• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ملامح "الصدمة الإسرائيلية" بعد "طوفان الأقصى" في ملحق إستراتيجي لـ «السياسة الدولية»

وجاءت ورقة الدكتور محمد بدري عيد، عميد كلية العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية بجامعة أهومي البريطانية، لترصد معالم وملامح صدمة «7 أكتوبر»، من المنظور الأمني-الاستخباراتي الإسرائيلي، والعوامل المفسِّرة لحدوث الهجوم على النحو الذي وقع به


رصدت مجلة «السياسة الدولية»، المصرية، ملامح «الصدمة الإسرائيلية» بعد «طوفان الأقصى»، في مختلف الجوانب والاتجاهات؛ والتي أبرزها، بحسب «ملحق خاص» أصدرته المجلة مع عددها الجديد (يناير 2024م)، الانكشاف الإسرائيلي، والإخفاق الاستخباراتي، والتداعيات السياسية، والانعكاسات الاقتصادية، وصدمة المجتمع، إضافةً إلى إخفاقات الرواية الإسرائيلية في ترويج سردياتها المغلوطة.

انكشاف إسرائيلي

في تقديم «الملحق» بيَّن عمرو عبد العاطي، مساعد رئيس تحرير «السياسة الدولية»، أن الأوصاف الإسرائيلية لعملية «طوفان الأقصى»، التي شنَّتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023م، ضد مستوطنات غلاف غزة، قد تعدَّدت بين «السبت الأسود»، و«الصدمة»، و«الكابوس الإسرائيلي»، و«تاريخ عار على إسرائيل»، و«الكارثة المروعة».. بما دحض السرديات الإسرائيلية عن التفوق العسكري والأمني والاستخباراتي لتل أبيب؛ وبما دفع محللين إسرائيليين للقول بأن إسرائيل فُوجئت بإستراتيجية بحجم حرب 1973م، لكنها أكثر «إذلالاً»؛ حيث نجحت حركة مقاومة لا تملك سلاحًا ولا مدرعات ولا بنية تحتية، ومُحاصَرة ومعزولة من العالم، في اقتحام مواقع إسرائيلية محصَّنة أمنيًّا.

وأوضح «تقديم الملحق» أن عملية الطوفان كشفت عن إخفاقات إسرائيلية متعددة على مختلف الصّعد، وانهيار العقيدة الأمنية طويلة الأمد لإسرائيل، والتي تم صوغها في منتصف القرن الماضي تحت قيادة أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن جوريون، وتم تحديثها لتشمل أربع ركائز رئيسة؛ هي: الردع، الإنذار المبكر، الدفاع، النصر الحاسم.

ولفت «التقديم» إلى أن نجاح حركة ليس لديها قدرات عسكرية تمتلكها دول، سوف يدفع القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم إلى أن تدرس من كثب نجاح «حماس» في التفوق على القدرات التكنولوجية الأمنية الإسرائيلية؛ خاصةً بعدما كشف «الطوفان» عن أن الفاعلين المسلحين ما دون الدولة القومية أضحوا فواعل «هجينًا»؛ فهي ليست تنظيمات مسلحة قديمة الطراز، ولا جيشًا تقليديًّا؛ لكنها قوة مسلحة ذات قدرات عالية تمزج عناصرَ من كليهما.

إخفاق استخباراتي

وجاءت ورقة الدكتور محمد بدري عيد، عميد كلية العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية بجامعة أهومي البريطانية، لترصد معالم وملامح صدمة «7 أكتوبر»، من المنظور الأمني-الاستخباراتي الإسرائيلي، والعوامل المفسِّرة لحدوث الهجوم على النحو الذي وقع به؛ حيث بيَّنت الورقة أن هذا الهجوم المباغت وغير المسبوق، مثَّل صدمةً جماعيةً داخل إسرائيل على جميع المستويات الرسمية والشعبية، واعتبروه بمنزلة تهديد جماعي ووجودي.

ورأى قطاع عريض، من المحللين والخبراء الإستراتيجيين الإسرائيليين، بحسب الورقة، أن ما حدث في 7 أكتوبر لم يكن مفاجأة باهظة الثمن ناجمة عن الفشل العملياتي والاستخباراتي فحسب، ولكن أيضًا صدمة للوعي القومي الإسرائيلي ستمتد آثارها العميقة في المجتمع بجميع مكوناته خلال سنوات قادمة.

وتضيف الورقة: للمرة الأول منذ 50 عامًا، تعلن إسرائيل «حالة الحرب» رسميًّا، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لتل أبيب، على المستويين القانوني والعملياتي، فضلاً عن مستوى الوعي الجمعي العام. كما أن الفشل الاستخباراتي في توقُّع هجوم بحجم ونوع «طوفان الأقصى»، يُعد أمرًا مثيرًا للدهشة والحيرة والاستغراب؛ وذلك بالنظر إلى الطبيعة العسكرية لهذا الهجوم، وضخامته، وتعدُّد المحاور التي شملها برًّا وبحرًا وجوًّا؛ مما يعني أن هناك جزءًا مهمًّا من ذلك الهجوم تم التدريب عليه سابقًا ولعدة مرات، في ساحات مفتوحة لا يمكن التكتم عليها مطلقًا، بعيدًا عن أعين ومراقبة الاستخبارات الإسرائيلية، وتحديدًا ما يخص التدريب على الإسقاط بالمظلات، الذي تم بسرعة واحترافية كبيرة خلف خط الدفاع العملياتي في مستوطنات غزة.

