محاولات روسيا لإبرام صفقة كبيرة لخط أنابيب الغاز مع الصين قد تعثّرت؛ بسبب ما تعتبره موسكو مطالب بكين غير المعقولة بشأن مستويات الأسعار. ويُبيِّن الموقف الصيني من خط أنابيب (سيبيريا2 ) كيف أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا جعل بوتين يعتمد بشكل متزايد على الزعيم ا
تبنّى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرارًا إستراتيجيًّا -ولو متأخّرًا- بالتوجُّه شرقًا؛ لمقارعة الغرب، بعد أكثر من عامين ونصف العام تقريبًا، على انطلاق الحرب المدمّرة على أوكرانيا، وتخريب مسار العلاقات الروسية الأمريكية من جهة، والعلاقات الروسية الأوروبية من جهة أخرى.
فقد تمكّن بوتين خلال الولاية السابقة للرئيس دونالد ترامب (1996- 2020م)، من استمالة ترامب إليه، بعد التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس السابق إلى البيت الأبيض، ولا يزال بوتين يراهن على عودة ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل؛ لإبعاد أمريكا عن أوكرانيا خاصةً، وعن حلف الأطلسي ككل.
وإذا كان فوز جو بايدن، قد أدخَل العلاقات الثنائية بين القوتين العظميين في ركود وبرود؛ إلا أنّ الانسحاب الذليل للولايات المتحدة من أفغانستان 31 أغسطس عام 2021م، شجّع بوتين على محاولة إخضاع أوكرانيا بعد أشهر قليلة؛ لاعتقاده بضعف بايدن في إدارته شؤون العالم. وهو الحدث الفاصل الذي ورّط موسكو وواشنطن، ومن ورائها حلف الأطلسي، في صراع غير مباشر وغير مسبوق على ساحة أوكرانيا، ما أوصل العالم إلى حافة الصدام النووي في العامين المنصرمين، ولو إعلاميًّا حينًا، وسياسيًّا حينًا آخر.
أما العلاقات الروسية الأوروبية؛ فقد تضرّرت بشدة بسبب محاولة موسكو تغيير الحدود الموروثة من حقبة الاتحاد السوفييتي. وإذا كانت أوروبا قد حاذرت الصدام مع بوتين عام 2014م عندما ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، واحتلّ الموالون له أجزاء من شرق أوكرانيا (إقليم دونباس) بوصفها مناطق الأقلية الناطقة بالروسية؛ فإن حشده مئات آلاف الجنود أواخر عام 2021م، على الحدود المشتركة مع أوكرانيا، ومحاولة احتلال كييف في 24 فبراير من العام 2022م؛ بهدف تغيير نظام الحكم فيها؛ قد قطع الطريق أمام أيّ مبادرة أوروبية للترقيع والتجاوز، لا سيما مع نجاح الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي في مقاومة الاجتياح الروسي، وحشد الغرب خلفه.
لذا، انتكست مسيرة التقارب الروسي الأوروبي التي بدأها يلتسين، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق مطلع التسعينيات من القرن الفائت، وظهور الاتحاد الروسي كقوة جديدة على الخارطة الأوروبية. فعلى الرغم من خلع موسكو رداءها الشيوعي، وتخلّيها عن الدول الآسيوية والأوروبية التي كانت تدور في فلكها، وتطلّعها إلى الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، والتقرّب إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى درجة التفكير بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الذي كان العدو اللدود لحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي؛ فإن ما وجده الروس حقًّا، أنّ المسار التفكيكي مستمر في الاتحاد الروسي نفسه؛ لإضعافه، وأنّ حلف الأطلسي بدل أن يختفي ويزول بزوال دَوْره المفترض، وهو مواجهة أيّ خطر سوفييتي محتمل؛ راح يتمدّد شرقًا في أوروبا الشيوعية السابقة، ويقترب من الحدود الروسية نفسها.
لقد حاول الرئيس السابق بوريس يلتسين، تطبيق آخر نسخة من الرأسمالية المتوحشة على بلاده، فكانت وبالًا على روسيا التي تهشّم اقتصادها، ونُهِبَت مؤسساتها العامة تحت عنوان الخصخصة، وأضحت دولة مستهلِكة وتابعة، تعتمد في اقتصادها بشكل شبه كامل على تصدير المواد الأوّلية لا سيما النفط، ما عدا القطاع الحربي، بعدما كانت دولة صناعية منافسة على طريقة الاقتصاد الشمولي الذي أُريد منه أن يكون نموذجًا مناقضًا للنموذج الرأسمالي.
