فهذا الرجل بما يُشكّله من ثِقَل علمي ومكانة اجتماعية ودور سياسي، لا بد من دراسة حياته والوقوف على أبرز تحوُّلاته الفكرية والعقدية، واستعراض مسيرته في النضال والصدع بالحق، ومعرفة واقع إيران الفكري والسياسي آنذاك.
مقدمة
إنّ مِن العلماء الذين هداهم الله -سبحانه وتعالى-، ووفَّقهم ودلَّهم لسلوك الطريق الصحيح، هو: آية الله العظمى الشيخ أبو الفضل البرقعي؛ إذ كان تدبُّره لكتاب الله -عز وجل- سببًا في تركه كثيرًا من الغلو والخرافات التي كانت منتشرة في مجتمعه آنذاك، ولهذا ترك ما كان عليه القوم من التمسك بالمذهب الإمامي الإثني عشري، وبدأ في بيان الحقائق التي دلَّ عليها القرآن الكريم؛ فكان يدعو للتوحيد، ويحذّر من الشرك، ويدعو لاجتناب البدع والخرافات.
كتاب «سوانح الأيام»:
كتب البرقعي مذكراته ودوَّن مواقفه وأحداث حياته، وأودعها كتابه الموسوم بـ«سوانح الأيام»، ووضّح مراده من ذلك، فقال: «وأرجو أن تكون هذه الترجمة الشخصية، التي ألَّفها الرجل المعمّم، الذي درس في قم والنجف سنوات طويلة من عمره، سببًا لمعرفة الناس للإسلام الصحيح، وألا يُحمِّلوا دين الله القويم، أعمال الشيوخ الفاسدة والمخالفة للشرع، وأن يرجع الناس إلى القرآن والسنة، فيتدبروهما بصدق وتجرُّد ليعرفوا الإسلام، وأن تكون هذه السطور دافعًا لهم لكي يتركوا تقليد أقوال شيوخهم بدون تأمل»[1].
أهمية موضوع هذا الكتاب:
قد يتبادر إلى ذهن القارئ هنا سؤال، وهو: ما أهمية دراسة واستعراض تاريخ البرقعي، ومراحل حياته وتحولاته الفكرية والعقدية؟
وهو سؤال مهمّ أجاب عنه أحد الباحثين، فقال: «والشيخ البرقعي في الحقيقة، هو جزء من ظاهرة ينبغي علينا أن نعيها، وأن نسعى إلى تنميتها ونشرها، هذه الظاهرة هي هداية بعض مشايخ وأئمة التشيع، إلى فساد مذهبهم واقترابهم إلى اكتشاف الحق والصواب.. وقد ذكَر البرقعي في كتابه تأثره بمصطفى طباطبائي، وهو رجل تخرَّج من حوزات الشيعة في قم، وبلغ رتبة الاجتهاد عندهم، ثم ما لبث أن ترك التشيع.. وهناك الدكتور علي مظفريان، وهو طبيب جراح ترك التشيع، وصار إمامًا لمسجد أهل السنة في شيراز.
وهناك موسى الموسوي الذي أعلن عن عزمه على تصحيح مذهب الشيعة، وكتب كُتبًا في هذا الاتجاه؛ منها: الشيعة والتصحيح، ويا شيعة العالم استيقظوا، والثورة البائسة، وغيرها من الكتب، وهناك أحمد كسروي الذي ترك التشيع، بعد أن بلغ رتبة الاجتهاد عندهم، وله كتاب دراسة التشيع. ومثلهم أحمد الكاتب الذي نفى ولادة ما يُسمى عندهم المهدي المنتظر»[2].
ولهذا لا يمكننا إغفال حياة ومسيرة هذا الرجل، الذي بلغ أرفع المقامات لدى الشيعة، فأُطلق عليه لقب «آية الله العظمى»، وفي الوقت نفسه له علاقات وصلات قوية وطويلة الأمد مع مَن بلغوا مقام المرجعية، أو بلغوا درجة آية الله العظمى، مثل: حسين البروجردي، والخميني، ومحمد كاظم شريعتمداري، وعبدالكريم الحائري اليزدي، وحجّت كوّه كمري، وحسين منتظري، وأبو الحسن الأصفهاني، وآية الله أبو القاسم الكاشاني، وغيرهم كثير.
