لا يشك أحد في أن للفن بصفة عامة وللرسوم المتحركة
خاصة أهدافاً سامية ، وغايات جليلةً ؛ ذلك أنه يسهم في تربية الأطفال ، وغرس العقيدة
الصحيحة ، والقيم النبيلة ، والأخلاق الفاضلة في نفوسهم ، وتقويم السلوكات والأفعال
التي تصدر عنهم ، وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم ؛ إنه يعرض للمشاكل التي يعانون
منها ؛ يشخِّص أسبابها ، ويبحث عن الحلول المناسبة لها ، ويوجِّه طاقاتهم إلى الاهتمام
بما هو أهم في الحياة ، كما يهدف إلى بناء مشاعرهم بشكل سوي ، حتى يكوِّن جيلاً صالحاً
لنفسه ولأمته .
إلا أن المتأمِّل في أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي تعرضها شاشات التلفزيون في البلدان العربية
والإسلامية [1] يجدها قد خرجت عن الأهداف النبيلة ، وابتعدت
عن الغايات الجليلة التي من أجلها وُضِعَت ؛ فلم تترك رذيلة إلا أباحتها ، ولا قبيحة
إلا نشرتها وأذاعتها ؛ فصارت بذلك سلاحاً فتاكاً يستهدف عقيدةَ الأطفال وعقولَهم ونفسياتِهم
وممارساتِهم في كل بلدان العالم الإسلامي ؛ فما هي مخاطرها على العقيدة والقيم التي
يمتثلها الطفل المسلم ؟وما هي السبل والوسائل التي تمكِّن من اجتناب سلبياتها ؟إن هذه
العيِّنة من البرامج تغري الأطفال بشكل كبير ، فيُقبِلون على مشاهدتها بَنَهمٍ شديد
، ويعتقدون أن كل المواقف والسلوكات والأفكار التي تعرضها صحيحة صالحة ، كما أن طابَع
الترفيه والتسلية الذي يميزها يشدهم إليها بقوة ، وهذا فيه إهمال كبير لشخصيتهم ، وعقليتهم
، وحاجاتهم النفسية ، والأهداف النبيلة التي ينبغي أن يوجَّهوا إليها ؛ ولعل هاجس الربح
المادي الذي يشغل بال المنتجين والعارضين هو السبب المباشر في ذلك ، فضلاً عن كونها
أفلاماً لا تقيم وزناً للعقيدة والقيم الموجودة في العالم الإسلامي ، وما يتميز به
من عادات وأعراف وطقوس ثقافية وحضارية .
أولاً : الخطر العقدي :
الإسلام عقيدة وشريعة تعبُّدية وسلوك .
والعقيدة الإسلامية هي
الإيمان بالله ، والملائكة ، والكتب ، والرسل ، وباليوم الآخر ، وما فيه من الحساب
والجزاء ، وبالقدر خيره وشرِّه ، ولها أثر بالغ في حياة الفرد والجماعة ؛ فهي قوة هادية
موجِّهة ، ودافعة إلى الخير ، بانية خلاَّقة .
وإذا كانت راسخة في القلب فإنها تمدُّه بالراحة
والطمأنينة والاستقرار على جميع المستويات ، ولكن حين تدخل عليها العوامل المؤثِّرة
الضارة تتغير .
