قدرة الردع الصهيونية آخذة بالتراجع مقابل قوى المقاومة
في حادثتين منفصلتين
منفردتين محلِّيتين، خُرق في الوقت نفسه الهدوء الذي ساد في الأشهر الأخيرة على
طول حدود فلسطين المحتلة، من الجنوب ومن الشمال.
في الجنوب أُطلِقَت
مجموعة صواريخ من أرض مصرية باتجاه إيلات، وبأعجوبة أخطأت هدفها، وعدة صواريخ منها
ابتعدت حتى مدينة العقبة في الأردن، وهناك جرحت وقتلت عدداً من المدنيين
الأردنيين.
وعلى الحدود الشمالية
قُتل ضابط صهيوني بنيران جندي لبناني أطلق النار باتجاه دورية للجيش الإسرائيلي
كانت تعمل بنشاط روتيني، ولأول وهلة كان الأمر يتعلق بحادثتين منفصلتين، لا علاقة
بينهما.
للردع
حدود:
صحيفة «هآرتس» علقت
على الحادثين بالقول: «في الجنوب - على ما يبدو - أرادت حماس أن تنتقم من إسرائيل
لمقتل أحد عناصرها في هجوم على قطاع غزة قبل أيام من ذلك، كما أرادت أن تدخل عصاً
في دواليب المسعى الأميركي للتقدم في محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين».
وأفادت مصادر
إسرائيلية أن نيران الصواريخ باتجاه إيلات لم تكن بموافقة أو مصادقة قيادة حماس في
قطاع غزة، وكانت نوعاً من عمل خاطف بمستوى صغير في التنظيم قرَّر أخذ زمام الأمور
بيديه.
أما في الشـمال، فكان
الأمر – كما أشارت صحيفة معاريف - يتعلق مرة ثانية - وَفْق مصادر رسمية - بحادثة
مرتبطة بخطأ في التقدير، أو بحماسة زائدة من قِبَل ضابط لبناني قرَّر (من تلقاء
نفسه، ومن دون موافقة مستويات مسؤولة)، فتح النار على جنود الجيش الإسرائيلي؛ لأنه
اعتقد أنهم خرقوا الأرض اللبنانية، وعلى الأقل الأرض التي هي موضع خلاف بينهما.
لكن يبدو أن وراء هاتين
الحادثتين يختبئ شيء مَّا أعمق، وأن أكثر من خط واحد يربط بينهما، وَفْقاً لما
ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على النحو التالي:
أولاً: في الحادثتين يوجد نوع من إشارة تحذير، وتشير إلى أن قدرة
الردع الإسرائيلية التي أُحرزَت خلال حرب لبنان الثانية 2006م، وفي أعقاب عملية
الرصاص المسكوب 2008م آخذة بالتراجع.
إن حقيقة: أن أصابع
جنود لبنانيين كانت خفيفة على الزناد، وتجرؤوا على فتح النيران ضد دورية إسرائيلية
على خط الحدود، وأن عناصر من حماس أطلقوا مجموعة صواريخ باتجاه إيلات؛ حيث يمكن
هناك أن تتسبب بأضرار جسيمة. هاتان الحقيقتان تشيران إلى أنه في الجانب الآخر،
هناك من هو مستعد ليتحمَّل مجازفة ومخاطر متزايدة، مهما كان الوضع حتى لو لم يكن
يرغب به فقط؛ لأنه مستعد وغير مرتدع عن القيام بأعمال يمكن أن تؤدي إليه.
ثانياً: الهدوء على طول الحدود اللبنانية، وحتى الهدوء السائد
النسبي في قطاع غزة، وعلى طول الحدود مع مصر، هو هدوء قابل للانفجار.
بتعبير آخر: إن الأمر
يتعلق بسحر فارغ من التهدئة المختبئة وراء واقع إشكالي، قد ينفجر أمامنا في وقت
أبكر مما نريد أن نعتقد.
الرد
القاصر:
القناة الثانية في
التلفزيون الصهيوني أشارت إلى أن ما يثير الاهتمام فيما يخص لبنان وغزة، هو الرد
القاصر لإسرائيل، على النحو التالي:
1 - فيما يتعلق
بلبنان، كان يدور الحديث عن تحرش لبناني واضح كلَّف حياةَ ضابط من الجانب
الإسرائيلي، وردُّ الجيش الإسرائيلي كان محدوداً وموضعياً، ومع ردٍّ كهذا فإنه من
غير المفاجئ أن يتوصل أحدهم في لبنان في المستقبل إلى استنتاج أنه بالإمكان
استئناف العمليات على طول الحدود ضد إسرائيل.
