وسائل التكنولوجيا في خدمة الدعوة
لحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيد الدعاة المخلصين العاملين، أسْلم الناس صدراً، وأزكاهم نفساً، وأحسنهم خُلُقَاً، وبعد: فإن الدعوة إلى الله - تعالى - هي مهمة ورسالة أشرف الخلق (الأنبياء والمرسلين) - عليهم الصلاة والسلام - وهي سبب خيرية أمة الحبيب محمد #.
ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين كان يقول: «من سرَّه أن يكون من هذه الأمة فليؤدِّ شرط الله فيها. قالوا: وما شرط الله فيها يا أمير المؤمنين؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
إن الأمة - وحالها لا يخفى على عاقل أو مهتم بأمته - أحوج ما تكون إلى سلوك سبيل الإسلام في تطويع وسائل التكنولوجيا الحديثة لخدمة هذه الدعوة التي كانت سبب خيرية هذه الأمة الرائدة.
ثم إن عصرنا الحالي ظهرت فيه وسائل متعددة في التواصل والاتصال؛ فمنها: تطبيقات شبكة الإنترنت المختلفة، والموسوعات الإلكترونية المطبوعة على أقراص مدمجة «CD»، ومنها أيضاً الهاتف الجوال، وما يشمله عالم الكمبيوتر من (البالتوك، والبريد الإلكتروني، والمنتديات والشات، والجروبات... وغيرها كثير).
والداعي إلى الله لا ينبغي له بحال من الأحوال أن ينفصل عن هذا التقدم الحادث في وسائل الدعوة، فعليه أن يستفيد من هذه التقنيات الحديثة؛ لأن التقوقع داخل مسجد أو نادٍ أو مركز شباب فحسب دون الاستفادة من الوسائل الأخرى ينفق كثيراً من الوقت والجهد الذي يمكن توفيره، ومن هنا فقد جاءت هذه المقالة لتضع يد الدعاة على كيفية الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة المتوفرة في خدمة دعوتهـــم وتحقيـــق أهــــداف رسالتهــم و «الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ؛ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» فالداعية مطالَب أن يطوِّر ذاته وأن يطور من دعوته ووسائلها، ورحم الله الرافعي حين ترجم لهذا المعنى بقوله: «إن لم تزد شيئاً على الدنيا: كنت أنت زائداً عليها».
وأهدافنا من إعداد هذه المقالة الدعوية ما يلي:
١ - وضع الخطوط العريضة في كيفية الاستفادة الواقعية منها.
٢ - تثقيف الصف المسلم بما يلزمه في عصر التكنولوجيا المتطورة.
٣ - إثبات أن الدين الإسلامي دين واقعي متــميز متوازن.
٤ - شرح كيفية استخدام الإنترنت والموسوعات العلمية الإلكترونية استخداماً صحيحاً بعيداً عن الانحراف؛ بحيث يسوق إلى الحق، ويدفع إلى التميز والفلاح.
وتنبع أهمية هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة من الأسباب الآتية:
١ - اهتمام غير المسلمين بوسائل الاتصال الحديثة؛ لدفع الناس إلى تحقيق مكاسب مادية بحتة. بينما كان الأوْلَى ببني الإسلام أن يأخذوا بهذه الوسائل الحديثة.
٢ - لأن الوسائل التكنولوجية اليوم تتميز بانعدام المحدودية؛ فليس لها حدود زمانية ولا مكانية ولا نوعية أو جنسية؛ ولذا فهي تتخطى كل الحواجز، أضف إلى ذلك سهولة استخدامها وصيرورتها شيئاً عادياً، ليس من الصعب التواصل بها والتعامل معها.
٣ - لتوجُّه أنظار الناس جميعاً إلى هذه الوسائل واهتمامهم وتعلقهم بها.
٤ - اختلاف أنواعها، وأشكالها (فمنها الصوتي، ومنها الصوري، ومنها الفيديو، ومنها الرسائل...)، وهو ما يدعم أهميتها.
٥ - أنها تصل إلى الملايين في كـافة أنحاء العـالم، وهو ما يمكِّن الداعية من الوصول إلى الناس بسهولة وبدون تضييقات معيَّنة.
