و«عبء الرجل الأبيض» هي قصيدة نظمها الشاعر «روديارد كيبلينغ»، وهو كاتب وأديب بريطاني وُلِدَ في الهند عام 1865م، والهند كانت مستعمرة بريطانية، ولم تحصل على استقلالها إلا عام 1947م
تحطَّمت طائرة زعيم مجموعة فاغنر
«يفغيني
بريغوجين»،
فمات هو وتسعة من مرافقيه.. حادثة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية؛ فالرجل كان
مثيرًا للجدل بشكل كبير، ما ألقى بظلال قاتمة حول تحطُّم طائرته، هل قُتِلَ الرجل؟
أم كانت حادثة عرضية؟ على كل حالٍ؛ فقد نفَى النظام الروسي أيّ علاقة له بالحادث،
وأعلن أنه فتَح تحقيقًا لمعرفة الحقيقة.
وفي هذا قام
«فلاديمير
سولوفيوف»،
مقدّم البرامج التليفزيونية الروسي الشهير، بنَفْي أن يكون للكرملين أيّ علاقة
بانفجار الطائرة الذي أوْدَى بحياة يفغيني بريغوجين، قائلاً:
«نحن
لسنا عصابة. نحن لسنا المافيا. نحن لا نسعى للانتقام كما فعلوا في كتاب
«ماريو
بوزو».
نحن أمة، دولة لها قوانين. والحقيقة أنه لا دليل أبدًا على تورُّط الحكومة الروسية
في مقتل الرجل، فهي بالتأكيد دولة عظيمة وليست
«مافيا».
المثير في الأمر أنه بعد أيام من مقتل بريغوجين تم توجيه الاتهام إلى
«ترامب»
الرئيس السابق للولايات المتحدة بموجب النسخة الحكومية من قانون المنظمات الفاسدة
والمتأثرة بالمبتزين؛ وهو قانون تم تصميمه خصيصًا لملاحقة المافيا. وهذا أمر طريف
في أرض الحرية؛ أن يُحاكَم رئيس سابق بقانونٍ خُصِّص لمحاكمة رجال المافيا. ربما
أخذ المحقِّقون بآراء جيمس كومي، أول مدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد ترامب،
الذي قال في مذكراته:
«إن
ترامب ذكَّره بزعماء المافيا الذين التقى بهم أثناء عمله في مجال إنفاذ القانون».
والحقيقة أن الرئيس ترامب حقَّق الكثير للولايات المتحدة الأمريكية، ولا يمكن أن
تثبت مثل تلك التُّهَم عليه، وسيَخْرُج منها بريئًا ليكمل
«إصلاحاته»
التي بدأها في عُهدته الأولى من رئاسة الولايات المتحدة؛ فالانتخابات الرئاسية
اقتربت، والرجل مُتقدِّم في استطلاعات الرأي بشكل كبير، وحظوظه في فترة رئاسة ثانية
وفيرة، وترامب على وجه الخصوص يحمل
«عبء
الرجل الأبيض»،
بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ لدى الشعب الأمريكي.
و«عبء
الرجل الأبيض»
هي قصيدة نظمها الشاعر
«روديارد
كيبلينغ»،
وهو كاتب وأديب بريطاني وُلِدَ في الهند عام 1865م، والهند كانت مستعمرة بريطانية،
ولم تحصل على استقلالها إلا عام 1947م.
في ظل الاحتلال البريطاني الرشيد، انخفضت مُساهَمة الهند في الاقتصاد العالمي من
24,4% -وهذه النسبة قريبة جدًّا من نسبة مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في
أيامنا هذه- إلى 4,2% وقت أن غادرت بريطانيا الهند، وسحبت جنودها من مُدنها
وقُراها، وتركتها دولة ممزقة إلى ثلاث دول، بينها صراعات وثارات دينية وطائفية،
وضحاياها الأكبر من المسلمين.
يقول الشاعر الهندي المولد البريطاني الجنسية
«روديارد
كيبلينغ»،
في قصيدته
«عبء
الرجل الأبيض»:
اخدم في درعك ذات الثقل
شعبًا يتفلّت كي يعرى!
