مفاوضات في ظلال المستعمرات والتنازلات
عادت لجنة المتابعة العربية مجدداً، لترتكب الخطأ في تجاوز صلاحيتها ووظيفتها؛ فقد اتخذت قراراً خارج المهمة الملقاةِ على عاتقها، بتوفير مظلة عربية رسمية لعودة سلطة رام الله المحتلة لممارسة سياسة المفاوضات التي مضى على توقُّفها عدة شهور.
ولم تكن محادثات التقارب عبر الوسيط الأمريكي غير المحايد، سوى للتأكيدِ مجدداً على انزلاق قيادة المقاطعة وحكومة تصريف الأعمال منتهية الصلاحية، إلى مستوى آخر من التنازل؛ فكل الكلام الذي كررته الآلة الإعلامية للسلطة (أشخاصاً، وصحافة، وفضائيات) عن عدم العودة لأي شكل من التفاوض، ما لم يتم وقف كل أشكال بناء المستعمرات وتوسيعها، والاستيلاءِ على الأحياء والبيوت العربية في مدينة القدس ذهب أدراج الرياح؛ ذلك أن قيادة السلطة استندت إلى الوعود السخية للإدارة الأمريكية، التي ساهم بتسويقها وتجميلها بعض وزراء الخارجية العرب. هذه الوعود التي عبَّر عنها بشكل مباشر (هشام يوسف) مدير مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية بقوله: (إن واشنطن وعدت الفلسطينيين ألا تُخْرِج خطةَ بناءِ 1.600 وحدة سكن في رامات شلومو إلى حيِّز التنفيذ أثنـاء المفـاوضات (الإسرائيلية - الفلسطينية غير المباشرة). لكن حديث نتنياهو في مقابلته بالقناة الثانية لتلفزيون العدو يوم 22/4/2010م جاء ليؤكد على الاستمرار في البناء الاستيطاني بقوله: (لن يكون هناك تجميد في القدس) في تجسيدٍ مستمرٍّ للمواقف التي تضمَّنها خطابه في جامعة بار إيلان يوم 14/6/2009م؛ إذ يقول: (البناء في القدس مثل البناء في تل أبيب... وهو شأن إسرائيلي داخلي). ويبدو أن الفترة التي تَقرَّر فيها العمل بمحادثات التقارب قد اختُلِفَ على تحديدها؛ فرئيس وزراء قطر الذي تحدث بالمؤتمر الصحفي بالقاهرة باسم لجنة المتابعة يقول: (لقد مضى شهران وبقي شهران)، منطلقاً في ذلك من تاريخ القرار الأول في 3/3/2010م المنصرم. بينما يُصِرُّ محمود عباس على أن الفترة المتبقية هي أربعة الشهور الموعودة.
إن ذهاب وفد السلطة للمفاوضات غير المباشرة من خلال المبعوث الأمريكي «ميتشل»، سيكون خروجاً على مواقف القوى المتحالفة داخل اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهذا ما أكده رئيس السلطة قبل عدة أيام أثناء حديثه لصحيفة «الأيام» الصادرة في رام الله المحتلة بقوله: (إن المفاوضات غير المباشرة ومحادثات التقارب ستبدأ فوراً إقرارَ اللجنة التنفيذية لـ م . ت . ف) للتأكيد على احترامه لرأي اللجنة. وعلى الرغم من صدور عدة بيانات في رام الله عن عدة فصائل، تطالب بعدم العودة لأي شكل من أشكال التفاوض، ناهيك عن رفض قوى وفصائل إسلامية ووطنية، وهيئات شعبية فلسطينية لسياسة «الحياة مفاوضات»، فإن السلطة ذاهبة لمحادثات التقارب التي يصرُّ عباس على أن يكون الأمن واحداً من أهم خطوات التوجه إليها ، كما يقول في حديث صحفي: (علينا أن نحافظ على الأمن؛ رغم أني أرى عوائق عديدة، وأُشَدِّد على أن في «إسرائيل» يوجد من هم غير معنيين بالسلام... إن علينا أن نحاول حتى اللحظة الأخيرة)، لكنه بالتأكيد لايقصد بـ «غير المعنيين بالسلام» رئيس حكومة العدو؛ ففي مقابلة بثتها مؤخراً القناة الثانية في تلفزيون العدو ، يقول عباس: (لا توجد أزمة ثقة مع نتنياهو).
إن هذا التوجه العام لقيادة السلطة؛ سواء ما جاء بالمقدمات التي تحكم رؤيتها لمحادثات التقارب، أو عبر الممارسات التي تسلكها أجهزة أمن «حكومة فياض» من ملاحقة المقاومين واعتقالهم، أو في الخطابات التي أكد فيها «فياض» من على مِنَصَّة مؤتمر هرتسيليا الأخير، أو في التصريحات المنشورة في صحيفة «هآرتس» مؤخراً، يؤكد مجدداً على تنازلات خطيرة تمس قضايا الصراع مع العدو الصهيوني، وهو ما يجعل المواطن العربي، والفلسطيني خصوصاً، يتلمس النتائج الكارثية الجديدة التي ستنتج عن هذه المفاوضات التي ستدور بناءً على توجُّهات حكومة نتنياهو، في ظل تفهُّمات الراعي غير النزيه؛ بمعنى أن القضايا المطروحة ستكون داخل حدود المربع الذي يرسمه وفد العدو، الذي يتيح له حرية الحركة المدروسة، وإمكانية التلاعب والتضليل في بعض المسائل الهامشية، عبر عملية تدويرٍ لزوايا ذلك المربع .
في الخطوات الجديدة، على طريق الذهاب للمفاوضات غير المباشرة، تتوضح - للمرَّة الألف - خطورةُ ماجلبته قيادة المقاطعة في رام الله المحتلة وحكومتها، من أضرار على الحركة الوطنية بمستوياتها الفلسطينية والعربية، والتي كانت نتيجةً، طبيعةً، مباشرةً لنكبة العرب الثانية المسماة: «اتفاق أوسلو».