الغلوَّ بين طرفين
تحوَّل الغلو في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية من كونه انحرافاً فردياً محدوداً، إلى تشكُّله على هيئة ظاهرةٍ فكريةٍ تحصد عدداً من الجهلة والسذَّج وأهل الأهواء. والغلو خَلَلٌ في التفكير والمنهج، وهو علامة من علامات الاضطراب والقلق وعدم الاستقرار، ويدفع المرءَ إلى أحد طرفي الانحراف: الإفراط أوالتفريط. إننا إزاء ظاهرتين جديرتين بالدراسة والاهتمام: الظاهرة الأولى: الغلوُّ الذي يدفع المجتمع إلى الاحتراب الداخلي، ويفسد أَمْنَه وطمأنينته، ويغرقه في العنف، ويستهين بأمر الدماء، ويستسهل لغة التكفير، دون رادعٍ من دينٍ أو عقلٍ أو علمٍ. لقد أصبح هذا النوع من الغلو مطيَّة لإشعال الفتن؛ فأضاع أصحـابُه اتجـاه البوصلـة وسـقطوا في دوَّامـة مُفْـرَغة تهـدم ولا تبني، وتُفْسِد ولا تُصلِح. الظاهرة الثانية: غلوُّ أهل الأهواء الذين يتطاولون على نصوص الشريعة، ويقدحون في ثوابت الأمة، وفي رموزها العلمية ومؤسساتها الشرعية. لقد ولغ هؤلاء في مستنقع التبعية، وراحوا يروِّجون لفكر الغرب وثقافته باسم التحضر والتسامح والانفتاح. إنَّ كلا الظاهرتين تدفع باتجاه الأخرى... والحل الذي يقي المجتمع من جميع ألوان الغلو والبعد عن جادة الصراط المستقيم: هو إبراز المنهج الوسطي المعتدل؛ فهو العاصم بإذن الله - تعالى - من طرفي الانحراف والضلال. ومعيار الوسطية: الالتزام بهدايات القرآن والسُّنة، والاهتداء بهدي سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين، وتابعيهم بإحسان من الأئمة والعلماء. وتربية الشباب والفتيات على الوسطية، وتحصينهم من تيارات الغلو، من الأولويات التي ينبغي أن تأتلف عليها جميع الجهود؛ فسلامة المجتمع ونهضته، من استقامة الفكر وسلامة المنهج. قال الله - تعالى -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].