• - الموافق2024/12/18م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ترامب الجديد وحرب غزة

الرجل المجنون ليس حديثًا عشوائيًّا، بل هو في النهاية يمثل نظرية في علم العلاقات الدولية تُعرف بنظرية الرجل المجنون، وهي نظرية بدأ استخدامها في تحليل السياسات في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.


يأتي انتصار دونالد ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بمثابة بمرحلة جديدة تمرّ بها الولايات المتحدة داخليًّا، وأيضًا في الساحة الدولية.

فبعكس انتصاره في سنة 2016م، ففي هذه المرة، فاز ترامب بنسبة وبفارق غير متوقَّع.

ولكن ما تأثير وصوله إلى البيت الأبيض هذه المرة على حرب الإبادة التي يشنّها جيش الكيان الصهيوني ضد المدنيين في غزة؟

تبدو مواقف الرئيس الفائز بالرئاسة الأمريكية دونالد ترامب من الحرب في غزة متناقضة.

وبرصد خطاباته المتعددة، نجد أنه بخلاف حديثه الروتيني بأن «هجمات حماس في 7 أكتوبر لم تكن لتحدث أبدًا لو كان رئيسًا»، وأنه «سيُوقف الفوضى في الشرق الأوسط»، تتوالى تصريحاته المتضاربة.

ففي كلمة له ألقاها ترامب أمام تجمُّع يهودي في ولاية لاس فيغاس بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، وصف ترامب الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، بأنها «معركة بين الحضارة والتوحُّش، وبين الأدب والفجور، وبين الخير والشر، وأنه في حال أُعيد انتخابه مرة أخرى للرئاسة، سنُبقي الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين (على حد تعبيره) بعيدًا جدًّا عن بلدنا»، ثم مضى قائلاً: «تذكرون حظر السفر؟ في اليوم الأول سأُعيده».

كذلك تعهَّد ترامب بأن يتم إلغاء تأشيرات الأشخاص الذي أظهروا تعاطفًا مع حركة «حماس»، وقال: «وسنُخرجهم من جامعاتنا ومدننا، وسنُخرجهم من بلدنا».

ولكن بعد تواصل القصف والاجتياح الصهيوني لغزة، أبدى ترامب تعاطفًا مع القتلى المدنيين في غزة، واندهش من كثرة الضحايا، ويُنقَل عنه قوله لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو: «عليك أن تُنهيها، وتفعل ذلك بسرعة»، وأضاف «احصل على انتصارك وتجاوزه، الحرب يجب أن تتوقف، يجب أن يتوقف القتل». وتشير تقارير في الصحافة الأمريكية، إلى مطالبة ترامب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بإنهاء الحرب قبل حلول موعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل.

وفي فعالية انتخابية في ميتشغان جمعته بعددٍ من قادة الجالية الإسلامية بالولاية، قال ترامب: «كامالا هاريس تقوم بحملة مع داعية الحرب ليز تشيني التي تكره المسلمين، والتي تريد غزو كل بلد مسلم على هذا الكوكب... كان والدها مسؤولًا عن غزو الشرق الأوسط وقتل ملايين العرب (يقصد ترامب أن ليز هي ابنة نائب الرئيس ديك تشيني في عهد الرئيس الأسبق بوش، الذي يُوصَف بأنه الذي أوعَز له باحتلال العراق وأفغانستان منذ ما يقرب من ربع قرن).

وعندما سُئل نائب ترامب جي دي فانس، حول ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستدعم قرار إسرائيل حظر منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو إرسال مساعدات إنسانية أكبر إلى غزة؟ فأجاب: «دعونا ننقذ أكبر عدد ممكن من أرواح الفلسطينيين، ولكن دعونا لا نُمكِّن الإرهابيين الذين يقتلون الإسرائيليين الأبرياء. يمكننا القيام بهذين الأمرين في الوقت نفسه».