وفيما يتصل بتداعيات الصدمة الاستخباراتية، رصدت الورقة:

1) تراجع الثقة الشعبية على نحو غير مسبوق بالجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن ومؤسسات الاستخبارات.

2) فقدان الشعور بالاستقرار المبني على الأمن بين الإسرائيليين، وهو الأمر الذي عكسه ارتفاع معدلات «الهجرة العكسية» -التي تعد لديهم «خطرًا وجوديًّا»- من إسرائيل إلى الخارج، خلال الفترة من 8 أكتوبر وحتى منتصف نوفمبر، بأكثر من 230 ألف شخص.

3) تآكل مفاهيم مركزية في العقيدة العسكرية الإسرائيلية؛ والتي مُنِيَت بفشل ذريع إن لم يكن بالانهيار التام.

4) ترتَّب على اهتزاز الردع تزايد المخاوف من شنّ خصوم إسرائيل في المنطقة -خاصةً حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن-، هجمات ضدّها، وهو ما حدث بالفعل.. وبالتالي، فأحد الأهداف غير المعلنة لعملية «السيوف الحديدية»، التي ردت بها إسرائيل على «طوفان الأقصى»، هو ردع هؤلاء الخصوم وغيرهم.

تداعيات سياسية

وجاءت الورقة الثانية، لمهاب عادل، باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، لتُحلِّل تأثيرات الحرب على مستقبل النظام السياسي الإسرائيلي؛ حيث بيَّنت الورقة أن عملية «طوفان الأقصى» شكَّلت صدمةً له، خاصةً أنها جاءت متزامنة مع أزمة الإصلاحات القضائية التي نتجت عنها حركة احتجاجية واسعة في الشارع الإسرائيلي، وامتدت إلى بعض المؤسسات الحكومية، على غرار أزمة احتجاجات جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، في محاولة لتشكيل جبهة معارضة لسياسات الائتلاف المتطرفة المتعلقة بخطة الإصلاح القضائي؛ الأمر الذي دفَع نتنياهو عقب العملية العسكرية الفلسطينية، في 5 نوفمبر 2023م، إلى عدِّ احتجاجات جنود الاحتياط عاملاً في قرار حركة حماس بتنفيذها؛ في محاولةٍ منه للتنصل من مسؤولياته تجاه الأحداث.

ولفتت الورقة إلى أن معطيات الواقع السياسي الإسرائيلي الحالي عقب تصعيد 7 أكتوبر، تعكس حالة الانقسام والاستقطاب المتصاعدة بين مؤسسات الحكم، مما يؤثر في استقرار الائتلاف الحكومي وتهدد بانهياره، خاصةً وأن خطط الإصلاح القضائي ما تزال قائمة؛ إضافة إلى التوترات الهيكلية المرتبطة بالعمليات الديمغرافية والاجتماعية والسياسية طويلة المدى؛ ومنها على سبيل المثال: زيادة عدد الأقليات ذات الدوافع الأيديولوجية -اليهود والمستوطنين المتشددين-، فضلاً عن تعزيز مشاركتها السياسية والمؤسساتية.

الانعكاسات الاقتصادية

وفي الورقة الثالثة، للدكتور محمد شادي، رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بمركز الحبتور للأبحاث، تم رصد الانعكاسات الاقتصادية للحرب على بنية الاقتصاد الإسرائيلي؛ والتي تنقسم إلى انعكاسات تظهر في المديين القصير والطويل، وتأثيرات هيكلية تؤثر في بنيته كلها في كلا المديين.

ففي المدى القصير، تمثلت أهم الانعكاسات في:

1- انخفاض سعر صرف الشيكل، وتراجع الاحتياط النقدي.

2- انخفاض أعداد السائحين، ومغادرة العمالة الأجنبية الرخيصة.

3- ارتفاع معدلات البطالة.

وأما انعكاسات المدى الطويل، فتمثلت في:

1- ارتفاع الإنفاق الدفاعي.

2- ارتفاع عجز الموازنة العامة.

بينما تمثلت الانعكاسات الهيكلية في:

أ) ارتفاع تكلفة العمالة.

ب) خروج الشركات الأجنبية من الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بفعل عاملين:

- مقاطعة منتجات المستوطنات غير الشرعية.

- مقاطعة منتجات الشركات المملوكة لإسرائيليين أو تعلن دعمها لإسرائيل.