فهذا الرجل بما يُشكّله من ثِقَل علمي ومكانة اجتماعية ودور سياسي، لا بد من دراسة حياته والوقوف على أبرز تحوُّلاته الفكرية والعقدية، واستعراض مسيرته في النضال والصدع بالحق، ومعرفة واقع إيران الفكري والسياسي آنذاك.
الدراسات السابقة:
لقد وقفت على دراستين تناولت حياة البرقعي، وهما:
الدراسة الأولى: وهي بعنوان: «أعلام التصحيح والاعتدال مناهجهم وآراؤهم»، للدكتور خالد بن محمد البديوي، وهي رسالة ماجستير، وتُعدّ من أول ما كُتِبَ عن البرقعي برسالة علمية، وقد اهتمت بدراسة شخصيات عديدة، كان البرقعي أحد تلك الشخصيات، وهي رسالة علمية عُنِيَت بمحاولة التعرف على أسباب التحول العقدي والفكري لدى هؤلاء الأعلام، فجاءت مختصرةً؛ إذ لم يكن الهدف منها هو استيعاب ودراسة كل ما له علاقة بالبرقعي.
الدراسة الثانية: وهي بعنوان: «البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة»، للدكتور خالد بن عبدالمحسن التويجري، وهي رسالة دكتوراه، وتُعدّ دراسة شاملة لاعتقاد البرقعي، تناول فيها الباحث أسباب تحوُّله للمنهج الصحيح، مع بيان معتقده وموافقته لأهل السنة، كما اشتملت الدراسة على موقفه من مصادر التلقي.
وصف الكتاب:
عنون البرقعي لمؤلّفه هذا وسمّاه: «سوانح الأيام- أيام من حياتي»؛ «مذكرات حياة عالم دين مصلح في إيران»، وهو من تحقيق الدكتور خالد البديوي ومجموعة من الباحثين، نشرته دار العقيدة للنشر والتوزيع، وهذه الطبعة الثانية، سنة 1435ه، وتوزيع شركة مكتبة العبيكان، بلغت عدد صفحاته (397) صفحة.
إجراءات الدراسة:
لم يكن هدفي من الكتابة حول هذا الموضوع، استيعاب ما نُقِلَ عن البرقعي، أو دراسة جميع جوانب حياته ومراحله الفكرية؛ إذ كان جهدي مُنصبًّا على محاولة إبراز أهم الأحداث في حياة البرقعي، وتسليط الضوء على الخطوط العريضة من حياته وذكرياته، كما عملت على إعادة ترتيب الكتاب بحسب الوقائع، وأضفت بعض الأمور المتعلقة بحياة البرقعي، من مراجع ومؤلفات أخرى، حتى تُساعد القارئ على تصوُّر الكتاب وفهمه.
فكنت أنقل بتصرُّف الأحداث والوقائع التي عاشها البرقعي، وكأني أتحدّث بلسانه في كثير من الأحيان، إلا ما اقتضاه النقل الحرفي لكلامه، فأنقل النص كما هو، وإذا بدا لي تعليق أو ربط بين الأحداث، فحينها أُورده في موضعه المناسب، وأحيانًا يستدعي المقام إضافة شيء غير موجود في الكتاب، ولكن أجد له ارتباطًا وثيقًا بموضوع الدراسة، فأُورده فيما له علاقة به، كما أضفتُ بعض التعليقات على ما ذكره البرقعي على سبيل النقد.
التعريف به:
هو آية الله العظمى أبو الفضل بن حسن أحمد، ينتهي نسبه إلى أحمد المبرقع بن الإمام محمد الجواد، كان من أهل مدينة قم، لُقِّب بالبرقعي؛ لأنه من نسل موسى المبرقع، كما يقال له الرضوي نسبة إلى الإمام الرضا، المولود في مدينة قم، واختُلف في سنة ولادته فقيل سنة 1329ه أو سنة 1330ه.
كان والده (حسن) فقيرًا مُعرضًا عن الدنيا، ومن أزهد الناس فيها، يكسب بيده قوت يومه، وقد وُصف بأنه كان حَسن الحال دائم السرور، جوادًا متواضعًا، كان من أهل العبادة، وممن يحب السهر، وبسبب فقره تعذَّر عليه الإنفاق على تعليم ابنه.