فلماذا يلجأ بوتين الآن إلى حلفاء طبيعيين له منذ أيام الاتحاد السوفييتي في أقصى الشرق الآسيوي، من دول شمولية كانت شيوعية يومًا ما، وما زالت كذلك إلى حدّ ما، من أجل التزوّد بأدوات اقتصادية أو فرص استثمارية أو حتى بأسلحة وذخائر كان هو أول مَن صدَّرها إلى تلك البلدان؟ والمقصود هنا، الصين وكوريا الشمالية وفيتنام.
هل بلغ الإنهاك الاقتصادي مداه، والاستنزاف العسكري درجته القصوى؛ بحيث تحتاج روسيا بشدّة إلى حلفاء كان بعضهم في الأقل، وإلى زمن منظور، أحوج إلى العون الاقتصادي والتكنولوجي الروسي لتجاوز الأزمات البنيوية؟ وما معنى التوقيت الآن، وقد أفاد بوتين من انشغال أمريكا وحلفائها بدعم إسرائيل كي يشنّ هجومه المتجدّد على أوكرانيا وتحقيق بعض المكاسب الميدانية؟ هل هو الشعور الروسي بتجاوز الخطر نسبيًّا، وتعاظم الأمل بتحقيق النصر على أوكرانيا والغرب؟ وهل هو السعي لبناء حلف جديد يخلف حلف وارسو بعدما أصبحت مدينة وارسو البولندية نفسها أعدى أعداء موسكو الإمبريالية؟
دعم صيني إستراتيجي بثمن مرتفع
بالنسبة للصين، التي كانت المحطة الأولى للجولة الآسيوية للرئيس الروسي، من 16 إلى 17 مايو الماضي، فإنه على الرغم من التقارب السابق بين البلدين، ومع التوافق المطّرد بين بكين وموسكو منذ بداية الحرب الأوكرانية؛ بحيث ترى الصين في روسيا شريكًا من شأنه أن يفكّ عزلتها الدولية؛ إلا أنّ أوروبا هي ثاني أكبر شريك تجاري للصين. لذلك، تبذل بكين جهدًا لطمأنة أوروبا بأنها محايدة، وتحاول التوسّط في الحرب في أوكرانيا، مع أنّ الصين ساهمت في الحفاظ على قدرة روسيا في مواصلة الحرب على أوكرانيا، بتصدير المواد مزدوجة الاستخدام إليها، كما يتهمها الغرب، وهو الموقف السياسي الذي يحاول إمساك العصا من الوسط، مع الميل الطبيعي إلى روسيا؛ إذ إنّ العدو واحد بالنسبة للصين وروسيا، وهو الولايات المتحدة. وكما أنّ روسيا تريد استرداد أوكرانيا إلى روسيا الأم، ترغب الصين بشدة باسترداد تايوان إلى الصين الأم. وأوكرانيا وتايوان محميّتان أمريكيتان.
لقد كشفت الزيارة التي قام بها بوتين للصين عن تقارب السياسات الخارجية بين موسكو وبكين. وفي بيانهما المشترك؛ تعهَّد الزعيمان بتعزيز التعاون العسكري والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، بينما أدانا أنشطة الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما وجد الزعيمان أرضية مشتركة بشأن القضايا المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا، ومنها محاولات الاستيلاء على الأصول الأجنبية لروسيا، ووعدا بتوفير قنوات دفع دون انقطاع بين الكيانات الاقتصادية التابعة للبلدين.
وخصّص البيان المشترك فقرة قصيرة فقط للحرب في أوكرانيا، والتي وصفها البيان بـ«الأزمة الأوكرانية». واتفق الجانبان على الرغبة في التوصّل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية. وأشار مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، إلى أنّ بكين «تتفهّم الأسباب الحقيقية للحرب»، مع ملاحظة مهمة؛ وهي أنّ الاجتماع بين بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين حضره وزير الدفاع الروسي السابق سيرجي شويجو، ووزير الدفاع الحالي أندريه بيلوسوف، وكلاهما من الشخصيات الرئيسية التي تقف وراء خطط الغزو الروسي لأوكرانيا.
