وبمقارنة إحصائية بسيطة؛ فقد حقَّقت معركة طوفان الأقصى أكبر عدد قتلى في إسرائيل في يوم واحد على الإطلاق منذ ولادة هذا الكيان اللقيط وبداية مواجهته وصراعه مع الدول العربية.
لم تكن معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي مُجرّد معركة عسكرية عادية في تاريخ المُواجَهات العربية مع إسرائيل؛ فقد فَقَدت دولة الكيان الصهيوني حسب آخر إحصاءاتهم المعلنة ما يقارب 1200 قتيل، ناهيك عن المصابين والأسرى، وذلك في يوم واحد، فإذا ما قُورِنت بالحروب التي خاضَتها إسرائيل انكشفت الحقيقة؛ فعدد قتلى إسرائيل خلال حروبها مع الدول العربية كان الأكبر بين عامي 1947 و1948م؛ حيث بلغ عدد القتلى نحو 6500 قتيل.
كما قُتل خلال حرب الاستنزاف في سيناء بين عامي 1967 و1973م، نحو 1000 جندي إسرائيلي. أما في حرب عام 1967م؛ فقد بلغ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي 750 جنديًّا فقط، وبلغ عدد قتلى إسرائيل خلال حرب لبنان الأولى عام 1982م نحو 650 جنديًّا، ورغم تبايُن الأرقام حول القتلى الإسرائيليين خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973م، التي تذهب بعض التقديرات العربية غير الرسمية إلى أن العدد ما بين 8 و10 آلاف جندي إسرائيلي؛ إلا أن التقديرات الإسرائيلية الرسمية تقول: إن عدد قتلاها بلغ 2500 جندي.
وبمقارنة إحصائية بسيطة؛ فقد حقَّقت معركة طوفان الأقصى أكبر عدد قتلى في إسرائيل في يوم واحد على الإطلاق منذ ولادة هذا الكيان اللقيط وبداية مواجهته وصراعه مع الدول العربية.
علمًا بأن حرب 1967م لم تستغرق سوى ستة أيام، وحرب أكتوبر 1973م لم تتجاوز 21 يومًا.
لقد كانت تلك المعركة كاشفة بدرجة كبيرة عن ضعف هذا العدو عسكريًّا، وأثارت تساؤلات كبيرة عن مدى النجاحات التي حقَّقها في الماضي، والأمر بات في حاجة إلى النبش في تاريخ تلك المعارك؛ لمعرفة حقيقة تلك الأحداث التي مازلنا نعيش آثارها إلى اليوم.
أسقطت تلك المعركة أوراق التوت البائسة التي غطَّى بها الغرب سوءاته خلال العقود الماضية، مُروِّجًا لأكاذيبه عن حرية التعبير والعدالة والإنسانية ونَبْذ العنصرية، وما إلى ذلك من شعارات جوفاء تسقط سريعًا عند وجود اختبار حقيقي، فسريعًا جرى تهديد كل الناشطين والمشاهير بالعقوبات الرادعة؛ إن أظهروا أيّ نوع من التعاطف مع الشعب الفلسطيني المكلوم في غزة، مجرد شطر كلمة في أيّ وسيلة تواصل تكفي للفصل من العمل، أو التشهير أو التعرُّض للعقوبات والغرامات.
بل حتى وسائل الإعلام الغربية التي كانت تتفاخر بالحرية والمصداقية، صارت هي الأخرى مجرد مواخير للكذب المفضوح، فقد أوردت صحيفة «التلغراف» تقريرًا لها عما يحدث في الإذاعة البريطانية الشهيرة «بي بي سي» عَنْونته بـ«موظفو بي بي سي يبكون بالمراحيض بسبب التساهل مع إسرائيل»، وبيَّنت صحيفة «التلغراف» البريطانية أن كبار الشخصيات التحريرية قاموا بإرسال رسالة بريد إلكتروني إلى تيم ديفي، المدير العام؛ يُوضِّحون المخاوف من أن هيئة الإذاعة البريطانية «تُعامِل حياة الإسرائيليين على أنّها أفضل من حياة الفلسطينيين».
بالطبع هذا على سبيل ضرب الأمثلة، وإلا فكل وسائل الإعلام الغربية تقريبًا انحازت للرواية الإعلامية الإسرائيلية، بما فيها من الكذب واختلاق القصص الإخبارية التي لا أساس لها من الصحة. سقطت في ذلك (سي إن إن) و(بي بي سي)، وغيرهما، وصحف أمريكيّة مثل: واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وغيرها. لقد كشفت معركة الطوفان شعارات الغرب الجوفاء وحضارته الزائفة.
كثيرة هي مشاهد الثبات وصلابة العقيدة، وعبارات الحمد والتوكل والرضا، ومواقف البطولة التي سجَّلها الشعب الفلسطيني، رجال ونساء، أطفال وشيوخ، جميعهم كلما عظُم مُصابهم تقطّرت من أفواههم عبارات كأنها مصابيح تشقّ الظلام داخل القلوب.
لقد شكَّل صمود الشعب الفلسطيني صدمةً حتى لغير المؤمنين أيقظت نفوسهم، وسحبتها سحبًا إلى الإسلام. فضلاً عمَّا أحدثته في نفوس المسلمين من هزَّة إيمانية، وما أثارته من وَعْي في عقول جيل كامل من الشباب.
لم تكن تلك المرأة التي فقدت منزلها وأولادها عضوة في حماس أو الجهاد، أو أي من فصائل المقاومة في غزة، وهي تتلقَّى مشاعر الفَقْد بمزيج من الثبات والرضا عن الله، والفرح بالشهادة، والتحدي للعدو.
ولم يكن هذا الطفل -الذي وقف فوق ركام بيته؛ يُحذّر اليهود من غدهم بشبابه، ويتوعدهم بالنصر- ربيبًا لإحدى تلك الفصائل، لقد كانوا جميعهم من أفراد الشعب الفلسطيني العادي، وهو ما يعني أن محاضن التربية الإيمانية أثمرت في نفوس الشعب الفلسطيني بالكامل.
هذا الشعب الذي يتعرَّض لنفس القَدْر من عمليات التغريب، ومنفتح على الأساليب وأدوات التواصل الاجتماعي الحديثة عينها التي يتعرّض لها شبابنا، لكنّ بذور الدعوة والتربية والإعداد الإيماني الحثيث أينعت هذا المجتمع الصلب المقاوم.
لقد كشفت معركة الطوفان مدى عجز الكثير من الدعاة والجمعيات والمناشط الدعوية عن التأثير المطلوب في المجتمع، حتى جرفت معاول الانحراف الكثير من الشباب، وغيَّبتهم عن دينهم، فصارت مظاهر التغريب، بل والإلحاد أحيانًا، تحرق الكثير من أجيالنا الصاعدة.
وبات الحديث عن عظم التآمر، وقوة العدو ووسائله، أو التضييق الذي يلقاه الدعاة هنا أو هناك، هو شمّاعتنا التي علّقنا عليها عجزنا، وقد أرسلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- منذ قرون؛ «اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر وعَجْز الثقة».
لقد كشف طوفان الأقصى عَجْزنا حتى النخاع.
كثيرة هي كواشف الطوفان، وأول الطريق أن تستكشفه وتتبيّن معالمه وآثاره.. لقد طرحت علينا أسئلة كثيرة قد نعرف إجابة بعضها الآن، وقد تتأخر بعض الإجابات بعض الوقت، لكنّها حتمًا أشعرتنا -بعد أن غاب عنا منذ زمن طويل- أننا قادرون.