وأما والدته، وهي سكينة ابنة الحاج غلام رضا القمي، فقد كانت عابدة زاهدة قنوعة، وقامت بتحصيل المال وساعدته في الدراسة، وأما جده فقد كان عالمًا بارزًا ومجتهدًا معروفًا، زاهدًا بعيدًا عن الثراء، وهو من تلاميذ الميرزا الشيرازي، صاحب فتوى تحريم التبغ المشهورة[3]، وبالنظر إلى طبيعة هذه العائلة التي تربَّى فيها البرقعي، يمكننا معرفة سبب تلك الصفات التي تحلَّى بها البرقعي.
دراسته وإجازاته العلمية:
بدأ البرقعي طلب العلم في قم؛ حيث تعلم في صغره القراءة والكتابة وقراءة القرآن، ثم قدم إلى قم أحد علماء الشيعة، ويدعى الحاج عبدالكريم الحائري اليزدي، فقام بفتح حوزة علمية، وكان آنذاك عمر البرقعي اثنتي عشرة سنة تقريبًا، والتحق بالحوزة ودرس فيها ما يقرب من سنتين، فتقدم للاختبار لدى الحائري ونجح بتفوق، فخصَّص له راتبًا شهريًّا[4].
كما درس البرقعي عند كلّ مما يلي:
أبو القاسم الكبير القمي.
الحاج محمد علي القمي الكربلائي.
الميرزا محمد السامرائي.
محمد حجت كوّه كمري.
عبدالكريم الحائري.
أبو الحسن الأصفهاني.
كما أُعطي إجازة الاجتهاد مِن قِبَل الأسماء التالية:
محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي.
ابن الميرزا خليل السامرائي.
آغا بزرك الطهراني.
عبدالنبي النجفي العراقي الرفسي.
أبو القاسم الكاشاني.
أبو الحسن الأصفهاني.
شهاب الدين المرعشي المعروف بالآغا نجفي المرعشي.
محمد حجت كوّه كمري[5].
صفاته:
ومن خلال استعراض سيرته يتجلى لنا، أنه كان حريصًا على الإخلاص لله -عز وجل- في دعوته إلى التوحيد وترك الشرك، ونبذ الخرافات المنتشرة في مجتمعه، كما اتصف بالورع والزهد وترك حطام الدنيا، والبعد عن حظوظ النفس، وكان صادعًا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، مبادرًا إلى إبراء الذمة وبيان الحق، في صبر وشجاعة وثبات.
الكتب والمؤلفات:
ألَّف البرقعي كثيرًا من المؤلفات، وهي قرابة الثمانين مؤلفًا، ويمكن تقسيمها بحسب تحوُّله الفكري والعقدي، إلى قسمين:
أ- الكتب التي ألَّفها قبل هدايته وبصيرته بالحق، ومنها:
عقل ودين.
تراجم الرجال.
عقائد الإمامية الإثني عشرية.
محاسن اللحية والشارب.
ب- مؤلفاته في تقرير مذهب أهل السنة، والرد على الشيعة الإثني عشرية، وترجمة بعض كتب أهل السنة، ومنها:
ترجمة العواصم والقواصم. (لم يُطبَع).
ترجمة كشف الشبهات. (لم يُطبَع).
الخرافات الكثيرة في زيارة القبور.
نقد كتاب المراجعات والرد عليه. (باللغة العربية).
العقيدة الإسلامية (وهو عبارة عن ترجمة كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، طُبِعَ باسم مستعار: عبد الله تقي زاده).
درس من الولاية.
ترجمة مختصر كتاب منهاج السنة النبوية لابن تيمية.
حوارات الأيام (سوانح الأيام).
كسر الصنم[6].
وفاته:
عانى البرقعي طيلة حياته من السجن والإيذاء والظلم والاضطهاد، فلم يتراجع عن مبادئه، ولم يَحِد عن منهجه قيد أنملة، وبقي صادعًا بالحق، محتسبًا في ذلك الأجر، حتى وافته المنية في سنة 1992م، فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر الله له ما صدر منه من زلل أو خطأ، «وقد أوصى ألا يُدْفَن في مقبرة الشيعة، وحتى منَع من نَصب أبيات شعرية على قبره؛ حيث أنشدها من قبل لهذه الأيام»[7][8].