كانت الصين أول دولة يزورها بوتين بعد إعادة انتخابه هذا العام. ويحتفل البلدان بمرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الخارجية بينهما. ونظرًا لطموحات روسيا في مجال التكنولوجيا الفائقة؛ فإن بوتين أُعجب بفكرة قيام روسيا والصين برفع علَميهما بشكل مشترك على المريخ عندما عُرضت عليه مركبة متجوّلة مزوّدة بتقنية نشر العَلَم تلقائيًّا، وذلك بحسب صحيفة روسيسكايا غازيتا التي تديرها الدولة.
كان هذا بمنزلة التعريض بموقف وكالة الفضاء الأوروبية، التي انسحبت من مهمة أوروبية روسية مشتركة إلى المريخ في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ودخلت في شراكة مع وكالة ناسا بدلًا من ذلك.
المريخ ليس محور التركيز الوحيد للتعاون الفضائي المحتمل بين روسيا والصين، ففي وقت سابق من هذا العام، كشف رئيس وكالة الفضاء الروسية «روسكوزموس»، يوري بوريسوف، تفاصيل عن المحطة القمرية الصينية الروسية المخطّط لها، قائلًا: «إنّ روسيا ستضع محطة للطاقة النووية على القمر».
وكان برنامج الفضاء الروسي قد واجَه انتكاسات في السنوات الأخيرة، وانتهت المهمة القمرية الأولى منذ ما يقرب من نصف قرن بالفشل عندما اصطدمت المركبة الفضائية لونا-25 بالقمر.
كما أبدى بوتين ثقته بصعود الصين كقوة عظمى في صناعة السيارات. وذكر بوتين أنّ السبب الوحيد وراء فرض الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية في الغرب، هو تحسُّن جودة المركبات الكهربائية الصينية. وقال: «إنّ روسيا تُرحِّب بتوسُّع صناعة السيارات الصينية». وأعرب عن أمله في تعزيز التعاون بينهما. وذلك على الرغم من شكاوى رئيس شركة AvtoVAZ المملوكة للدولة الروسية من أنّ المنتجات الصينية تُقوِّض ماليًّا الصناعيين الروس، وليس ثمّة مصلحة في توطين منتجات الصين في روسيا.
وفي الوقت نفسه، بدا الإعلام الصيني مهتمًّا بالتعاون مع موسكو في قطاع الطاقة والزراعة غالبًا. ومن المتوقّع حدوث شراكات كبيرة، ليس فقط في مجال الطاقة والتصنيع، بل كذلك في مجال الزراعة. وجرت مناقشات بين خبراء زراعيين من البلدين حول جدوى أن تصبح روسيا موردًا رئيسيًّا لفول الصويا إلى الصين. وفي الوقت الحالي، تهيمن البرازيل بنسبة 70% والولايات المتحدة بنسبة 24% على واردات فول الصويا إلى الصين. لكنَّ مناخ روسيا يجعلها مرشحًا مثاليًّا لزراعة هذا المحصول. ومن المأمول أن تؤدي الصادرات الزراعية الروسية إلى تقليل اعتماد الصين على المنتجات الغذائية القادمة من الولايات المتحدة؛ نظرًا للتوترات السياسية المتفاقمة معها.
لكنَّ محاولات روسيا لإبرام صفقة كبيرة لخط أنابيب الغاز مع الصين قد تعثّرت؛ بسبب ما تعتبره موسكو مطالب بكين غير المعقولة بشأن مستويات الأسعار. ويُبيِّن الموقف الصيني من خط أنابيب (سيبيريا2 ) كيف أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا جعل بوتين يعتمد بشكل متزايد على الزعيم الصيني شي جين بينغ للحصول على الدعم الاقتصادي؛ فالصين طلبت دَفْع ما يقرب من الأسعار المحلية المدعومة بشدة في روسيا، في حين أنها لن تلتزم إلا بشراء قسم صغير من الطاقة السنوية المخطّط لها لخط الأنابيب، والبالغة 50 مليار متر مكعّب من الغاز.
ومن شأن الموافقة على خط الأنابيب هذا أن تحوّل الموارد الهائلة لشركة غازبروم، التي تحتكر تصدير الغاز الحكومي الروسي، من خلال ربط السوق الصينية بحقول الغاز في غرب روسيا التي كانت تزوّد أوروبا في السابق. وتكبّدت غازبروم خسارة بلغت 6.9 مليار دولار العام الماضي، وهي الأكبر في ربع قرن على الأقل، وسط انخفاض مبيعات الغاز إلى أوروبا التي حقّقت نجاحًا أكبر من المتوقّع في تنويع وارداتها بعيدًا عن روسيا.
