ترقب الصهاينة لانتفاضة ثالثه !
تـنشغل الأوساط الصهيونية منذ فترة بفرضية بدأت تجد لها رواجاً في المحافل الأمنية والعسكرية، وهي إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، في ظل انسداد أفق التسوية، بسبب التعنت الصهيوني، والضعف الأمريكي في عدم القدرة على الضغط على تل أبيب.
تحدي المقاومة لجيش الاحتلال:
تطرَّقت التعليقات الصحفية والإعلامية في الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة إلى هذه الفرضية؛ بحيث تحولت إلى محور هامٍّ بات يشغل صناع القرار؛ حيث أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن الكيان الصهيوني - وخلال السنوات الستين من عمره - ما يزال يخوض مواجهات عسكرية قاسية أمام منظمات معادية تواجهه بمنطق «حروب الاستنزاف»، وبات يطلق عليها «الحروب الثورية، أو مكافحة التمرد»؛ وهي التي تبدأ أوَّل طريقها من خلال تكتيكات استنزافية، داخل القرى والمدن، مع محاولات تُبذَل من طَرَفها لإقناع السكان المدنيين المحليين، بمصداقية أهدافها، وعدالة مطالب المشاركين فيها.
واستدلت الصحيفة على ذلك بما هو حاصل حالياً في الحروب الدائرة في أفغانستان والعراق؛ حيث تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في هذين البلدين قِوىً ثوريةً مسلحةً، ولم تعثر على حلول ومعالجات عسكرية لهذه المواجهات التي تجري على هيئة الحروب الثورية الاستنزافية.
بينما أشار معهـد أبحـاث الأمـن القـومي التـابع لجامعـة تل أبيب إلى أن نظرة جيش الاحتلال لفرضية اندلاع انتفاضة ثالثة تقوم على تحقيق هدف أساسي يسعى إلى تطوير القدرات اللوجستية، والطاقة التسليحية، للوصول إلى مكانة الجيوش النظامية، وتحدِّيها فعلاً.
وبناءً على ذلك، فإن الجيش الإسـرائيلي، قد يبدو مهيَّأً لمواجهة سيناريو الانتفاضة القادمة في الضفـة الغربية بشـكل خـاص، ولا سيما أن قوى المقاومة الفلسطينية - الإسلامية منها على وجه الخصوص - تبذل جهوداً حثيثة للوصول إلى مستويات متقدمة من التدرُّب والتأهيل؛ بحيث تبدو «جيشاً نظامياً».
الضفة والعراق... مقارنة ميدانية:
اتخذت صحيفة معاريف لنفسها نهجاً مغايراً في توقُّع الانتفاضة الثالثة بقولها: إن الضفة الغربية تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة مواجهة حقيقية للجيش الإسرائيلي مع تهديدات القوى المسلحة المعادية، التي خاضت معه حرب استنزاف مضنية، إلى جانب التهديد القادم من قِطاع غزة متمثلاً بالقذائف الصاروخية.
وفي ساحة الضفة الغربية يواجه الجيش تهديد العمليات المسلحة من خلال معركة طويلة المدى، تقوم على الاستنزاف الميداني لكلا الجانبين، بعد أن أَنهَكَت هذه المواجهة مختلَف جوانب الحياة المدنية للصهاينة.
وقامت الصحيفة بإجراء مقارنة لإبراز أوجه الشبه بين حالتَي المقاومة القائمتين في العراق والضفة الغربية، من خلال النقاط التالية:
1 - استخدام حروب الاستنزاف ضد قوات الجيش العسكرية.
2 - تفعيل سلاح القناصة، في المناطق السكنية والمفتوحة.
3 - إطلاق النار من مباني مزدحمة وعلى مفترقات الطرق العامة والرئيسة.
4 - إطلاق قذائف الهاون والصواريخ مختلفة المدى بصورة مكثَّفة.
5 - «الاستشهاديون» الذين يستهدفون المواقع العسكرية والحواجز الميدانية.
6 - استخدام السيارات المفخخة في عمليات معقَّدة.
7 - محاولات اختطاف الجنود وموظفي المنظمات الحكومية.
الجهود الوقائية:
وفي المقابل يقوم جيش الاحتلال وَفْقَاً لما أوضحته مجلة «بمحانيه» العسكرية بسلسلة من الخطوات الوقائية للحيلولة دون الوصول إلى وضع الانتفاضة الثالثة، من خلال الجهود التالية:
1 - إدارة العمليات القتالية في مواجهات الاستنزاف والمنظمات التي تخوض حرب العصابات، من أجل تحقيق الاستقرار الأمني والمدني.
2 - العمل على «إخضاع» تنظيمات المقاومة الفلسطينية بالقوة.
3 - وضع حدٍّ لظاهرة الأعمال الجماهيرية المعادية ضد الصهاينة.