وصحيح أنه ليس فقط
إسرائيل تردع لبنان وحزبَ الله، بل يجب الاعتراف – كما قال المحلل العسكري للقناة
- بأن لبنان أيضاً يردعنا، ويَحُدُّ جداً من قدرة عمل الجيش الإسرائيلي.
كذلك فيما يتعلق
بحماس في غزة. ومن الجدير ذكره أنه لم يأتِ أيُّ رد إسرائيلي على إطلاق النار
اتجاه إيلات، من هنا فإن إسرائيل أشارت إلى أن لديها قيوداً وحدوداً تمنعها من
الرد على تحرش حماس ضدها.
وحذر «إيال زيسر»
رئيس مركز موشيه دايان للدراسات، من أن كل تلعثم إسرائيلي، أو تردُّد في الرد لن
يساعد في الحفاظ على الهدوء، بل على العكس من ذلك.
علاوة على ذلك، فإن
التهدئة على الحدود كانت من نواح عديدة مظهـــراً كاذباً بفضله أخذت حماس بالتعاظم
بشكل لا مثيل له.
إن الهدوء والتهدئة
اللذين سادا حتى الفترة الأخيرة على طول الحدود اللبنانية ومع قطاع غزة إنما
أُحرزا بشق الأنفس، وبأثمان باهظة دفعتها إسرائيل من أجلهما.
وربما تتمثل المشقات
في غزة في دفع مزيد من الأشخاص - لا سيما الشبان منهم - نحو زيادة عدد المجندين
المحتمَلين في حماس، وهو التأثير العكسي لما أرادت إسرائيل تحقيقه من الحصار في
غزة، فقد أمَّلت في أن يعتبر الناس أن حماساً هي سبب معاناتهم وينقلبوا عليها.
لقد أوردت القناة
الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في تقرير لها من قطاع غزة، أن عناصر حماس يصرون
على أن الحركة تريد فلسطين كلها «تحت راية الله»؛ وذلك بالرغم من أنه منذ عملية
الرصاص المصبوب، فإن حماس خفضت سقف خطابها، وممارساتها الميدانية حيال إسرائيل.
وعلى الرغم من أن
المسؤولين الإسرائيليين يعتبرون أن عملية الرصاص المصبوب كانت لوقف الهجمات
الصاروخية على جنوب إسرائيل، فإنها لن تتردَّد في دخول غزة من جديد، إذا شعرت أن
ذلك ضروري لأهداف دفاعية، ويمكن أن تحدَّد هذه الأهداف بطرق عدَّة.
حماس...
المشكلة الإستراتيجية:
يقر الإسرائيليون بأن
حركة حماس تنظيمٌ مسلح تسليحاً جيداً، وأنها حركة راسخة ذات سلطة سياسية وحضور
عالمي، وربما تبدو أكثر راديكالية، والأكثر من ذلك أنه جرى انتخابها ممثِّلة عن
الشعب الفلسطيني، وباتت تتمتَّع بالمصداقية في الشارع، وتلتزم بأيديولوجية مستندة
إلى الدين، وإلى جانب ذلك كله، فإن حماس تقف في الجهة المتلقِّية للقوَّة العسكرية
الإسرائيلية، وهو ما يُكسبها مصداقية واحتراماً وقوة في المنطقة.
إن حرارة الصيف ستصيب
- بالطبع - التوتر الذي ساد، وبعد كل ما حصل، فإنه ليس لدى أي شخص رغبة بفتح حرب
في ذروة الحر، لقد برز هذا الأمر أيضاً في ظل مساعي الأطراف لاحتواء هذه الحوادث
ومنع التصعيد.
لكن كما في تموز
2006م كذلك اليوم أيضاً، بعد أربع سنوات علــى الحــرب، كــل حــادثــة - ولو كانت
صغيرة جداً - قد تؤدي إلى اشتعال كبير، وليس لدى إسرائيل كثير من الشــركاء في
بيروت يساعدونها في الحفاظ على التهدئة، ومــع حماس، تلقائياً لا يوجد أبداً تحاور
أو منظومة اتفاقيات سارية.
بناءً علــى ذلك،
ينبغي الأخذ بالحسبان أن حوادث الأسابيع الفائتة ليست الأخيرة، وأن مشكلة إسرائيل
أمام لبنان وحماس