إن الداعية – على ضوء ما سبق - مطالَب بتطوير وسائله الدعوية حسب العصر بما يتناسب مع الشريعة الغراء، كما أنه من الضروري أن نوضح أنَّ الإسلام لم يحدد لنا خريطة طريق دعوية محددة نسير عليها لا يمكن أن نتجاوزها وأن نبتكر فيها أو نجدد في رحابها، بل ترك لنا مساحة كبيرة للابتكار ووضع لنا قاعدة ثابتة في السير على منهج الدين، بدون إفراط ولا تفريط. قال - تعالى -: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ } [النحل: ٥٢١]، والحكمة: هي وضع الشيء المناسب في المكان والزمان والشخص المناسب.
ومن هنا فقد لزم لكل داعية أن يخرج من صومعته ومن تقوقعه حول الوسائل القديمة ذاتها، والناس ينتظرون الجديد الجذاب.
وسائل التكنولوجيا الحديثة يمكن استخدامها في الدعوة إلى الله، تعالى:
لقد تعددت الوسائل الدعوية، في العصر الحالي، فلم يعد المسجد فقط أو الشريط الإسلامي أو الكتاب والكتيبات هي الوسيلة الدعوية للدعاة إلى الله - مع عدم التقليل من شأن هذه الوسائل وأهميتها الدعوية - بل تطورت الوسائل وتعددت في زمن العالم المفتوح، والقرية الصغيرة.
والهدف هنا ليس حصراً لعدد من الوسائل الجديدة بقدر ما هو تنبيه إليها وإلى طريقة استخدامها دعوياً ليكون الداعية متواصلاً مع المجتمع الذي يعيش فيه.
أولاً: الفيس بوك «Facebook»: وهو موقع اجتماعي شهير يدخل عليه حوالي 250 مليون إنسان على مستوى العالم، وهو ما يؤكد أهميته ورواجه الواقعي، ومن خلاله يمكن التواصل مع أي إنسان في أي مكان وزمان، ومن هنا فقد انتبه إليه دعاة كُثُر في زماننا، وتم عمل صفحات شخصية لهم عليه لمخاطبة جماهيرهم ونشر الدين والدعوة داخل العالم العربي وخارجه، وبالنسبة لتطويعه دعوياً فإنه يمكن القيام بالآتي:
1 - عمل مجموعات «GROUPS» تدعو إلى الحث على الفضيلة ونشرها بين الناس.
2 - مراسلة جميع أصحاب الصفحات الموجودة لديك بما تريد توصيله من قيم وأخلاق وغيرها من أعمال فاضلة.
3 - التواصل مع غير المسلمين لدعوتهم إلى الدين الإسلامي العظيم؛ وذلك بإتقان لغة المخاطب، وتوضيح صورة الإسلام الصحيحة التي شوهها الغرب عبر إعلامهم.
4 - محاربة المجموعات التي تقوم بتشويه صورة الإسلام والضغط على موقع الفيس بوك لإغلاقها، وهذا ما حدث بالفعل مراراً وتكراراً.
ثانياً: التويتر «TWITTER»: هو أحد المواقع التي تقدم خدمات مجانية للتواصل الاجتماعي والتدوين المصغر، ويسمح للمستخدمين بإرسال أهم اللحظات في حياتهم في شكل تدوينات نصية لا تزيد عن 140 حرف إلى موقع تويتر؛ وذلك من خلال خدمة الرسائل النصية القصيرة، برامج التراسل الفوري، أو البريد الإلكتروني.
ثالثاً: يوتيوب نقي (YOUTUPE): (موقع فيديوهات) إسلامي محترم، يمد يومياً بكل جديد. وهو موقع قام به بعض الشباب السعوديين يقوم بعرض لقطات الفيديو الخالية من المحتوى المخالف لمبادئ الدين الإسلامي، من موقع «يوتيوب» الشهير، المختلط فيه الحابل بالنابل، www.naqatube.com وفي تصوري أنه أحد الوسائل المهمة جداً لتوصيل الإسلام إلى المسلمين - خاصة - عبره من خلال المقاطع الإسلامية (المرئية، والصوتية).
رابعاً: الإيميلات (E:mails) ومجموعات البريد الإلكتروني (Hotmail - Yahoo - maktoob - Gmail) التي يمكن من خلالها:
1 - نشر فكرة إسلامية معينة، أو إرسال رسالة مؤثرة تصحح مفهوماً أو تدعو إلى خُلُقٍ فاضلٍ.
2 - التذكرة بفضل المناسبات الإسلامية في وقتها والدعوة إلى العمل الصالح فيها: ومثال ذلك: دعوة من لديك على بريدك الخاص إلى صيام الإثنين والخميس، أو إلى صدقة جارية أو قراءة القرآن.