4 - بناء القدرات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
5 - ترميم الحكم المحلِّي، وإمكانية التطوير الاقتصادي.
6 - إجراء التنسيق اللازم في كل تلك المهام مع الجهات الفلسطينية الرسمية في الضفة الغربية.
وقد ذكرت صحيفة هآرتس أن العمليات الهجومية الصهيونية في الضفة الغربية تتركز على الخطوات الآتية:
1 - حملات الاعتقالات والتحقيقات الأمنية.
2 - أعمال الإحباط المركَّز.
3 - الاقتحامات الميدانية المكثَّفة.
4 - نصب الحواجز والتمشيطات.
5 - الاستخدام المكثف للوسائل الأمنية والاستخبارية، بما فيها «الكلاب» المدربة.
وفي المقابل، عملت الوحدات القتالية الصهيونية لتطبيق هذه الأهداف، على عدة أصعدة أهمُّها:
الصعيد الأول: عمليات هجومية ودفاعية؛ إلا أن الجهد تركز أساساً في العمل الهجومي، واقتصر الصهاينة من الناحية الدفاعية على حماية قواتهم وقواعدهم الأساسية.
الصعيد الثاني: استخدام قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية التي جرى بناؤها حديثاً، بإشراف الجنرال الأمريكي «دايتون».
التنسيق الأمني:
أما فيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، فإن عمليات الجيش الإسرائيلي الهجومية في مناطقها، تقترب في طبيعتها من بذل جهود مضنية في عدد من الاتجاهات:
1 - عمليات هجومية مكثفة ضد أعمال المقاومة، ومنفِّذيها، والمخططين لها.
2 - عمليات دفاعية عن قواعده الميدانية العسكرية، والتجمعات السكانية الصهيونية.
3 - الخطوات المدنية باتجاه رفع مستوى البنية التحتية لسكان الضفة الغربية، وتحسين ظروف معيشتهم.
وهنا لا بد من الحديث عن أن الوضع لدى الجيش الصهيوني هو أفضل حالاً في تنسيقاته الميدانية مع الجهات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية؛ وهو ما يجعله ينجح في إحباط عمليات معادية له، كما أن الضفة الغربية شهدت في السنوات الأخيرة جهوداً ملحوظة لبناء سلطة محلية قائمة بذاتها، مثل الشرطة المحلية، وقوات الأمن؛ لمعالجة حوادث الإخلال بالأمن والنظام العام، كما تلقَّت الجهات الأمنية الفلسطينية تدريباً مكثفاً على أيدي فِرَقٍ أمريكية تعمل في الضفة الغربية. وفي المقابل، اقترحت أوساط أمنية وعسكرية صهيونية لمكافحة سيناريو الانتفاضة الثالثة ومواجهته، التوصيات التالية:
1 - رفع درجة التأهب القصوى في جميع المواقع المستهدَفة والمرشحة للاستهداف في الانتفاضة الثالثة.
2 - تكثيف درجة التنسيق الأمني مع الأطراف المجاورة للكيان، التي تربطها بها علاقات سلام، كالأردن ومصر والسلطة الفلسطينية؛ على أن يشمل التعاون تبادل المعلومات، والتحقيقات، ونشر القوات المشتركة إن أمكن.
3 - ضرورة فحص أثر هذه الجبهة الحربية الجديدة مع إسرائيل، وعليها أن تقـرر ما إذا كان ينبغـي مقاتلة «البعوض»، أم تجفيف «المستنقع» الذي تولد فيه؛ فمطاردة كل بعوضة جهد لا نهاية له، وبناءً على ذلك، يتوجب على تل أبيب رصد المناطق التي تحيا فيها المجموعات المسلحة.
4 - تقصير أمد جولة المواجهة وضررِها؛ حيث يحتاج الجيش أن يعمل لتخفيف الضرر الواقع به نتيجة الانتفاضة، ويكون تخفيف الضرر بعدة أعمال، منها: عزل حَلَبَة المواجهة، والجيش الإسرائيلي بحاجة للعمل على عزل حَلَبَة القتال عن سائر حلبات المواجهة، بإقامة قواته واستعدادها، واستعمال القوة بمقادير ملائمة بحسب الحاجة لردع المقاومة عن فتح حلبة قتال أخرى.
5 - تقليص الضرر: من خلال استعمال وسائل تحصين لتقليص الضرر الذي يقع على نسيج الحياة المدنية الصهيونية أثناء المواجهة، وتقصير مدة الانتفاضة؛ حيث يجب على الجيش العمل من أجل تحديد مقدار الضربة وقوَّتها؛ بحيث يفضيان بالمقاومة الفلسطينية إلى إدراك أن الاستمرار على القتال مناقض لمصلحتها، ومن جهة ثانية ينبغي وَقْف القتال بعد أن يحرز إصابة بالِغَة بالفلسطينيين.