ثم لم يلبث أن يعود ترامب وفي موضع آخر، وفي أول مناظرة إعلامية بينه وبين الرئيس بايدن قبل انسحاب الأخير من السباق، قال: إن «إسرائيل هي مَن تريد أن تستمر في الحرب، ويجب السماح لهم بإنهاء عملها».

وفي سياق انتقادات وجَّهها لمنافسته كاميلا هاريس، قال: «منذ البداية، عملت هاريس على تقييد يد إسرائيل بمطالبتها بوقف فوري لإطلاق النار، وهذا لن يمنح حماس سوى الوقت لإعادة تجميع صفوفها وشنّ هجوم جديد، على غرار هجوم السابع من أكتوبر».

ثم انتقل في مرحلة أخرى من تصريحاته، والتي يتم وصفها بأنها الأخطر، حين قال: «إنه يتعاطف مع إسرائيل لكون مساحتها صغيرة! وأنه سيعمل على توسيع خارطتها».

وازاء هذا التناقض تُثار أسئلة تتعلق بأيّ مدًى سيُمثل وصول ترامب للبيت الأبيض للمرة الثانية تغييرًا في الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني في حربه ضد غزة؟

وإذا أراد ترامب زيادة الدعم لدولة الاحتلال، ماذا يضيف من التأييد العسكري والسياسي، أكثر مما فعلته إدارة بايدن الحالية؟

ومن جانب آخر هل سيستطيع ترامب وقف الحرب في غزة كما يدَّعي؟

والخلاصة: هل لترامب إستراتيجية متماسكة لإنهاء الحرب في غزة، أم أن تلك الرؤية لم تتبلور بعد، أم أن هذا الموضوع ليس من أولويات إدارته المقبلة؟

وفي النهاية: ماذا سيفعل ترامب بالسيطرة المطلقة لمدة أربعة أعوام والتي مُنحت له؟

تجيب صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية: «لا أحد يعرف، وربما هو نفسه لا يعرف... في هذه الأيام، ينشغل آلاف الدبلوماسيين حول العالم بكتابة برقيات عاجلة إلى حكوماتهم لتحليل نواياه. تعتمد هذه التقديرات عادة على أربعة أعمدة: تعييناته، والأشخاص القريبين من أذنه، غرائزه الأساسية، والقِيَم التي يمتلكها أو يفتقر إليها».

ولذلك الذي يريد أن يتوقع سياسات ترامب تجاه غزة عليه أن يحلل ثلاثة أبعاد: الطبيعة الشخصية لترامب، وترشيحاته للمناصب وطبيعة الشخصيات التي اختارهم للمناصب القيادية والاستشارية حوله، وتوجهاتهم ومواقفهم تجاه القضية الفلسطينية، وأخيرًا الفكر الجيوإستراتيجي للتيار الذي أوصَل ترامب للرئاسة.

ترامب كشخصية

بعد خسارته أمام بايدن في سنة 2020م، اعتُبر ترامب حصانًا ميتًا. وبدا رجلاً مهزومًا، مذلولاً، تعرَّضت أملاكه في فلوريدا لمداهمة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي لجمع أدلة ضده. احتفل كثيرون بالتخلص من الفاشي كما وصفه الديمقراطيون، حتى إن مقربين منه، مثل نائب الرئيس مايك بينس، ابتعدوا عنه.

وحدثت المعجزة. نهض ترامب مجددًا، قاتل كل المؤسسات، ونجَح في تأجيل وإرهاق العمليات القضائية. وفي النهاية، قاد حركة «MAGA» الأمريكية الكبيرة في صراع الانتخابات نحو النصر.

بدأ ترامب مساره نحو الرئاسة بالتدريج؛ في البداية، هزم ترامب جميع منافسيه في الحزب الجمهوري. ثم راقب بسعادة تدهور الصحة العقلية لبايدن. وأخيرًا، سحق هاريس والديمقراطيين، وسيطر حزبه بالأغلبية على مجلسي التشريع: الشيوخ والنواب.

