لماذا يستعدي الكيان الصهيوني دول العالم ويفقد الاصدقاء ؟
فاجأ وزير الحرب الصهيوني «إيهود باراك» وزراء الحكومة حين صرح قائلاً: «إن إسرائيل أمام خطر تراجع مكانتها الدولية في الأمد البعيد»، ورغم أن ذلك اعترافاً صهيونياً ليس جديداً، لكن صدوره عن «باراك» الوزير الأكثر خبرة ودراية في الحكومة الحالية، يترك دلالات في غاية الخطورة على مستقبل هذا الكيان في المنطقة.
ولعل ذلك ما أكدته وثيقة داخلية أعدتها وزارة الخارجية الصهيونية من أن إسرائيل تفقد مزيداً من أصدقائها في جميع أنحاء العالم، في ضوء أننا بتنا نشاهد دولاً كانت تربطها علاقات مميَّزة مع إسرائيل، تبتعد اليوم عنها تدريجياً.
وتضرب الوثيقةُ التي أوردتها صحيفة «معاريف» على ذلك مثالاً بالنموذج الهولنـدي؛ حيث انضمت هولنـدا مؤخراً إلى قائمة الدول التي تردَّت علاقاتها مع إسرائيل يوماً بعد الآخر، وخلال الأعوام الأخيرة أيضاً طرأ انخفاض ملموس في مقدار الدعم التاريخي لإسرائيل في أوساط الشعب الهولندي.
وقد كان للمواجهات المستمرة مع الفلسطينيين، والاستطلاعات السلبية في وسائل الإعلام الهولندية، الدور الأساسي الأكبر الذي تسبب في هبوط الدعم التاريخي، ويضاف إلى ذلك تأثير الحرب الأخيرة على قطاع غزة التي قلبت الرأي العام الهولندي، وجعلته ساخطاً على إسرائيل.
وربما كان لهذه الأجواء المعادية التي تشعر بها إسرائيل، أثر كبير على تراجع حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة في الآونة الأخيرة؛ حيث كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن حملـة جديـدة هدفها إعادة 75 ألـف يهـودي قــرروا الـرحيــل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م والسكن في الخــارج، وهو ما بات يُعــرَف بظاهرة «الهجرة المعاكسة».
وتقضي الخطة بمنح من يقرر من هؤلاء العودة والاستقرار مجدداً في إسرائيل مكانةَ المهاجر الجديد، وما يعنيه ذلك من إعفاءات ضريبية كبيرة، وإغراءات مالية أخرى. ومن المقرَّر أن تصادق الحكومة الإسرائيلية على الخطة التي بادر إليها «بنيامين نتنياهو» بالتعاون مع وزارة الاستيعاب، وسيتقرر مَنْحُ مكانة «مهاجر جديد» لكل صهيوني أمضى في الخارج 6 سنوات على الأقل، ثم قرر العودة والاستقرار في فلسطين المحتلة.
وفي ما يتعلق بالإغراءات المالية، نشرت الصحيفة جدولاً يقارن بين التسهيلات الحالية والموعودة؛ حيث سيُعفا كلُّ من يقرر العودة من ضريبة الدخل لمدة 20 سنة بدلاً من عشر سنوات كما هو معمول به حالياً، وفي ما يتعلق بالعمل ستقدِّم الحكومة «للعائدين» مساعدات كبيرة في مجال استيعابهم في سوق العمل، وستعقد من أَجْلِهم دورات مهنيةً تأهيليةً، إضافة إلى مَنْح أطفالهم خمس ساعات تقوية في مجال التعليم أسبوعياً، بدلاً من ساعة واحدة حالياً.
فيلق السفراء:
لقد كشفت صحيفة «جيـروزاليـم بوست» عن قلقٍ حقيقي من تراجـع مكـانة إسـرائيل الدوليـة، وهـو ما دفعهـا لتشـكيل ما يسمى «فيلق السفراء»، المكـوَّن من أعضاء من الكنيست من مختلف التيارات والأحزاب الإسرائيلية، سيجنِّدون أنفسهم كجيش إعلامي تابع لـ «إسرائيل» لتحسين صورتها في جميع أنحاء العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل لم تكن تعاني في السابق من تشوُّه صورتها في العالم، إلا أن الأمور تغيرت بعد الحرب الأخيرة على غزة، وما أعقبها من تقرير «غولدستون»، وتدهور العلاقات مع تركيا، وتردِّي العلاقات مع الولايات المتحدة، والحملات الدعائية ضد إسرائيل في مختلف أنحاء العالم.