ويقول الخبراء: إنّ الصين تحتاج إلى الغاز الروسي إستراتيجيًّا كمصدر آمِن للإمداد لا يعتمد على الطرق البحرية التي ستتأثر في حالة نشوب صراع بحري حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي. وتفكّر الصين اقتصاديًّا أيضًا من خلال الحصول على صفقة مجزية، أي على سعر رخيص للغاية والتزامات مرنة.
ومن المتوقّع أن يصل طلب الصين على الغاز المستورد إلى حوالي 250 مليار متر مكعّب بحلول عام 2030م، قياسًا على أقل من 170 مليار متر مكعّب في عام 2023م. وإن كان ممكنًا تلبية مستوى الطلب الصيني على الغاز لعام 2030م إلى حدٍّ كبير، أو بصورة كليّة، من خلال العقود الحالية؛ إلا أنه بحلول عام 2040م، ستصل الفجوة بين الطلب على الواردات الصينية والالتزامات الحالية إلى 150 مليار متر مكعّب. وبسبب انقطاع الخط البري لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، فمن المتوقّع أن تقبل شركة غازبروم الروسية شروط الصين. وتدفع الصين حاليًّا لروسيا أقل سعر للغاز المستورد مقارنةً بالدول الأخرى، بمتوسط سعر 4.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بـ10 دولارات لميانمار، و5 دولارات لأوزبكستان. وخلال السنوات نفسها، صدّرت روسيا الغاز إلى أوروبا بنحو 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وفقًا للبيانات التي نشرها البنك المركزي الروسي. وانخفضت صادرات غازبروم إلى أوروبا إلى 22 مليار متر مكعّب في عام 2023م بدلًا من 230 مليار متر مكعّب سنويًّا في العقد الذي سبق الغزو الكامل لأوكرانيا. ومن المرجح أن تتضاءل هذه الكمية أكثر بمجرد انتهاء اتفاقية إعادة الشحن مع أوكرانيا في نهاية هذا العام.
اتفاق دفاعي مقلق مع كوريا الشمالية
أما الاتفاق الدفاعي المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية، والذي كان من نتائج زيارة بوتين بيونغ يانغ، بين 18 و19 يونيو 2024م؛ فقد تكون له عواقب وخيمة على الأمن العالمي، في نظر الإستراتيجيين الغربيين، بما في ذلك احتمال تغيير التوازن العسكري في شمال شرق آسيا. وبالنسبة لليابان، إحدى أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أصبحت رقعة الشطرنج الجيوسياسية أكثر تعقيدًا.
زيارة بوتين النادرة لكوريا الشمالية، هي الأولى له منذ استلامه الحكم قبل 24 عامًا، في الوقت الذي يسعى فيه بوتين للحصول على دعم عسكري أكبر من بيونغ يانغ لحربه في أوكرانيا، في السباق الذي لا نظير له بين روسيا والغرب على إنتاج الذخائر والأسلحة؛ فالحرب في أوكرانيا هي حرب مدافع بالدرجة الأولى. وقال مسؤولون أمريكيون لشبكة إن بي سي نيوز: إنه في مقابل تزويد روسيا بالذخائر التي تشتدّ الحاجة إليها، يمكن لكوريا الشمالية الحصول على مساعدة روسية بشأن التكنولوجيا العسكرية التي تحتاجها لتطوير برامجها النووية والصاروخية والأقمار الصناعية، بما في ذلك الأسلحة القادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة.
معاهدة الدفاع المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية، تُحيي اتفاقًا بين كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي السابق وُقِّع عام 1961م، ويستلزم تدخل موسكو عسكريًّا إذا تعرَّضت كوريا الشمالية لهجوم عسكري. وجرى تجاهل الاتفاق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واستُبدل بآخر في عام 2000م قدّمت فيه موسكو ضمانات أمنية أقلّ شأنًا.
أما مضمون الاتفاق الجديد، فما رشح منه -وفقًا لوكالة الأنباء المركزية الكورية- فإنه ينصّ أيضًا على عدم دخول بيونغ يانغ وموسكو في اتفاقيات مع أطراف ثالثة، إذا انتُهكت «المصالح الجوهرية» لأيٍّ منها، ويجب ألّا تشارك أيٌّ منهما في أعمال تهدّد تلك المصالح.