وبرامج الرسوم أحد أبرز هذه العوامل ؛ فهي تشكِّل
خطراً كبيراً على عقيدة أطفال المسلمين ، ومن معالم هذه الخطر :
1 - زعزعة العقيدة : يجد الأطفال متعة خيالية عظيمة في الرسوم المتحركة ، وهذا يؤثر عليهم سلباً في الحال والاستقبال
؛ فقد أُجرَيت دراسات عديدة أثبتت الأثر السلبي للرسوم المتحركة على الأطفال من جميع
النواحي ، وهو ما قد يدمر حياتهم بالكامل . [2]
فالرسوم المتحركة التي توجَّه إلى أبناء المسلمين
هي أشد فتكاً بهم ؛ لأنها لا تعير العقيدة الإسلامية أي وزن ، ولأن منبعها غربي مسيحي
أو صهيوني غالباً ؛ لذلك فهي تهدف إلى إزالة العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية من
النفوس عبر زعزعتها ، وإدخال الشك فيها وفي مبادئ الإسلام ، وغرس المعتقدات المنحرفة
في المقابل : كعقيدة التثليث ، وعبادة الأصنام ؛ فحين يُظهر الفيلم نجْماً يُدخِل السعادة
على الناس ، أو شجرةً تحفظ من الكوارث والآفات ، أو يعرض شخصية تقبِّل الصليب وتضعه
على الصدر لتجد الراحة والأمان والطمأنينة ، أو تسجد لصنم ، أو تُوهِم بأن الكون تدبِّر
شؤونَه كائنات خيالية وليس الله ، عز وجل .
والطفل يشاهد ذلك ويتأثر به ، ويعتقد أنه هو
الحق والصواب ، فتنعكس المشاهد على سلوكه ، فتجده يقبِّل الحجر ، أو ينحني ساجداً له
، أو يتوسل إلى الشمس من أجل تحقيق رغبة مَّا .
والأمثلة كثيرة يطول المقام لحصرها ، إنها ترسِّخ
فيه معتقدات بعيدةً عن الدين الحنيف ، فيحصل اضطراب العقيدة في النفوس ؛ فلا يعيرون
اهتماماً لعقيدة التوحيد ، ولا لشعائر الدين .
كما تؤدي إلى التعلق بالدنيا وإهمال الآخرة؛لأن
المشاهد التي تعرضها الرسوم تحث على الحياة الدنيا فقط .
2 - تصديق السحرة والكهان :
كما تعمل هذه البرامج
على ترسيخ الإيمان بالسحرة والمشعوذين ، وتصديق ما يدَّعون ، والخوف منهم ، عوض الخوف من الله ؛ فهي تُظهِر
الساحر قادراً على إسعاد الناس أو إشقائهم ، وتأمينهم أو ترويعهم
، وأنه قوة لا تُقهَر وليس الله ، تعالى .
وهو الشيء الذي يؤدي إلى حصول تناقض في عقيدة
الطفل المسلم .
فيقدِّس الساحر ويتقرب إليه ، عوض تقديس الله
وفعل ما يقرِّب منه .
تقول الدكتورة طيبة اليحيى : « إن بعض الناس
- هداهم الله - يعمدون إلى تهدئة صخب
أطفالهم بوضعهم أما التلفاز ، ولا يعلمون أنهم بذلك يقضون على أطفالهم ؛ فالبرامج المعدَّة للأطفال لها أثر أيما أثر على
سلوك الأبناء الديني والخُلُقي والاجتماعي
؛ ففيها إظهار لشعائر أهل الكفر ورموز دينهم : كالصليب والمعابد ، وفيها نشر للسحر والشعوذة ، وفيها الأعظم من ذلك كله ، وهو
التشكيك في قدرة الله ، تعالى » [3] .
إن الطفل المسلم إذا لم تتدارك الأسرة أمره وشبَّ
على ما يراه في الرسوم المتحركة يكون في المستقبل كالريشة في مهب الريح ، مضطربِ العقيدةِ
، لا يستقر على حال ، يسيطر عليه القلق والحَيْرة ، لا يعرف حقيقة نفسه ، ولا سِرَّ
وُجُودِه في الحياة .