3 - المشاركة في أعمال خير، أو أعمال اجتماعية تخدم المجتمعات الإسلامية: من خلال التعاون الإيجابي على القيام بها ودعوة رجال الأعمال للمشاركة فيها.
4 - يمكن مراسلة شخصيات معروفة لمساعدتك في توصيل فكرة أو مفهوم تحب ترويجه، ولن تعدم فائدة منهم بإذن الله، تعالى.
5 - وأحب أن أضيف هنا: أن للإيميلات سلبيات: كنشر صور ودعاية وإعلانات غير محترمة، وهو ما يحفزنا لتطويع هذه الوسيلة بصورة صحيحة.
خامســاً: المــواقــع (بشكل مباشر sites): بشرط نشر عنــوان الموقــع والدعاية القــوية له، وقد رأيــت عــدداً من مــواقع المشايخ المــعاصـرين، وقــد ازداد عدد الزائرين والمتابعين والمتصفحين لديهم، وهو ما يُظهِر لنا جلياً الأثر الفعــال لوسيلة الإنتــرنت ومــواقع الدعــوة الجذابة على شبكة الإنترنت.
سادساً: المدونات (bloggers): التي يمكن من خلالها القيام بالآتي:
1 - توصيل رسالة المدون إلى متصفحي مدونته وتوجيه أفكارهم نحو الصالح.
2 - يمكن من خلالها نشر مواعظ ومقالات وأخبار وتحليلات.
3 - مواكبة الأحداث الجارية ونشر فكرته وتعليقاته على الأحداث؛ وهو ما يجعلها أكثر فعالية وواقعية.
سابعاً: البرامج الخدمية (programes) (المؤذن، وتحديد القبلة، والإمساكية، والأذكار): التي يمكن من خلالها عمل الآتي:
1 - أسلمة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالآخرين، وأسلمة صاحبها.
2 - الدعوة إلى الحفاظ على الصلاة في وقتها، والتذكير بمواقيتها لصاحب الكمبيوتر، وهو ما يجعله يقطع عمله لأداء الصلاة، كحملة (إلى صلاتي).
3 - ترطيب اللسان بذكر الله بين الحين والآخر. ويكفي أنه قد يصرف الإنسان عن الدخول على مواقع غير محترمة بسبب ما يظهر أمامه من أذكار وأدعية كوسيلة ردع له.
ثامناً: نظام التقنيات اللاسلكية (الجوال mobile وتطبيقاته): ومن بين تطبيقاته غير برامج القرآن والأذكار والبرامج الإسلامية، فإن هناك تقنية البلوتوث والوايرلس، اللتين يمكن استخدامهما في نقل المقاطع الصوتية والمرئية الدعوية للآخرين.
تاسعاً: رسائل SMS: وتحتاج إلى مؤسسة إسلامية تتخصص في هذا المجال، وتخاطب كافة الشرائح بالرسائل التي تناسبها (اجتماعياً وفكرياً وعليماً وطبياً ورياضياً) وغير ذلك؛ فمثلاً: «رسائـــل تذكـــرة بالصيـــام، ورسائـــل أخلاقية أو تربوية، ويمكن أن تكون هذه الرسائل عبر القنوات الفضائية أو البريد الإلكتروني أو الهاتف الجوال».
عاشراً: الكتب الإلكترونية (E:BOOKS): التي يستطيع من خلالها مرسلُها ومستخدمها توصيل معلومات إسلامية وتصحيح أفكار. ويمكن أيضاً مساعدة طلبة العلم الشرعي بهذه الكتب الإلكترونية.
الحادي عشر: الأقراص المدمجة (C D) (DVD): وهي وسيلة تكنولــوجية يمكن جعلها وسيلة لنشر الصوتيات الإسلامية والفيــديو، ويمكــن بما يتناسب مع العصر الحالي نشر هذه الصــوتيات على MP4، و MP3 التي كَثُر استخدامها لدى الشباب وسائقي الســيارات، فبدلاً من أن يكون وسيلة لنشــر أغنيــة داعـــرة، نُسمِعه صوتاً جميلاً لداعية أو للقرآن الكريم.
الثاني عشر: قناة فضائية إسلامية تخاطب - مثلاً - الشعب الصيني (الذي يقدَّر تعداده بنحو مليار ونصف مليار) ولنا أن نتخيل لو وظِّفت طاقة قناة فضائية إسلامية بهذه اللغة كم ستــدر من فوائد دعوية على الإسلام والمسلمين.