وأوضحت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه على الرغم من الجهود الإسرائيلية التي جرى استثمارها في الإعلام، والكنيست ووزارة الخارجية، إلا أنهم توصَّلوا إلى نتيجةِ أنَّ هذه الجهود لن تؤتيَ ثمارها بدون تحرُّكٍ عمليٍّ على الأرض، وأكدت الصحيفة أن معظم الدول الأوروبية باتت تنظر إلى إسرائيل على أنها «سفاح همجي في الشرق الأوسط»، وذلك إلى جانب الأزمات الدبلوماسية الكثيرة التي حدثت خلال العام الماضي، كل ذلك مسَّ بصورة «إسرائيل» في جميع أنحاء العالم.
لائحة الأعداء:
إن الغريب في الأمر، أنه على الرغم من هذه الحملة المعادية التي يواجهها الكيان الصهيوني في الخارج، فقد نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر سياسية أن تل أبيب تشعر بخطورة قرار مصر إلغاء مشاركة مجموعة من الأطباء الصهاينة في مؤتمر دولي حول أمراض الدم من المقرر عَقْدُه في القاهرة.
وأضافت الإذاعة أن نحو ألفي طبيب من جميع أنحاء العالم سيشاركون في هذا المؤتمر، وأن نقابة الأطباء والصيادلة المصريين هددت بمقاطعته في حال مشاركة الأطباء الصهاينة فيه.
والأكثر من ذلك، أن مدير مستشفى «تل هشومير» الحكومي الإسرائيلي قد تجرأ وبعث برسالة للرئيس المصري طلب منه التدخل في الموضوع، وإفساح المجال أمام الأطباء الصهاينة لحضور المؤتمر.
وفي سياق متصل، ذكرت القناة التلفزيونية العاشرة أن إسرائيل تستعدُّ للخروج بحملة دعائية عالمية ضد المملكة العربية السعودية، في إطار قرارٍ سريٍّ اتخذه وزير الخارجية «أفيغدور ليبرمان». وستُستَخدَم هذه الحملة في حال تنفيذها من قِبَل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وفي أوروبا، وأماكن أخرى في العالم؛ لتناوُل موضوعات حقوق الإنسان ومكانة المرأة، وتمويل ما يسمى بـ «الإرهاب»، أمام الكونغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي، إلى جانب تقديم شكاوى ضد السعودية أمام المحكمة الدولية.
وتتضمن الخطة رسالة شديدة اللهجة ينقلها ليبرمان خلال الأيام المقبلة إلى الولايات المتحدة، تتضمن اتهام السعودية بالضلوع في تمويل جميع الأنشطة المعادية لإسرائيل.
وأوضحت القناة أن قرار ليبرمان، جاء «في أعقاب استنتاج جرى التوصل إليه في وزارة الخارجية، بأن السعودية هي الجهة الرئيسة التي تقف خلف الحملة الدولية لنزع الشرعية عن الكيان الصهيوني، من خلال المبادرة لرفع دعاوى عديدة ضد إسرائيل، ودعم الكثير من الدعاوى في محاكم دولية، وملاحقة إسرائيل في قضايا مختلفة، وفَضْحِها في لجانٍ ومؤتمراتٍ في الولايات المتحدة وأوروبا».
وثمة جانب هو الأكثر فرادة في تنامي قائمة «أعداء إسرائيل»، هو ذلك التحوُّل في القواعد الاجتماعية اليهودية؛ حيث قويت المنظمات اليهودية المعادية للصهيونية، وأقامت منظمات يهودية - منها منظمة «يهود لمقاطعة البضائع الإسرائيلية»، ومنظمة «يهود من أجل العدالة للفلسطينيين» - اعتصامات في وسط لندن، ضد «احتلال إسرائيل غير المشروع للضفة الغربية والقدس الشرقية، والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة».
ودعت هذه المنظمات إلى «عزل دولة الكيان الصهيوني بسبب مواصلتها انتهاك القانون الدولي، كما دعت لحملة دولية واسعة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية وفرض عقوبات على إسرائيل».
والأخطر من ذلك - وَفْقَاً لمصادر إسرائيلية مطلعة - أن الأوضاع المتفجرة في قطاع غزة ساعدت على «كسر المقاومة اليهودية التقليدية لانتقاد إسرائيل»، ويقول المحللون: إن الاضطرابات والغضب في أوساط اليهود في مختلف أنحاء أمريكا يعود إلى السلوك الإسرائيلي الإجرامي والعنصري الذي ظهر جلياً خلال تلك الحرب المجنونة.