تمر بالأمة ظروف وأحوال وأهوال تتطلب المبادرة من كل فرد –بحسبه-، والمسارعة والمسابقة والمزاحمة، فقد لا يكفي جهد أصحاب الفضل بل ولا التخصص، فهذا نبي الله موسى -عليه السلام- ثالث أولي العزم الخمسة في الرتبة، ومع ذلك طلب من الله رِدْءًا يُصدِّقه ونبيًّا يساند
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. وبعدُ:
قال التابعي الجليل أبو الأسود الدؤلي -رحمه الله- حاثًّا ابنه على السعي والتكسب، وعدم الاتكاء على المقادير وترك الأسباب:
وما طلبُ المعيشةِ بالتمني … ولكنْ ألقِ دلوَكَ في الدلاءِ
تجئكَ بملئها يومًا ويومًا … تجئكَ بحمأةٍ وقليلِ ماءِ
ولا تقعدْ على كسلٍ تمنَّى … تحيلُ على المقادرِ والقضاءِ
فإِن مقادرَ الرحمنِ تجري … بأرزاقِ الرجالِ من السماءِ
مُقدَّرةٌ بقبضٍ أو ببسطٍ … وعَجْزُ المرءِ أسبابُ البلاءِ
«وعَجزُ المرء أسباب البلاء»! فإذا كان هذا في أمور الدنيا، فكيف به في أمور الآخرة؟!
تمر بالأمة ظروف وأحوال وأهوال تتطلب المبادرة من كل فرد –بحسبه-، والمسارعة والمسابقة والمزاحمة، فقد لا يكفي جهد أصحاب الفضل بل ولا التخصص، فهذا نبي الله موسى -عليه السلام- ثالث أولي العزم الخمسة في الرتبة، ومع ذلك طلب من الله رِدْءًا يُصدِّقه ونبيًّا يسانده؛ فأجابه الله إلى طلبه؛ {وَأَخِي هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34]، {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي 29 هَرُونَ أَخِي 30 اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [طه: 29 - 31].
فبعض الحالات المستعصية تحتاج إلى مزيد من التعزيز والمساندة، كما في حالة فرعون هذه، وكما في حالة هذه القرية البائسة: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَاءَهَا الْـمُرْسَلُونَ 13 إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} [يس: 13، 14].
وفي هذه الحالة نفسها لم يكتفِ رجل مُوفَّق بجهود نَبيَّيْن عزَّز الله موقفهما بثالث، بل جاء من أقصى المدينة يسعى لما صُدم بإجماع قومه على تكذيب الرسل الثلاثة: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْـمُرْسَلِينَ 20 اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} [يس: 20، 21]... الآيات.
وأُمّتنا اليوم بحاجة ماسَّة لمن يدعم، ويدافع، وينشر، وينصر، ويعين، ويساعد؛ فانهض وانفض عنك غبار الوهن، وسابِق في الميدان، وسارِع لرضى الرحمن، ألا ترى العقلاء حولك مِن المَعين ينهلون، ومِن الخيرات يَعُبّون، ولكل كسب يسارعون! فاهتبل كل فرصة، وانطلق في كل عرصة، فالكسب لك وحدك، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِـحًا فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44].
وكن –وُسعك- معزِّزًا لكل موقف خير، مُخذِّلًا عن كل موقف سوء؛ ولا تستنكف أو تتقهقر عن ميدان شرف، بسبب كثرة المتسابقين فيه، والمزدحمين عليه؛ فإن الله –بكرمه ورحمته- يرضى منك بالسعي مع صدق النية، حتى لو لم يخرج دلوك إلا بغرفة طين! أو انقطع شَطَنُك، فسقط في البئر دلوك.
فكلما غطش الليل واحلولك ظلامه، اشتدت الحاجة، وعظم الأجر، وتضاعف الثواب.