.
(الفساد الإداري) ظاهرة من الظواهر السائدة في عالمنا العربي والإسلامي بصورة صارخة ومستفزة، وهو نوعان: الأول: فساد ناتج عن تولية غير الأكفياء، وبعض هؤلاء قد لا يتقصد الإفساد، لكنه بسبب عجزه وضعف قدرته وتأهيله يتخبط ويضطرب؛ فيفسد بذلك أكثر مما يصلح. الآخر: فساد ناتج عن سوء استغلال السلطة بسبب تصدير بعض المغرضين وأهل الأهواء وأصحاب المصالح والتطلعات الشخصية. والمحصلة من ذلك - في كلا النوعين - تنعكس سلباً على استقرار المجتمع وتنميته وتقدُّمه (التقني والحضاري). فعندما يضرب الفساد بأطنابه في أعماق المجتمع دون رقيــــب أو نكير، تتوالى المفاسد في شتى مناحي الحياة، ويصبح الفاسدون هم وحدهم الممسكين بزمام المجتمع! إن الفساد الإداري بيئة خصبة لظهور (الفساد المالي) والاعتداء على الحقوق العامة والخاصة. ومن أهم العوامل التي ساعدت على تفشِّي هذه الظاهرة وتجذُّرها: غياب أو ضَعْف الاحتساب وفِقهِ الإنكار في الأمة: إنَّ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من أعظم ما يطهِّر المجتمع من أهل الأهواء والمفسدين. قال - تعالى -: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ} [هود: 116]. وتأمَّل دعوة النبي شعيب - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان أعظم ما جاء به - بعد تقرير التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له - مواجهة الفساد المالي. قال الله - تعالى -: {وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْـمِكْيَالَ وَالْـمِيزَانَ إنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْـمِكْيَالَ وَالْـمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [هود: 84- 86]. وسيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عامرة بالتحذير من الفساد والغلول والتعدي على حقوق الناس، وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنَّة في تقرير ذلك، وقبل نزول كثير من الشرائع، تَـَنزَّل قول الله - عز وجل -: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: ١ - ٦]. وإذا كان الملأ من المفسدين قد نجحوا في بعض الدول في تطبيع الفساد، فإن الواجب على المصلحين وأهل الرأي أن يؤصِّلوا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد المفسد والاحتساب عليه. وتقصيرهم في ذلك سيكون سبباً لتولي غيرهم لهذه المهمة، وسيؤدي إلى تضييع واجب شرعي أمر الله - عز وجل - بإقامته.