رحلات الوعظ الأولى:
ذكر البرقعي الباعث لسفر بعض طلاب الحوزة، للوعظ في مساجد القرى المجاورة، كما بيَّن أهمية ومنزلة حُسْن وجمال صوت الواعظ، في مقدار كسب الأموال، فقال: «كان الشيخ عبدالكريم الحائري، يعطي طلاب كل مدينة أو قرية راتبًا متناسبًا، مع ما كان يَرِد من أهل منطقة كل طالب من العطايا والصدقات... وكان راتب طلاب قم أقلّ من غيرهم؛ لأن ما يرد منها قليل، فكان من المهم لطلاب قم أن يستغلوا شهر محرم ورمضان، كي يُؤمّنوا ما يحتاجونه من خلال ما يقدمه الناس لهم بعد الوعظ، وبطبيعة الحال كلما كان صوت الواعظ أحسن كان عطاء الناس له أكثر، وهو ما لم يكن عندي»[9].
نزاع الوعّاظ في قرية ورامين:
ذهب البرقعي قبل رمضان إلى قرية يقال لها ورامين، وكان بها مسجد متواضع مبنيّ من الطين، لا بُساط له إلا التراب، مفروش بقطعة حصير ممزقة بالية، فأقام بهم الجماعة وألقى بعض الخطب، وعلم أنه كان يأتي للمسجد شيخ يدعى مرتضى تنكابني، ولكنه لم يأتِ هذا العام، ولم يبقَ على رمضان إلا يومين.
قرَّر البرقعي البقاء معهم، ولكنه فوجئ بمجيء رجل يدعى سلطان الواعظين، لقبه البرقعي بلقب شيطان الواعظين؛ لأنه صعد على المنبر واختلق أمورًا ليست في الكتاب ولا في السنة، غير أن صوته كان جميلًا، ونظرًا لحياء البرقعي، فقد استحيى من الصعود على المنبر ومنازعته في ذلك، وبقي في تعليم الناس على الأرض.
وفي اليوم الثاني يدخل المسجد شيخ جديد طويل القامة، يُدعى قوام الواعظين الشيرازي، وأتى معه ببعض المسؤولين الرسميين في المنطقة، ليُمكّنوه من صعود المنبر، فنشب الخلاف بينه وبين سلطان الواعظين.
ثم في اليوم الثالث جاء شيخ يدعى محمد رضا كيلاني الملقب بالبرهان، فصعد المنبر ووعظ أمام الشيخين السابقين[10]، وهنا يقول البرقعي: «لقد كان المشهد غريبًا، فرغم أنه لم يكن هناك أحد، يستمع للوعاظ في ذلك المسجد، كان المشايخ الواعظون يصعدون إلى منبره الواحد تلو الآخر، دون أن يدعوهم إلى ذلك أحد! فصرفت النظر كليًّا عن الصعود إلى منبر ذلك المسجد، إلى أن دخل شهر رمضان، فعلمت أن السيد مرتضى تنكابني إمام الجماعة، الذي يأتي كل سنة إلى هذا المسجد في رمضان، قد أتى هذه السنة أيضًا ليؤم المصلين فيه، فعرفت أنه لم يَعُد لي مكان في هذا المسجد، فقررت مغادرة القرية في اليوم الأول ذاته من شهر رمضان»[11].
جواد آباد:
انتقل البرقعي إلى قرية جواد آباد، فذهب إلى مسجدها الذي كان قديمًا بلا صيانة، وصلى المغرب مع إمام المسجد، فما سلّم البرقعي عليه تجاهله تمامًا، ولم يردَّ عليه السلام، ثم في صباح اليوم التالي رآه شخص من أهل القرية يدعى حاجي آغا، وسأله: لماذا لم يأتِ البارحة للإفطار في منزله؟ وأخبره: أن إمام المسجد النجفي طلب منه إحضار البرقعي، فرد عليه: لقد رآني الشيخ ولم يلتفت إليَّ، فضلًا عن أن يخبرني بدعوتك! وهنا تساءل البرقعي: لِمَ لَمْ يكترث به ذلك الشيخ النجفي؟![12]، فقال: «وأغلب الظن أنه أدرك أنه لو أخذني معه إلى منزل الحاجي للإفطار، ودار حديث حول المسائل الدينية، فاطلع مضيفنا على أنني من أهل العلم أيضًا، وأنني جئت للدعوة والتبليغ، لدعاني ذلك المضيف إلى التوقف في القرية والوعظ فيها، ولتقاسمت مع الشيخ عندئذ مهمة الوعظ والإرشاد، وعندئذ لن يستطيع أن ينتفع من أهل القرية بشكل كامل وحده!»[13].
