القدس بين شرعنة تهويدها والقرارات والمواثيق الدولية
إن
الحملة الشرسة التي تشنّها المجموعات الدينية الإسرائيلية المتطرفة ضد باحات
المسجد الأقصى والمصلين في هذه الأوقات، تحمل دلالات واضحة تؤكد ارتفاع الانتهاكات
والإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير معالم مدينة القدس العربية من خلال
تبديل تركيبها السكاني، حتى يتم تنفيذ المشروع الاستيطاني بها الذي يؤدي إلى إلغاء
الوجود العربي فيها فيسهل بذلك تهويدها.
إن
هذا المسلك غير شرعي؛ لأن الاستعمار الاستيطاني الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي
الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس التي لها خصوصية دينية عند المسيحيين
والمسلمين واليهود ولا يمكن القبول بأن تكون يهودية فقط؛ يتعارض ويتناقض مع قواعد
القانون الدولي التي تحرم بشكل قاطع الاستعمار الاستيطاني لما فيه من عدوان صارخ
على الأرض والإنسان.
فمنذ
احتلال «إسرائيل» سنة
1967 الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وهي تمارس سياسة توسعية استيطانية
تهدف لتهويدها وترسيخ أنها عاصمة موحدة أبدية لـ «إسرائيل».
ولإنجاح
ذلك تنتهج ممارسات يومية ضدّ القدس ومواطنيها الفلسطينيين، نذكر منها على سبيل
المثال لا الحصر:
1. الفصل الجغرافي لمدينة القدس
عن عمقها الطبيعي والأصيل المتمثل في الضفة الغربية من خلال الحواجز العسكرية
سابقاً التي أضيف لها لاحقاً جدار الفصل العنصري.
2. التضييق الاقتصادي والقانوني
وفرض ضرائب كبيرة على سكان القدس.
3. منع المواطنين الفلسطينيين،
سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، من دخول القدس، وحرمانهم ممارسة شعائرهم الدينية
بحرية فيها.
4. مصادرة الأملاك الخاصة
وأملاك الأوقاف وتحويلها لمناطق خضراء ومحميات طبيعية تمهيداً لتحويلها لاحقاً
لمستوطنات إسرائيلية.
5. الاستيلاء على المنازل
والبيوت في القدس بحجة أن مالكيها القدامى قاموا قبل عشرات السنين ببيعها
للمستوطنين اليهود، والكثير من الوثائق الخاصة بالبيع تكون مزورة.
6. صعوبة إن لم يكن استحالة
الحصول على رخص لبناء مدارس ومستشفيات ومرافق صحية وثقافية واجتماعية تخدم
المواطنين الفلسطينيين في القدس.
7. عرقلة صيانة وترميم الأماكن
الدينية الإسلامية والمسيحية.
8. صعوبة الحصول على تراخيص
بناء منازل للمقدسيين.
9. هدم المنازل والمنشآت بحجة
بنائها من دون ترخيص.
10. سحب بطاقات الهوية المقدسية
من المواطنين الفلسطينيين.
11. حرمان الأطفال من الحصول على
الهوية المقدسية إذا كان أحد الوالدين ليس من القدس أو يسكن خارجها.
إن
كافة هذه الإجراءات تفتقد الشرعية؛ لأنها غير قانونية لتعارضها مع الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، ومع القانون الدولي، ومع اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بمعاملة
المدنيين خلال الحرب. كما تتناقض مع النصوص التي
تنظم العلاقة بين قوة الاحتلال وبين الأرض والشعب المحتل، حيث إن:
1. قرار الأمم المتحدة رقم 1514 (15) الخاص بمنح الاستقلال للبلاد
المستعمرة وشعوبها، نصّ على:
إن
إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكّل إنكاراً لحقوق الإنسان
الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين،
مؤكداً أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية
مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
2. قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة في 22/11/1974، ينص على: إن الجمعية العامة تؤكد من جديد حقّ الفلسطينيين، غير
القابل للتصرف، في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها، وتطالب
بإعادتهم، وتشدد على أن الاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني هذه، غير القابلة
للتصرف، وإحقاق هذه الحقوق؛ أمر لا غنى عنه لحل قضية فلسطين.
3. بموجب المادة رقم 16 من بروتوكول جنيف الأول، المكمل لاتفاقيات جنيف الرابعة،
الخاص بحماية ضحايا النزاعات الدولية غير المسلحة لسنة 1977: يحظر على «إسرائيل»
ارتكاب
أيّ أعمال عدائية موجهة ضدّ الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة
التي تشكّل التراث الثقافي والروحي للشعوب، ويحظر استخدامها في دعم المجهود الحربي.
