إنَّ مقاصد الشريعة ليست معاني خارجة عن النصوص الشرعية حتى يُطلَب إدراكها من جهة أخرى؛ فالمقاصد الشرعية مبنيَّة على النصوص، ومُستخلَصة منها، وذلك ثابت بالاستقراء والتتبُّع.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه
وصحبِه أجمعين. وبعدُ:
مِن العجائب أن تجد مَن يزعم أن تحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم هو افتراء على
مقاصد شريعة الإسلام، ويزعم أن مِن البِرّ الذي دعانا إليه الإسلام؛ تهنئةَ غير
المسلمين بأعيادهم.
وهذه مُغالَطة بيّنة، ومسلك يُراد مِن خلاله تجاوُز أحكام الشريعة الظاهرة، يستتر
أصحابه خلف دعوى الالتزام بمقاصد الشريعة.
ولو دقَّقت النظر لتبيّن لك جهل أولئك أو تجاهُلهم لمقاصد الشريعة الحقيقية،
ولتبيَّن لك أن الاستتار خلف مقاصد الشريعة لم يلتزموا فيه المنهج الصحيح للاستدلال
بمقاصد الشريعة؛ فضلاً عن تغييبهم لمقاصد كبرى ظاهرة للمخالف، فضلًا عمَّن ينتسب
للعِلْم الشرعي، فكم رُدَّت تحت ستار هذه الحُجَّة من أحكام! وكم غُيّبت من مقاصد
ظاهرة للشارع! مثل بعض الأحكام الخاصة بالمرأة، أو بعض أحكام الجهاد في سبيل الله،
وغيرها.
ومن ذلك أيضًا: أن جنس مخالفة الكفار أمرٌ مقصود للشارع، وأن ذلك يقتضي النهي عن
موافقتهم فيما يختصون به[1].
وقد أنكر بعض العلمانيين على مَن يزعم أن الشريعة جاءت بالمساواة بين المسلم وغير
المسلم في الدنيا؛ لأن الآيات والأحاديث تتحدَّث بوضوح عن تفاوت الدرجات.
والمغالطة الأخرى: ضَرْب المقاصد الشرعية بعضها ببعض، وكل مَن ينظر للنصوص الشرعية
نظرًا كليًّا لا تتعارض عنده مقاصد الشريعة؛ فمقصد مخالفة الكفار فيما هو من
خصائصهم لا يُنافي مقصد البر والإحسان لغير المحارب.
إنَّ مقاصد الشريعة ليست معاني خارجة عن النصوص الشرعية حتى يُطلَب إدراكها من جهة
أخرى؛ فالمقاصد الشرعية مبنيَّة على النصوص، ومُستخلَصة منها، وذلك ثابت بالاستقراء
والتتبُّع.
«وأحق الناس بالحق مَن علَّق الأحكام بالمعاني التي علَّقها بها الشارع»[2].
[1] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/171- 180.
[2] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 22/331.