وأضافت الوكالة: إنّ الاتفاقية تتطلّب من الطرفين اتخاذ خطوات لإعداد تدابير مشتركة لغرض تعزيز قدراتها الدفاعية لمنع الحرب وحماية السلام والأمن الإقليميين والعالميين. ولم تحدّد الوكالة ما هي هذه الخطوات، أو ما إذا كانت ستشمل التدريب العسكري المشترك، وغيره من أشكال التعاون. كما اعتبرت أنّ الاتفاق يدعو إلى التعاون بنشاط في الجهود الرامية إلى إقامة «نظام عالمي جديد عادل ومتعدّد الأقطاب».
والتساؤل المطروح، هو: هل عرض روسيا تقديم المساعدة الدفاعية لكوريا الشمالية يشمل الردع النووي؟ وفي حين كانت الصين حذرة تاريخيًّا عندما وعدت بتقديم مساعدات عسكرية لكوريا الشمالية، فإن روسيا تبدو أكثر تحرّرًا بكثير على هذا الصعيد. كما أنّ انضمام روسيا إلى حرب محتملة إذا ما تعرَّضت كوريا الشمالية للهجوم، يضع المنطقة والعالم أمام سيناريو يمكن فيه لقوتين نوويتين، هما الصين وروسيا، مساعدة كوريا الشمالية.
ويقول الخبراء: إنّه من المرجّح أن تردّ الولايات المتحدة على الاتفاقية عبر تعزيز علاقاتها الأمنية مع حلفائها في المنطقة: كوريا الجنوبية واليابان، مما سيزيد من شعور بكين بالظهور العسكري الأمريكي الزائد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي بيان مشترك صدر عن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، عقب الإعلان عن المعاهدة الدفاعية، أدانت فيه الدول الثلاث تعميق التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية. فالاتفاق الدفاعي الجديد مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، له تداعيات مباشرة على الخيارات المقبلة لكوريا الجنوبية واليابان.
ومن جانبها، قالت كوريا الجنوبية: إنها ستدرس إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وهو تغيير كبير في السياسة الخارجية طويلة الأمد، وتتمثّل في عدم تزويد الدول المشاركة في أيّ صراع مسلّح. إنّ «سيؤول» مصدر متزايد لتوريد الأسلحة، ولديها جيش مجهّز تجهيزًا جيدًا، وتدعمه الولايات المتحدة. وقدّمت كوريا الجنوبية حتى الآن مساعدات إنسانية لأوكرانيا، بينما انضمّت إلى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على موسكو، لكنها لم تقدّم أسلحة مباشرة إلى كييف.
أما التأثير الثاني فهو على المخطّطين الإستراتيجيين في اليابان. ومن شأن عرض بوتين تسليم أسلحة دقيقة متطوّرة لكوريا الشمالية أن يمنح ميزة فتاكة إضافية في شبه الجزيرة الكورية. وكانت الصواريخ الكورية الشمالية هي الشغل الشاغل لليابان. وقد أظهر اختبار بيونغ يانغ للصواريخ متوسطة المدى كما طويلة المدى أنّ كيم يريد وضع اليابان -والقواعد العسكرية الأمريكية هناك- في متناول اليد.
ومما يثير قلق اليابان أيضًا هو التعاون المحتمل بين روسيا وكوريا الشمالية بشأن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ففي ديسمبر 2023م، أطلقت بيونغ يانغ بنجاح صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات، يعمل بالوقود الصلب. ووصفت سلطات الدفاع اليابانية والكورية الجنوبية الصاروخ بأنه قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة. إن مساعدة موسكو في تكنولوجيا الصواريخ الباليستية لبيونغ يانغ، بما في ذلك توفير الأقمار الصناعية اللازمة لتقديم الدعم، ستسمح لكيم التهديد بالانتقام من البرّ الرئيسي الأمريكي إذا هاجمت القوات الأمريكية كوريا الشمالية. وبعبارة أخرى، فإن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والقادرة على حمل رؤوس نووية من شأنها أن تزيد من خطر فصل الولايات المتحدة عن حلفائها في شمال شرق آسيا.
ويأتي الاتفاق الدفاعي الروسي الكوري الشمالي، ردًّا على سماح عدد من دول حلف الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، لأوكرانيا بضرب بعض الأهداف على الأراضي الروسية بالأسلحة بعيدة المدى التي زوّدُوا كييف بها. وقال بوتين: «إنّ موسكو تحتفظ بحق تسليح خصوم الغرب».