ويهيم على قحل أو حقل
شعبًا ضجرًا هو بالأحرى
نصف الشيطان ونصف الطفل
واحمل عبء الرجل الأبيض
وخذ الجائزة الأزلية
سيلومك مَن أحسنت إليه
وسيمقت أن حرَّرت يديه
ويَحنّ ليوم عبودية!
هذه بعض أبيات القصيدة الطويلة، والتي لا يتَّسع المقام لذِكْرها كاملةً، وهي
بالمناسبة ليست مُوجَّهة للحكومة البريطانية ولا لجيشها الذي كان يحتل -في ذلك
الوقت- العديد من الدول؛ بما فيها: مصر والسودان، والعراق والصومال، والهند، وغيرها
من الشعوب التي بحسب وصف الشاعر لم تكن آدمية مطلقًا مثل الرجل الأبيض، بل كانت
«نصف
الشيطان، ونصف الطفل».
نُشِرَتْ هذه القصيدة للمرة الأولى في صحيفة
«ذا
نيويورك صن»
يوم 10 فبراير 1899م، وكانت مُوجَّهة للرئيس الأمريكي
«وليام
ماكينلي»
الذي حَكم الولايات المتحدة في الفترة من يناير 1843م، وحتى 14 سبتمبر 1901م،
لحَثّ الجنود الأمريكيين آنذاك على مُواصلة احتلالهم لجزر الفلبين، وكان الجدل
دائرًا في أروقة السياسة الأمريكية، والكونجرس يناقش الأمر.
والطريف أن أحد أعضاء الكونجرس استعان بقصيدة كيبلينغ ليُثْنِي أعضاء الكونجرس عن
التصديق على معاهدة احتلال الفلبين، والتي عُرفت وقتها بـ«معاهدة
باريس»،
ليقول لهم: إن تلك الشعوب لا تَستحق ما يُبْذَل لها من تضحيات ودماء أبنائنا، وخيرٌ
لنا أن نتركهم في تخلُّفهم ما داموا يريدون ذلك.
لكنَّ الكونجرس بالطبع أمر جنوده أن يتحلوا بصفة الشجاعة، ويقوموا بواجبهم المقدس
تجاه تحرير الشعوب غير الآدمية؛ بحسب قصيدة كيلبينج، ويحتلوا شعب الفلبين، وهم لم
يتأخروا في ذلك، وعندما ثار الفلبينيون لكرامتهم، وحملوا السلاح دفاعًا عن أرضهم
وأعراضهم، لم يَرْضَ جنود التحرير الأمريكيين بذلك، ورأوا أن تَرْكَ هؤلاء يقاومون
الجيش الأمريكي بدون تأديب، يُعدّ إخلالًا بواجبهم الذي أتوا من أجله.
فقام الجنرال الأمريكي جاكوب هيرد سميث بإصدار قرار بقتل كل فلبيني فوق العاشرة من
عمره في
«جزيرة
سمر»
الفلبينية، بعدما حدثت مذبحة بالانجيغا التي قُتِلَ فيها 50 جنديًّا أمريكيًّا،
تضمَّنت استراتيجية سميث قتل الرجال، وإنهاء تجارة المواد الغذائية، وإلحاق دمار
واسع النطاق؛ لإجبار سكان
«جزيرة
سمر»
على التوقُّف عن دعم المتمردين، وليكونوا عبرةً لغيرهم، وتمَّ له ما أراد، واكتملت
عملية التحرير، وانتهى من كلّ الرجال الفلينيين الوحشيين الذين قتلوا الأمريكان
المُحَرِّرين! يا لهم من شعب يلوم مَن أحسن إليه، ويحنّ ليوم عبودية!
أما شعوبنا العربية والإسلامية فهي بلا شك تحنّ ليوم عبودية؛ فعبوديتها أقامتها
قرونًا في صدارة البشرية هادية وعادلة، أُمَّة ابتعثها الله لتُخْرِجَ الناسَ مِن
عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وما زالت تحمل ذات الرسالة السامية، فلا نجاة
للبشرية بدونها، وبذا ولذا أخرجها الله تعالى.