• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اغتنام الصيف بالعودة للحلقات القرآنية

اغتنام الصيف بالعودة للحلقات القرآنية

مع قرب حلول الإجازة الصيفية ووجود متسع من الوقت أمام الأبناء والشباب والفتيات، تحار كثير من الأسر في كيفية شغل أوقات فراغ أبنائها فيما يعود عليهم بالخير، ويبعدهم عن صحبة السوء وعن تعلم منكرات الأخلاق.

وقد راعى السلف أوقات أبنائهم وكتبوا إليهم يحثونهم على حُسن اغتنام أعمارهم في كل مفيد نافع، فكتب ابن الجوزي رحمه الله رسالة لطيفة إلى ابنه ينصحه فيها وسماها «لفتة الكبد في نصيحة الولد»، وكان مما جاء فيها: «اعلم - يا بُني - أن الأيام تُبْسَطُ ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم، وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودّعها إلا إلى أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك، وعوِّدها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه»[1].

بخلاف عصورنا الحاضرة، فإن الإجازة الصيفية بدقائقها وساعاتها ولياليها وأيامها الطويلة يمكن أن يجعل منها كثير من طلابنا وطالباتنا وشبابنا وفتياتنا أراضي خصبة تزرع بكل مفيد ممتع يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والبر والعطاء، ويمكن ألا يكون كذلك، فتضيع أوقاتهم في نوم النهار وترك الواجبات الدينية والاجتماعية، ثم سهر الليل في الصخب واللعب وإزعاج الآخرين، بين لهو وضياع وثرثرة فارغة، ونزاعات وخصومات وقتل للأوقات، على حين تعمل مجتمعات أخرى وتكدح في كل دقيقة بل في كل ثانية من أجل زيادة أسباب العلم والمعرفة والقوة ودوام التقدم علينا، مع أن ديننا أمرنا باستثمار الوقت والاستفادة من الفراغ، ولا أدل على ذلك من أن الله تعالى أقسم به؛ تعظيمًا لشأنه وتقديرًا لقيمته.

والناس في هذه الأيام منقسمون في النظر للإجازة الصيفية قسمين:

قسم عرف أن هذه إجازة وضِعت بعد عناء فصل دراسي وعمل شاق؛ فأخذ أبناءه إلى رحلة لطيفة مباحة بعيدة عن الشبهات والمعاصي، أو أخذ أبناءه إلى بيت الله الحرام أو إلى مسجد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، واغتنمَ إجازته في طاعة الله والتقرب إلى الله، فنعم القوم، وبارك الله في ابن تذكّر والده أو والدته فزارها في هذه الإجازة، وفي قريب تذكّر رحِمَه في هذه الأيام فوصَلها فكسب بذلك الحسنى.

وقسم آخر ارتبطت الإجازة في أذهانهم بتضييع الأوقات والتفريط في الصلوات والسهر بالليل والنوم بالنهار وعبث وفسق، ليس لأحدهم هدف يسعى لتحقيقه ولا غاية محمودة يخشى فواتها، فهم عالة على الزمان، أضاعوا أنفسهم وضيعوا أبناءهم.

هذا، وإن من أهم ما يساعد على اغتنام الإجازة الصيفية والاستفادة من أوقات الفراغ فيها التخطيط لها، وذلك بتحديد الأهداف والغايات التي يمكن أن تنجز فيها، وتنظيم الأعمال والآمال، وترتيب الواجبات، وإنزالها فيما يناسبها من أيام هذه الإجازة وساعاتها.

أهمية الاهتمام بالتربية الإيمانية:

إن التربية الإيمانية لهي أجلّ وأهم ما يشغل بال المربين والآباء، سواء في الإجازة وقبلها وبعدها، بأن يغرس في نفوس الأطفال منذ صغرهم: التعلق بالله، والارتباط به، والالتجاء إليه، والخوف منه، والحياء منه، لأن من شبّ على شيء شاب عليه:

والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

والإجازة الصيفية بما فيها من متسع الوقت تعتبر وسيلة مهمة وفترة حيوية لغرس التربية الإيمانية في نفوس الأبناء.

وتعتبر الحلقات القرآنية إحدى الوسائل الفعالة في مواجهة الانحرافات السلوكية؛ حيث إن الحلقة القرآنية التي تركز على التربية الإيمانية، وتعمل على غرسها في نفوس طلابها منذ التحاقهم بها تؤدي إلى تنمية جوانب شخصياتهم، ومما يساعد على ذلك وجود برامج تربوية تكون مرتبطة بالمراكز التي يتردد عليها الأطفال، سواء للدرس أو حفظ القرآن، والتي سوف تثمر شحنة إيمانية لا يمكن أن تقف في وجهها أي أفكار انحرافية، ويستمر هذا الإيمان يدفع إلى الشعور بالرضا والاقتناع بأن هذه الحياة ليست نهاية المطاف، وبالتالي يعمل على تحقيق الغاية التي خُلق من أجلها، ويسلم من المشكلات والضغوط المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في حياته خاصة في هذا العصر المضطرب والتائه في بحار مظلمة من الأفكار المادية العمياء في مجتمع تكاد تسيطر عليه العلمانية[2].

