مسلمو كولومبيا... مواجهة خطر الذوبان !
«إن هناك غياباً للتعليم الإسلامي وندرةً في المساجد والدعاة والكتب الإسلامية». بهذه العبارة جسَّد أحد الدعاة الإسلاميين وَضْع الجالية الإسلامية في كولومبيا التي تواجه خطر الذوبان والانقراض بسبب الإقبال على الزواج من نصرانيات، والظروف الصعبة التي يواجهونها، والعداء من بعض الطوائف الدينية المتعصبة الموجودة في البلاد.
وأضاف الداعية الإسلامي: إن هذا الغياب للتعليم الإسلامي والندرة في المساجد، يعرِّض أبناء الجالية الإسلامية للجهل بدينهم وعقيدتهم، وخاصة أن عدداً كبيراً من الأبناء يتَّبعون عادات أمهاتهم المسيحيات من زيارة الكنائس والمشاركة الاحتفالات الدينية، مشيراً إلى خطرٍ آخر يهدِّدهم يتمثل في انتشار تجارة المخدرات والكوكائين وتناوُلِها بين أبناء الجالية الإسلامية، بعد أن انغمسوا في هذه التجارة التي ترعاها عصاباتٌ واسعةُ القوة والنفوذ، ولها تنظيمات سياسية وعسكرية، ويتعاون معها مسؤولون كبار.
لكن على الرغم من هذه الأوضاع المتردية لمسلمي كولومبيا إلا أن عاطفتهم الإسلامية ما زالت موجودةً، واستشهد على ذلك الداعية مصطفى عبد الغني أحمد بقوله: «في أثناء زيارتي لإحدى المدن بكولومبيا التقيت بأعضاء الجالية البالغ عددهم ثلاثين شخصاً، وبعد الحديث عن الدين وأهميته في حياتنا استجابوا لأداء صلاة الظهر جماعة، وبعد الصلاة قام أحدهم يخطب قائلاً: الحمد لله أن سمعنا كلمة (الله أكبر) قبل أن نموت، ولم نكن نسمعها في هذه البلاد منذ ثلاثين سنة»، مشيراً إلى أن الجالية المسلمة الكولومبية تحتاج بشدة لتضامن إخوانهم من العالم الإسلامي، لا سيما المنظمات الإسلامية العالمية التي تهتم بشؤون الأقليات المسلمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
التنصير بالإكراه:
ولكي نتعرف على الأسباب التي أدت إلـى هـذه حالـة خطر الذوبان والانقراض التي وصلت إليها الجالية الإسلامية في كولومبيا، لا بد أن نتعرف على الخلفية التي واكبت دخول الإسلام إلى هذه البلاد؛ فقد دخل الإسلام إلى أمريكا اللاتينية ومنها إلى كولومبيا منذ اكتشاف الأمريكيتين في القرن الخامس عشر على يد كريستوفر كولومبوس، عن طريق العبيد الذين جُلِبُوا من شمال إفريقيا وشرقها، وقد استقر أغلبهم في البرازيل ثم انتشروا في باقي أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية. وقد كانت الأغلبية الساحقة لهؤلاء العبيد من المسلمين الذين أُرغِموا على ترك دينهم تحت التهديد والتعذيب، وذاب كثير منهم في هذه القارة، وتنصَّر منهم مَنْ تنصَّر تحت الإكراه البدني والنفسي والمعنوي، وبناءً على ذلك تقهقر الإسلام في هذه القارة.
وبعد تحرير العبيد وعودة كثيرٍ منهم إلى هذه الديار، بالإضافة إلى الهجرات المكثفة من الهند وباكستان ولبنان وسوريا، عاد الإسلام مرةً أخرى. وقد تمركز أغلبهم في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكولومبيا.
وتعيش أغلب الجاليات المسلمة في كولومبيا بالعاصمة بوجوتا وفي مدينة ميكاو، وبرانكليا، وكالي، ومايكو، إلا أنَّ أكبر تجمُّع للمسلمين في كولومبيا يوجد في مدينة ميكاو.
وبدأ المسلمون هجرة ثانية إلى كولومبيا في خمسينيات القرن الماضي، وأغلب المهاجرين كانوا من الشام، ولم يكونوا على معرفة باللغة الإسبانية (لغة كولومبيا الأساسية)، وهو الأمر الذي عانوا منه كثيراً أثناء الحوار والتعامل مع الشعب الكولومبي، وبمجرد وصولهم إلى هذا البلد بدأ كل شخص يفكر في طريقة الحصول على الإقامة الرسمية، وكان معروفاً في ذلك الوقت أن الشخص لا يمكنه دخول الولايات المتحدة إلا إذا تزوج امرأة كولومبية زواجاً معترَفاً به في الكنيسة، ومن ثَمَّ تسابق المسلمون على الزواج من كولومبيات نصرانيات، ولم يكن لهم أي هدف سوى الحصول على الإقامة والدخول إلى أمريكا وتحسين مستوى عيشهم.
المخدرات خطر آخر يهدد مسلمي كولومبيا:
حين يتردد اسم كولومبيا يقفز إلى ذهنك مباشرةً زراعة المخدرات والكوكائين وتجارتهما؛ حيث يعود تاريخ المخدرات في كولومبيا إلى القرن السادس عشر قبل دخول الإسبان إليها؛ فقد كانت هناك قبائل من الهنود الحمر تعتمد في حياتها على الزراعة والفلاحة، ومن أهمها زراعة الكوكائين بطريقة عشوائية كنباتات عادية لا قيمة لها ولا مفعول، ومع ممارسة هذه الزراعة اكتشف الهنود أن مضغ ورق (الكوكا) يعطي للجسم نشاطاً كبيراً وحيويةً تساعدهم على أعمال الفلاحة الشاقة، ومن هنا بدأت عناية الهنود بهذه الشجرة، وانتشرت لدى قبائل كولومبيا.