ثانياً : ترسيخ القيم الفاسدة :
القيم مجموعة من العقائد
الدينية أو الفلسفية المفضَّلة عند أمَّة أو حضارة مَّا ، وتتحول إلى أسلوب في الحياة ؛ تحدد التصور للوجود والكون
، والحياة والموت ،والطبيعة والتاريخ ، بل تحدد الذوق والمظاهر والسلوك العام ؛ فالقيم
بهذا المعنى نمط حياة ، تتغذى من أوعية متعددة لتبقى حية
، ومنها الوعاء العقدي ، والغائي ( الغاية
من الحياة ) ، والسلوكي ، والمظهري ، والأخلاقي ... وللقيم أهمية بالغة في حياة الأمة ؛ فهي تحفظ الهوية والعمران والحضارة ، وهذا يعطي
للأمة قوة الاستمرار ، ويدفعها إلى الإنتاج والتعمير ،
والتطور والبناء والعمل الجاد ، وتُعَدُّ القيم الإسلامية أرقى القيم وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنها
ربانية المصدر .
ومن القيم التي يتجلى فيها الأثر السييء للرسوم
المتحركة على الطفل المسلم : القيم الأخلاقية
، والقيم الثقافية ، والعلمية والسلوكية ، ومن ذلك :
1 - الميل إلى العنف :
تتضمن كثير من مسلسلات
الرسوم المتحركة مشاهدَ العنف والصراع ، وهذا يرسخ في وجدان الطفل الميل إلى القسوة والعنف ، سواء داخل
الأسرة أو المدرسة أو في الشارع ؛ فيلجأ إليه من أجل تحقيق رغباته
، وقد يرتكب جريمة بشعة .
وقد أثبت عديد من الدرسات العلاقة الوطيدة بين
جُنوح الأطفال وارتكابهم الجرائم ،
وبين الرسوم المتحركة التي تتضمن مشاهد العنف .
وقد شهد العالم الإسلامي - كبقية بلدان العالم
- العديد من الجرائم أبطالُها من الأطفال [4] ، ومن المسلسلات الكرتونية التي تقوم على العنف
: « الجاسوسات » و « بيبليد » .
2 - التطبُّع مع الفاحشة :
إن الطفل المسلم يتلقى
قيم البلدان التي أنتجت أفلام الرسوم المتحركة ؛ وهي قيم بعيدة عمَّا هو موجود داخل البلدان الإسلامية
والعربية من قيم وآداب ،ولا تعكسها من
قريب أو من بعيد .
ومن هنا تؤثر على القيم ، وقد حذَّر المجلس العربي
للطفولة والتنمية من الآثار السلبية لبرامج الرسوم المتحركة على قيم المجتمعات العربية وعاداتها [5] ؛ فهي في أغلبها بعيدة عن القيم النبيلة ، وصور
الخلاعة ، والمجون فيها تنهال على الطفل في الرسوم من كل جانب كأوراق الشجر المتساقطة
في فصل الخريف ؛ فتنسف الأخلاق ، وتذهب ببهاء الوجه ؛ فهي تُظهِر العلاقة بين الجنسين
قائمة على الخلوة ، والرقص ، والخلاعة ، والتبرج ، والعناق ، وتبادل القبلات .
وهذا التوجه يشكل خطراً على الأطفال ؛ لأنه ينبِّه
المشاعر الحميمية والغرائز الجنسية لديهم في وقت مبكر ، وهو ما ينتج عنه ارتكاب الفواحش
والجرائم الجنسية [6] .
كما يقضي على الحياء ؛ حيث ينطق الأطفال بالكلام
النابي ، وبكل الألفاظ الردئية . وسلسلة « ميكي مَاوْس » نموذج بارز في هذا المقام
.
3 - تقليص التواصل الأسري :
إن هذه البرامج تقضي على
علاقة التواصل بين الأطفال وبين آبائهم ، وبين باقي أفراد الأسرة .
وقد يكون الأطفال قبل سن المدرسة هادئين وهم
أمام الشاشة ، فتسرُّ الأمهات لذلك ؛ لأنه يساعدهن على إنجاز خدمات البيت ، ولكن طول
المكث أمام التلفزيون يؤثر على أولادهنَّ وهنَّ لا يشعرنَ .