بدراسة فترة ترامب الرئاسية الأولى نجد أن هناك خمس سمات طغت على سلوكه السياسي، وأثَّرت على قراراته التي اتخذها حينذاك: التقلب، وغير العقلانية أو المنطقية، وعدم الترابط، والتصرفات غير المتسقة أو المنسجمة، وأخيرًا غير المتوقعة.

هذا المزيج من الصفات نجح في إعطاء الانطباع بأن هذا المجنون سيحكم أقوى دولة في العالم لمدة أربع سنوات قادمة.

ولكن الرجل المجنون ليس حديثًا عشوائيًّا، بل هو في النهاية يمثل نظرية في علم العلاقات الدولية تُعرف بنظرية الرجل المجنون، وهي نظرية بدأ استخدامها في تحليل السياسات في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.

ففي تلك الحقبة، أصدر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون تعليمات لوزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر، بإقناع زعماء الدول الشيوعية المعادية بأنه قد يكون متقلبًا، ولا يمكن توقُّع تصرفاته، خاصةً عندما يكون تحت الضغط، وقد رأى كيسنجر الذي عُرف بدهائه السياسي وخبرته في الواقعية السياسية إمكانية نجاح هذا النهج الذي نفَّذه بسهولة، ومن هنا وُلِدَت «نظرية المجنون» الدبلوماسية.

نيكسون وقتها لم يكن مجنونًا، ولكن كان هدفه من التركيز على طبيعته المتقلبة المزعومة، هو إثارة الخوف بين خصومه الأجانب، مما يعني أن إغضابه أو الضغط عليه يمكن أن يؤدي إلى ردة فعل غير عقلانية -حتى يمكن أن يرد عليهم بالسلاح النووي-، وبالتالي إجبار خصومه على التحقق من سلوكهم.

وهذا ما يحاول ترامب تطبيقه الآن. فالرجل يحب أن يرى الآخرين في حيرة، لا يستطيعون توقُّع تصرفاته وسلوكه السياسي، ويريد أن يرسّخ ذلك في أذهان السياسيين، ويعتبر هذا التصرف نقطة قوة له.

وقالها صراحة مرة في أحد لقاءاته الصحفية «أنا شخص مجنون». ففي مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، وأثناء حديثه عن الصين، ذكر ترامب أنه سيفرض تعريفات جمركية ضخمة إذا فكرت الصين في حصار تايوان، فسألته الصحيفة هل الخيار العسكري قائم إذا تجاهلت الصين هذه العقوبات الاقتصادية؟ فاستبعد ترامب على الفور الخيار العسكري، وعلل ذلك بأن الزعيم الصيني يحترمني، ويعلم أني مجنون.

هذه الجملة يمكن اعتبارها أحد أهم مفاتيح فهم شخصية ترامب.

وهناك مفتاح آخر في شخصية ترامب يتعلق بكونه رجل أعمال.

وعقلية التجار تلك تعتمد على شيئين: الأول، التحرُّك نحو ما يجلب المال، وأيّ شيء يقدّمه لا بد له من مقابل مادي وليس مقابلًا سياسيًّا فقط.

أما الأمر الثاني: فهو إبرام الصفقات في أيّ مشكلة تواجهه، فهو رجل لا يقود حروبًا، بل يرغب بإبرام صفقات؛ صفقة في أوكرانيا، وصفقة في لبنان، وصفقة في غزة، وصفقة في طهران، وعلى رأس صفقاته: صفقة القرن.

رجال حول ترامب... معايير الاختيار

بناء على خبراته في فترة رئاسته الأولى، وما جرى في حملته الانتخابية الأخيرة، وضع ترامب أولويات في اختياراته لمساعديه، وهذا ما نراه الآن في تلك الاختيارات.