قرية جعفر آباد ورمز آباد:
خرج البرقعي من قرية جواد آباد قاصدًا قرية جعفر آباد، فلما وصل إلى منزل رئيس القرية، أخبره بأن القرية لا يوجد فيها مجلس ديني في رمضان؛ لأن مسجدها خرب وقد تهدم سقفه، فاضطر البرقعي إلى تركها والانتقال إلى قرية رمز آباد؛ حيث وجد فيها شيخ القرية يتعاطى بعض المواد المخدرة، وسأل أحد وجهائها عن مؤذن المسجد، فأرسل إليه رجلًا يدعى مشهدي شعبان لكي يؤذن بالمسجد.
وصف البرقعي المسجد فقال: لا يوجد فيه إلا بساط صغير من حصير ممزق، وأبوابه متهالكة، ثم بحث عن سكن فعثر على غرفة يعيش فيها رجل مع عائلته، وقَبِل أن يؤجر البرقعي نصفها، فيضع بينهما ستارًا، على أن يأكلوا سويًّا، ويعطيه عن كل ليلة ثلاث قرانات.
كان المسجد خاليًا من المصلين، عدا خمسة أو ستة أشخاص، كان يدعوهم ويعظهم ويُذكّرهم بالله، وتارةً يخرج إلى الطرق أو حمام القرية أو عند دكانها، فيعظ الناس، ويجيب عن أسئلتهم، ثم استمر الحال على ذلك حتى ليلة الحادي والعشرين من رمضان؛ حيث جرت أحداث فتغير الحال؛ إذ في الليلة التي تليها وضعوا البسط في المسجد، وجلبوا مدفأة وجاء أناس كثيرون.
ثم في الليلة التي تليها، اجتمع أهل القرية مع رئيس البلدة في المسجد، وعرضوا على البرقعي المال، ولكنه رفض، وعلّل سب رفضه، بأنه فعل ذلك حتى يفهم الناس أن تعليم الدين لا علاقة له بدفع المال، ويقول: إنه وجد أثر ذلك ولمس ثمرته، فقد أدى عدم اكتراثه بالمال، ورفضه أخذ الأجرة على الدعوة، إلى تأثر الناس به وبكلامه وقبولهم له، ثم يمضي شهر رمضان، ويصلي بالناس صلاة العيد، ويغادرهم وقد تأثّر الناس لذهابه[14].
علق البرقعي على تجاربه في رحلاته الوعظية هذه؛ فقال: «في هذه المرة رجعت من سفري بخفي حنين، وقد كانت أغلب أسفاري في شهر المحرم ورمضان على هذه الحال، أرجع منها إما صفر اليدين دون أن آخذ شيئًا، أو بمال يسير جدًّا؛ لأني لم أكن طالب دنيا، ولا أخادع الناس للحصول على شيء من أموالهم»[15].
[1] سوانح الأيام، البرقعي، (ص299).
[2] مقدمة كتاب كسر الصنم، البرقعي، (ص15)، كتبه مراجع الكتاب: الباحث عمر بن محمود أبو عمر.
[3] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (21-24).
[4] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (23-24).
[5] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (309-317).
[6] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (129-139)، البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري، (20-21).
[7] مقدمة كتاب كسر الصنم، البرقعي، (ص24)، هامش رقم (2).
[8] للاستزادة راجع: كسر الصنم، البرقعي، وأعلام التصحيح والاعتدال، خالد البديوي، البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري.
[9] سوانح الأيام، البرقعي، (ص26).
[10] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (26-27).
[11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص27).
[12] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (27-28).
[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص28).
[14] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (33-36).
[15] سوانح الأيام، البرقعي، (ص36).