الثالث عشر: محرك البحث «حلال»: وهو أول محرك بحث «إسلامي» يحمل اسم «ImHalal» وهو محرك يساعد الباحث على الدخول على ما يريد من المواقع الإسلامية، مع حذف كل ما يمس الشرف والعرض ويثير الشهوات والغرائز.
وحتى أؤكد لك أخي القارئ الكريم فوائد هذه الوسائل التكنولوجية، دعني أرصد لك أهم حملات الدعوة والتغيير عبر التكنولوجيا العصرية على سبيل الإجمال، ومنها:
١ - حملة كلمني فجراً (CALL ME DAWN): وهي حملة كبيرة لإيقاظ أكبر عدد من المسلمين لصلاة الفجر في جماعة.
٢ - حملة لا للتحرش (NO HARSSEMENT): وهي حملة أخلاقية متميزة.
٣ - حملة (هتقدر تغمض عنيك YOU CAN): وهي دعوة لغض البصر عن الحرام.
٤ - حملــة نصــرة غــزة وفلسـطين (HELP GAZA).
٥ - حملات نصرة الرسول، التي زادت من حب الرسول في القلوب.
٦ - حملات الحجاب.
٧ - حملة ضد البنطلون الساقط (فعل الشواذ في أوروبا).
٨ - حملات المقاومة الإلكترونية، ضد الأخلاق الفاسدة للإعلام.
٩ - حملات ضد التزوير والتعذيب (NO TOURMENT).
أهم النتائج والتوصيات:
١ - الداعية مطالَب بتطوير نفسه دائماً تكنولوجياً ليجيد توصيل رسالته إلى الآخرين؛ فلم يعد ينفع أن ينتظر الداعية في مسجده ليأتيه الناس فيبلغهم دعوة ربهم، بل صار من اللازم أن يتوجه هو إليهم بأي وسيلة يستطيعها وتتوفر لديه؛ إذ إننا أصبحنا في عالم السرعة.
٢ - وسائل دعوة الإسلام غير محدودة، بل تقبل التطوير والابتكار بما لا يتنافى مع الشريعة الغراء.
٣ - يجب تسخير وتطويع ما توفر من وسائل التكنولوجيا الحديثة في الدعوة إلى الله، تعالى. وتعد من الضروريات الدعوية اليوم.
٤ - يلزم الاهتمام بجيل الشباب في كل هذه الوسائل السابق ذكرها؛ ولا سيما أننا نرى أحوال شباب الأمة، وحالة التيه التي يعيشون فيها؛ فهم يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم ويدلهم على الطريق الصحيح، بدلاً من طريقهم الذي يتنكبون.
٥ - من المهم للغاية إذا أردنا تطويع كل الوسائل التكنولوجية في الدعوة، أن نوحد الجهود، وأن نقوم بعمل مؤسسي كهيئة عالمية تأخذ في حسبانها تأسيس جهد وعمل جماعي مؤسسي لتطويع هذه الوسائل والمتابعة مع المدعوين، ونضيف إلى ذلك أن يكون هناك دعم مادي كبير للقيام بكل هذه الخدمات الدعوية.
٦ - تأسيس معهد عالمي للدعاة (له فروع على مستوى العالم) يختص بتطوير أداء الداعية، وإكسابه المهارات اللازمة، وتدريبه على إتقان التعامل مع الوسائل التقنية المشار إليها سالفاً.
٧ - إنشاء مؤسسة ربحية تختص بإدارة الحملات الدعوية على مستوى الدول، كلٌّ حسب قضاياه من خلال رسائل الـ sms؛ بحيث نضمن استمرارية الحملة بشكل مؤسسي.
٨ - توفير دورات تدريبية للدعاة لتعليمهم لغات الشعوب الأخرى، وخاصة الإنجليزية؛ إذ يعاني كثير من الدعاة ممن يسافرون في بعثات إلى بلدان أوروبا وأمريكا من صعوبة التواصل مع أبناء هذه المجتمعات بسبب حاجز اللغة.
٩ - توصية للجهات المعنية والرسمية بتسهيل عمل الدعاة والاستفادة من التقنيات المتوافرة دون تضييق.
والله أسأل أن يستخدمنا في نصرة لدينه ودعوته، وأن يجعلنا سبباً في هداية الآخرين، وأن يحشرنا في زمرة سيد الدعاة العاملين، وإلى لقاء قادم مع طريق جديدة من طرق الدعوة إلى الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.