جاءت الأولوية لفئة الشباب، وخاصة المثير للجدل، ولديه نفس صفات ترامب من حبّ الظهور، بعيدًا عن كبار السن وأصحاب الخبرة السياسية، والذين استعان بهم ترامب في فترته الأولى، وهؤلاء سبَّبوا له مشكلات واعترضوا على كثير من سياساته العشوائية؛ فالولاء لترامب أصبح السمة الأكثر أهمية له في الفترة القادمة.

ومن أمثلة هؤلاء: كارولين ليفيت، والتي اختارها كسكرتيرة صحفية ومتحدثة باسم البيت الأبيض، فهي فتاة تبلغ من العمر 27 عامًا، وكانت قد تولَّت من قبل، التحدث باسم حملة ترامب الانتخابية، وتُعتبر أصغر مَن حمل اللقب في تاريخ البيت الأبيض، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أنها مُحبَّة للظهور الإعلامي، ومدافعة شرسة عن الرئيس ترامب. وكانت بنفسها قد صرحت عبر شبكة فوكس نيوز أنها تحب التصوير، وبأنها لا تنحدر من عائلة سياسية، وإنما انخرطت بالعمل السياسي خلال سنواتها الجامعية.

كما حرص ترامب على ضم اثنين من الأصول العربية حتى الآن من بين طاقم إدارته؛ فاختار الأمريكي من أصل مصري إيميل مايكل لتولي منصب وزير النقل، والرجل حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز قد لعب دورًا مفصليًّا في حشد أصوات الأمريكيين من أصول عربية ومصرية على وجه الخصوص في مدينة ديربورن لصالح ترامب.

واختار أيضًا اللبناني مسعد بولس، وهو صهر ترامب الذي سيتولى ملف التفاوض مع الجانب اللبناني للوصول إلى اتفاق تهدئة في الشرق الأوسط.

وهؤلاء ينتمون إلى أصول عربية غير مسلمة، سواء كانت أصولهم لبنانية أو مصرية، علمًا بأن الجالية العربية غير المسلمة، لا تميل عادة إلى قضايا العرب، ولكن لها صلاتها بالجاليات العربية المسلمة، وتستطيع التواصل معهم، ولكن دورها الأهم سيكون على ما يبدو في التواصل مع قادة المنطقة العربية، فهم يفهمون لغتهم ويستطيعون نقل الأفكار المتبادلة بين الطرف الأمريكي والطرف الرسمي العربي.

ولكن في المناصب الأهم المرتبطة بسياسته الخارجية؛ فإن ترشيحات ترامب تغلب عليها شخصيات ذات خلفيات صهيونية؛ حيث تعتبر تحقيق الأهداف الصهيونية أولوية إستراتيجية لا بد من تنفيذها.

فقد برز ترشيح السيناتور الجمهوري ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية. ويُعدّ روبيو من تيار الصقور المعروف بدعمه غير المشروط لإسرائيل، ويتجلى ذلك في تصريحاته العلنية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ عام 2011م، وعضويته في لجنة العلاقات الخارجية.

أما وزارة الدفاع، فقد اختار ترامب لها المذيع التلفزيوني والعسكري السابق بيت هيغسيث، الذي يُعدّ من أشد المتحمسين للسياسات الإسرائيلية اليمينية. فقد سبق أن دعا هيغسيث إلى تدمير غزة، ولكن ما لبث أن استبدله بامرأة بعد أن ظهرت فضائح الآخر.

وفيما يتعلق بمنصب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، فقد رشَّح ترامب إليز ستيفانيك، التي تُعرف بتأييدها القوي لإسرائيل. وقد سبق أن اتهمت الأمم المتحدة بأنها غارقة في معاداة السامية.

كما أعلن ترامب ترشيح مايك هاكابي سفيرًا لبلاده لدى إسرائيل. ويُعدّ هاكابي من أبرز المؤيدين للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومعارضًا لحل الدولتين، ويرفض وصف الضفة الغربية بأنها أراضٍ محتلة.