أهم ما يربى عليه الأطفال:

والمتأمل في المجتمع المسلم يجد أن من أهم الأمور التي تساعد على اغتنام الإجازة الصيفية إتيان المساجد وشغل أوقات أبنائنا بتعلم القرآن وأحكامه، وإتقان تلاوته، وتعلم الآداب الإسلامية والأخلاق النافعة.

ولا شك أن من أعظم ما يجب صرف الهمم إليه في تربية الأبناء: تعليمهم كتاب الله تعالى، الذي جعل الله نجاة الأمة وعزتها ورفعتها منوطة بتعلمه وتعليمه والاعتصام به.

وإن أمة الإسلام ما أعزها الله تعالى إلا عندما تمسكت بكتابه، فمتى تأخرت عنه مقتها الله وأخرها، ومتى اعتصمت به وفقها وقدمها، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» [صحيح مسلم 817].

وكما رفع الله بكتابه هذا العبد إلى أن صار أميرًا على مكة فقد يرفع الله بالقرآن أبناءك لمنازل عالية.. متى جعلت للقرآن وحفظه وفهمه منزلة متميزة في حياة أبنائك؛ فلا عزة ولا رفعة لنا إلا باعتصامنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

أول ما ينبغي أن يتعلمه الأطفال:

وأول ما ينبغي تعليمهم إياه كتاب الله منذ نعومة أظفارهم، قال السيوطي رحمه الله: «تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها»[3].

ويحكي ذلك ابن خلدون فيقول: «اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات»[4].

وعد ابن جماعة الأدب الأول من آداب طالب العلم في دروسه «أن يبتدئ بكتاب الله العزيز، فيتقنه حفظًا، ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه؛ فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها»[5].

قال ابن مفلح: «وقال الميموني: سألت أبا عبدالله: أيهما أحب إليك، أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا، بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه، ثم قال لي: إذا قرأ أولًا تعود القراءة ثم لزمها، وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زماننا هذا»[6].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما طلب حفظ القرآن: فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علمًا وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضًا مقدم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن، فإنه أصل علوم الدين، بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم: من الكلام، أو الجدال والخلاف، أو الفروع النادرة، والتقليد الذي لا يحتاج إليه، أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله»[7].

ولكن الناس انشغلوا اليوم عن هذا الكتاب، واتخذوه وراءهم ظِهْرِيًّا، فالكبار انشغلوا عنه بأعمالهم وأموالهم، والصغار التهوا عنه بالكرة واللعب واستماع الغناء ومشاهدة القنوات ومتابعة المسلسلات والمباريات، والمدارس النظامية لا تعطيه في الغالب وقتًا كافيًا ولا عناية لائقة، ومعلموه إما أن يكونوا من أجهل الناس به قراءة وفهمًا، وإما أن يقصّروا في تدريسه وتعليمه لطلابهم، مما أدى إلى جهل كثير من الناس بالقرآن وابتعادهم عن أحكامه، حتى إنك لتجد منهم من يحمل أكبر الشهادات الدراسية في علوم الدنيا، فإذا سمعته يقرأ ظننته عاميًّا لكثرة لحنه وخطئه!!

حلقات القرآن عند السلف الصالح:

كان لمدارسة القرآن الكريم عند الصحابة والسلف الصالح أهمية خاصة، ومن التطبيقات التربوية على قيامهم بهذه المهمة - مهمة تعليم القرآن - ما ذكره مسلم بن مشكم إذ يقول: قال لي أبو الدرداء: أعدد من في مجلسنا قال: فجاؤوا ألف وستمائة ونيفًا فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزء فيحدثون به، ويسمعوا ألفاظه، وكان ابن عامر مقدمًا فيهم[8].

فهذا مؤسس الحلقات القرآنية أبو الدرداء - رضي الله عنه - قسَّم طلابه عشرة عشرة، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان يطوف عليهم قائمًا فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء وقرأ عليه[9].