صدمة المجتمع

وجاءت الورقة الرابعة، لهالة الحفناوي، باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، لتُقدِّم معالجةً عن تداعيات هجوم 7 أكتوبر على المجتمع الإسرائيلي؛ حيث انطلق تحليل الورقة من افتراض أساسي، هو أن المجتمع الإسرائيلي زاد تطرُّفه بعد هذه الأحداث، وزاد رفضه لأيّ سلام مع الفلسطينيين.

وفيما يتصل بسمات المجتمع الإسرائيلي، بيَّنت الورقة أن له عدة سمات هي:

1) عسكرة المجتمع.

2) رفض توجُّهات السلام.

3) التوجُّس من عرب إسرائيل.

4) تطرُّف المجتمع دينيًّا.

وأما عن الصدمة التي أحدثها «طوفان الأقصى» على المجتمع الإسرائيلي، فهي، بحسب الورقة:

1- سقوط الثوابت الأمنية.

2- تصاعد تطرُّف المجتمع.

3- احتقان داخلي متزايد.

4- الفرار للخارج.

5- موجة نزوح ضخمة.

6- معضلة عودة سكان المستوطنات الشمالية والجنوبية.

وختمت الورقة بالإشارة إلى أن الجيوش النظامية تُواجه صعوبات جمَّة في حسم حروب المدن، كما تدل على ذلك الخبرة الأمريكية في العراق؛ ولذلك، فإن قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمُّل خسائر بشرية لتحقيق أهداف مشكوك فيها، قد تُجبر هذا المجتمع المغالي في تطرُّفه، على قبول أهداف أكثر تواضعًا من تلك التي أعلنتها حكومته مع بداية عمليتها العسكرية في غزة عقب «طوفان الأقصى».

إخفاقات الرواية

الورقة الأخيرة، من ملحق «السياسة الدولية»، جاءت للدكتورة رنا أبو عمرة، دكتوراه في العلوم السياسية، لتتناول الرواية الإسرائيلية بعد أحداث السابع من أكتوبر، وما واجهها من تحديات في الغرب، وإخفاقات في الترويج للسياسات العسكرية في غزة.. لافتةً إلى أن عملية «طوفان الأقصى» استطاعت أن تكسر احتكار وتفرُّد إسرائيل برواية غزة في الغرب.

وأشارت الورقة إلى أن إسرائيل بدأت حملتها العسكرية على غزة بمزاعم حول قطع مقاتلي حركة حماس لرؤوس 40 طفلاً رضيعًا أثناء أحداث السابع؛ وهو ما روَّجت له العديد من الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية، والتي وصلت إلى تبنّي الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه المزاعم.. ثم أعقب ذلك بعدة ساعات فقط، تراجُع البيت الأبيض عن هذا التصريح. كما أكّد عدد من الصحفيين، الذين شاركوا في الجولة الإعلامية في المستوطنة، عبر تغريداتهم، أن الضباط الإسرائيليين أنفسهم لم يذكروا شيئًا عن هذه الواقعة.. إلى غير ذلك من مزاعم أخرى ثبت كذبها.

وأكدت الورقة أن صمود الشعب الفلسطيني أمام الاجتياح الإسرائيلي المفتوح والمجازر المتواصلة، وصمود المقاومة والتسجيلات المصورة التي بثَّتها؛ قد وقفا حائط صدّ قويّ أمام تحقيق الهدف من السرديات الإسرائيلية، وسمحا بهامش للرواية المقابلة المدعومة بمواقف حقيقية على الأرض، وليس مجرد خطاب ادعائي، حتى في ظل اختلال ميزان القوة بين الطرفين وفداحة الخسائر البشرية والمادية، وهذا تحديدًا ما أعطى زخمًا للسردية المقابلة وقدرتها على تحدّي المغالطات.

وخلصت الورقة إلى أن دحض الرواية الإسرائيلية والسرديات المغلوطة هو جزء من المعركة، وليس منفصلاً عنها؛ بل إن الصمودَ والتضييق الدبلوماسي والإعلامي في مواجهة السردية الإسرائيلية، ووَضْعَها في مواجهة مباشرة مع ما تدعيه؛ من شأنه ترتيب تداعيات قانونية وسياسية وإعلامية، تنتظر مَن يلتقطها ويجمع أطرافها لنسج الرواية المقابلة بدقة وحرفيةٍ، بوَصْفِها السلاحَ الأبقى والأرسخ في معركة لن تنتهي بانتهاء العمليات العسكرية.

إذن، هذا أبرز ما جاء في ورقات هذا «الملحق» المتميز عن «طوفان الأقصى» وما أحدثه من «الصدمة الإسرائيلية». ومع أن «الملحق» قد صدر والمعركة ما تزال مستمرة، ونتائجها النهائية لم تتبلور بعدُ، كما أشارت مقدّمة الملحق؛ إلا أنه استطاع أن يُلقي أضواءً مهمة على تداعيات وتحولات إستراتيجية آخِذة في التشكُّل، ترتَّبتْ على هذا الحدث المهم الذي سيكون فارقًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال الغاشم.

 

أعلى