ومن بين التعيينات الأخرى، رشَّح ترامب رجل الأعمال ستيفن ويتكوف كمبعوث للشرق الأوسط. ويُعرف ويتكوف بعلاقته الوثيقة مع إسرائيل ودعمه لمواقفها الإقليمية.

ترامب بين مشروع 2025 ومشروع إستير

في أبريل 2023م؛ أي قبل أكثر من عام ونصف، قام مركز الأبحاث الأمريكي هيريتيج فوندايشن (مؤسسة التراث)، والذي ينتمي إلى التيار المحافظ اليميني الأمريكي بكتابة ما يُطلَق عليه مشروع رئاسي، ودأبت هذه المؤسسة منذ إنشائها وطوال عقود على إنشاء قوائم ومشاريع للرؤساء الجمهوريين في سباق الرئاسة.

فمثلاً بعد وصول الرئيس الجمهوري رونالد ريجان في أوائل الثمانينيات، طبقت إدارته مع نهاية فترة حكمه ما يقرب من 60% من مقترحات مشروع مؤسسة التراث والتي بلغت 2000 مقترح في ذلك التوقيت، وفي عام 2016م، وقبل ولاية ترامب الأولى، أصدرت المؤسسة النسخة السابعة من مشروعها، وبعد مرور عام على توليه الرئاسة، تبنّى ترامب 64% من التوصيات السياسية المذكورة في هذا الكتاب، بدءًا من الخروج من اتفاق باريس للمناخ، إلى زيادة الإنفاق العسكري وزيادة الحفر في المناطق البحرية وفي الأراضي الفيدرالية.

وحاليًّا أصدرت تلك المؤسسة كتابها الجديد بعنوان (مشروع 2025)، وهو مجلد يتكون من 920 صفحة، وتبلغ قيمة تمويل أبحاثه حوالي 22 مليون دولار.

وقد استعانت مؤسسة هيريتيج في هذا المشروع بسياسيين وباحثين محافظين، بينهم 140 عضوًا من إدارة ترامب السابقة.

ولا تُخفي المؤسسة هوية المشروع، فتقول بالنص في موقعها، بأن المشروع كتبه أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أطياف الحركة المحافظة من كل أرجاء الولايات المتحدة، من ضمنهم مسؤولون سابقون في إدارة ترامب وشخصيات يمينية بارزة، منهم كريستوفر ميلر القائم بأعمال وزير الدفاع السابق، وكين كوتشينيلي نائب وزير الأمن الداخلي السابق، وبيتر نافارو، كبير المستشارين التجاريين السابق لترامب.

بينما صرح كيفين روبرتس، رئيس مؤسسة هيريتيج، بأن ورقة إستراتيجيته ستؤدي إلى «ثورة أمريكية ثانية ستظل بلا دماء؛ إذا سمح اليسار بذلك».

استحوذت السياسات المتعلقة بالشأن الداخلي الأمريكي على جانب كبير من المشروع، وبالنسبة للسياسات الخارجية، فقد شدَّد المشروع على ألا تكون الالتزامات فوق الوطنية أولوية على المصالح الأمريكية الداخلية.

وفيما يتعلق بالكيان الصهيوني، فإن المشروع ينص على استمرار الدعم لإسرائيل حتى مع قيام أمريكا بتمكين شركائها في الخليج من تحمُّل المسؤولية عن دفاعاتهم الساحلية والجوية والصاروخية سواء بشكل فردي، أو من خلال العمل الجماعي، وفي نفس الوقت يتحدث المشروع على أنه يجب قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية.

ولكنّ مؤسسة التراث خصَّصت للكيان الصهيوني مشروعًا إستراتيجيًّا خاصًّا به، أطلقت عليه «مشروع إستير» لمكافحة معاداة السامية، وقد تم تطويره مِن قِبَل نفس العقول التي قدَّمت مشروع «2025».