ويستفحل الخطر بعد الدخول إلى المدرسة ؛ فلا
يتحدثون عن المدرسة ، ولا عن الدراسة ، ويستغنون بما تقدِّمه الرسوم عن حكايات الأم
والأب والجدَّة .
والمشهد نفسه يحصل بين الإخوة ؛ فلا يتسامرون
مع بعضهم بعضاً ، ولا يتناقشون ؛ فبمجرد العودة إلى البيت يفتحون التلفاز ليتفرجوا
على الرسوم ، وهو ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بينهم وبين الآباء والإخوة ، بسبب الحاجز
الذي فرضه التفزيون ، ويصعب التخلص منه مع تقدُّم العُمُر ، وبعد تشكُّل شخصية الطفل
وَفْقَ ما تعوَّد عليه .
4 - تعلُّم الأخلاق السيئة :
إن من طبيعة الطفل أنه
يقلد كل شيء يُعرَض أمامه ، أو يسمْعه بدون جدال بسبب فطرته الصافية ، ولكن بيئته هي التي تغيِّرُها ، وبكل
سهولة تؤثر فيه المشاهد التي يقع عليها بصره في الرسوم المتحركة ؛ فيميل إلى تقليد الشخصيات في كل شيء ، في كلامها وحركاتها ، وفي لباسها وهيئتها ، وفي
سلوكها وتصرفاتها . وبذلك يتطبع على العادات السيئة ؛ فيسرق ويحتال
ويخادع ، ويدخن ، ويكذب ويعتدي على الغير ، ويسخر منه ؛ ناهيك
عن الأنانية والحقد والكراهية ، وحب الانتقام
وغيرها من أمراض القلوب .
وسلسلة : « توم وجيري » نموذج لذلك .
5 - اضطراب المفاهيم والأفكار :
إن اعتماد الرسوم المتحركة على الكائنات والأحداث الخيالية يأسر عقول النشء ولا يتركها تتحرر ، فيفقد بذلك توازنه الفكري ؛ فتضطرب
لديه المفاهيم ، وينعكس ذلك على الفكر بشكل واضح ، فيشكك في المعرفة
الدينية التي يتلقاها في الأسرة والمدرسة
؛ فمفهوم الدين والإيمان بالله الذي يسمعه ويتلقَّاه في المؤسستين المذكورتين لا يوجد له أثر في الأفلام الكرتونية ؛ فيضيع
ويحتار في أي معرفة يصدِّق : هل يصدِّق ما قالته الأم ، وما قرأه
في الفصل الدراسي ، أم ما يشاهده على الشاشة
؟ وهو ما سينعكس سلباً على عقيدته وفكره في المستقبل .
6 - استلاب الثقافة :
عندما يصبح الطفل مولعاً
بمشاهدة برامج الرسوم
المتحركة المبنية
على الخرافة والخيال الجامح ، فيصدقها ، فإنها تضر
بنشاطه العقلي ؛ فلا يقدر على التفكير الواقعي
السليم ؛ فيتكلم مع الحيوانات - وخاصة الكلاب والقطط - ظناً منه أنها تتكلم مثله ، ويُجلِسُها بجانبه إلى مائدة الطعام ،
وتنام معه في الفراش ، وقد يتعلق بها
أكثر من تعلُّقه بوالديه وإخواته ؛ فيحزن عند مرضها ، ويبكي حين موتها أكثر مما يحزن أو يبكي عند إصابة أخيه .
ومن جهة أخرى تنقطع صلته بثقافته الأصلية ، وتهيمن
عليه الثقافة الغربية الصليبية ؛ فيتكلم بلغاتها ، ويتمسك بعاداتها
، ويهمل اللغة العربية والثقافة الإسلامية ؛ فلا يسمي الله عند الأكل ، ولا يغسل يديه ، وينام بحذائه
على السرير وعند التحية ينحني كما
يفعل اليابانيون وأمثالهم ... إنها ترسِّخ فيه الموالاة لليهود والنصارى والملحدين ، وثقافةَ الانهزام والخضوع ؛ حيث يعتبر أن الإنسان
الغربي هو المتقدم ، وهو الذي ينبغي أن يُحتَذَى .