4. بموجب المادة رقم 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949: يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أيّ ممتلكات خاصة
ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد، أو جماعات، أو الدولة، أو السلطات العامة، أو
المنظمات الاجتماعية، أو التعاونية؛ إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً
هذا التدمير.
5. بموجب المادة رقم 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1949: لكل فرد الحق في حرية التنقل واختيار محل إقامته
داخل حدود الدولة، كما لكل فرد الحق في مغادرة أيّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي
العودة إليها.
6. بموجب المادة رقم 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949: لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من
سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وهنا إشارة واضحة لعدم شرعية وقانونية
المستوطنات الإسرائيلية في القدس والأراضي العربية المحتلة.
القرارات الدولية بخصوص مدينة القدس
لقد
أصدرت الأمم المتحدة إضافة للقرار رقم 181، العديد من القرارات بخصوص مدينة القدس، نذكر منها على سبيل المثال لا
الحصر:
1. قرار الجمعية العامة رقم 303 (د4)
في 9/12/1949: إعادة تأكيد وضع القدس تحت
نظام دولي دائم.
2. قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة
1967: انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلتها خلال حرب حزيران 1967، وضرورة إحلال سلام وطيد عادل في الشرق الأوسط.
3. قرار الجمعية العامة رقم 2253 (الدورة الاستثنائية الطارئة -5) في
4/7/1967: دعوة «إسرائيل» إلى إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس
والامتناع عنها في المستقبل.
4. قرار الجمعية العامة رقم 2254 (الدورة الاستثنائية الطارئة -5) في
14/7/1967: إبداء الأسف للتدابير التي اتخذتها «إسرائيل»
لتغيير
وضع مدينة القدس.
5. قرار الجمعية العامة رقم 2851 (د
26) في 20/12/1971: مطالبة «إسرائيل»
بأن
تلغي جميع الإجراءات لضم أو استيطان الأراضي المحتلة، والطلب من اللجنة الخاصة
الاستمرار في عملها.
6. قرار الجمعية العامة رقم 2949 (د
27) في 8/12/1972: التعبير عن القلق الشديد
لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ومناشدة الدول جميعاً ألا تعترف
بالتغييرات التي قامت بها «إسرائيل» في الأراضي العربية المحتلة، وأن تتجنب أعمالاً بما في
ذلك المعونة التي يمكن أن تشكل اعترافاً بذلك الاحتلال.
7. قرار الجمعية العامة رقم 35/207 في
16/12/1980: بإدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان والشعب الفلسطيني بشدة، والتأكيد
مجدداً على الرفض الشديد لقرار «إسرائيل» ضم القدس.
8. قرار مجلس الأمن رقم 250 (1968) في 27/4/1968: دعوة «إسرائيل»
للامتناع
عن إقامة العرض العسكري في القدس.
9. قرار مجلس الأمن رقم 251 (1968) في 2/5/1968: إبداء الأسف العميق على
إقامة العرض العسكري في القدس.
10. قرار مجلس الأمن رقم 252 (1968) في 21/5/1968: دعوة «إسرائيل»
إلى
إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع القدس، ورفض جميع تلك الإجراءات الإدارية
والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها «إسرائيل»، التي من شأنها أن تؤدي إلى
تغيير في وضع القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك. وتدعيماً لهذا القرار استند مجلس الأمن إلى نظام رقم 43 من أنظمة لاهاي الصادرة سنة 1907.
11. قرار مجلس الأمن رقم 267 (1969) في 3/7/1967: دعوة «إسرائيل»
مجدداً
إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
12. قرار مجلس الأمن رقم 271 (1969) في 15/9/1969: إدانة «إسرائيل»
لتدنيس
المسجد الأقصى ودعوتها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
13. قرار مجلس الأمن رقم 298 (1971) في 25/9/1971: الأسف لعدم احترام «إسرائيل»
قرارات
الأمم المتحدة الخاصة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس.
14. قرار رقم 465 (1980) في 1/3/1980: مطالبة «إسرائيل»
بتفكيك
المستوطنات والتوقف عن تخطيط وبناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة بما
فيها القدس.
15. قرار رقم 476 (1980) في 30/6/1980: إعلان بطلان الإجراءات التي
اتخذتها «إسرائيل» لتغيير طابع القدس.
16. قرار مجلس الأمن 478 (1980) في 20/8/1980: عدم الاعتراف بالقانون
الأساسي بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها.
موقف المجتمع الدولي بخصوص مدينة القدس
أعلنت
«إسرائيل» في سنة
1950 أن القدس عاصمة لها، وفي
7/7/1967 احتلت «إسرائيل» مدينة القدس بأكملها عقب عدوانها الذي بدأ في 5/6/1967، وقامت في 30/7/1980 بضم القدس الشرقية لها لتصبح
بذلك، وبحسب قرارها، خاضعة للسيادة الإسرائيلية، واعتبرتها عاصمتها الموحدة بموجب
تشريع قانون أساسي يشبه أحكام الدستور، حيث إن «إسرائيل»
ليس
لها دستور، أقره الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في ذلك التاريخ؛ حيث نصت
المادة الأولى منه على أن «القدس الكاملة والموحدة هي
عاصمة إسرائيل».