العودة إلى الحلقات مسؤولية من؟

إن كل إنسان في هذا المجتمع صغر أو كبر عليه جزء من المسؤولية تجاه كتاب الله جل وعلا وتجاه حلقات التحفيظ ودور تعليم القرآن، فالمعلم عليه الصبر واحتساب الأجر والثواب، وتنويع الطرق وبذل ما في وسعه لتحبيب كتاب الله إلى طلابه، والطالب عليه الجد والمثابرة والاجتهاد والإخلاص لله في الحفظ والتعلم، وولي الأمر والأب عليه تشجيع أبنائه وحثهم على الاستمرار في حفظ كتاب ربهم وقراءته وتجويده وتهيئة الجو المناسب لهم ليقبلوا على الحفظ والمراجعة، والمواطن الآخر عليه دعم الحلقات ودور التحفيظ بماله وجاهه.

1- دور جماعة المسجد وأهل الحي:

إن إقامة حلق القرآن ودور التحفيظ في المسجد من أفضل الأعمال وأزكاها، إذ يتميز التعليم في الحلقات القرآنية والاجتماع على كتاب الله بخصوصية ينفرد بها عن التعليم في وسائل التربية الأخرى، وإن كان الاجتماع على ذكر الله، وتعلم كتابه ومدارسته وتعلم العلم النافع حسن إلا أن الاجتماع لدراسة القرآن الكريم في الحلقات القرآنية أعظم أجرًا وفضلًا.

وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفضل وذكر ثمرة هذا الاجتماع المبارك على مأدبة القرآن في هذه الحلقات، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفت بهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»[10].

وهذا الحديث يؤكد فضل هذه الحلقات القرآنية، ويبين لنا عظيم أجر المجتمعين فيها، وفضل اجتماعهم ومدارستهم لكتاب الله تعالى بل وفيه دعوة لكل مسلم إلى إقامة مثل هذه الحلقات، والمشاركة فيها، ودعمها ماديًّا، ومعنويًّا.

ومن هو الذي لا يحرص على كل واحدة مما ذكر فكيف وقد اجتمعت كلُّها في عمل واحد ميسرٍ هو الاجتماع على كتاب اللَّه، ولأهمية هذا الاجتماع في حلقات القرآن، وأثره على أفراد المجتمع، جعل العلماء له أبوابًا في كتبهم. مثل كتاب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن في صحيح مسلم، وباب فضل الاجتماع في المسجد لدرس القرآن[11].

2- دور إمام المسجد:

إن القيام بتعليم القرآن الكريم وبيانه للناس من أعظم الأعمال وأجل القربات إلى الله تعالى، ومتعلمه ومعلمه يحظيان بالخيرية في الدنيا والآخرة، فقد روى ابن ماجه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «خياركم من تَعَلَّم القرآن وعَلَّمه»، قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا أُقرئ[12].

إن من أعظم فضائل تعليم القرآن الكريم سواء في الحلقات القرآنية أو المدارس أو غيرها أنه يعود على المعلم والمتعلم بالنفع والأجر والثواب؛ ذلك أن نفع تعليم القرآن من النفع المتعدي والذي يلحق المعلم بعد موته، وهذا يدل على أن تعليم القرآن يعد من أعظم الأعمال وأجل الأفعال التي يدخرها العبد ليوم المعاد.

يقول ابن جماعة: «واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة، ومن أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه، ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله، ودينه يُلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم، ومن بعدهم، ولو لم يكن إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه، وهديه وإرشاده، لكفاه ذلك الطالب عند اللَّه تعالى، فإنه لا شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نَصيبٌ من الأجرِ»[13].

وتعليم القرآن من أشرف العلوم وأعلاها منزلة وعليه فإن معلم القرآن له نصيب من هذا الأجر؛ لأنه ممن يدعو إلى الخير، ومن أعظم الخير نشر العلم وأفضل العلم كلام اللَّه عز وجل، وقد روى ابن ماجه من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي اللَّه عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من علم علمًا فله أجرُ من عمل به ولا ينقص من أجر العامل شيء»[14].

فعلى إمام المسجد المساهمة والمشاركة في إيجاد حلقات لتحفيظ كتاب الله عز وجل للطلاب على كافة مستوياتهم ومراحلهم ومد يد العطاء لهذه الحلق، فهي من أنفع ما يتربى به الشباب ويتهذب به الطلاب خاصة مع انشغال الآباء عن أولادهم أو تشاغلهم بطلب المعيشة التي أحاطت بالجميع إلا من رحم الله، وذلك بمساعدة أساتذة أكفاء والحلقات القرآنية هي أولى من يقوم بذلك؛ فلعل الله أن يجعل منهم الإمام والفقيه والعالم والمهندس والطبيب الذين يدلون الناس على الخير وينفعون أمتهم ومجتمعهم.

