ماذا يقف خلف الارتفاع الحاد في نسبة الجنود الصهاينة " المنتحرين " ؟
أرقام وحقائق:
فاجأت الأوساط العسكرية الصهيونية الجميع حين أصدرت تقريراً غير دوري يناقش ظاهرة «مقلقة»، خاصة بارتفاع نسبة الانتحار بين الجنود والضباط خلال السنوات الأخيرة.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلاً عن مصادر عسكرية صهيونية أن هناك حالة من عدم الارتياح في صفوف الجيش، بسبب ارتفاع في عدد حالات الانتحار في صفوف جنوده.
وأشارت المعطيات الرقمية في هذا المجال إلى انتحار 19 جندياً صهيونياً منذ بداية عام 2010م، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الجنود المنتحرين عام 2009م بأكمله 21 جندياً، وهو ما يعني أن هناك ارتفاعاً في نسبة الانتحار تقارب نسبة 100 % عنـد المقـارنة مع البيانات عن الفترة نفسها من العام المنصرم.
وجاء هذا الارتفاع بعد أن استطاع الجيش خفض عدد الجنود المنتحرين خلال الأعوام الماضية؛ ففي عام 2005م كان في صفوف الجيش 35 حالة انتحار، إلا أن هذا العدد بين الأعوام 2007م - 2009م انخفض ليصبح 24 حالة انتحار في العام.
واللافت للنظر أن المعطيات الرقمية لعدد الجنود المنتحرين تتزايد في صفوف الجيش الإسرائيلي، على الرغم من الخطوات المتخَذة في مجال الصحة النفسية في الجيش للحد من هذه الظاهرة.
اتساع الظاهرة:
على صعيد ذي صلة، أفاد التلفزيون الصهيوني نقلاً عن معطيات وزارة الصحة بأن خُمْسَ المنتحرين في الكيان الصهيوني من الفتيان، وتوجد أعلى نسبة بين البنات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 - 27 عاماً، ووصلت نسبة محاولات الانتحار إلى 207 حالات لكل 100 ألف نسمة.
ونشرت الوزارة تقريراً تحت عنوان «ضياع في إسرائيل»، لمتابعة حجم ظاهرة الانتحار. والنتائج التي يُظهِرها التقرير مقلقة جداً، وتشير الإحصائيات إلى أنه منذ الثمانينيات من القرن العرشين وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين تضاعف عدد المنتحرين.
ففي عام 1980م انتحر 211 شخصاً، وفي عام 2000م وصل العدد إلى 394 شخصاً، وبين عامي 1996م - 2000م وصل متوسط عددهم 350 حالة سنوياً، خُمْسُهم من الفتيان الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً، وخُمْسٌ آخر من كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، والارتفاع المقلق لا يكفي؛ ففي عام 2003م حدثت 417 حالة انتحار، بينها 65 حالة من قِبَل الفتيان.
وبين سنوات من 1996م - 2002م سُجِّلت 3600 محاولة انتحار سنوياً، تمَّ نقلها لغرف العناية المركَّزة المختلفة، 1500 شخص من الرجال، و2100 من النساء.
خطوات للمواجهة:
أشارت صحيفة «معاريف» إلى عدد من الخطوات التي أعدتها قيادة الجيش لمكافحة الظاهرة، منها توعية الضباط من أجل التعرف على الجنود الذين يواجهون أزمات نفسية، والعمل على خفض عدد الجنود الذين يخرجون بإجازة ومعهم سلاحهم الشخصي.
وقد صرحت جهات داخل الجيش الصهيوني بأن معظم حالات الانتحار ليس لها علاقة بالخدمة في صفوف الجيش، إلا أن عام 2008م شهد توجيه تُهَم جنائية ضد ضابطين لعدم منعهما انتحار جندي ظهرت عليه بوادر أزمة نفسية، وفي المقابل حوكم أحد ضباط الصحة النفسية لعدم تقديمه العلاج النفسي اللازم لأحد الجنود في الوقت المناسب.
وقد علقت جهات عسكرية على الموضوع بقولها: «الحديث يدور عن موضوع على قدر كبير من الحساسية، وكثير من الاجتماعات والمشاورات تقام حول هذا الموضوع، والتي تدرس كلاً من الحالات على حِدَة لمعرفة لماذا وكيف حدثت؟».
إن الجدير بالذكر أن هناك عاملاً واحداً مشترَكاً بين الجنود المنتحرين في الجيش الصهيوني، وهو أن معظمهم ممن يخدمون بشكل دائم في الخدمة النظامية الإجبارية، التي يطلق عليها «شيروت كيفع» في صفوف الجيش.