وفي
سابقة قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية والقانون الدولي، يصدر
قانون من محتل يطلب عمل استفتاء لقوات الاحتلال على الانسحاب من الأراضي المحتلة؛
حيث أصدر الكنيست الإسرائيلي في
22/11/2010 قانوناً يدعو إلى طرح أيّ معاهدة تتضمن انسحاباً من أرض ضمتها «إسرائيل»
إليها
للاقتراع عليها في استفتاء عام في حالة عدم موافقة البرلمان الإسرائيلي على
الاتفاق بأغلبية الثلثين،
80 عضو
كنيست أو أكثر، وهذا سيشمل أيّ اتفاقيات تتضمن انسحاباً من أرض محتلة ضمتها «إسرائيل»
بالفعل،
كالقدس الشرقية أو مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتمّ تمرير القانون بأغلبية 65 عضو كنيست ومعارضة 33.
لكن
وبناء على تدويل القدس وفقاً لقرار التقسيم، فإننا نلاحظ أنه خلال الفترة 1948–1967 لم تعترف دول العالم بالوجود
الإسرائيلي في القدس، وبالتالي لم يُعترف بها عاصمة لها كما أعلنت سنة 1950، كما لم يعترف بالوجود الأردني فيها أيضاً، حيث إن العديد
من دول العالم كانت تعتمد ممثليها لدى «إسرائيل» في مدينة تلّ الربيع (تلّ أبيب)، وفي الوقت نفسه تعتمد
ممثلين لها في مدينة القدس، حيث كانوا يقدمون أوراق اعتمادهم لأمين القدس وليس
لوزير الخارجية الأردني أو الإسرائيلي. وكانت تلك الممثليات في القدس تتبع وزارة الخارجية في بلدها الأصلي وليس
لسفارة أو ممثلية بلدها لدى الأردن أو «إسرائيل».
ولا
تزال معظم دول العالم التي تربطها علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»
تكتفي
بفتح ممثليات لها في تلّ الربيع
(تلّ
أبيب)، وإن كان لها بعثة، وغالباً
تكون قنصلية عامة، في القدس، فإنها تتبع وزارة الخارجية في البلد الأصلي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: اتخذ الكونجرس الأمريكي منذ سنوات طويلة قراراً بنقل
السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أن الرئيس الأمريكي، الذي تغيّر عدة مرات منذ
ذلك القرار، يقوم بتأجيل تنفيذه بشكل دوري لغايات في نفس يعقوب.
حيث
يبدو واضحاً أن إسرائيل تعمل وعلى كل الجبهات للسيطرة على مدينة القدس من خلال
التغيير المنهجي المدروس لمعالمها أو بالتهويد وبالسيطرة الدائمة على الأرض
والمقدسات؛ تأسيساً لواقع جديد على الأرض يبيح التوصّل لتسوية تستثني مدينة القدس،
وهذا بكل تأكيد لن يكتب له النجاح؛ لأن الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يقايض هذه
المدينة والثوابت الأخرى بما فيها حق العودة، في أي تسوية مطروحة؛ لأن القدس تمثل
قلب الصراع الذي لا ينتهي إلا بحل واقعي وموضوعي لهذه القضية.
إن ما
تفعله إسرائيل في القدس من تهويد لها يمثل جريمة دولية في حق الإنسانية، وعلى
الأسرة الدولية إحالة كل المسؤولين في إسرائيل عن ذلك إلى المحاكمة أمام المحكمة
الجنائية الدولية في لاهاي، بسبب تخطيطهم للقضاء على قدسية القدس بالنسبة للديانات
السماوية الثلاث؛ لأن في هذا التطاول مساس مباشر في هذه الديانات، ويشكّل ذلك عدواناً
واضحاً على حق وحرية الإنسان، كما يمثل جريمة تستوجب المحاكمة والعقاب.
وفي ضوء ذلك، فإن جميع المخططات التي تقوم بها
إسرائيل في مدينة القدس المحتلة باطلة وتستند لقانون القوة، وتعد اعتداءً صارخاً
على الشعب الفلسطيني وسيادته على أرضه، وتمثل انتهاكاً فاضحاً للشرعية الدولية
والقانون الدولي.
::
مجلة البيان العدد 319 ربيع الأول 1435هـ،
يناير 2014م.
:: البيان تنشر ملف
خاص بعنوان (( قضية فلسطين.. والصراع على القدس))