ورحم الله ابن خلدون ؛ إذ يقول في مقدمته : «
إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء
بالغالب في شعاره وزِيِّه ونِحلَته وسائر أحواله وعوائده » [7] .
كما تنشر هذه البرامج ثقافة الخوف من الإسلام
والمسلمين ؛ فهو السارق ، وهو المعتدي
وهو المتطرف والشرير ، ومن جهة أخرى توجه النشء إلى سفاسف الأمور ، وإلى كل عمل لا فائدة من ورائه .
7 - الشعور بالنقص والخوف من الفشل :
كثيراً ما يقلِّد الأطفال
الشخصيات التي يٍعجَبُون بها في الأفلام ، ويصعب عليهم النجاح في عملية التقليد هذه ، وخاصة قبل سن السابعة
، فيُودُون بحياتهم أو بحياة الآخرين
من حولهم ، أو يتسببون في مشاكل عويصة تستعصي على الحل ؛ فقد يصعد الطفل إلى سطح المنزل ليطير كما تطير شخصية الرجل
العنكبوت « سْبَايْدَرمَان » - مثلاً - فيموت إثر سقوطه
على الأرض ، أو يصاب إصابات خطيرة ، أو
يقلد مشهداً سحرياً ، كأن يضع يده في النار ظناً منه أنها لا تصاب بأذى عندما يقرأ تعويذات سمعها من الساحر ، وعندما يعجز ،
وتحترق يده ، ينتابه الإحساس بالنقص ، فيتسرب إلى نفسه توجس الفشل
كلما أقدم على عمل معيَّن .
وهذا ينعكس على حياته بصفة عامة .
كما أن الإدمان على مشاهد الرعب والخوف ، والدماء
والقتلى ، والحيوانات المفترسة ، والأشباح ، وطلقات النار من الأسلحة
، يؤدي بالأطفال إلى الخوف والفزع ،
وقد ينتابهم الفزع الليلي ؛ فيُحرَمُون من النوم المريح ... إن المشاهد التي يقع عليها بصر الأطفال في الرسوم المتحركة تؤدي إلى الخلط بين الواقع الملموس ، وبين الواقع الافتراضي الذي تعرضه ؛ فالواقع الحقيقي شيء
يختلف كثيراً عمَّا يُعرض من رسوم متحركة للمشاهدة على شاشة التلفزيون
[8] .
8 - تدنِّي مستوي التحصيل الدراسي : إن خطر أفلام الرسوم المتحركة على التحصيل الدراسي قوي جداً ، هذا بشهادة العديد من الباحثين المشتغلين في هذا الحقل ؛ لأن الطفل يقضي مدة طويلة من الزمن أمام الشاشة ؛ يتفرج على الرسوم ، قد تصل إلى ما
بين ثلاثين وأربعين ساعة في الأسبوع ؛ وهي مدة كافية لتُنهِك جسمه
وعقله ؛ فلا يستطيع التركيز ولا مذاكرة دروسه
، وإنجاز واجباته المدرسية ، ومن ثَمَّ يضيع وقته فيما لا ينفعه .
ومشكلة انخفاض مستوى التحصيل عند الأطفال تؤرق
المفكِّرين والمربين والسياسيين في مختلف بلدان العالم ، والدول الإسلامية
على وجه الخصوص ؛ لِمَا يميزها عن
غيرها من الدول عقدياً وفكرياً [9] .
ومن جهة أخرى لاحظ الباحثون أن المشاهد الإعلامية
ذات أثر بالغ في الأطفال ؛ فهم يتذكرون المشاهد والأحداث التي شاهدوها قبل شهور ، في
حين لا يتذكرون درساً تلقَّوه في المدرسة قبل أسبوع [10] .