تجديد العلاقة التاريخية مع فيتنام
اختتم بوتين جولته على الحلفاء السابقين للاتحاد السوفييتي في آسيا بزيارة فيتنام بين 19 و20 يونيو 2024م، احتفل خلالها البلدان بالذكرى الثلاثين لتوقيع معاهدة المبادئ الأساسية للعلاقة الفيتنامية الروسية. وكانت هانوي وموسكو قد وقّعتا المعاهدة عام 1994م لتحلّ محلّ معاهدة الصداقة الموقّعة عام 1978م.
وتُعدّ معاهدة 1994م بمنزلة ميثاق عدم اعتداء؛ حيث تعهّدت كلٌّ من هانوي وموسكو بعدم الدخول في أيّ اتفاقيات مع أطراف أخرى من شأنها الإضرار بمصالح الجانب الآخر. وعشية الزيارة، كتب بوتين تعليقًا في صحيفة نهان دان الفيتنامية، أشار فيه إلى أنّ فيتنام وروسيا لهما توجّهات مماثلة تجاه القضايا الدولية. ومع ذلك، فإن ما يجعل زيارة بوتين مهمة أنها جاءت في أعقاب استضافة فيتنام للرئيس الأمريكي جو بايدن في سبتمبر العام الماضي، وهي محاولة التفاف روسية على جهود أمريكية جارية لتعميق علاقتها مع فيتنام، التي تنتهج سياسة خارجية محايدة ومتعدّدة الأطراف؛ حيث بمقدور روسيا مساعدة فيتنام في تحديث ترسانتها العسكرية السوفييتية المصدر.
ولا تحظى العديد من الدول الصغيرة بالاهتمام الذي تحظى به فيتنام؛ كما يقول الخبراء الدوليون، على الرغم من أنها تمارس أيضًا الدبلوماسية متعدّدة الأطراف. واللافت للنظر في حالة فيتنام هو أنّ القوى الكبرى تتنافس لكي تثبت لفيتنام أنها قادرة على توفير الأمن لها في وقتٍ تحتاج البلاد إليه بشدة؛ في الوقت الحالي، تتطلّع هانوي إلى حماية أمن نظامها، وحماية سيادتها الإقليمية، والحفاظ على بيئة خارجية سلمية ومستقرة توصّل إلى النمو الاقتصادي.
وتسعى الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى تلبية احتياجات فيتنام من خلال توفير الأمن الخاص بها، مع التركيز على تحسين العلاقات مع دولة ذات أهمية جغرافية. فمثلًا، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة فيتنام في تعزيز مطالبها في السيادة الإقليمية والبيئة السلمية، لكنّها لا تستطيع أن تفعل ذلك فيما يتعلّق بأمن النظام. وتستطيع الصين مساعدة فيتنام في ضمان أمن النظام والحفاظ على بيئة خارجية مستقرة للنمو الاقتصادي في فيتنام. ومع ذلك، فهي لا تستطيع إقناع هانوي بشكل كامل بنياتها السلمية، مع وجود نزاع حدودي قديم بين البلدين. وتستطيع روسيا تزويد هانوي بأمن النظام والأمن الإقليمي، لكنّ تركيزها الإقليمي على أوروبا وقدراتها العسكرية المحدودة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يعني أنّ تأثير روسيا في المسائل الإقليمية التي تهمّ فيتنام سيكون محدودًا.
وعلى هذا، فإن زيارة بوتين تسعى إلى طمأنة هانوي إلى أنه على الرغم من الحرب المستمرة في أوكرانيا، واعتماد روسيا المتزايد على الصين، لكنّها لن تتخلى عن دورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأنّ فيتنام تظلّ الشريك الرئيسي لروسيا في المنطقة.
إنّ فيتنام تُشكّل أهميةً بالغةً بالنسبة لروسيا في منطقة المحيط الهادئ، مع أنّ فيتنام محايدة بإزاء الحرب في أوكرانيا. وثمّة حاجة لاستمرار التعاون بين فيتنام وروسيا في مجال التنقيب عن النفط والغاز في بحر الصين الجنوبي على الرغم من عدوانية الصين البحرية المتزايدة. وترغب الحكومة الروسية في التعاون مع فيتنام لتطوير الاستخدام السلمي للطاقة الذرية في فيتنام.
إنّ استعداد فيتنام لاستضافة بوتين، على الرغم من انزعاج السفارة الأمريكية في هانوي؛ يدلّ على أنّ فيتنام تريد تدويل نزاعات بحر الصين الجنوبي، وإشراك أكبر عدد ممكن من القوى الكبرى في تزويدها بالأمن؛ لأنه لا يمكن لقوة واحدة أن تزوّدها بكل الأمن الذي تحتاجه.