وأعلنت مؤسسة التراث صراحة عن نيتها تحويل «مشروع إستير» إلى سياسة حكومية خلال ولاية ترامب الثانية. وقد ورد في وثيقة الإستراتيجية نفسها، التي نُشرت في 7 أكتوبر بمناسبة الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، أنها تأمل أن يُمثّل «مشروع إستير» إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية، وتفكيك ما تسمّيها شبكة دعم حماس، والتي تتألف من مجموعات تزعم الوثيقة أنها معادية للسامية ومعادية لإسرائيل وأمريكا.

ولكن ماذا يتضمّن هذا المشروع؟

يسير المشروع في اتجاهين؛ الأول داخل أمريكا؛ حيث تتزايد موجات الكُره والاحتجاج ضد ممارسات الصهاينة في فلسطين. ويأخذ المشروع قصة الملكة إستير البطلة اليهودية التي يُحتفل بها خلال عيد البوريم لإنقاذها اليهود في فارس القديمة من الإبادة على يد الوزير هامان، ويمزج بينها وبين السرديات الصهيونية الحديثة المدافعة عن اليهود ضد الناشطين والأكاديميين وأعضاء الكونغرس التقدميين في الولايات المتحدة الذين يعارضون العنصرية والفصل العنصري والإبادة الجماعية.

والاتجاه الثاني لمشروع «إستير» يتوجَّه إلى فلسطين، لتشجيع الهجرة اليهودية، ويفضّل أن تكون من البيض، إلى دولة الكيان، كوسيلة لتعزيز الجيش الإسرائيلي ومواجهة التهديد الديمغرافي الفلسطيني.

وبالرغم من ابتعاد ترامب عن هذه الوثائق، سواء وثيقة 2025، أو وثيقة إستير، لكنَّ الكاتب في صحيفة لوتان السويسرية ستيفان بوسار يفسّر أسباب ابتعاد ترامب عن المشروع ظاهريًّا، بأن «المشروع هو بمثابة خريطة طريق لرئاسة ترامب الذي نأى بنفسه مؤخرًا عنه لأسباب تكتيكية انتخابية؛ لأن المشروع في الواقع متفجّر، فهو يعادل على الصعيد الأمريكي، شبه تغيير في النظام».

ولكن الواقع يقول: إن كثيرين من أقرب مستشاري ترامب السياسيين الذين من المرجَّح أن يشغلوا مناصب رفيعة في إدارته ضالعون بشدة في المشروع.

وعلى سبيل المثال؛ يلعب المسؤول السابق في إدارة ترامب، روس فوت، دورًا رئيسًا في هذا المشروع، ويشغل فوت أيضًا منصب مدير السياسات في لجنة برنامج المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وهو التعيين الذي أقرَّته الحملة.

ويبدو أن ترامب موافق على مقترحات كثيرة في المشروع، لكن ليس عليها كلها، فقد أيَّد ترامب مقترحات كثيرة محورية فيه، مثل منح نفسه القدرة على زيادة عدد المعينين في مناصب سياسية في الحكومة، لكنَّه لا يتفق مع مقترحات أخرى، مثل فرض قيود على عقاقير الإجهاض.

الخلاصة

في النهاية يتمثل الفرق بين سياسة بايدن وترامب تجاه ما يجري في غزة، في أن إدارة جو بايدن دأبت على نفي تورط أمريكا في الإبادة الجماعية الصهيونية، بالرغم من مشاركتها فيها، بينما ستنحو إدارة ترامب نحو تأييد علني وغير متحفّظ لجميع هذه الأفعال.

وتبقى الفئة المؤمنة المقاومة الصامدة في غزة، والتي عجزت أكبر العقول عن فَهْم حقيقة أن قوة مسلحة صغيرة في مساحة ضيقة مُحاصَرة من جميع الجهات، قد استطاعت الصمود لأكثر من ١٤ شهرًا أمام أكبر دولة نووية في المنطقة، تساندها أقوى جيوش الغرب، تقودهم الدولة الأولى عالميًّا، إلا أنه الإيمان واستفراغ الوُسْع في الأسباب التي خلقها ربّ الأسباب.

أعلى