ختاماً : إذا كانت نسبة كبيرة من أفلام الرسوم المتحركة الموجودة في الساحة الإسلامية والعربية اليوم
ذات ضرر بالغ على الناشئة ؛ فلا بد من البحث عن البدائل المفيدة والصالحة لإنقاذ الأجيال
القادمة من خطر يداهمها لا محالة ، والمسؤولية هنا ملقاة على عاتق الجميع ؛ لأن الكل
مسؤول أمام الله - عز وجل - الذي يقول : } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
} ( التحريم : 6 ) ، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته » [11] ؛ فالفنانون والسياسيون والمفكرون والمربون ،
وأهل المال والثراء ، والآباء والأُسر ، والمجتمع بكافة هيئاته الحكومية والمدنية ،
الكل معنيٌّ حسب المجال الذي يشغله ؛ فالمبدعون والفنانون ينتجون رسوماً متحركة تناسب
عقلية الطفل المسلم ونفسيته وقدراته العقلية ، وتراعي العقيدةَ الإسلامية السمحة،والأخلاقَ
والقيم الإنسانية الفاضلة .
وتبتعد عن الغثائية والعبثية والعشوائية .
كما ينبغي أن يستشيروا علماء الشريعة والمفكرين
التربويين المخلصين للإسلام ؛ حتى تكون المنتوجات مبنيَّة على أساس علمي وتربوي متين
.
ولهم في التاريخ الإسلامي وأبطاله مادة خصبة
، وفي الحضارة الإسلامية ومعالم الإسلام وأهدافه وقيمه وقضايا الإنسان المعاصر والحياة
والموت والكون موضوعات واسعة .
وحتى لا ينصرف الأطفال عن القراءة والمطالعة
ينبغي أن تتضمن البرامج المذكورة محفِّزات تدفعهم إلى القراءة والتحصيل المعرفي .
والأغنياء في الأمة الإسلامية ينبغي أن يساهموا
بنصيب وافر في هذا العمل البنَّاء ، بتوفير الدعم المادي للأعمال الفنية الجيدة في
هذا المجال ، وأن يستثمروا فيه أموالهم ؛ إذ لا تعدم الأمة الإسلامية فنانين أوفياء
للدين والأمة ، لكن تنقصهم الأموال للإنتاج ، دون أن يُهمَلَ دور الأسرة المسلمة باعتبارها
الحصْن الأَوَّل للعقيدة والقيم النبيلة التي يتلقاها الطفل ؛ فعليها أن تُخضِع البيت
والأطفال لنظام محدَّد منذ الصِّغر كي ينشؤوا عليه ، وحتى لا يُفلِت الزمام من أياديها
أثناء الكِبَر .
(1) هناك بعض القنوات التي تعمل على بث رسوم
متحركة نقية ، إلا أنها لا تكفي أمام المد الغربي الجارف .
(2) الفن بين الواقع والمأمول ، د. خالد بن
عبد الرحمن الجريسي ، ص 36 .
(3) بصمات على ولدي ص 6 ، د. طيبة اليحيى
.
(4) الجريدة التربوية ، عدد 28 : الأثنين
12 أكتوبر 2009م .
(5) المرجع السابق .
(6) مقدمة ابن خلدون ، ص 148 ، در القلم بيروت
1984م .
(7) التلفزيون بين المنافع والأضرار ، ص
25 ، د. عوض منصور ، ط 2 مكتبة المنار 1985م .
(8) الوعي الإسلامي ، عدد 531 ، ص 78 ، نوفمبر
2009م .
(9) التلفزيون بين المنافع والأضرار مصدر سابق
.
(10) السينما فن ، ص 5 ، صلاح أبو سيف ، دار
المعارف .
(11) رواه أحمد .