واحرص أيها الإمام على تفعيل حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، وجعلها محببة لنفوس النشء من خلال قوة الاستقطاب والجذب والمتابعة وحُسن المعاملة من مدرسي الحلقات، واستخدم الوسائل التعليمية المعاصرة التي تعينك على أداء دورك، فلقد أصبحت الوسائل التعليمية ضرورة تربوية في الحلقات القرآنية لأنها تسهم في توظيف جهد المدرس بطريقة أفضل والمحافظة على وقته ووقت الطالب وبالتالي تحقيق الأهداف لاسيما إذا اقترنت حاسة السمع والبصر في التعلم بالوسيلة[15].

لله دركم يا معلمي الحلقات وما أعظم أجركم! ويا للشرف الذي تقلدتموه! .. أجوركم كثيرة، ترزقون أجركم بغير حساب، ما من شاب يقيم حرفًا، ويقرأ كلمة، ويحفظ آية إلا كان لكم به أجر، وما من ابتسامة تزرعونها على شفاه طفل، أو فرحة تغمر قلب أبيه أو أمه أو معلمِه، أو سعادةٍ وبهجة تفيض في بيوت المسلمين بسببكم إلا أُجرتم عليها، وما من طالب يدلف عتبة المسجد، أو يسلم على صاحبه، أو يقرأ أمام أستاذه، أو دمعة تترقرق في عينيه أو في عيني من يستمع إليه إلا شركتموه الأجر.

3 - مسؤولية الوالدين:

لا بد أن يلاحظ الوالدان أثر الوسط التربوي الصالح في نجاح التربية الإيمانية مع الحذر من إشراك الأبناء في البيئة التربوية غير الصالحة، بل إن الواجب على الآباء مساعدة المشرفين والمعلمين على بذل كل الجهود لتحقيق متطلبات التربية الإيمانية في الحلقات القرآنية، والدارس لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يلحظ عنايته بهذه التربية في غربة الإسلام الأولى في مرحلة الإعداد والتكوين في مكة وما تبعها من ملامح التربية الشمولية في العهد المدني الذي أثمر التمكين بعد أن تكاملت الأصول الإسلامية وميادينها في المجتمع المدني، وتنوعت أساليب بناء الشخصية المسلمة.

وللأسف يغفل الكثير من الآباء والأمهات عن أهمية حلقات تحفيظ القرآن الكريم وعظم دورها، فكم تخرج من حلقات تحفيظ القرآن من الأئمة والخطباء والدعاة والعلماء، لأن هذه الحلقات تحوي أناسًا وهبوا أوقاتهم لتعليم كتاب الله عز وجل، وتعليم الناشئة الأخلاق الحميدة وتحذيرهم من الأخلاق السيئة، ويتعلم الأبناء في هذه الحلقات بر الوالدين، والحذر من العقوق، كيف لا؟ وهم يقرؤون الآيات التي تدل على البر وتحذر من العقوق، فينشأ بذلك جيل صالح يخدم والديه ومجتمعه ودينه ووطنه.

فليبادر أولياء الأمور بإلحاق أبنائهم بهذه الحلقات التي تعلم كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فكتاب الله تعالى هو الصراط المستقيم، والحق المبين، فيه نور وهدى لمن اتعظ واتقى.

وفي الختام نسأل المولى أن يبارك في جهود المخلصين، وأن يوفق المصلحين الذين نذروا أنفسهم لتعليم كتاب الله الكريم. والحمد الله رب العالمين.

 

googleplayappstore

:: مجلة البيان العدد  336 شعبان  1436هـ، مايو - يونيو  2015م.


[1] لفتة الكبد: ص5.

[2] حسن عبدالرزاق منصور، الانتماء والاغتراب، دار قبرص للنشر والتوزيع، ص264.

[3] انظر: بناء شخصية الطفل في الإسلام: ص12.

[4] مقدمة ابن خلدون (537-538).

[5] تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (166-167).

[6] الآداب الشرعية (2/35).

[7] الفتاوى الكبرى (2/235).

[8] انظر علو الهمة، لمحمد أحمد إسماعيل، مكتبة الكوثر بالرياض، 1416هـ، ص144.

[9] انظر مهارات التدريس في الحلقات القرآنية، للدكتور علي الزهراني ص47.

[10] صحيح مسلم ج4، ص2074.

[11] صحيح مسلم ج4، ص2074.

[12] صحيح سنن ابن ماجه، ج1، ص42.

[13] ابن جماعة، تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، بيروت، دار الكتب العلمية، (د.ت) ص63.

[14] صحيح سنن ابن ماجه للألباني، ج1، ص46.

[15] مهارات التدريس في الحلقات القرآنية، للدكتور علي الزهراني، دار بن عفان للنشر، الخبر، 1418هـ.

أعلى