والآن أصبحت زراعة الكوكائين من أهم الزراعات المربحة في العالم؛ بحيث انخرط في تجارة هذه المادة في كولومبيا والعالم كبار المسؤولين في الجيش والشرطة والوزارة والبرلمان، حتى الأحزاب السياسية.
وفي سنة 1985م بدأت حكومة كولومبيا تعي الخطر الذي يهددها بسبب زراعة هذه الشجرة وخطورتها على العالم أجمع، واتخذت بعضَ الإجراءات القانونية الصارمة للحد من نفوذ عصابات المخدرات التي أصبحت تنافس الدولة من حيث قوَّتها (الإعلامية والاقتصادية والعسكرية)؛ ولهذا تحصل بين الفينة والأخرى مواجهات قوية بين الجيش النظامي وهذه العصابات ينتج عنها عشرات من القتلى، بل مئات، وهو ما جعل النظام الكولومبي في مأزق يصعب الخروج منه.
وقد أغرت تجارة المخدرات هذه كثيراً من المسلمين في كولومبيا؛ فانغمسوا فيها وجلبت لهم ولأبنائهم الويل والدمار، وانعكست سلباً على معظم الجاليات الإسلامية، نظراً للفقر والحاجة وضعف الموارد المالية، بالإضافة إلى تخلِّي الدول الإسلامية والعربية عنهم، وفقدان المساعدات.
وأمام هذا الخطر الذي يهدد الجالية الإسلامية في كولومبيا، قامت بعض الجمعيات الإسلامية في كولومبيا بجهود دعوية وتعليمية بُغيَة الحفاظ على أبناء الجالية من الضياع؛ إلا أن الجهود المبذولة من قِبَل بعض الجمعيات والدعاة لنشر الإسلام في كولومبيا بسيطة جداً ولا تكاد تذكر، ومع ذلك استطاعت بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية في كولومبيا أن تؤدي خدماتٍ شتى ساعدت في الحفاظ على هوية الكثيرين تحت خيمة الإسلام، كما استطاع بعض الشيوخ والدعاة خلق صحوة داخل أوساط الشباب المسلم، رغم قلة الإمكانات: من مدارس ومساجد ودعاة.
كيفية مواجهة الذوبان:
هكذا تضافرت الأسباب الخارجية والداخلية، وساعدت على ذوبان الإسلام في كولومبيا وانخراط الجالية الإسلامية - في ظل غياب دور المنظمات الإسلامية - في المجتمع ذي الأغلبية النصرانية؛ وهذا ما حثَّ بعضَ الباحثين والمتهمين بالإسلام في كولومبيا، أن يضعوا خطة إستراتيجية علمية للحفاظ على الأقلية المسلمة في كولومبيا، تتضمن القيام ببعض الخطوات التي تمكِّن من استقرار أوضاع الجالية الإسلامية في كولومبيا ومواجهة الأخطار، ومن أهم هذه المقترحات:
أولاً: إنشاء وَقْف خيري لدعم مشروعات الدعوة وبرامجها وتغطية احتياجات الجالية، ويمكن من خلاله إيجاد مشاريع استثمارية تفتح فرص العمل لأبناء الجالية والمسلمين الجدد، وتشارك السلطات المحلية والدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ثانياً: تأسيس مدارسَ ومعاهدَ علميةً إسلاميةً مهمتها تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم والتعريف بالإسلام لغير المسلمين، مع ترجمة الكتب الإسلامية ونشرها باللغة الإسبانية، وربط العلاقات بالأوساط الجامعية (طلاباً وأساتذةً)، والدخول في علاقة تعاونٍ مع كبار الشخصيات الثقافية والجامعية، وتوجيه الدعوات إلى كبار أساتذة الجامعات الكولومبية لزيارة البلدان الإسلامية؛ لتوثيق العلاقة الثقافية والاجتماعية والدبلوماسية.
ثالثاً: إنشاء شبكة اتصالات معلوماتية لنشر الثقافة الإسلامية عبر الإنترنت، مع السعي لإنشاء قناة تلفزيونية إسلامية في أمريكا اللاتينية تكون ناطقة باللغة العربية والإسبانية، أو فتح نافذة إعلامية عن طريق إحدى القنوات في كولومبيا لساعات محدَّدة يجري خلالها تقديم الإسلام في صورة صحيحة وبأساليب عصرية مشوِّقة.
رابعاً: إنشاء مؤسسات اقتصادية مربحة، توفر العمل لأبناء المسلمين، مع دفع نسبة من الربح للدعوة الإسلامية، تُنْفَق في بناء المساجد والمدارس، وتنظيم المخيمات الشبابية، والدورات الشرعية، وطبع الكتب وترجمتها.
خامساً: ضرورة الاهتمام بشؤون المرأة المسلمة في كولومبيا في البرامج التعليمية والدروس الدينية، تأكيداً على ضرورة صيانة كرامتها وعزتها، وتفعيل المؤسسات واللجان الاجتماعية المتعلقة بشأن الأسرة.