنفة «عالية السرية» قابلة للولوج من قِبَل حوالي 850 ألف أميركي. وأشارت الصحيفة إلى أن تسريب المعلومات كان لا بد أن يحصل عاجلاً أم آجلاً.
وللرد على هذا الدفاع عن التسريبات أقول بكل وضوح:
1 - إن هذا الخبر لم ينشر إلا بعد نشر الـ 250 ألف وثيقة الخاصة بالتسريب من الخارجية الأمريكية فقط ولم ينشر قبلها، لماذا ذلك؟
ولم تنشره إلا دير شبيغل فقط؟ ولم تصدقه أو تكذبه الإدارة الأمريكية.
2 - الخبر فيه تضارب في وسائل الإعلام حول هذا النظام وهل هو خاص بوزارة الخارجية أم بوزارة الدفاع؟
3 - ثم لماذا لم يتم تغيير شيفرة الدخول وتحصين نظام العمل منذ أن قام الموقع بنشر أول الوثائق المسربة؟
4 - عدم معقولية إلقاء التهمة بالتسريب على جندي أمريكي غاضب اسمه (برادلي ماتينج) وهو متهم بالشذوذ فضلاً عن اتهامه بالتسريب، وهي واقعة تجعلنا نتذكر ما تفعله بعض الدول البوليسية عندما تقع فيها أحداث كبيرة فتلقي بالتهمة على شخص ما ثم تقول: إنه الجنون. وإذا كان هذا الجندي هو المتهم حقيقة بتسريب وثائق أفغانستان الـ 90 ألف، فمن قام بتسريب الـ 400 ألف وثيقة والـ 250 ألف وثيقة بعد ذلك؟
الوقفة السابعة:
حتى يتضح للقارىء فهم ورؤية ما يحدث ببصيرة نتوقف مع دراسة مميزة بعنوان: (الإعلام والحرب والدعاية: إستراتيجيات إدارة المعلومات خلال حرب العراق). أعدَّها الدكتور (ديبا كومار) أستاذ الصحافة والإعلام الأمريكي. حلل هذا الإعلامي الأكاديمي بالتفصيل الدور الذي لعبته أجهزة الإعلام الأمريكية الكبرى في خدمة المشروع الاستعماري لإدارة بوش، وفي خداع وتضليل الرأي العام الأمريكي. وعرض تفصيلاً كيف تعمدت الصحف ومحطات التليفزيون الكبرى حجب الآراء المعارضة للحرب، وكيف أنها حرمت الرأي العام من معرفة الحقائق.
وهو يشرح تفصيلاً كيف تبنَّت أجهزة الإعلام - مع استثناءات قليلة جداً - وجهة نظر إدارة بوش كاملة، وكيف أن الإستراتيجية الأساسية التي اتبعتها هي (إستراتيجية الحذف والتجاهل)؛ أي: حذف وتجاهل أي أخبار أو قصص إخبارية، أو آراء ومواقف تتعارض أو لا تتماشى مع ما تريد إدارة بوش الترويج له.
لماذا فعل الإعلام الأمريكي هذا؟ لماذا كان شريكاً كاملاً لإدارة بوش في كل أكاذيبها وكل جرائمها؟
كل خبراء الإعلام في أمريكا لديهم تفسير رئيس واحد، هو أن أجهزة الإعلام الأمريكية الكبرى؛ هي في النهاية مملوكة لعدد محدود من الملاك والنخب الاقتصادية والسياسية، وهي تعبِّر عنهم وعن مصالحهم، لا عن مصالح الرأي العام الأمريكي.
فالإعلام الأمريكي إذن هو عبارة عن علاقة بين رأس المال ومحترفين يعملون في الشركات الكبرى الخاصة التي يملكها أفراد لهم توجهاتهم الأيديولوجية، ويجري عبر هذه العلاقة صياغة الأجندة الإعلامية في الغرب والعالم، وهو يعمل على إنتاج آليات رأي عام موالٍ للتوجهات الأمريكية، وفي ذلك يقول خبير الإعلام الأمريكي (مايكل بارينتي): «إن التيار العام للإعلام الأمريكي الذي تتحكم فيه شركات الإعلام الكبرى نادراً ما ينحرف إلى المناطق والموضوعات التي تسبب عدم ارتياحٍ لمن يملكون السلطة السياسية والاقتصادية، ويتضمن ذلك من يملكون وسائل الإعلام، ومن يعلنون فيها أيضاً».
ومن خلال ذلك نتأكد بوضوح أن حرية الإعلام الأمريكي، - على الأقل في قضايا حاسمة كهذه - هي في نهاية المطاف أكذوبة أخرى من أكاذيب الديمقراطية والحرية في أمريكا.
ومن هنا أقول: هل يعقل أن ذلك الإعلام يتحول بسرعة من التضليل إلى المصداقية في الخبر؟
يؤكد ذلك ما نشر في 20 أبريل 2008م؛ حيث أماطت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية اللثام عن حقيقة أن محللين عسكريين أمريكيين كثيرين ممن تستخدمهم شبكات تليفزيونية كمعلقين بشأن العراق قامت بإعدادهم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون. وأكدت الصحيفة أن المراقبين رأوا في ذلك دليلاً قاطعاً على عدم حيادية غالبية التحليلات التي صدرت للشعب الأمريكي بخصوص الأوضاع في العراق؛ لأنها جاءت بهدف تأييد سياسات إدارة الرئيس جورج بوش.