العجز والإخفاق:
في وقت سابق، قرر مراقب جهاز الأمن الصهيوني فتح تحقيق حول عمليات الانتحار في الجيش الصهيوني بعد إثبات عجزه عن معالجة الظاهرة، في ظلِّ ارتفاع عدد حالات الانتحار خلال الأعوام القليلة الماضية.
كما دفع تزايد الظاهرة إلى إبلاغ الجيش للكنيست عن عدة خطوات لمواجهتها، بعد التحقيقات التي نشرتها بعض الصحف المحلية، لا سيما صحيفة «هآرتس» التي أكدت انتحار مجنَّد واحد كل أسبوعين.
ورفعت جهات عسكرية توصيات كثيرة لمواجهتها، إلا أنها لم تطبق. وتفيد التحقيقات المنشورة بأنه خلال الأعوام الماضية لم تهتم قيادة الجيش بالأمر بالشكل المطلوب.
وكشف التحقيق أيضاً أنها لم تعتدِ الإعلان عن حالات الانتحار، ولذلك فإن الغالبية العظمى منها لم يعرف بها عامة الصهاينة، وهو ما جعل رئيس هيئة الأركان السابق «دان حالوتس» يجري نقاشاً سنوياً خاصاً بهيئة الأركان العامة لمناقشة ظاهرة الانتحار في الجيش.
وأثبت عدد من التقارير غير الرسمية، أن الانتحار بين الجنود يعدُّ السبب الأساسي في وفاتهم داخل الجيش، أكثر من القتلى في العمليات والمواجهات العسكرية وحوادث العمل.
وحسب معطيات عام 2005م، انتحر ما لا يقل عن 30 جندياً وضابطاً، وأفاد مسؤولون عسكريون عملوا على علاج الظاهرة أنها لم تحظَ بالاهتمام المطلوب في السابق؛ لذلك لم ينجح الجيش في تقليص عدد المنتحرين، مثلما نجح في تخفيض عدد القتلى من الجنود في حوادث الطرق والتدريبات.
وتشير الإحصائيات إلى أن معدل انتحار الجنود بلغ قبل انتفاضة الأقصى 30 جندياً سنوياً، وهي النسبة الأكثر ارتفاعاً في العالم، وازدادت بشكل كبير منذ اندلاعها، ومهما تكن هذه النسب فإنها تشكل أزمة في إسرائيل.
رفض حمل السلاح:
على صعيد قيادة الجيش، وفي إطار مواجهتها لظواهر الانتحار بين الجنود، فهي تواصل خطواتها لتقليص عدد البنادق المنتشرة في أيديهم.
وحسب خطة تمَّ إقرارها مؤخراً، ستُسحَب البنادق ممن لا يحتاجون حملها في أثناء مهامهم؛ كالجنود العاملين في الوحدات الداخلية، أو من يمرون بدورات تأهيل غير هجومية ولا ضرورة لحملهم السلاح، على أمل أن تؤدي هذه الخطوة لانخفاض الانتحار بينهم.
وجرى العمل في خطتين جديدتين لمواجهة ظاهرة الانتحار بين الجنود هما:
الخطة الأولى: أقرها رئيس قسم القوى البشرية، وتتمثل بتقليص حيازة الأسلحة بين الجنود الذين لا يحتاجون إليها، بعد أن أثبتت تجربة الماضي أن أغلبية حالات الانتحار بينهم تتم بالسلاح الشخصي، وهو ما يسهل عملية الانتحار.
الخطة الثانية: ويجري في إطارها حصول المسؤول العسكري على معلومات مفصَّلة عن حياة الجنود الذين يخدمون تحت إمرته، وليس فقط معلومات سطحية كالتعليم والثقافة، حتى يستطيع التعامل معه كما يجب؛ فعلى سبيل المثال سيجري تسجيل شروط الخدمة حول كل جندي، وسيحصل الضابط المسؤول على معلومات عن عائلته، ووضعهم الاقتصادي، وعن أي حادثة شاذة حصلت في حياته في أثناء الخدمة أو قبلها.
وجرى نقل المعلومات الجديدة للقادة في عشر وحدات داخل الجيش، وخلال نصف عام نشرت المعلومات في جميع الوحدات.
وحسب التوجيهات، سيطلب من كل ضابط التعرف على تفاصيل حياة جنوده، وعلى سبيل المثال لو أن جندياً قُدِّم للمحاكمة العسكرية بسبب مخالفات داخل الخدمة، يمكن معرفة سبب الحالات الخاصة لهروبه من الجيش مثل: هل هرب بسبب الضائقة الاقتصادية في بيته، وأنه يريد العمل للتخفيف من هذه الضائقة؟ إلى غير ذلك.