القرآن العزيز أحد أهم الأسباب التي ثبتت بها أمة الإسلام أمام العواصف العاتية، والفتن المهلكة، وهذا مصداق لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:
لم يربط بين السماء والأرض حدث مستمر أعظم من نزول القرآن الكريم خلال ثلاثة وعشرين عامًا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فهو الكتاب العزيز المحفوظ في اللوح، وهو الكتاب المقدّس الذي جاء به من عند الله -سبحانه وتعالى- جبريل -عليه السلام-، ونزل به على الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-، في شهر رمضان المبارك.
لذلك ارتبط القرآن الكريم مع شهر رمضان المبارك ارتباطًا وثيقًا؛ فيُكثر الناس من تلاوته فرادى، أو في صلوات التراويح، أو في الدروس المنزلية والمسجدية، أو عبر القنوات المختلفة، ويُقبل عليه العُبَّاد في ختمات، وتدبُّر، وتداول لحكمه وآياته وترتيلاته، ولأجل هذه العلاقة المتينة يؤوب الناس لرب العالمين مهما جنحوا عن الطريق القويم أو الصراط المستقيم.
فأصبح القرآن العزيز أحد أهم الأسباب التي ثبتت بها أمة الإسلام أمام العواصف العاتية، والفتن المهلكة، وهذا مصداق لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي أخبرنا فيه بأنه ترك فينا ما إن تمسكنا به فلن نضل أبدًا، وكان القرآن الكريم في جميع الروايات هو الضامن الأول للهدى والسلامة من الضلالة، ومن التيه في الشعاب والصحاري، وصدق الله ربنا: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
ولأن هذا هو حال كتاب ربنا المحفوظ من التحريف، المضمون خلوده، المُيَسَّر بيانه، اليسير فَهْمه، والمتاح الوصول له عبر أكثر من سبيل مباشر وورقي وإلكتروني، فما أجدر الأمة بالتعاون على البر والتقوى بحثّ النفس والناس كافة على العودة الصادقة اللصيقة لكتاب المولى، سواء في رمضان أو في غيره، على أن يتابع المرء نفسه ومن حولها في هذه المسألة بين آونة وأخرى.
وحين يرجع الناس لكتاب ربهم، ويتعاهدونه تلاوةً وحفظًا؛ فسوف يكون منطلقهم في التصور قرآنيًّا متّبعًا للكتاب والسنة، وستغدو أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم متوافقة مع هذا المصدر الأساس، والكتاب النبراس، على قدر الوسع والاستطاعة، ومن زلّ أدرك الخلل، وعرف المسار الآمِن للنجاة بالاعتصام بالله ثمَّ بكتابه العظيم.
وحين يعود الناس لكتاب ربهم وخالقهم، يستقر في أذهانهم وقلوبهم، أن هذا الكتاب المُحكم هو المرجعية الحاكمة لهم وعليهم وبَيْنهم، وهو الأصل الذي لا يحيد عنه مسلم، ولا ينصرف عن هداه إلّا المغبون الهالك، وسوف تكون هذه الصلة القرآنية العميقة السبب الأكبر للنهوض من العثار، واليقظة من الرقاد، والعودة إلى الرشد والقيادة؛ وكيف لا يكون ذلك كذلك، وهي صلة بأعظم حدث نزل من السماء إلى الأرض مُنجَّمًا!