وفي تقرير كشف العلاقات بين إدارة بوش ومسؤولين كبار سابقين عملوا محللين تليفزيونيين بأجور، أوضحت (نيويورك تايمز) أن هؤلاء المحللين تمتعوا بما يشبه التدريبات من قِبَل البنتاغون، وكان من ضمن ذلك إمدادهم بإفادات خاصة، والسماح لهم بالقيام برحلات معيَّنة والاطلاع على معلومات سرية، وكل ذلك في سياق التأثير على أسلوب تحليلهم السياسي.
وقالت الصحيفة: «التسجيلات والمقابلات التي تمَّت تكشف كيف أن إدارة بوش استغلت سيطرتها على إمكانية الحصول على المعلومات في محاولة لتحويل المحللين إلى نوع من حصان طروادة الإعلامي؛ أي بمثابة الأداة التي تهدف إلى تشكيل تغطية الإرهاب من داخل شبكات التليفزيون والإذاعة الكبيرة».
الوقفة الثامنة:
فى ظل حالة العداء ضد المسلمين ينبغي أن يعرف ويعيَ المسلمون أن العدو يستخدم كل ما يستطيع لإيقاع الهزيمة والخسران والفشل بالمسلمين، ومن هنا ينبغي أن يعيَ المسلمون أن المقاومة للعدوان ليست في مجال الحرب والقتال فقط ولا مجال الأفكار وتذويب الهوية فقط؛ إنما ينبغي المقاومة في الحرب الإعلامية التي تلقي السم في العسل لينشغل المسلمون بظاهر الخبر في ظل الفضائيات والإنترنت، ويتم تمرير مخططات أخرى تباعاً عبر أخبار مدسوسة مثيرة تثير السامعين ولكنها تعمي أبصارَهم المشدودة نحو الشاشات عن مخططات خطيرة لذلك نذكِّر المسلمين بقول الحق - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] ومعنى التثبت: تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا؟
والتبيُّن: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملابساته. يقول الحسن البصري: «المؤمن وقَّاف حتى يتبيَّن».
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع»[4]، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «التأني من الله والعجلة من الشيطان»[5].
ويبقى أن التسريبات أفادت الولايات المتحدة الأمريكية في عمل حالة إعلامية هائلة تنشر ما تريد نشره وتحريكه سياسياً عبر موقع إلكتروني تم التمهيد لمصداقيته بتكتيك عالٍ
وأخيراً الكل يتمنى من موقع ويكيليكس أن يكون صادقاً وليس موجَّهاً، ولكن الحقيقة والعقل والمنطق والفهم وخبرة الأحداث وما طرحتُه وما سوف تخبرنا به الأحداث والأيام تؤكد أن تسريبات ويكيليكس مؤامرة مخابراتية وليس فضيحة أمريكية.
والسؤال من يلعب وراء الستار هل هم:
1 - المحافظون الجدد أم الجمهوريون الذين يريدون الصعود مرة أخرى للبيت الأبيض عبر زلزلة الإدارة الأمريكية وساكن البيت الأبيض.
2 - أَمْ المخابرات المركزية الأمريكية وهي صاحبة مصلحة في إعادة ترتيب أوضاع اهتزت وترتيب أوراق اختلطت؛ سواء في العراق أو أفغانستان أو باكستان وهم المعنيون بدقة بمخطط التسريبات.
3 - أَمْ أصحاب المصالح الاقتصادية، وهم اللوبي القوي الذين يعملون للخروج من المستنقع الأفغاني والعراقي وخَلْق الفوضى الخلاَّقة في الشرق الأوسط بصنع مقدمات إعلامية.
4 - هل هو اللوبي الصهيوني الذي يستثمر كل شيء من أجل مصالحه الصهيونية؛ خاصة أن كل ما نُشِر يصب في مصلحته ولم ينشَر ما يضره مطلقاً أو يفضحه
ولا يستبعد اجتماع الأربعة على وضع سيناريو له غرض من ترسيخ مصداقية إعلامية لموقع إلكتروني ومن ثَمَّ تصديق أخباره في العالم الإسلامي ليسهل بعد ذلك تمرير مايشاؤون من أخبار مدبَّرة في فيلم سينمائي تلعب فيه الإدارة الأمريكية الممثل الرئيس في مشهد تراجيدي تمثل فيه على العالم دور المغفل.
[1]كلمة «ويكيليكس Wikileaks» معناها بالعربية: تسريبات الويكي، وقد تأسس الموقع عام 2007م تحت عنوان حق الناس في تاريخ جديد، وقد برز على وسائل الإعلام اسم جوليان أسانغ، أسترالي الجنسية؛ وهو أشهر مؤسسي موقع ويكيليكس.
[2]الجزيرة وسيلة الإعلام العربية الوحيدة التي حصلت على حق نشر الوثائق السابقة التي تخص الحرب على العراق.
[3]هو ما يدل على العنصرية الأمريكية، وتعمُّد النشر هو قمة مهنية الصحافة في الخبر المثير للقارئ ولكنه غير مفيد.
[4]خرجه مسلم.
[5]السلسلة الصحيحة1795: